حديث الجمعة 631: معالجة إشكاليَّة (اتِّهام الإسلام بأنَّه فرض هيمنةَ الرَّجلِ على المرأة) – كلمة حول ملفِّ البَطالة – كلمة حول المساجد وبنائها
حديث الجمعة (631) تاريخ: يوم الخميس (ليلة الجمعة) 28 جمادى الآخرة 1445هـ - الموافق: 11 يناير 2024 م | مسجد الإمام الصَّادق (ع) بالقفول - البحرين
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيِّدِ الأنبياءِ والمرسلين؛ مُحمَّدٍ وآلِهِ الهُداةِ الميامين.
السَّلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه.
العنوان الأول: معالجة إشكاليَّة (اتِّهام الإسلام بأنَّه فرض هيمنةَ الرَّجلِ على المرأة)
من الإشكالات التي يُروِّج لها أعداءُ الإسلام (اتِّهام الإسلام بأنَّه فرض هيمنةَ الرَّجلِ على المرأة)، ومِن موارد هذه الهيمنة – كما يقولون – أنَّه أعطى الرَّجل هذه الصَّلاحيات:
– صلاحيَّة القِوامة
– صلاحيَّة الطَّلاق
– صلاحيَّة التَّعليق؛ بمعنى أنْ تبقى المرأة مُعَلَّقة لا زوجة ولا مطلَّقة، هكذا يقولون!!
كيف نُعالج هذه المسألة؟
حينما تتأزَّم العلاقةُ بين الرَّجل والمرأة؛ بسبب الزَّوج أو بسبب الزَّوجة، فهنا مجموعة خيارات:
الخيارُ الأوَّل:
أنْ يتمكَّنا مِن حلِّ التَّأزُّم بالتَّفاهم فيما بينهما، وإعادة مسار العلاقة الزَّوجيَّة وِفق الضَّوابط الشَّرعيَّة، وهنا ينتهي التَّأزُّم، وتتصفَّى الأجواء، وتعود الأمور إلى مجاريها الطَّبيعيَّة، وينتهي التَّأزُّم والتَّوتُّر والخِلاف.
الخيارُ الثَّاني:
أنْ لا يتمكَّنا مِن حلِّ التَّأزُّم بالتَّفاهم فيما بينهما، هنا يأتي (خيار التَّحكيم).
- ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا﴾. (النِّساء: 35)
فمتى توفَّرت النِّيَّة الصَّادقة لدى الحَكَمين، ومتى توفرَّت الحِكمة أعانهما الله على معالجة المشكل العائلي.
ويُعتبر الإسلام هو المؤسِّس لـ(محاكم الصُّلح العائلي)، أو (لجان الصُّلح العائليَّة).
وهنا سؤال يُطرَح:
هل يُعتبر الحكم الصَّادر عن الحكمين نافذًا في حقِّ الزَّوجين؟
– يذهبُ بعضُ الفقهاء إلى نفوذ هذا الحكم سواءً أكان حُكمًا توفيقيًّا أو حُكمًا بالطَّلاق.
– ويذهبُ فريقٌ آخر مِن الفقهاء إلى التَّفريق بين الحُكم التَّوفيقيِّ فيكون نافذًا، وبين الحُكم بالطَّلاق فلا يكون نافذًا.
الخيارُ الثَّالث:
إذا فشل الخياران السَّابقان فلا خيار إلَّا الطَّلاق، فإذا كان سبب التَّأزُّم (المرأة) فالرَّجل بيده أمر الطَّلاق، وإذا كان سبب التَّأزُّم (الرَّجل) فمِن حقِّ المرأة أنْ تطلب الطَّلاق.
– فإنْ حدث الطَّلاق انتهت المشكلة.
– وإنْ رفض الزَّوج الطَّلاق بذلت له إذا كانت هي الكارهة
(وللبذل أحكام شرعيَّة مذكورة في الكتب الفقهيَّة، وهل يحقُّ للرَّجل أنْ يفرض أموالًا تعجيزيَّة كبذلٍ للطَّلاق؟ هذه مسائل يُرجع فيها إلى فتاوى الفقهاء).
– وإذا امتنع عن الطَّلاق حتَّى مع البذل رفعت أمرها إلى الحاكم الشَّرعيّ (الفقيه العادل)، فإنْ وجد المرأة متضرِّرة طلب مِن الزَّوج الإحسان أو الطَّلاق، فإنْ رفض قام الحاكم الشَّرعيُّ بالطَّلاق.
تعليق المرأة بحيث لا تكون زوجة ولا تكون مطلَّقة أمرٌ مرفوض.
وردَ ذِكرُ التَّعليق في القرآن حينما تحدَّث عن الميلِ الكُليِّ لإحدى الزَّوجتين:
- ﴿وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ ۚوَإِن تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا، وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللهُ كُلًّا مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللهُ وَاسِعًا حَكِيمًا﴾. (النِّساء: 129-130)
لا شكَّ أنَّ المساواة في المودَّة القلبيَّة أمرٌ في غاية الصُّعوبة، بل رُبَّما يستحيل ذلك؛ ولذلك قالت الآية ﴿وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ﴾ أي في الحبِّ والعلاقة القلبيَّة، مهما حاول الرَّجل أنْ يحقِّق هذه المساواة، لذلك قالت الآية ﴿وَلَوْ حَرَصْتُمْ﴾.
هنا تحذِّر الآية مِن الميلِ الكامل لأحدى الزَّوجات ﴿فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ﴾.
والإعراضِ القلبي الكامل عن الزَّوجةِ الأخرى أو الزَّوجاتِ الأخريات، بحيث تبقى تلك الزَّوجة مُعَلَّقة أو تلك الزَّوجات مُعَلَّقات ﴿فتذروها كالمعلقة﴾.
فظاهرة تعليق المرأة فلا هي زوجة لها ما للزَّوجات ولا هي مطلَّقة، هذه الظَّاهرة مرفوضة وفيها جورٌ على المرأة.
قد يُقال: رُبَّما تكون المرأة هي السَّبب، ورُبَّما تكون هي التي هجرت الزَّوج.
إذا كان الأمر كذلك فيجب أنْ تُدرس الأسباب دراسة موضوعيَّة منصفة للرَّجل أو للمرأة، فليست المرأة دائمًا مُصِيبة والرَّجل دائمًا على خطأ، وليس العكس كذلك.
هنا يجب أنْ تُدرس (ظاهرة التَّهاجر بين الزَّوجين) دراسة موضوعيَّة بعيدًا عن الانحياز للرَّجل أو الانحياز للمرأة، فظاهرة التَّهاجر يجب أنْ تُحسم إمَّا بالعودة إلى عشِّ الزَّواج، أو بالافتراق والطَّلاق.
أمَّا أنْ تُعطَّل العلاقة إلى ما لا نهاية فأمرٌ لا يقرَّهُ الشَّرع وله تداعيات صعبة جدًّا.
يُطرح سؤال:
هل يجوز للمرأة أنْ تشترط في عقد الزَّواج أنْ تكون وكيلة عن الزَّوج في طلاق نفسها متى شاءت؟
يُستفاد مِن الفتاوى جواز ذلك.
إلَّا أنَّ هذا الأمر يحمل خطورة كبيرة، فالمرأة معبأة بعواطف فائضة، نعم إذا حُصِّنت هذه الوكالة بمحصِّناتٍ مشدَّدةٍ لكيلا تنزلق وتهدم العلاقة الزَّوجيَّة لأتفه الأسباب فأمرٌ سائغ.
قد يُقال:
بإمكان الرَّجل أنْ يلغي الوكالة في أيِّ وقتٍ شاء.
ليس بإمكانه ذلك ما دام الشَّرط في عقدٍ لازمٍ وهو عقد النِّكاح، نعم يستطيع أنْ يُطلِّق فيسقط الشَّرط، فإذا عاد بعقدٍ جديد خال مِن الشَّرط وبموافقه الزَّوجة يكون قد تخلَّص مِن الشَّرط، أمَّا إذا أصرَّت المرأة على هذا الشَّرط فإنْ وافق فعليه الالتزام بنتائجه، والَّا يبقى الفراق هو الخيار.
أعود للقول بأنَّه في هذا العصر هناك (ضجَّة كبيرة حول المُعَلَّقات).
هل هناك بالفعل أزمة مُعَلَّقات؟
أم أنَّها ضجَّةٌ مفتعلة، لها أسبابُها ودوافعُها؟
لا نُلغي وجود مُعَلَّقات.
ولا نلغي وجود بعض التَّعقيدات.
إلَّا أنَّه دخل على الخطِّ مَنْ يُريد أنْ يُسيئ إلى الدِّين، واعتبر هذه الظَّاهرة هي نتاج رؤی دِینيَّة، ونتاج فتاوى فقهيَّة.
هذا تجنٍّ كبير، وراءه مواقعُ معاديةٌ للدِّين، ولعلماءِ الدِّين.
لا نلغي وجود أخطاء في التَّطبيق، ولكن أنْ يتحمَّل الدِّين وعناوين الدِّين مسؤوليَّة هذه الأخطاء أمرٌ وراءه أهدافٌ سيِّئة معادية للدِّين الحقِّ، وأقول الدِّين الحقُّ لأنَّ هناك تطبيقات مزوَّرة تتقمَّص لباس الدِّين مِن أجلِ أنْ تُعطي صورة مُشوَّهة لشرع الله.
فما يحدث في الواقع الدِّينيِّ مِن مُخالفات وتجاوزات لا يتحمَّلُها الدِّين، وإنَّما يتحمَّلُها صُنَّاعُ هذه المخالفاتِ والتَّجاوزات، سواءً صدرت عن جهلٍ أو بهدف الإساءةٍ إلى الدِّين.
فلا يجوز إطلاقًا أنْ تتحوَّل هذه القضايا أدوات تشهير ضدَّ أحكام الشَّرع أو حَمَلَة الشَّرع، وهذا لا يعني أنْ لا تحدث أخطاء في التَّطبيقات.
العنوان الثَّاني: كلمتان أخيرتان
الكلمةُ الأولى: حول (ملفِّ البَطالة)
تحاول هذه الكلمة أنْ تُعالج شأنًا محليًّا؛ بهدف تنقية الأجواء في هذا الوطن الحبيب من كلِّ المُكدِّرات والمؤزِّمات، وليس الهدف إنتاج موتِّرات ضارَّة بأمن الوطن واستقراره.
كلُّ أبناء هذا الوطن مطلوب مِنهم أنْ يكونوا حُرَّاسًا أمناء لهذه الأرض الطَّيِّبة، ولهذا البلد الحبيب، حُرَّاسًا لدينه وقِيمه، حُرَّاسًا لأمنه واستقراره، حُرَّاسًا لوحدته وتآلفه. حُرَّاسًا لتاريخه وحاضره ومستقبله.
ما تقاربه الكلمة الأولى أحد الملفَّات التي تُشكِّل قلقًا كبيرًا لأبناء هذا الوطن، هذا الملف هو (ملفُّ البَطالة)، وهو ملفٌّ لهُ تداعيات في غاية الخطورة وفي غاية الصُّعوبة، فالبلد تزدحم فيه القُدُرات المُعطَّلة، قُدُرات المواطنين في كلِّ المجالات والتَّخصُّصات.
وبقدر ما تزحفُ العمالةٌ الأجنبيَّة على مواقع العمل تتشكَّل أزمة البطالة لدى المواطنين، فإلى متى يبقى هذا الزَّحفُ الوافدُ، وإلى متى تبقى هذه الهيمنة الأجنبيَّة؟
نسمع كثيرًا عن خطَّةِ ترشيدٍ لهذا الملف، ولهذه الزَّحف الوافد، ولهذه الهيمنة الواردة.
ونسمع كثيرًا عن رغبةٍ لدى المسؤولين لمعالجة هذا الشَّأن، إلَّا أنَّ الخطوات لا زالت خجولة ومتلكِّأةً.
فها نحن نسمع صيحات العاطلين مِن أبناء هذا الوطن، وها نحن نسمع النِّداءات المُطالِبة بمعالجة هذا الملفِّ الذي هو مِن أعقد الملفَّات.
أبناؤنا يدرسُون، ويجتهدُون، ويتوفَّرون على أعلى الدَّرجات، وأعلى التَّخصُّصات، ويعيشون الآمال الكبيرة في أنْ يَضَعُوا كلَّ قدراتِهم وكفاءاتِهم وتخصُّصاتهم في خدمة هذا الوطن، إلَّا أنَّهم يُصابون بالخيبةِ والإحباطِ واليأس، لأنَّ مواقع العمل ملأها وافدون، وهيمن عليها أجانب.
فإلى متى يبقى هذا التَّكدُّس للقدرات المواطنةِ العاطِلةِ؟
وإلى متى يبقى الأجانب يملؤون المواقع؟
الكلمة الثَّانية: حول (المساجد وبنائها)
وتحاول هذه الكلمة أنْ تُعالِج (عنوان المساجد وبناء المساجد).
وهذه المعالجة لا تؤسِّس للحسِّ الطَّائفي، بل الصَّمت هو الذي يؤسِّس لهذا الحسِّ.
لا مشكلة أنْ تُبنى المساجد، وأنْ تكثر بيوت الله في أيَّة منطقة مِن مناطق هذا الوطن.
فالبحرين بلد المساجد، وهذا المظهر عنوانُ فخرٍ واعتزازٍ، وعنوانُ إيمانٍ وصلاحٍ، وكم نتمنَّى أنْ يأتي اليوم الذي لا تتمذهب فيه المساجد، أما وأنَّ الأمر لا زال ليس كذلك وأنَّ لكلِّ طائفة مساجدُها، فهنا مطلوبٌ أنْ تتوفَّر العدالة في بناء المساجد، أو في اختيار مواقع المساجد، أمَّا أنْ يكون السَّماح هنا مفتوحًا وأنْ يكون السَّماح هناك مغلوقًا، وأمَّا أنْ تكون مواقع الاختيار توجب تأزُّمًا أو توتُّرًا فهذا أمرٌ لا يصبُّ في صالح هذا الوطن.
ما يصب في صالح هذا الوطن:
– أنْ تُغطَّى حاجة المناطق بالمساجد، ولكلِّ المناطق بدون استثناء.
– أنْ يكون اختيار المواقع مدروسًا لا يُحدِث قلقًا هنا أو قلقًا هناك.
والدُّخول في تفاصيل هذا الموضوع لا يتَّسع لهُ خطابُ مسجدٍ أو خطابُ منبر، فأتمنَّى أنْ يُعالج بكلِّ هدوءٍ وحكمة؛ لكي نجنِّب هذا الوطن كلَّ أسباب التَّأزُّم والتَّوتُّر المذهبيِّ والاجتماعيِّ.
وهنا أوجِّه كلمةً مخلصة كلَّ الإخلاص إلى وزارة الشُّؤون الإسلاميَّة، وإلى إدارتي الأوقاف السُّنِّيَّة والشِّيعيَّة، وإلى المجلس الأعلى، وإلى كلِّ المعنيِّين بالشَّأن الدِّينيِّ أنْ يتحمَّلوا كلَّ المسؤوليَّة في إنتاج التَّلاحم المذهبيِّ، وأنْ لا تتحوَّل المواقع الدِّينيَّة مواقعَ تأزيمٍ وخلاف.