حديث الجمعة 620: عقيدة الانتظار ليست فكرة أُسطوريَّة – المعركة وفق منظور الانتظار – غزَّة تستصرخ ضمير العالم
حديث الجمعة 620 - الموافق 19 اكتوبر 2023 - التاريخ 3 ربيع الثاني 1445 | مسجد الإمام الصادق(ع) بالقفول - البحرين
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيِّدِ الأنبياءِ والمرسلين مُحمَّدٍ وآلِهِ الهُداةِ الميامين.
السَّلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه.
لا زال الحديث مستمرًا حول الإمام المهديّ المنتظر (عليه السَّلام)، وهو حديثٌ يحمل أهميَّة كبرى على مستوى الحاضر وعلى مستوى المستقبل، وقد بات هذا العنوان يقلق دولًا كبرى في العالم، لأنَّ الحديث عن هذا المصلح الأعظم هو الحديث عن انتهاء كلّ الكيانات العظمى المهيمنة على العالم سياسيًّا، واقتصاديًّا، وأمنيًّا، وعسكريًّا.
إنَّه ليس حديثَ أحلامٍ وتمنيَّاتٍ، ولا حديثَ أوهامٍ وخيالات، ولا حديث أساطير وخرافات كما يتحدث بعض المُهرِّجين والمُزيِّفين والمُضلِّلين وصُنَّاعُ الأكاذيب.
نقرأ في بعض كتاباتِ التَّزييفِ والتَّضليل كلمات لا تملك رُشدًا، ولا بصيرةً، ولا عِلْمًا، ولا فهمًا.
بقدر ما تملك جهلًا، وغَبشًا، وكذبًا، وزُورًا، وزيفًا، وعبثًا.
هذه بعض كلماتهم:
- عقيدة الانتظار فكرة أُسطوريَّة.
- فكرة المهديّ بدعة أنتجها العقل الشِّيعيّ.
هذه مقولاتٌ تنطلق:
- إمَّا مِن جهلٍ فاحشٍ بقضيَّة الإمام المنتظر (عليه السَّلام).
- أو مِن رغبة في التَّدليس والتَّزوير.
- أو مِن دوافع تؤسِّس للخلافات والصِّراعات.
قولوا لي بربِّكم:
كيف يمكن لقضيَّة تملك رصيدًا هائلًا مِن الأحاديث والرِّوايات الصَّحيحة سندًا، بل والمتواترة بحسب تعبير علماء الحديث والرِّجال مِن كافة المذاهب، أنْ تكون أسطورة وخرافة؟!!
[[صدر لي كتاب اسمه (الإمام المنتظر قراءة في الإشكاليَّات) ستَّة مجلدات، عالجت في هذا الكتاب ما صدر مِن (أحاديث) دوَّنتها أهم مصادر الحديث المعتمدة عند المسلمين بمختلف مذاهبهم تؤكِّد قضيَّة الإمام المهديّ المنتظر (عليه السَّلام) في آخر الزَّمان.
دوَّن الكتاب أكثر مِن مائة مصدر مِن أهم مصادر الحديث غير الشِّيعيَّة التي روت (أحاديث المهديّ) بأسانيد تامَّة وصحيحة، بل متواترة.
ومِن الملفت للنَّظر أنَّ عددًا مِن هؤلاء الأعلام الذين صنَّفوا كتبًا تضمَّنت (أحاديث المهديّ) قد عاشوا في عصر سبق العصر الذي وُلِد فيه (الامام المهديّ الثَّاني عشر مِن أهل البيت) والذي وُلِدَ سنة 255 هجريَّة.
أشير هنا إلى أسماء بعض هؤلاء:
(1) الحافظ الصَّنعاني (ت 211 م) ذكر في كتابه (الجامع الكبير) أحاديث الامام المهديّ (عليه السَّلام).
(2) الحافظ ابن حمّاد (ت 228 هـ) ذكر في كتابه (الفتن والملاحم) أحاديث الإمام المهديّ (عليه السَّلام).
(3) الحافظ ابن أبي شيبه (ت 235 هـ) ذكر في كتابه (المُصنف في الأحاديث والآثار) أحاديث الإمام المهديّ (عليه السَّلام).
(4) الإمام أحمد بن حنبل (ت 241 هـ) ذكر في كتابه (المُسند) أحاديث الإمام المهديّ (عليه السَّلام).
وهناك مصادر أخرى كان مصنّفوها مِن المعاصرين للغيبة الصُّغرى.
مِن هذه المصادر:
(1) السُّنن للحافظ ابن ماجه (ت 273 ه) (أحد الكتب السِّتَّة المعتمدة)
(2) السُّنن للحافظ أبي داود (ت 275 ه) (أحد الكتب السِّتَّة المعتمدة)
(3) السُّنن للحافظ التُّرمذي (ت 279 ه) (أحد الكتب السِّتَّة المعتمدة)
(4) المُسْند الكبير للحافظ البزار (ت 292 ه)
(5) المُسند للحافظ أبى يعلى (ت 307 ھ)
(6) المسند للحافظ الرّوياني (ت 307 ه)
(7) صحيح ابن خزيمه (ت 311 ه)
وهناك مصادر كثيرة جدًّا أُلِّفت منذ بدايات الغَيبة الكبرى سنه 329 هـ وحتَّى العصر الحاضر.
وأنا حينما أتحدث هنا عن المصادر التي دوّنت (أحاديث المهديّ) لا أضع في الحساب (المصادر
الشِّيعيَّة) وهي كثيرة جدًّا.
أيصح بعد هذا أنْ يُقال بأنَّ قضيَّة المهديّ أسطورة أو خرافة؟!!]
إذًا يتَّفق علماء المسلمين على (قضيَّة المهديّ المنتظر) ولا يضرّ وجودُ بعضِ مَنْ شذَّ وهم قلَّة جدًّا.
اتفقوا:
- أنَّ المهديّ المنتظر مِن عُترة النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم).
- ومِن وُلد فاطمة الزَّهراء (عليها السَّلام).
واختلفوا:
فقالت طائفةٌ مِن المسلمين أنَّه الإمام الثَّاني عشر مِن أئمَّة أهل البيت، والذي وُلِدَ سنة 255 هـ وغاب غيبتين غيبة صغرى استمرت سبعين عامًا، وغيبة كبرى لا زالت مستمرة.
ولا ينفرد (الشِّيعة) بهذا القول.
في كتابي (الإمام المنتظر قراءة في الإشكاليَّات) دوَّنت أسماءَ ما يقرب من سبعين عالمًا مِن علماء المسلمين غير الشِّيعة يقولون بأنَّ المهديّ المنتظر هو (الإمام الثَّاني عشر مِن أئمَّة أهل البيت الذي ولد وغاب).
وأمَّا الطَّائفة الأخرى مِن المسلمين فتذهب إلى أنَّ الإمام المهديّ (عليه السَّلام) يُولد في آخر الزَّمان.
إذًا يتَّفق المسلمون:
أنَّ هناك إمامًا منتظرًا يظهر في آخر الزَّمان.
وهو مُصلحٌ يُنهي الظُّلم والفساد في الأرض، وينشر العدل والأمن والسَّلام.
وهو مِن أهلِ بيت النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم).
فلماذا لا يجتمع المسلمون على هذه المشتركات؟
ولماذا لا يمارسون جميعًا ثقافة الانتظار؟
وثقافة الانتظار لا تعني الجمودَ والرُّكودَ والتَّخلِّي عن المسؤوليَّات.
هذا هو انتظار اليائسين المُنهزمين.
وهذا هو انتظار العاطلين والمُعطّلين.
وهذا هو انتظارُ الكُسَالى والخاملين.
وهذا هو انتظار السُّذجِ والجاهلين.
الثَّقافة التَّعطيليَّة تُسيئ إلى قضيَّة الانتظار، وهي ثقافة لا يحملها إلَّا أحد أصناف ثلاثة:
(الصِّنف الأوَّل):
مَنْ لا يَملكُ وعيًا بقضيَّة الانتظار
وإنَّما يفهم الانتظارَ فهمًا متخلِّفًا ساذجًا لا يتجاوز التَّمنيات، وبعض أورادٍ وممارسات.
(الصِّنف الثَّاني):
مَنْ يملك فهمًا مُعطّلًا
فالانتظار لدى هذا الصِّنف جمودٌ وركودٌ وتخلِّي عن كلّ المسؤوليَّات، ما دام الإمام المنتظر (عليه السَّلام) هو الذي سوف يُصلِح العالم وينهي كلَّ الظُّلمِ والفسادِ، فلا داعي أنْ نشغل أنفسنا بهذه المهام، ففريضه الدَّعوة إلى الله، وفريضة الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، وفريضة الجهاد كلّ هذه الفرائض ساقطة في عصر الغَيبة، ومؤجَّلة إلى عصر الظُّهور.
ووفق هذا الفهم المغلوط، ليترك للصَّهاينة أنْ يعبثوا ما يشاءون، وأنْ يبطشوا، وأنْ يُدمِّروا، وأنْ ينشروا في الأرض الفساد، وأنْ يقتلوا حتَّى الرُّضع والصِّغار، والعجّز والنِّساء.
(الصِّنف الثَّالث):
مَنْ يملك فهمًا ضالًّا منحرفًا كلَّ الانحراف
فالانتظار عند هؤلاء تنشيط لحركة الانحراف والفساد، والضَّلال، والظُّلم والطُّغيان، وبقدر ما تنشط هذه الحركة تعجّل بفرصة الظُّهور، فلا ظهور إلَّا إذا امتلأت الأرض ظُلمًا وجورًا وفسادًا وانحرافًا.
هذه الأنماط مِن الانتظار مرفوضة جدًّا جدًّا، وهي صناعة جهلٍ وغباء، أو صناعة سَفَهٍ وانحراف، أو صناعة تيه وضلال.
مطلوب أنْ نفهم الانتظار وقدةَ إيمان.
أنْ نفهم الانتظار ثقافةَ دين.
أنْ نفهم الانتظارَ قِيمًا، مُثُلًا، أخلاقًا.
أنْ نفهم الانتظارَ تقوىً، ورعًا، صَلاحًا.
أنْ نفهم الانتظار عطاءً، حراكًا، جهادًا
فمطلوبٌ جدًّا في هذا العصر أنْ يرتفع (شعار الانتظار) في عصرٍ تزدحم كلُّ الشِّعارات الضَّالة، وكلُّ الشِّعاراتِ الفاسدة، وكلُّ الشِّعاراتِ المارقة، وكلُّ الشِّعارات الفاسقة.
الانتظار في مضامينه الكبرى عنوان هذا العصر بكلِّ تحِّدياتِه، وبكلِّ غواياته وبكلِّ ما يحمل مِن ظلمٍ وجورٍ وفساد.
وما كانت الكلمة الصَّادرة عن نبيِّنا الأعظم (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) والقائلة: «أفضلُ العبادةِ انتظارُ الفَرَجِ» إلَّا تعبيرًا كبيرًا عن القِيمة العظمى لهذا العنوان، في كلِّ مساراتِهِ التي تتحدَّى كلَّ مشاريع الضَّلال، والعبث، والفتك، والدَّمار.
فالمعركة وفق منظور الانتظار
:
معركة إيمانٍ وكفر.
ومعركة هُدى وضلال.
ومعركة حقٍّ وباطل.
ومعركة عدلٍ وظُلم.
ومعركة صَلاحٍ وفساد.
فإذا كان الصَّهاينة قد استنفروا كلَّ قُواهم، وكلَّ بطشهم، وكلَّ فتكهم، وكلَّ ظُلمهم، وكلَّ حقدهم …
وإذا كانت قوى الاستكبار في الأرض اصطفَّت، وتنمَّرت، وتوثَّبت، وتأسَّدت.
كلُّ ذلك مِن أجلِ أنْ يموت شعبٌ مظلوم.
مِن أجلِ أنْ تنكسر إرادتُه.
مِن أجلِ أن يَضعف عنفوانُه.
مِن أجلِ أنْ تسقط كرامتُه.
مِن أجلِ أنْ يصمتَ ضميرُه.
مِن أجلِ أنْ تخمدَ ثورتُه.
إلَّا أنَّ طوفانَ الأقصى أربك كلَّ المعادلات، وأسقط كلَّ الرِّهانات، وغيَّر كلَّ الحِسابات، وأنهى كلَّ الخيارات إلَّا خيارَ الجهاد والمقاومة، وخيارَ التَّحدِّي والصُّمود، وخيارَ العِزَّة والكرامة، وخيارَ الموت والشَّهادة.
وتستمر آلةُ الحربِ الصُّهيونيَّة تقتل، وتُبيد، وتُدمِّر، وتحرق …
وهذه غزَّة تستصرخ ضمير العالم إنْ بقي شيئٌ مِن ضمير، وتستصرخ كلّ المسلمين، أوطانًا، شُعوبًا، أنظمةً، فكم وصلت إلينا هذه الصَّرخات؟
عبَّرت شعوبنُا عن غضبها، ارتفعت هتافاتُها، قالت كلمتَها، مُسَاندةً، مندِّدةً، باذلةً، وما كانت لتبخل حتَّى بأرواحها ودمائها لو كان السَّبيل ميسورًا.
وماذا قدّمتْ الأنظمة في أوطانِ المسلمين؟
بيانات التَّنديد لها قِيمة.
الإغاثات الماديَّة لها قِيمة.
ولكنَّ المطلوبَ مِن الأنظمة أكبر، على مستوى قراراتِ السّياسة، والأمن والاقتصاد، والعلاقات.
وهكذا تتشكَّل إرادةُ أُمَّتِنا، وخياراتُ شعوبنا، ومواقف أنظمتِنا.
حينما تموت هذه الإرادة.
وحينما تسقط هذه الخيارات.
وحينما تتبلَّد هذه المواقف.
«نكون غُثاءً كغُثاءِ السَّيل تتداعى علينا الأممُ كما تدعى الأكلة على قصعتها».
هكذا صدرت الكلمةُ عن نبيِّنا (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم).
فهل يُوقظ طوفانُ الأقصى في أُمَّتِنا، في أوطانِنا، لدى أنظمتِنا، لدى شعوبِنا، عَزمةَ الإرادة، عنفوانَ الصُّمودِ، شُموخ التَّحدِّي؟
رُبَّما لا يكون الأمر كذلك، فمطلوب جدًّا أنْ توظَّف هذه اليقظة، وإلَّا ضاعت.
ورُبَّما لا يكون الأمر كذلك فالخسارة كبيرة.
ولا نشكّ أنَّ هذا الطُّوفان أعطى لأبطال المقاومة شحنًا كبيرًا مِن الأمل والقُوَّة والصَّلابة والصُّمود والتَّحدِّي.
وقد جَنَّ جنون الصَّهاينة النُّذلاء، فأصبحوا يقتلون ويدمِّرون ويحرقون، لا يستثنون نساءً وأطفالًا، ولا مرضى وعجزى، ولا مساجد ومدارس ومستشفيات.
ها هي المجزرة الكبرى والتي أودت بآلافِ الضَّحايا مِن المدنيين، والعالم صامت يتفرج، وقوى كبرى لا تحرِّك ساكنًا.
ولكنَّ هذه الأعمالَ الحمقى سوف تكون بإذن الله بدايةَ النِّهايةِ لهذا الكيانِ الغاصبِ، ولهؤلاء الجُناة الحاقدين.
فإلى متى تبقى الأيدي تَمتدُّ لتصافحَ الصَّهاينة؟
أما آن الأوان أنْ تتطَّهر الأيدي مِن هذا التَّلوُّث والدَّنس، فهؤلاء هم أعداء الله، وأعداءُ الإسلام، وأعداء أُمَّتننا، وكلِّ أوطاننا، وكلِّ شعوبنا.
فالبدار البدار إلى مواقفِ عِزَّة وفخار، ومواقفِ بطولةٍ واقتدار، وإلَّا فالتَّاريخ سوف يكون الشَّاهد على مواقف ذِلٍّ وعار.
وحسابُ الله المقتدرِ أقسى حساب، وانتقامُهُ أصعبُ انتقام، وأخذُهُ أشدُّ أخذٍ وعذاب.
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ}. (الحج/1 – 2)