كلمة توجيهية للحُجَّاج
مأتم السَّنابس – كلمة توجيهية للحُجَّاج تاريخ: يوم الجمعة (ليلة السبت) 01 ذو القعدة 1445هـ | الموافق: 10 مايو 2024 م
كلمة توجيهية للحُجَّاج
أعوذ باللَّه السَّميع العليم مِن الشَّيطانِ الغويِّ الرَّجيم
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيم
الحَمدُ للهِ ربِّ العَالمين، وأفضل الصَّلوات عَلَى سيِّدِ الأنبياءِ والمُرسلين، سيِّدنا، ونبيِّنا، وحبيبنا، وقائدنا مُحمَّدٍ، وعلى آلهِ الطَّيِّبين الطَّاهرين.
السَّلام عليكم أيُّها الأحِبَّة، أيُّها الأُخوة، أيَّتها الأخوات ورحمة الله وبركاته.
أصناف ملتقيات الحجِّ
الملتقيات التي تؤسِّس لهذه السَّفرة المباركة، وتتابع مسيرتها ونتائجها بين حملات الحج والحجاج والقائمين على الحج؛ هي ثلاث ملتقيات متزاوجة متكاملة:
الصِّنف الأوَّل: ملتقيات التأسيس (ملتقيات قبل الحجِّ)
وهي الملتقيات التي تعقد عادةً في الأوطان، وهي ملتقيات تُهيِّئ وتؤسِّس وتُمنهج للحجِّ، وهي ضروريَّة جدًّا.
ملتقيات ما قبل الحجِّ تعمل على صناعة وعي الحجِّ، وثقافة الحجِّ، وفقه الحجِّ.
هذه ملتقيات قبل أنْ تبدأ حركة الرِّحلة الإلهيَّة الرَّبَّانيَّة إلى بيتِ الله، وإلى مدينة رسول الله (صلَّى الله عليه وآله).
ونجاح هذه الملتقيات يؤسِّس لنجاح الملتقيات الأخرى.
الصِّنف الثَّاني: ملتقيات التَّطبيق والتَّنفيذ والممارسة
الملتقيات أثناء أداء مناسك هذه الرِّحلة الرَّبَّانيَّة، ملتقيات التَّطبيق.
الملتقيات التي تسبق الرِّحلة ملتقيات تأسيس، خلق وعي، خلق ثقافة، صناعة مفاهيم، تأسيس لرحلة واعية.
الملتقيات الثَّانية ملتقيات التَّطبيق، أثناء العمل، أثناء الحركة، أثناء الإحرام، أثناء الطَّواف، هنا تطبيق، حصيلة ما تشكَّل في الملتقيات الأولى يأتي تطبيقه في الملتقيات الثَّانية.
وحينما أتحدث عن ملتقيات يعني ملتقيات بين مُرشدين وحُجَّاج، قائمين على شؤون الحملات والحُجَّاج.
الملتقيات الثَّانية هي ملتقيات التَّطبيق والتَّنفيذ والممارسة.
الصِّنف الثَّالث: ملتقيات التَّقويم والمراجعة والمحاسبة
ونحتاج إلى ملتقيات ثالثه بعد العودة، ولعلَّ هذه الملتقيات غائبة، وهي ضروريَّة لمركزة حصيلة الرِّحلة الرَّبَّانيَّة، ولمتابعة تقييم نتائج الرِّحلة الرَّبَّانيَّة.
الملتقيات الأولى تؤسِّس.
الملتقيات الثَّانية هي ملتقيات التَّطبيق.
الملتقيات الثَّالثة هي ملتقيات التَّقويم والمراجعة والمحاسبة.
ولذلك أنا أنصح الحملات أنْ تؤسِّس إلى لقاءات دائمة ومستمرة تُذكِّر بمعطيات الحجِّ، وتُذكِّر بحصيلة الرِّحلة الرَّبَّانيَّة المباركة، وهي غنيَّة بعطاءاتها الكبيرة، الكبيرة.
أنواع الثَّقافة التي يحتاجها الحجَّاج
الحُجَّاج في حاجة إلى ثلاثة أنواع مِن الثَّقافة (البرامج):
- الثَّقافة الفقهيَّة
- الثَّقافة الفكريَّة
- الثَّقافة الرُّوحيَّة
ولكلّ واحدة مِن هذه الثَّقافات وظيفة، وإنْ كانت الوظائف متداخلة ومتزاوجة.
غياب أحد هذه البرامج يحدث فجوات في داخل مشروع الرِّحلة المباركة، وتخلُّف أيُّ لون مِن ألوان هذه البرامج يحدث خللًا في هذه الرِّحلة.
النوع الأوَّل: الثَّقافة الفقهيَّة (لإنتاج حجٍّ صحيح)
ما هي وظيفة البرنامج الفقهي؟
نحن بحاجة إلى البرنامج الفقهيّ، إلى الثَّقافة الفقهيَّة؛ لكي نصلِّي صلاة صحيحة، نصومُ صومًا صحيحًا، نحجُّ حجًّا صحيحًا، نعتمرُ عمرةً صحيحة.
هذا البرنامج الفقهيّ وظيفته أنْ يصحِّح العمل العباديّ؛ صلاةً، صِيامًا، حجًّا، عمرة، زيارة.
فهناك ضرورة مركَّزة جدًّا إلى هذا النَّمط مِن البرامج الذي نسمِّيه البرنامج الفقهيّ، ووظيفته إنتاج حجٍّ صحيحٍ فقهيًّا، أنت إذا لم تملك ثقافة فقهيَّة قد تخطأ في تطبيق مفردات الحجّ: مِن إحرام، مِن طواف، مِن سعي، مِن بقيَّة أعمال الحجِّ.
النوع الثَّاني: الثَّقافة الفكريَّة (لإنتاج حجٍّ واعي)
ليس كلَّما كان الحجّ صحيحًا، كان راقيًا في دلالاته الفكريَّة والثَّقافيَّة، هذا برنامج آخر، رُبَّما نُعنى كثيرًا بالبرنامج الفقهيّ وهو مطلوب جدًّا؛ لإنتاج عبادة صحيحة، لكن الارتقاء بوعي الصَّلاة، الارتقاء بوعي الصِّيام، الارتقاء بوعي الحجّ هذا عنوان آخر، كثيرون صلاتهم صحيحة، صيامهم صحيح، لكن بدون وعي، الوعيُ عنوانٌ آخر، كيف نستنطق المفاهيم، والدَّلالات الفكريَّة والثَّقافيَّة؟
الصَّوم مِن النَّاحية الفقهيَّة أنْ تترك مجموعة مفطِّرات، أنت صائم فقهيًا، لكن المضمون الفكريّ الثَّقافيّ للصِّيام شيئٌ آخر، هذا لا نأخذه مِن الثَّقافة الفقهيَّة، هذا نأخذه مِن ثقافة الوعي، مِن محاضرات التَّثقيف والوعي.
كذلك الحجُّ فنحن قد نؤسِّس لحجٍّ صحيح فقهيًّا، لكن كيف نؤسِّس لحجٍّ واعٍ، وما هي دلالات الحجِّ الواعية؟
كيف نرتقي بمضامين الحجّ؟
كيف نفهم السَّعي؟
كيف نفهم الوقوف في عرفات؟
كيف نفهم الذَّبح في دلالاته الفكريَّة والثَّقافيَّة؟
هذه برامج أخرى غير البرامج الفقهيَّة، فكما الحاجُّ يحتاج إلى برامج فقهيَّة مركَّزة، كذلك يحتاج إلى برامج ثقافيَّة مركَّزة.
النوع الثَّالث: الثَّقافة الرُّوحيَّة (لإنتاجِ حجٍّ مقبول)
وهو غير البرنامج الفقهيّ والبرنامج الثَّقافيّ.
رُبَّما نتوافر على حجٍّ متوافر على كلِّ المعطيات الفقهيَّة، ونتوافر على حجٍّ يمتلك كلّ المعطيات الفكريَّة والثَّقافيَّة، لكنَّه فاقد للرُّوح!
الرُّوح عروج.
كيف تعرج الرُّوح؟
كيف تلتقي الرُّوح بالآفاق الرَّبانيَّة؟
كيف نعشق الحجَّ عشقًا روحيًّا؟
هل تتحوَّل الصَّلاة إلى معشوقة عِنْدنا؟ إذًا هناك روح ذابت في الصَّلاة.
هل هناك عشق ونحن نقرأ الدُّعاء؟ إذًا هناك ذوبان، عشق في الدُّعاء.
ذوبان وعشق في الصِّيام، ذوبان وعشق في الزِّيارة، ذوبان وعشق في الحجّ، هذا بُعْدٌ نسميه بُعْد روحيّ، غير البُعْد الفقهيّ، وغير البُعْد الفكريّ والثَّقافيّ.
هذه معطيات ثلاثة ضرورية وينبغي أن تتكامل، وهي متزاوجة، وليست متفاصلة، ولكن لكلِّ مفصلٍ مِن هذه المفاصل وظيفة، ولا ننتج حجًّا ربَّانيًّا صحيحًا متكاملًا إلَّا إذا توافرنا على هذه المعطيات، وهذه الألوان مِن البرامج، وهذه الألوان مِن الثَّقافة: الثَّقافة الفقهيَّة، الثَّقافة الفكريَّة، الثَّقافة الرُّوحيَّة.
مَن المسؤول عن إنتاج هذا التَّزاوج، وهذا المعطى الفقهيّ، الفكريّ، الرُّوحيّ؟
أوَّلًا: مسؤوليَّة المُرشدين
تقديم هذه الألوان مِن الثَّقافة (مرشدون مؤهَّلون فقهيًّا، ثقافيًّا، روحيًّا، سُلوكيًّا، رِساليًّا)
المسؤوليَّة بالدَّرجة الأولى تتوجَّه إلى مرشدي الحملات، هم الذين يصنعون هذه الأنماط مِن الثَّقافة: ثقافة الفقه، ثقافة الفكر، ثقافة الرُّوح.
(مرشد/ أكثر مِن مرشد)
مطلوب مِن المرشد أنْ يعطي الحاج هذه المعطيات، وقد يعطي مرشد واحد كلَّ هذه المعطيات، وقد يتقاسم المرشدون المسؤوليَّة، وهذا في الغالب يحصل في الحملات: مرشد يقدِّم المضمون الفقهيّ، مرشد يقدِّم المضمون الثَّقافيّ، مرشد يقدِّم المضمون الرُّوحيّ، يتقاسم المرشدون المسؤوليَّات بحيث تتكامل هذه المسؤوليَّات، مِن أجلِ أنْ يُصنع الحاج صنعًا متكاملًا، وبقدر ما تتكامل هذه الألوان تكون قدرة الإرشاد على صُنع الحاجّ الحقيقيّ.
ولذلك ضرورة التَّوافر على مرشدين مؤهَّلين: مؤهَّلين فقهيًّا، مؤهَّلين ثقافيًّا، مؤهَّلين روحيًّا.
هنا الحاجة إلى هذا الارتقاء بمستويات المرشدين.
كيف نصنع المرشدين؟
حوزاتنا تصنع المرشدين، دورات خاصَّة للمرشدين.
مطلوب أن لا تكون عمليَّة اختيار المرشدين عمليَّة ارتجاليَّة.
هنا تتوجه المسؤوليَّة للحوزات، مواقع البناء الفقهيّ والفكريّ والرُّوحيّ لإنتاج مرشدين يتوافرون على كلِّ هذه المؤهَّلات.
ومسؤوليَّة المرشدين تكون على مستوى:
أ- الطَّرح
مسؤوليَّة المرشد الطَّرح، الطَّرح الفقهيّ إنْ كان معنيًّا بالطَّرح الفقهيّ، الطَّرح الثَّقافيّ، الطَّرح الرُّوحيّ؛ لأنَّه هو المعني بإنتاج حجٍّ كما أراده الله، الحجّ الإبراهيميّ، الحجّ الرَّبَّانيّ، الحجّ الإلهيّ.
الحجُّ وفادة على الله.
هذه رحلة مِن أقدس رحلات الإنسان، الرِّحلة إلى بيت الله، الرِّحلة إلى مدينة رسول الله (صلَّى الله عليه وآله).
كم هي عظيمة هذه الرِّحلة.
كم نحن بحاجة إلى أنْ نعطيها الكثير الكثير مِن جهدنا.
فإذًا المرشد هو الذي يصنع حصيلة الارتباط بهذه الرِّحلة في منطلقاتها، في دلالاتها، في معانيها.
ب- مراقبة التَّطبيق
ثُمَّ مطلوب مِن المرشد أيضًا مراقبة التَّطبيق، رُبَّما الآن المرشد يطرح مفاهيم فقهيَّة، ثقافيَّة، روحيَّة، لكن المسألة حين التَّطبيق تحتاج مراقبة، مراقبة دقيقة، فما أكثر ما يخطأ التَّطبيق، قد نملك حصيلة ثقافيَّة، وحصيلة فقهيَّة، وحصيلة روحيَّة لكن مسألة التَّطبيق تحتاج إلى رعاية، وعناية، ومتابعة، ومراقبة، هنا تأتي مسؤوليَّة المرشدين أنْ يراقبوا مراقبة دقيقة جدًّا مسألة تطبيق المعطيات لهذه الرِّحلة: المعطيات الفقهيَّة، المعطيَّات الفكريَّة الثَّقافيَّة، المعطيات الرُّوحيَّة.
إذًا هم يطرحون المفاهيم، ثُمَّ يراقبون تطبيقها، المرشد ليس معني فقط أنْ يُقدِّم مفاهيم، وأنْ يُعطي دروسًا، بل عليه أيضًا أنْ يراقب التَّطبيق، وهي عمليَّة مهمَّة جدًّا، فقد ننجح في طرح المفاهيم ولكن نفشل في مراقبة التَّطبيق، قد تكون المفاهيم، والمحاضرات، والدروس راقية وكفوءة وملمَّة بكلِّ أبعاد الحجِّ الفقهيَّة، لكن يأتي التَّطبيق مرتجلًا!
عمليَّة التَّطبيق تحتاج إلى رقابة، فكثيرًا ما يكون الخطأ في التَّطبيق، رُبَّما يمتلك الإنسان الوعي والثَّقافة، لكن مسألة التَّطبيق ليس بالضَّرورة أنْ يتوافر عليها، خاصَّة الحجّ هناك مساحة بين البعد النَّظريّ والبعد التَّطبيقيّ.
حتَّى على مستوى الفقهاء، فإنَّه يُنقل عن بعض الفقهاء الكبار العِظام عندما ذهب إلى الحجِّ قال: أحضروا لي مَن يعلِّمني، مفاهيم الحجّ الفقهيَّة كلُّها موجودة عندي، لكن أين أتحرَّك، أين أقف، ماذا أعمل؟
فقيه يقول أحضروا لي مَن يعلِّمني كيف أطبِّق المفردات!
إذًا مراقبه التَّطبيق قد تأتي بدرجة مِن الأهميَّة أكثر مِن مجرَّد طرح المفاهيم، طرح المفاهيم سهلة، طرح الأفكار الفقهيَّة والرُّوحيَّة والأخلاقيَّة سهلة، لكن متابعة التَّطبيق تحتاج إلى رعاية كبيرة جدًّا.
ج- المحافظة على العطاءات
مسؤوليَّة المرشد الطَّرح، والمراقبة للتَّطبيق، ومسؤوليَّة المرشد أيضًا الحفاظ على معطيات الرِّحلة المباركة.
وهذا نحتاج إلى برامج ما بعد الرِّحلة؛ حتَّى نُشكِّل حراسة للمعطيات، الحاجّ حصل على معطياتٍ كبيرة مِن الرِّحلة، لكن سرعان ما تُنسى، سرعان ما يغفل عنها الحاجّ، يأتي إلى وطنه وينتهي كلُّ شيئ، تبقى ذكريات: ذكريات مكَّة، وذكريات عرفات، وذكريات منى، وذكريات المدينة…
توجد ذكريات جميلة، لكنَّ المعطيات يمكن أنْ ينساها الحاج، الدَّلالات الرُّوحيَّة، الثَّقافيَّة، الاجتماعيَّة ينساها الحاجّ.
هنا نحتاج لمشروع متابعة، مَن يقوم بهذا المشروع للمتابعة؟
هي مسؤوليَّة مرشدين، ومسؤوليَّة قيِّمين على الحملات، ليس عندما ينتهي الحجُّ تنتهي العلاقة مع الحُجَّاج، علاقة المرشدين مع الحُجَّاج، وعلاقة القيِّمين على الحملات مع الحُجَّاج!
نحن بحاجة إلى أنْ يمارس المرشدون القيِّمون على فقه الحجِّ، على روحانيَّة الحجِّ، على ثقافة الحجِّ أنْ يمارسوا المحافظة على العطاءات.
ثانيًّا: مسؤوليَّة الحُجَّاج
الحُجَّاج أيضًا يتحمَّلون مسؤوليَّات كبيرة.
ما هي مسؤوليَّة الحُجَّاج؟
عرفنا مسؤوليَّة المرشدين أنْ يقدِّموا للحُجَّاج صيغة فقهيَّة، ثقافيَّة، روحيَّة للحجِّ، ويراقبون التَّطبيق، ويتابعون حصيلة العطاء الإيمانيِّ، الثَّقافيِّ، والفقهيِّ.
الحاجُّ نفسه ما هي وظيفته؟
الحُجَّاج مِن رجال، مِن نساء، مِن شباب، مِن شابَّات، ما هي وظيفتهم؟
1- حضور الدُّروس التَّهييئيَّة للحجِّ
هذه مسؤوليَّة الحاجّ.
بعض الحُجَّاج يرى أنَّه لا حاجة لمحاضرات قبل الحجِّ، هو يريد فقط الذِّهاب لأداء الحجِّ.
فرق بين مَن يذهب للحجِّ وهو مزوَّد بحصيلة فقهيَّة ثقافيَّة روحيَّة، وبين مَن ينتظر أنْ يذهب للحجِّ وهناك يطبِّق ويستمع لبعض التَّوجيهات!
لا، اصنع استعدادك قبل الرِّحلة، ولذلك هذه الملتقيات قبل الحجِّ ضروريَّة.
هذه الملتقيات، وهذه الدُّروس قبل رحلة الحجِّ هي التي تأسِّس للثَّقافة وللفكر، ولإنتاج حجٍّ نموذجي، حجٍّ راقٍ.
حضور الدُّروس مسؤوليَّة مهمَّة.
هذه الملتقيات قبل الحجّ تُشكِّل ضرورة لإنتاج وعي، ثقافة، مفاهيم، فقه.
كم هو الفارق بين مَن يصلِّي وهو عارف متفقِّه، وبين مَن يُصلِّي صلاة عاديَّة؟
المساحة واسعة كبيرة جدًّا، والقِيمة مختلفة جدًّا، أنْ أصلِّي وأنا متفقِّه هذه درجة، الصَّلاة كبيرة، مستوى الصَّلاة عالي جدًّا، أمَّا أن أصلِّي بلا تفقه، بلا علم، بلا بصيرة هذا موقع آخر.
كذلك الصِّيام، كذلك الدُّعاء، كذلك تلاوة القُرآن، كذلك الحجّ، كذلك الزِّيارة، كلَّما ارتقى مستوى وعي الإنسان بالعبادة ارتقت درجته عند الله، وارتقى مقامه عند الله.
إذًا صلِّ صلاة واعية وبصيرة، وصم صومًا واعيًا وبصيرًا، وحجّ حجًّا واعيًا وبصيرًا، وزر زيارة واعية وبصيرة؛ عندها يرتقي مقامك عند الله.
حضور الدُّروس والتَّزوُّد بالمعطيات الفقهيَّة والفكريَّة والرُّوحيَّة؛ يُعطي مقامًا كبيرًا لموقع الحجّ، ولموقع الزِّيارة.
مسؤوليَّة الحاجّ أنْ يتفقَّه بقدر ما يستطيع، يتفقَّه مِن خلالِ:
– حضور دروس التَّثقيف.
– قراءة في مناسك الحجّ.
– قراءة في الرِّسالة العمليَّة.
المهم أنْ يرتقي بمستوى ثقافته ووعيه.
2- التَّطبيق
الثَّقافة وحدها لا تفيد إذا لم يكن هناك تطبيق.
تعلَّم، ادرس، تثقَّف، وطبِّق.
القِيمة في التَّطبيق، وإلَّا كنت عملاقًا في الوعي والثَّقافة والفهم، لكن بدون تطبيق فإنَّه لا قِيمة لها.
قِيمة الثَّقافة، قِيمة المفاهيم حينما يكون التَّطبيق.
مسؤوليَّة الحُجَّاج أنْ يتفقَّهوا، وأنْ يطبِّقوا بمتابعة المُرشدين والمُوجِّهين.
ثالثًا: مسؤولية القيِّمين
هناك مسؤوليَّة كبرى على المرشدين: أنْ يصنعوا وعي الحجّ، ثقافة الحجّ، فقه الحجّ.
مسؤوليَّة الحُجَّاج: التَّطبيق، المتابعة.
مسؤولية القيِّمين على حملات الحجِّ وهي مسؤولية كبيرة.
رُبَّما المسؤولون يُفشِلون دور المرشد، ويُفشِلون دور الحاجِّ إذا لم يتوافر المرشد على الاستعدادات الكافية لإنجاح حملة الحجّ.
حملة الحجّ ليست ناجحة بالفنادق الكبيرة، المكان الطَّيِّب والجيِّد مطلوب، لا نرفض ذلك، لكنَّ الحجُّ ليس هو أنْ أسكن في فنادق راقية وتكون نتائج الحجِّ نتائج هابطة ومنخفضة!
لتكن الأماكن راقية، لا مشكلة في ذلك.
ليكن الأكل راقٍ، لا مشكلة في ذلك.
لتكن المواصلات راقية، لا مشكلة في ذلك.
لكن ليس هذا كلُّ ما يُشكِّل نجاح الحملة، نعم له قيمته ولكن ليست هذه معايير النَّجاح.
معيار النَّجاح في حملة الحجّ كم استطاعت أنْ تنتج حجًّا واعيًا، أصيلًا، بصيرًا، متفقِّها، هذه قِيمة الحملة، الحملة التي تصنع حجًّا.
هنا دور القيِّمين.
من مسؤوليَّات القيِّمين:
- اختيار الكفاءات الإرشاديَّة
(مرشدون مؤهَّلون): فقهيًّا – ثقافيًّا – روحيًّا – سُلوكيًا – رساليًّا
اختيار الكفاءات الإرشاديَّة هي مسؤوليَّة القيِّم، رُبَّما القيِّم على الحملة يختار له طالبًا مِن طلبة العلم ممَّن ليست لديه خبرة فقهيَّة، ولا خبرة إرشاديَّة!
أنت مسؤول أيُّها القيِّم حينما اخترت مُرشِدًا؛ فهذا المُرشِد هو الذي يؤسِّس لحركة الحجِّ، ولحركة الحملة.
فمسؤوليَّة اختيار الكفاءات الإرشاديَّة هي مسؤوليَّة القيِّمين وإدارات الحملات، والمعنيِّين بشأن هذا الحاجّ، هذا الحاجُّ أمانة في عنقك أيُّها المسؤول، أنت تحمَّلت مسؤوليَّة أمانة كبرى، فأوصله إلى حجٍّ كما يرضي الله.
وبذلك أنت حينما تختار مرشدين غير أكفاء، أنت ضيَّعت مشروع الحجِّ عند هذا الذي استأمنك على حجِّه، أو هذه المرأة التي استأمنتك على حجِّها.
مطلوبٌ مِن المسؤولين مسؤولي الحملات اختيار الكفاءات الإرشاديَّة المؤهَّلة، والحمد لله البلد غنيٌّ بهذه الكفاءات التي لها تجاربها في الحجّ، والعمرة، والتي تمتلك الثقَّافة الحوزويَّة، فما عليك إلَّا أنْ تختار مِن هذه الكفاءات مَن يؤدِّي دور الإرشاد في صنعِ حجٍّ فقهي، واعي، روحيّ.
- دعم البرامج التَّبليغيَّة والإرشاديَّة
صحيح أنَّ الاستعدادات الماديَّة مطلوبة، إلَّا أنَّ الهدف الاساس هو إنتاج حجّ ناجح (صحيح، واعٍ، مقبول)
أنت مسؤول أيُّها القيِّم على الحملات عن دعم البرامج الإرشاديَّة.
رُبَّما يختار القيِّم مُرشِدًا راقٍ فقهيًّا، ثقافيًّا، روحيًّا، لكنَّه يقيِّده، برفض البرامج والدُّروس، هنا القيِّم يعطِّل ويفشل دور المُرشِد، فهو لا يعطيه فسحة، بحجَّة – مثلًا – الاكتفاء بما تمَّ تقديمه مِن محاضرات ودروس قبل رحلة الحجّ، فهنا ليس دور محاضرات ولا دور دروس، هنا دور التَّطبيق!
صحيح، لكن ملاحقة الحاجّ بالبرامج، ملاحقة الحاجّ بالثَّقافة مطلوبٌ جدًّا.
هنا القَيِّم اختار اختيارًا ناجحًا، اختار مُرشِدًا ناجحًا، لكن عطَّل دور المرشد!
فمطلوب مِن مسؤولي الحملات دعم البرامج التَّبليغيَّة.
الاستعدادات مطلوبة كما قلنا، لكن التَّطبيق هو الأهم، يمكن الاستعدادات ناجحة جدًّا، المحاضرات، الدُّروس، التَّهيئة ناجحة جدًّا، لكن التَّطبيق فاشل، هنا دور المرشدين، أعطِ للمرشد دورًا فاعلًا في مراقبة التَّطبيق.
فإذًا مطلوب إنتاج حجٍّ صحيح، إنتاج حجٍّ واعٍ، إنتاج حجٍّ مقبول، هنا تتعاون كفاءات إرشاد، وكفاءات إدارات، وممارسة وتطبيق حُجَّاج.
هذا التَّزاوج هو الذي يُنتج الحجَّ الرَّبَّانيَّ النَّموذجيَّ.