آخر الأخبارشهر جمادى الثانية

حديث الجمعة 628: موسمِ الصِّدِّيقةِ الزَّهراءِ (ع) وقضايا المرأة المسلمة في عصرِنا الحاضر – المقاومة الفلسطينيَّة أسقطت أُسْطُورة الجيش الَّذي لا يُقهر

مسجد الإمام الصَّادق (عليه السَّلام) – القفول حديث الجمعة (628) تاريخ: يوم الخميس (ليلة الجمعة) 7 جمادى الآخرة 1445هـ الموافق: 21 ديسمبر 2023 م

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيم

الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيِّدِ الأنبياءِ والمرسلين مُحمَّدٍ وآلِهِ الهُداةِ الميامين.

السَّلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه.

موسمِ الصِّدِّيقةِ الزَّهراءِ (عليها السَّلام) وقضايا المرأة المسلمة في عصرِنا الحاضر

يستمرُّ بنا الحديث حول (موسمِ الصِّدِّيقةِ الزَّهراءِ (عليها السَّلام) وقضايا المرأة المسلمة في عصرِنا الحاضر)، وكما تقدَّم القَولُ أنَّ خطابَنا الدِّيني وخطابَ منبرنا يتحمَّل مسؤوليَّة كبرى في معالجة هذا العنوان بكلِّ ما تفرضه هذه المعالجة من وعي ديني، ووعي بأوضاعِ المرأةِ المسلمةِ في هذا العَصرِ.

ربَّما نملك الوعي الدِّيني ولكنَّا لا نملك الوعي بقضايا المرأةِ المسلمةِ في هذا العصر.

وربَّما يكونُ العكس؛ وذلك حينما نملك وعيًا بقضايا المرأة المسلمة، إلَّا أنَّنا لا نملكُ رؤيةَ الدِّين حول هذه القضايا.

يُضاف إلى ذلك ضرورة أنْ نملك الجرأةَ والشَّجاعة في اقتحام هذه المساحةِ بكلِّ تحدِّياتها وتعقيداتها الصَّعبة.

في ضوء ما تقدَّمَ نصنِّفُ مواقفنا إلى أربعة مواقف:

الموقف الأوَّل: الموقف الَّذي يملك وعيَ الدِّين، ولا يملك وعيًا بقضايا المرأة في هذا العصر.

وهذا الموقف يفرضُ إحدى حالتين: حالة الغياب أو حالة التَّخبُّط.

الموقف الثَّاني: الموقف الَّذي يملك الوعي بقضايا المرأة، إلَّا أنَّه لا يملك وعي الدِّين.

وهنا أيضًا يحدثُ الغياب أو التَّخبُّط.

الموقف الثَّالث: الموقف الَّذي يملك وعي الدِّين، ويملك الوعي بقضايا المرأة، إلَّا أنَّه لا يملك الجرأةَ والشَّجاعةَ في اقتحام هذه السَّاحة.

الموقف الرَّابع: الموقف الذي يملك وعي الدِّين، ويملك وعيًا بقضايا المرأة المسلمة في هذا العصر، ويملك الجرأة في اقتحام هذه السَّاحة.

كم هِيَ حسَّاسةٌ وخطيرةٌ قضايا المرأةِ خاصَّة في هذا العصرِ، فحجم الإشكالات هنا كبيرة جدًّا، وحجم التحدِّيات كبيرة جدًّا، ممَّا عقَّد التَّعاطي مع هذه القضايا.

 

أنواع التَّحدِّيات التي تُواجه المرأة

وحينما أتحدَّث عن التَّحدِّيات أعني نوعين من التَّحدِّيات:

النَّوع الأوَّل: تحدِّيات تُواجه المرأةَ نفسَها.

النَّوع الثَّاني: تحدِّيات تُواجه الخطاب الدِّيني في معالجة قضايا المرأة في هذا العصر.

 

النَّوع الأوَّل: تحدِّيات تُواجه المرأةَ نفسَها.

أتناول النَّوع الأوَّل من التَّحدِّيات وأصنِّفُها إلى عدَّةِ أصنافٍ:

الصِّنف الأوَّل: تحدِّياتُ الأسرة المنحرفة

هذا الانحراف يُشكِّل جوًّا ضاغطًا على المرأة الملتزمة.

نوضِّح الفكرة من خلالِ هذين المثالين:

المثال الأوَّل: البنت الملتزمة في ظلِّ أسرة منحرفة.

هذه البنت تريد أنْ تلتزم بتعاليم الدِّين وأحكام الدِّين، وأنْ تكون مطيعة لله تعالى، تريد أن تلتزم بالصَّلاة، تريد أنْ تلتزم بالحجاب…

فتجد أمامها أبوين غير ملتزمين، إخوة غير ملتزمين، أخوات غير ملتزمات، تجد بيتًا مشحونًا بأجواءَ غير دينيَّة، أجواءَ ضاغطةٍ معاكسةٍ لها.

تريد أنْ تكون طائعةً لله، محافظة على تعاليم الدِّين، لكنَّها لا تجد في الوسط الأسري ما يُشجِّعها على ذلك، بل بالعكس تجد في الأسرةِ مَنْ يحاربها لتديُّنها، ربَّما أبُوها أو أمُّها أو إخوتُها، إنَّ هذا يشكِّل لونًا من ألوان التَّحدِّي الصَّارخ.

هنا يجب أنْ تكونَ هذه الفتاة المؤمنة ثابتة كلَّ الثَّبات، محافظة كلَّ المحافظة على دينها، على قِيَمها، وإنْ كلَّفها هذا الكثير من العناء.

وإذا استطاعت أنْ تغيِّر شيئًا من أجواء الانحراف في داخل هذه الأسرة فمطلوب منها أنْ تمارس ذلك، فربما استطاعت أن تصحِّح بعضًا من تلك الانحرافات، فلا يأس في طريق التَّغيير والتَّصحيح.

 

المثال الثَّاني: الزَّوجة الملتزمة المطيعة لأوامر الله إذا عاشت في ظلِّ أسرة منحرفة.

فإنَّها لا شكَّ سوف تعاني من بلاءٍ قاسٍ، وتحدٍّ شديدٍ، فكم هو التَّحدِّي كبير وصعب حينما تكون الزَّوجة في كنَفِ زوجٍ فاسقٍ متمرِّدٍ على أحكام الله، ويريد لزوجته أن تتمرَّد على أحكام الله.

هنا مطلوب منها ما دامت قادرة أنْ تُجاهد لتبقى محافظة على دينها، وعلى سترها، وعلى قِيَمها.

وقد أكَّدت النُّصوص الدِّينيَّة أنْ لا تُقدِم على اختيار زوجها وشريك حياتها إلَّا إذا توفَّر على (الدِّين والخُلُق)؛ لكي لا تتورَّط في جوٍّ أسري معبَّأ بالفساد والانحراف؛ ممَّا يضعها أمام خيارات معقَّدة وصعبة.

• كتب عليُّ بن أسباط (من أبرز أصحاب الإمام الباقر عليه السَّلام)، كتب إلى الإمام الباقر في أمر بناته، وأنَّه لا يجد أحدًا مثله.

فكتب إليه الإمام الباقر (عليه السَّلام):

«فَهِمْتُ مَا ذَكَرْتَ مِنْ أَمْرِ بَنَاتِكَ، وأَنَّكَ لَا تَجِدُ أَحَدًا مِثْلَكَ، فَلَا تَنْظُرْ فِي ذَلِكَ رَحِمَكَ الله؛ فَإِنَّ رَسُولَ الله (صلَّى الله عليه وآلِهِ) قَالَ: إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَه ودِينَه فَزَوِّجُوه ﴿إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وفَسادٌ كَبِيرٌ (الأنفال/ 73)». (الكليني: الكافي 5/347، ك: النِّكاح، باب آخر منه، ح 2)

• وفي حديث آخر عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) قال:

«إذا جاءَكم مَنْ ترضون خُلُقَه ودينه فزوِّجوه.

قلت: يا رسول الله وإنْ كان دَنِيًّا في نسبه؟

قال [صلَّى الله عليه وآله]: إذا جاءَكم مَنْ ترضون خُلُقَه ودِينَهُ فزوِّجُوه ﴿إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وفَسادٌ كَبِيرٌ (الأنفال/ 73)». (الحرُّ العاملي: وسائل الشِّيعة 20/78، ك: النكاح، ب 28، ح (25078) 6)

• وجاء رجلٌ إلى الإمام الحسن (عليه السَّلام) يستشيره في تزويج ابنته، فقال (عليه السَّلام) له: «زَوِّجْها مِن رَجُلٍ تَقِيٍّ، فإنَّهُ إنْ أحَبَّها أكرَمَها، وإنْ أبغَضَها لَم يَظلِمْها». (الرَّيشهري: ميزان الحكمة 5/89، ح 8036)

• وجاء في الرِّوايات التَّحذير الشَّديد:

– من تزويج سيِّئ الخُلُق.

– ومن تزويج الفاسق.

– ومن تزويج شارب الخمر.

فكم هي الكارثة الكبرى حينما تقع المرأة المؤمنة الملتزمة في يد زوجٍ لا يملك دينًا، وخُلُقًا، والتزامًا.

هنا سؤال يُطرَح:

من خلال الرِّوايات السَّابقة نجد تأكيدًا على (الدِّين) و(الأخلاق) في اختيار الزَّوج والزَّوجة، فهل يعني هذا أنَّ (الجمال، المال، الثَّقافة، الموقع الاجتماعي) أمور لا قيمة لها، ولا يصحُّ أنْ يضعها الرَّجل أو المرأة في حسابيهما وهما يبحثان عن الشَّريك في الحياة الزَّوجيَّة؟

الجواب:

من حقِّ الرَّجل أو المرأة أنْ يبحث كلٌّ منهما عن الكفاءة الماليَّة، الكفاءة الصِّحيَّة، الكفاءة الجماليَّة،

الكفاءة الثَّقافيَّة، الكفاءة الاجتماعيَّة.

ولكن بشرط أن لا تكون هذه الأمور هي الأساس ويبقى (عنصر الدِّين) و(عنصر الأخلاق) على الهامش.

يجب أنْ يكون الأساس هو (الدِّين والأخلاق)، وعندها لا مشكلة في البحث عن الصِّفات الأخرى.

أمَّا أنْ يُبحث عن (المال والجمال) وإنْ غاب (الدِّين والأخلاق) فلن يكونَ مصير هذا الزواج إلَّا الفشل والعناء والبلاء.

• قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): «مَنْ تَزَوَّجَ امرأةً لِمَالِها وَكَّلَهُ اللهُ إليهِ، ومَنْ تزوَّجَها لجَمالِها رَأَى فيها ما يَكْرَه، ومَنْ تزوَّجَها لِدِينِها جَمَعَ الله له ذلك». (الحرُّ العاملي: وسائل الشِّيعة 20/51، ك: النكاح، ب 14، ح (25008) 5)

 

كلمة أخيرة: المقاومة الفلسطينيَّة أسقطت أُسْطُورة الجيش الَّذي لا يُقهر

المقاومة الفلسطينيَّة أسقطت أُسْطُورة الجيش الَّذي لا يُقهر، جيش الصَّهاينة الَّذي زُوِّدَ بكلِّ الإمكاناتِ العسكريَّةِ والحربيَّةِ المدعومةِ من قِبَلِ قُوى كبرى في العالم.

لماذا سَقَطتْ هذه الأُسطورة؟

لأنَّها مؤسَّسةٌ على أوهام، ومؤسَّسة على باطلٍ، وعلى ظلمٍ، وعلى عُدْوان.

وما تأسَّس على ذلك لا يملك أن يصمد، لا يملك أنْ ينتصر.

يملِك أنْ يُدِّمر، يملك أن يفتكَ ويبطش، يملك أنْ يذبح أطفالًا، وأنْ يقتل نساءً، ومرضى وشيوخًا كبارًا، يملك أنْ يعبث ما شاء له العبث، وأنْ يرهبَ ما شاء له الإرهاب، وأنْ يعنف ما شاء له العنف.

ولكنَّه لا يملك أنْ ينتصر؛ لأنَّ النَّصرَ لا يكون لقُوى الشَّر، ولا يكون لقُوى البغي، ولا يكون لقُوى العدوان، مهما تمترست بأسلحة الشَّرِ والبغي والعُدوانِ.

إنَّما النَّصرُ لقُوى الخيرِ، لقُوى العَدْلِ، لقُوى السَّلام.

هكذا مكتوبٌ لقُوى المقاومةِ في غزَّة وفي كلِّ فلسطين أنْ تنتصر مهما طال الجهاد، ومهما طالت المواجهة، ومهما طال العدوان.

نعم مطلوبٌ جدًّا أنْ تتوحَّدَ قُدُراتُ العرب، وأنْ تتوحَّد قُدُراتُ المسلمين في دعم المقاومة على أرض فلسطين، الدَّعم بكلِّ أشكاله وأنواعه.

إذا توحَّدت هذه القُدُرات، قُدُرات العرب، وقُدُرات المسلمين، فسوف يكون لأمَّتنا شأنٌ غير هذا الشَّأن، ولكان لأمَّتنا حضورٌ غير هذا الحضور، حضورٌ في كلِّ المساحاتِ السِّياسيَّة والأمنيَّة والاقتصاديَّة، والثَّقافيَّة، والإعلاميَّة.

كيف يتشكَّل هذا الحضور؟

حينما تتوحَّد قُدُراتُ الأنظمة، وقُدُراتُ الشُّعوب، حينما تتوحَّد قُدُرات السِّياسة وقُدُرات الاقتصاد، وقُدُرات الإعلام، وبقيَّة القُدُرات.

ماذا يحدثُ إذا غابت قُدُرات الأنظمة؟

ماذا يحدثُ إذا غابت قُدُرات الشُّعوب؟

ماذا يحدثُ إذا تناقضتْ قُدُراتْ الأنظمة وقُدُرات الشُّعوب؟

المآلات خطيرة، اهتزاز في المواقف، انهزامات.

وسوف يكون لكلِّ ذلك منتجات سلبيَّة على قضيَّة أمَّتنا في فلسطين، على جهاد المجاهدين، هذه القضيَّة التي هي أمانة في أعناق كلِّ المسلمين أنظمة وشعوبًا، وهذا الجهاد الذي يحفظ للعرب والمسلمين عزَّتهم وكرامتهم وشرفهم وسؤددهم.

وآخر دَعْوَانَا أن الحمد للهِ ربِّ العالمين.

Show More

Related Articles

Back to top button