حديث الجمعة 634: ذكرى رحيلِ الشَّهيدِ السَّيِّدِ محمَّد باقر الصَّدر وشقيقتِهِ – غزَّةُ الصُّمود – فرحة العيد والإفراجات
حديث الجمعة 634 - الموافق: 02 مايو 2024 م - تاريخ: يوم الخميس (ليلة الجمعة) 23 شوال 1445هـ - مسجد الإمام الصَّادق (عليه السَّلام) – القفول في البحرين
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيِّدِ الأنبياءِ والمرسلين؛ مُحمَّدٍ وآلِهِ الهُداةِ الميامين.
السَّلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه.
نقف مع بعضِ عناوين:
العنوانُ الأوَّل: ذكرى رحيلِ الشَّهيدِ السَّيِّدِ محمَّد باقر الصَّدر وشقيقتِهِ الشَّهيدة بنتِ الهُدى آمنة الصَّدر رضوانُ اللهِ عليهما
مَرَّتْ قبلَ أيامٍ ذكرى رحيلِ الشَّهيدِ السَّيِّدِ محمَّد باقر الصَّدر وشقيقتِهِ الشَّهيدة بنتِ الهُدى آمنة الصَّدر رضوانُ اللهِ عليهما.
وُلد الشَّهيدُ الصَّدر في مدينةِ الكاظميَّة في الخامس والعشرين مِن ذي القعدة سنة 1353هـ المصادف لسنة 1935 م.
استشهد مع شقيقته في يوم الثُّلاثاء 22 جمادى الأولى سنة 1400 هـ وتصادف 8 / 4 / 1980 م.
عمرٌ قصيرٌ ولكنَّه ملأ الدُّنيا عطاءً وجهادًا، وأصبح عنوانًا كبيرًا كبيرًا في دُنيا الفقهِ والفقهاء، وفي دُنيا الفِكر والمفكِّرين، وفي دنيا الجِهادِ والمجاهدين.
واتَّسعتْ حياتُه القصيرةُ إلى كلِّ المسَاحاتِ: مساحاتِ الأخلاق، والتَّفسير، والفلسفة، والاقتصاد، والسِّياسة…
وكان رضوان الله عليه كاتبًا متميِّزًا كلَّ التَّميِّز، اتَّسعت كتاباتُه ومؤلَّفاتُه إلى كلِّ المجالات، مجالات الفقه والأصول، مجالات الفلسفة والمنطق، مجالات الأخلاق والتَّفسير، مجالات الاقتصاد والبنوك،
مجالات التَّاريخ والعقائد، مجالات الثَّقافة والأدب…
هكذا كان الشَّهيدُ الصَّدر عنوانًا استثنائيًّا، ولم يكن عنوانَ مرحلة امتدتْ أقلَّ مِن نصفِ قرن، بل أصبح عنوانَ تاريخٍ ملأ الدُّنيا عطاءً وفكرًا وعلمًا وهديًا ورُشدًا وخيرًا وصلاحًا وأخلاقًا وقِيمًا وجِهَادًا ونشاطًا…
مَطلوبٌ مِن خطابِنا الدِّينيِّ أنْ يؤسِّس لحضورِ هذه القِمم الإيمانيَّة في ذاكرةِ كلِّ الأجيالِ، وفي وِجدانِ كلِّ الأجيال، وفي وعي كلِّ الأجيال، وفي سُلوك كلِّ الأجيالِ، وفي حَراك كلِّ الأجيالِ.
وإذا غابت هذه القِممُ اقتحمت ذاكرةَ ووعيَ الأجيالِ، ووجدانَ الأجيال، وسلوكَ الأجيال، وكلَّ حراكهم مواقعُ دخيلةٌ تصوغ أجيالًا مسروقةَ الهُويَّة، ضائعةَ المسارِ، ملوَّثةَ السُّلوك، مأسورةً لمناهج ضالَّةٍ، وقِيمٍ فاسدةٍ، هكذا تُمسخُ هُويَّةُ الأجيال.
هنا الضَّرورة كلّ الضَّرورة أنْ تبقى القِمم الإيمانيَّة – والشَّهيد الصَّدر مِن أعلاها – أنْ تبقى لِتشكِّل مواقعَ تحصينٍ، ومواقع حماية، ومواقعَ ترشيد، ومواقعَ وعي، ومواقعَ هدايةٍ…
ونحن نستذكر الشَّهيدَ الصَّدر يجبُ أنْ لا ننسى الشَّهيدةَ آمنةَ الصَّدر بنت الهُدى شقيقةَ الشَّهيدِ الصَّدر.
فقد شاركتْهُ الجهادَ والعطاءَ والعملَ الرِّسَاليّ، وختمتْ حياتَها معه، فاستشهدتْ كما استشهد، ونالها مِن التَّعذيب ما ناله، وبقيت عنوانًا كبيرًا كما بقي هو.
الشَّهيدةُ بنت الهُدى نموذجٌ أرقى للمرأةِ المُسْلِمة في هذه العُصورِ الأخيرةِ، قَضَتْ كلَّ حياتِها جهادًا في سبيلِ الإسلام، داعيةً، مُبَلِّغةً، موجِّهةً، مُربِّيةً…
أسَّسَتْ مشاريعَ دِينيَّةً تعليميَّةً، خرَّجتْ أجيالًا نموذجيَّةً مِن النِّسَاءِ المؤمناتِ، النَّاشِطاتِ، العاملاتِ في حراسةِ الدِّينِ وأهدافِهِ.
وكانتْ الشَّهيدةُ بنتُ الهُدى مؤلفةً، وكاتبةً راقيةً، اعتمدتْ أُسلوبَ القِصَّةِ وسيلةً لممارسة دورَها التَّبليغيِّ الكبير فسلام اللهِ عليها، وعلى شقيقها العظيم الشَّهيد السَّيِّد الصَّدر.
العنوانُ الثَّاني: غزَّةُ الصُّمود
وتستمر الحربُ الظَّالمةُ على غزَّة، ولا زال الشُّهداء يتساقطون، ولا زالتْ المعاناة مستمرَّة، ولا زالتْ المجاعةُ تُهدِّد حياة النَّاسِ نتيجة الحصار.
فالمعابر كلُّها مُغْلقة، والقصفُ الصُّهيونيُّ قد استهدف مراكزَ المساعدات المعنيَّة بغوث اللَّاجئين، فالصَّلفُ الصُّهيونيُّ لا يعبأ بكلِّ الأعراف، ولا بكلِّ القِيَم الإنسانيَّة ما دام هناك غطاءٌ مستمرٌّ مِن دولٍ كُبْرى.
هكذا يستمرُّ التَّدمير، تدميرُ مدارس، تدميرُ مستشفيات، تدمير كلِّ ما على الأرض.
ورغم أنَّ مجلس الأمن أخيرًا اعتمد قرارًا يُطالب بوقف إطلاق النَّار في غزَّة خلال شهر رمضان، ولأوَّل مرَّة لم تمارسْ أمريكا (الفيتو) ضدَّ القرار، إلَّا أنَّها فرَّغتْهُ مِن صلاحيَّاتِهِ، حيث قالتْ إنَّه غير مُلْزِم، لذا لم تعبأ اسرائيل بهذا القرار، واستمرتْ في حربها الظَّالمة والباطشة.
فماذا يفعلُ مجلسُ الأمن؟
وماذا تفعلُ المنظَّماتُ الدُّوليَّة؟
فإسرائيل فوق كلِّ القراراتِ، وفوق كلِّ القوانين!!
دخل الشَّهر الفضيل، ومضى هذا الشَّهر والحربُ على غزَّة قائمة، وبكلِّ شراستها، ومعاناة أهلنا في غزَّة تزداد سُوءًا، والشُّهداء يتساقطون، والمجاعة تشتدُّ.
فإلى أين تسير الأوضاع؟
ولا خيار أمامَ المقاومةِ إلَّا أنْ تستمر.
ولا خيار أمام المجاهدين إلَّا أنْ يصمدوا حتَّى يأذن الله لهم بالنَّصر.
فلترتفع أكفُّ الضَّراعةِ إلى الله سبحانه أنْ ينتقم مِن كلِّ الصَّهاينة.
وأنْ ينصر المجاهدين الصَّامدين.
وأنْ يدفع كلَّ البلاء عن أهلِنا في غزَّة، وفي فلسطين، وفي كلِّ أوطانِ المسلمين.
ولتتوحَّد الصُّفوف، ولتتلاحم الإرادات مِن أجلِ نُصرة شعبنا المجاهد في غزَّة، والقدس، وفي كلِّ أرض فلسطين.
العنوانُ الأخير: فرحة العيد والإفراجات
مع إطلالةِ عيدِ الفطرِ الأغرِ حدثتْ إفراجاتٌ كبيرةٌ ممَّا أنتجَ في الوَطنِ مَوْجًا مِن الفَرَحِ والابتهَاجِ، فكان العيدُ جَمِيَلًا، سَعِيدًا، هنيئًا.
وهكذا تحقَّقتْ آمالُ عددٍ مِن الآباءِ والأُمَّهاتِ والزَّوجاتِ والأخوة والأخوات…
هكذا أطلَّ العيدُ بكلِّ تباشير الخير، وتباشير الفرح، وهكذا استيقظت الآمال الكبيرة، وبقدر ما تستيقظ الآمال تطمئن الشُّعوب، وتتقاربُ الإرادات، وتنشط المساراتُ الطَّيِّبة والخيارات الصَّالحة.
هكذا كان لحدث الإفراجات كلُّ هذا التَّفاعل، وكلُّ هذا الابتهاج.
ويبقى الطَّلبُ الصَّادقُ قائمًا أنْ نجد السُّجونَ بلا سُجناء، وبلا نزلاء.
فلا زالت هناك آهاتُ أُمَّهاتٍ، وحسراتُ آباء، ودموعُ زوجات، وزفراتُ أبناء فما فَرِحُوا كما فَرحَ النَّاسُ، وما عيَّدُوا كما عيَّد النَّاسُ، مِمَّا كدَّرَ الفرحةَ الكُبرى، إنَّنا نريد الفرحةَ تتَّسعُ لكلِّ أبناءِ هذا الوطنِ، وأنْ يشملَ الخيرُ كلَّ أبناءِ هذا الشَّعب.
وهل هذا عسيرٌ؟
ليس عسيرًا حينما تنتهي الأزماتُ والمُكدِّراتُ، وحينما تُعالج كلُّ الأوضاعُ ما دامت في حاجةٍ إلى علاج.
وتُبنى الأوطانُ حينما تصلحُ النَّوايا.
وحينما تصدُقُ العزائم.
وحينما تتلاقى الإرادات الخيِّرة.
وحينما تتآزرُ القُدراتُ الصَّالحة.
وحينما تتقارب القناعات الطَّيِّبة.
وهكذا تكون الأوطان بخير.
وهكذا تكون الشُّعوب واثقة.
وهكذا تنتهي الأزمات، وتنتهي المُكدِّرات.
وحينما ندعُو لاستمرارِ الإفراجات لتنشط كلُّ القدراتِ في خدمةِ هذا الوطن، فقدراتٌ في السُّجونِ مُعطَّلة، ومشلولة.
هنا نثمِّن بقوَّة أيَّ خطوةٍ في اتِّجاه توظيف قُدُراتِ مَن تمَّ الإفراج عنهم، فما أحوج الوطن إلى تشغيل هذه القُدرات، وهذه الكفاءات لكي لا تتراكم القُدراتُ والكفاءاتُ المُعَطَّلة ممَّا يزيد مِن أزمة البطالة في هذا الوطن.