حديث الجمعة 626:أهداف موسمِ الصِّديقةِ الزَّهراءِ (عليها السَّلام) – وعاد البطشُ الصُّهيوني
مسجد الإمام الصَّادق (عليه السَّلام) – القفول - حديث الجمعة (626) التَّاريخ: يوم الخميس (ليلة الجمعة) 22 جمادى الأولى 1445هـ الموافق: 07 ديسمبر 2023 م
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصَّلاةُ والسَّلام على سيِّدِ الأنبياءِ والمرسلين مُحمَّدٍ وآلِهِ الهُداةِ الميامين.
السَّلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه.
♦ أهداف موسمِ الصِّديقةِ الزَّهراءِ (عليها السَّلام)
لا زلنا مع موسمِ الصِّديقةِ الزَّهراءِ (عليها السَّلام)
الحديث إلى حَملة الخطاب الدِّيني (وبالأخص خطباء المنبر الحسيني)
والحديثُ هنا مُوجَّهٌ إلى حَمَلةِ الخطابِ الدِّيني وأخصُّ بالذِّكرِ (خُطباءَ المنبرِ الحُسَيني)؛ لأنَّ حُضورَهم هو الأَوسعُ والأكثرُ تأثيرًا في هذا الموسمِ الفاطمي وفي بقيَّة المواسمِ والمناسبات.
مطلوبٌ جدًّا من هؤلاءِ الخطباء زادهم الله توفيقًا وتسديدًا أنْ يكونوا على معرفة تامَّة بأهدافِ هذا الموسم الفاطمي العظيم.
إنَّ غيابَ هذه المعرفة، أو غيابَ جزءٍ منها يُفقدُ الخطاب نجاحه في التَّعاطي مع هذا الموسم الفاطمي.
أحاول في هذه الكلمة أنْ أوجز أهمَّ الأهداف لهذا الموسم.
أهْدَافُ هذا الموسم
(1) إنتاجُ الوعي
(٢) إنتاجُ الوهجِ العَاطفي
(۳) إنتاجُ العُشقِ الرُّوحي
(٤) صناعةُ السُّلوكِ الإيماني
(٥) أن يتحَوَّل مَوْسِمًا رساليًّا
الهدف الأوَّل: إنتاجُ الوعي
إنتاج الوعي القادر على أنْ يُعرِّفَ الأجيالَ بشيئ من مقامات الصِّدِّيقة الزَّهراء (عليها السَّلام)، وأقول بشيئ من مقامات الزَّهراء (عليها السَّلام)؛ لأنَّ قدراتِنا عاجزةٌ أنْ تستوعبَ تلك المقامات الكبيرة.
وهذا لا يعني أنَّ التعريف بالصِّدِّيقة الزَّهراء (عليها السَّلام) يجب أنْ ينحجز في هذا الموسم فقط، بل يجب أنْ يكون مُتحرِّكًا في كلِّ الأزمنة وفي كلِّ المناسبات.
نعم إنَّ هذا الموسمَ فرصةٌ كبيرةٌ جدًّا للانفتاحِ على بعض جوانب مُركَّزة من حياة الصِّدِّيقة فاطمة الزَّهراء، فسيرتها (عليها السَّلام) حافلةٌ، وتاريخها رغم قِصَرِ عمرها حافلٌ، وكلماتُها وخطاباتُها حافلةٌ، وكلُّ مَقطعٍ من حياتها حافلٌ.
فماذا قدَّم خطابُ هذا الموسم عن الزَّهراء (عليها السَّلام)؟
وماذا قدَّم خطابُ هذا الموسم عن تاريخها، عن مدرستها، عن جهادها، عن أخلاقها، عن عبادتها؟
الهدف الثَّاني: إنتاج الوهج العاطفي
من أهدافِ هذا الموسم الفاطمي (إنتاج الوهج العاطفي)
مطلوبٌ أنْ نعيش الحزنَ والدَّمعةَ في ذكرى الشَّهادة.
ومطلوبٌ أن نعيش الفرحَ والبسمةَ في ذكرى الولادة.
لسنا مع انضابِ الدَّمعةِ، ولسنا مع انضابِ البسمةِ.
فهذا الانضاب يقتل الوهجَ الوجداني.
فنحن نصرُّ على بقاءِ الدَّمعةِ.
ونصرُّ على بقاءِ البَّسْمةِ.
ولكن… أيَّةُ دمعةٍ، وأيَّةُ بسمةٍ؟
الدَّمعةُ المشحونةُ بالوعي الإيماني.
والبَّسمةُ المشحونةُ بالعقيدةِ والبصيرة.
أمَّا إذا تفرَّغت الدَّمعة من وعي الإيمان.
وأمَّا إذا تفرَّغت البَّسمةُ من ثقافةِ العقيدة كانت دمعةً تائهةً، وكانت بَسْمةً ضائعةً
أئمَّتنا (عليهم السَّلام) حينما قالوا:
«أحْيوا أمْرَنا رَحِمَ اللهُ مَن أحْيا أمْرَنا». (الحرُّ العاملي: هداية الأمَّة إلى أحكام الأئمَّة (ع) 5/137، (استحباب الاجتماع وإحياء أمر الأئمَّة (ع))، ح 860)
أرادوا:
– أنْ يبقى نهجُهُم.
– أنْ تبقى مدرستُهم.
– أنْ تبقى قيمُهم.
– أنْ تبقى سيرتُهم.
– أنْ يبقى خطابُهم.
– أنْ تبقى كلماتُهم.
– أنْ يبقى علمُهُم.
فهل تبقى هذه الأهداف بمجرَّد دمعة؟
وهل تبقى هذه الأهداف بمجرَّد بسمة؟
نعم يأتي دورُ الدَّمعةِ، ويأتي دورُ البسمة في تجذير الأهدافِ.
ويأتي دورُ الدَّمعةِ، ويأتي دورُ البسمة في تجذير الانصهار.
ويأتي دورُ الدَّمعة، ويأتي دورُ البَّسمةِ في تجذير الولاء.
هنا يتزاوجُ الوعيُ مع العاطفةِ.
فعاطفةٌ مفرَّغةٌ من الوعي عاطفةٌ منفلتةٌ، ضائعة.
ووعيٌ مفرَّغٌ من العاطفةِ وعيٌ متكلَّسٌ، راکدٌ.
فمسؤولية الخطاب أن يُزاوج بين الوعي والعاطفة مزاوجة مدروسة وبصيرة.
الهدف الثَّالث: إنتاج العُشْقِ الرُّوحي
من أهداف الموسم الفاطمي (إنتاج العُشْقِ الرُّوحي)
ماذا يعني العشق الرُّوحي؟
يعني درجة عالية جدًا من الذَّوبان والانصهار في حبِّ الله سبحانه وتعالى.
• «أوحى اللهُ تعالى إلى بعضِ الصِّدِّيقينَ: إنَّ لي عِبادًا مِن عِبادي يُحِبُّوني وأحِبُّهم، ويَشْتاقونَ إلَيَّ وأشْتاقُ إلَيهِم، ويَذْكروني وأذْكُرهُم …
أقَلُّ ما اعْطيهِم ثلاثًا:
الأوَّلُ: أقْذِفُ مِن نُوري في قُلوبِهِم، فيُخْبِرونَ عَنِّي كما أخْبِرُ عَنهُم.
والثَّاني: لَو كانتِ السَّماواتُ والأرَضونَ وما فيهِما في مَوازينِهِم لاسْتَقْلَلْتُها لَهُم.
والثَّالث: أُقبِلُ بِوَجْهي علَيهِم، أفَتَرى مَن أقْبَلْتُ بوَجْهي علَيه يَعلَمُ أحَدٌ ما أُريدُ أنْ أعْطيَهُ؟!».
(الشَّهيد الثَّاني: مسكِّن الفؤاد، ص 28، (من صفات المحبِّين لله تعالى))
ونحن في موسم الصِّدِّيقة الزَّهراء (عليها السَّلام) يجب أنْ نتعلَّم منها معنى العشقِ والذَّوبانِ في حبِّ الله، فهي (عليها السَّلام):
– الذائبةُ في عُشقِ الله.
– المتهجِّدةُ بالأسحارِ.
– الخاشعةُ في صلاتِها، في دعائِها، في أذكارِها، في تلاوتِها، كما تحدَّث عنها أبوها الحبيب المصطفى (صلَّى الله عليه وألِهِ وسلَّم).
مطلوبٌ من موسم الزَّهراء (عليها السَّلام):
أن ينفتح بنا على شيئ من رَوحانيَّة الزَّهراء (عليها السَّلام)، فعسى أنْ تنصبغ حياتنا، أخلاقنا، عبادتنا، ممارساتنا بشئٍ من هذه الرَّوحانيَّة.
فلا قيمة لأفكارٍ تعيش جفافًا روحيًّا.
ولا قيمة لعواطف تحمل نضوبًا روحيًّا.
ولا قيمة لممارسات لا تملك إشراقًا روحيَّا.
الهدف الرَّابع: صناعة السُّلوك الإيماني
من أهداف هذا الموسم (صناعة السُّلوك الإيماني، صناعة التَّقوى، صناعة الأخلاق)
إذا تجمَّدنا عند الأفكار.
إذا تجمَّدنا عند العواطف.
إذا تجمَّدنا عند الرَّوحانيَّات.
وغاب السُّلوك، وغاب الورع، وغابت التَّقوى؛ فقد غاب الهدف الأكبر وهو (التَّمثُّل العملي، والطَّاعة والالتزام).
نعم هذا التَّمثُّل، وهذا الالتزام، وهذه الطَّاعة في حاجة كبيرة إلى الوعي وإلَّا انحرف التَّمثُّل والالتزام، وانحرفت الطَّاعة.
وكذلك هذا التَّمثُّل والالتزام في حاجة إلى النَّبض الرُّوحي والوجداني؛ للتَّخلُّص من الرُّكود والخمود، إلَّا أنَّ الأفكار والمشاعر تبقى بلا قيمة إذا لم تتحوَّل إلى سلوك وممارسات.
الهدف الخامس: أن يتحوَّلَ مَوْسِمًا رِسَالِيًّا
من أهداف هذا الموسم: أن يتحوَّلَ مَوْسِمًا رِسَالِيًّا.
وماذا نعني بالموسم الرِّسالي؟
أنْ يكون الموسم منطلقًا لتنشيط القدرات والطَّاقات في خدمة أهداف الدِّين، وفي التَّصدِّي لكلِّ أشكالِ الانحرافِ التي أصبحت تهيمن على مساحاتٍ كبيرة في أوطان المسلمين.
فالأفكار الضَّالة، والقِيَم الفاسدة، والظَّواهر الفاسقة، والعادات المنحرفة قد أصبحت تشكِّل تهديدًا كبيرًا وخطيرًا لهويَّة أوطاننا وشعوبنا ومجتمعاتنا، وهي مدعومة من قبل مواقع رسميَّة في أوطان المسلمين.
فمطلوبٌ من موسمٍ كبير كموسم الزَّهراء (عليها السَّلام)، أنْ يؤسِّس لانطلاقاتٍ تبليغيَّة فاعلةٍ في مواجهة كلِّ الأوضاع الفاسدة والفاسقة والمنحرفة في مجتمعات المسلمين.
مسؤوليَّة الخطاب في هذه المواسم الدِّينية الكبيرة أنْ يقول الكلمة الجريئة في التَّصدِّي لكلِّ الواقع الفاسد بكلِّ امتداداته وبكلِّ تحدِّياته، ربما يكون لهذه المواقف أثمان باهضه ومكلفة، نعم يجب أنْ تكون أساليب التَّصدِّي للواقع الفاسد خاضعة لدرجة عالية من الحكمة والبصيرة، والقراءة الموضوعيَّة الكفوءة، واعتماد اللُّغة القادرة أنْ تواجه الباطل في كلِّ امتداداته وتحدِّياته، واعتماد الأدوات الخاضعة للضَّوابط الشَّرعيَّة، والمحكومة للمعايير الفقهيَّة بعيدًا عن كلِّ أشكال العنف والتَّطرُّف.
♦ كلمة أخيرة: وعاد البطشُ الصُّهيوني
وعاد البطشُ الصُّهيوني بكلِّ جنونِهِ وقسوتِه وعنفِهِ وسفهِهِ، عاد هذا البطش، لأنَّ قوى كبرى تدعم، ولأنَّ هناك صمتًا، ولأنَّ هناك تآمرًا، إلَّا أنَّ هذا الاستمرار في البطشِ وسفكِ الدَّماء، والاعتداءِ على الحرمات والمقدَّسات لن يكسرَ عنفوانَ المجاهدين مهما أعطوا من دماء، ومهما أعطوا من تضحيات، فصمودهم لن يُقهر، وعنفوانُهم لن يضعف، وإرادتهم لن تُكسر، فهُمْ أصحابُ مبدأ، وأصحابُ عقيدة، وعُشَّاق شهادة.
فكلُّ قوى الطُّغيان مهما تفرعنت، ومها طاشت، ومهما أرعبت لا تملك أنْ تقهر مبدأ، ولا تملك أنْ تهدم إيمان، ولا تملك أنْ تسقط عقيدة.
الصَّهاينة يقاتلون لأنَّ نظامًا سارقًا وظَّفهم، ولأنَّ إرادة طائشة فرضت عليهم أن يقاتلوا، أن يذبحوا أطفالًا، نساءً، شيوخًا، أنْ يستهدفوا منازل، مساجد، مستشفيات …
أن يُدمِّروا أمنًا، سلامًا، حياةً …
أنْ يدمِّروا كلَّ شيئ مِنْ قِيَم، مِنْ مُثُلٍ، مِنْ عِزَّة، مِنْ شرف …
وما زالت أنظمة الغرب تدعم ماليًّا وعسكريًّا وإعلاميًّا، تدعم هذا الكيان الغاصب في كلِّ نَزَقه، وبطشه وعدوانه، هكذا وبلا خجل ولا مراجعة، فأين ضمير العالم، وأين المنظَّمات الإنسانيَّة، ولماذا هذا الصَّمت؟!
ثمَّ أين مواقفُ عالَمِنا العربي، وعَالَمِنا الإسلامي من الجرائم التي يندى لها الجبين؟!
صدرت إدانات، صدرت بيانات، صدرت كلمات، إلَّا أنَّها لا تُشكِّل مواقفَ ردع، تتناسب وحجم الانتهاكات الصهيونيَّة، وحجم الجرائم الكبرى والمجازر العظمى التي طالت كلَّ شيئ على الأرض، طالت المدارس والمساجد والمستشفيات والمنازل، وقتلت أطفالًا ونساءً وشيوخًا، هكذا البطش، وهكذا القتل، وهكذا الدَّمار والعالم يتفرَّج، والعالم صامت، والضَّمير غائب، والوجدان في إجازة.
شعوبنا العربيَّة وشعوبنا الإسلاميَّة كانت لها مواقف، وهي مواقف مثمَّنة ونبيلة، وتعبِّر عن غَيرة هذه الشعوب، وكم هي القوة لو توحَّدت إرادات الأنظمة مع مواقف الشُّعوب، هنا نؤكِّد على ضرورة تجميد الخلافات، والاصطفاف للوقوف مع الشَّعب الفلسطيني في صموده، وفي جهاده، وفي معاناته، وفي مأساته.
ومن أجل تعزيز هذا التَّقارب الرَّسمي الشَّعبي الدَّاعم لشعبنا في فلسطين مطلوبٌ جدًّا أن تعالج بعض الملفَّات العاجلة، ملفات عاطلين، ملفات سجناء، ملفات أمن، ملفات اقتصاد… هذه المعالجات سوف تعزِّز وبلا إشكال لحمة التَّقارب بين الأنظمة والشُّعوب في مرحلةٍ أمَّتُنا في أمسِّ الحاجة إلى هذا التَّقارب وإلى هذا التَّواصل، لتكن قضيَّة شعبنا في فلسطين فرصة مناسبة لمراجعة بعض ملفات الأوطان، هذه الملفات التي ظلَّت تشكِّل أحد أهمِّ أسباب التَّأزيم السِّياسي والأمني في الكثير من أوطاننا، وليس عسيرًا أنْ تُعالج هذه الملفَّات متى خلُصت النَّوايا، وتلاحمت الإرادات، ونشطت الهِمم، وقَويت العزائم.
وآخر دَعْوَانَا أنْ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين.