حديث الجمعة 618: في ذكرى إمامةِ المهدي المنتظر (ع) – كلمة أخيرة حول ما حدث لموظَّفي طيران الخليج من أبناء هذا الوطن
في ذكرى إمامةِ المهدي المنتظر (عجَّل الله فرجه)
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيّدِ الأنبياء والمرسلين محمَّدٍ وآلِهِ الهُداةِ الميامين.
السَّلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه.
عنوانُ حديثِ الليلة: (في ذكرى إمامةِ المهدى المنتظر (عجَّل الله فرجه))
بدأت إمامةُ المهدي من آل محمدٍ (صلَّى الله عليه وآله) في التَّاسع من ربيع الأوَّل، سنه مائتين وستِّين للهجرة.
وكانت حياتُه (عليه السَّلام) منتظمةً ضمن ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: مرحلة الغَيبة الصُغرى
بدأت سنة 260 هـ وانتهت سنة 329 للهجرة، أي استمرت ما يقرب سبعين سنة.
المرحلة الثَّانية: مرحلة الغَيبة الكبرى
بدأت سنة 329 للهجرة ولا زالت مستمرة حتى الآن، قطعت من الأشواط أكثر من ألف سنة.
المرحلة الثَّالثة: مرحلة الظهور وقيامِ الدَّولةِ الإسلاميَّة العظمى التي تحكم العالم
وهذا ما تترقَّبه البشريَّة بكلِّ تلهُّفٍ وشوق.
وانتظار دولة العدلِ الكبرى في آخرِ أشواط البشريَّة ليست عقيدة شيعيَّة أو إسلاميَّة وإنَّما هي عقيدة يؤمن بها كلُّ البشر.
أخطر قضيَّة شغلت العقل البشري منذ أقدم العصور ولا زالت تشغله حتى هذا العصر هي قضيَّة (نهاية التَّاريخ).
المقصود بنهاية التَّاريخ آخر أشواط البشريَّة على هذه الأرض.
بدأ تاريخ هذا الإنسان على الأرض منذ (هبط آدم وحواء) إلى الأرض.
وتعاقبت على تاريخ البشريَّة (أنبياء) و(فراعنة)، عدد الأنبياء كما في بعض النصوص الدينيَّة (124 ألف نبي).
فما آخر أشواط البشريَّة (حكومة الأنبياء) أو (حكومة الطواغيت)؟
(حكومة الأخيار) أو (حكومة الأشرار)؟
تؤكِّد كتب الأديان وكلمات الفلاسفة الكبار أنَّه في نهاية التاريخ سوف تحدث (معركة عظمى لم يشهدها تاريخ البشريَّة)، وسوف ينتصر في هذه المعركة (الخير على الشَّر) و(العدل على الظُّلم).
• يقول الفيلسوف الإنجليزي راسل: “إنَّ العالم في انتظار مصلح يُوحِّد العالم تحت عَلَمٍ واحد وشعار واحد”.
• ويقول (أينشتاين) صاحب النظريَّة النسبيَّة: “إنَّ اليوم الذي يسود العالمَ كلَّه الصُّلح والصَّفاء ويكون النَّاس متحابين متآخين ليس بعيد”.
فالانتظار إذًا ليس من مخترعات العقل الشِّيعي بل عقيدة إسلاميَّة، وعقيدة دينيَّة، وعقيدة إنسانيَّة.
أحاديث الانتظار أطلقها النَّبيُّ الأعظم (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وهي أحاديث متواترة ومدوَّنه في كلِّ المصادر الإسلاميَّة المعتمدة.
واستمرَّت هذه الأحاديث على لسان الأئمَّة من أهل البيت (عليهم السَّلام).
هكذا تشكَّل (عنوان الانتظار)
ومطلوب أن يتحرَّك (خطابُ الانتظار) في كلِّ زمان.
محطَّات مركزيَّة تُعبِّئ للانتظار
نعم هناك محطَّات مركزيَّة تعبِّئ للانتظار، وهي ثلاث محطَّات:
المحطَّة الأولى: مناسبة ولادة الإمام المهدي (عليه السَّلام) في النِّصف من شعبان
وتشكِّل هذه المناسبة عنوانًا بارزًا جدًّا في المناسبات الدِّينيَّة، بما تحمله من مظاهر الإحياء والاحتفاء، وحرارة العواطف والمشاعر، وإن كانت مظاهر الإحياء قد اخترقتها ممارسات تتنافى كلَّ التَّنافي مع أهداف هذه المناسبة، والعلماء والخطباء دائمًا يُذكِّرون بضرورة تنقية مظاهر الإحياء للمناسبات الدِّينيَّة من كلِّ الممارسات التي تتنافى مع ضوابط الدِّين والشَّرع.
المحطَّة الثَّانية: مناسبة الإمامة في التَّاسع من ربيع الأوَّل
ففي هذا اليوم انطلقت (الإمامة الخاتمة)؛ وهي إمامة (المهدى المنتظر) والتي قُدِّر لها أنْ تكون أطول إمامة في تاريخ الإمامات، بدأت سنة 260 هجريَّة ولا زالت مستمرَّة إلى أن يشاء الله.
مناسبة الإمامة في التَّاسع من ربيع الأوَّل:
– لم تحضَ باهتمامنا
– لم تحضَ باهتمام خطابنا
– لم تحضَ بخطاب منابرنا
– لم تحضَ باهتمام جماهيرنا
وقد بدأت بعض مناطقنا تُعطي لهذه المناسبة شيئًا من الاهتمام، وإنِّي أثمِّن لهذه المناطق هذا الاهتمام، وأثمِّن للقائمين على إحياء هذه المناسبة جهدهم الكبير، وجعل الله عملهم في خطِّ الولاء لإمامنا المهدي (عليه السَّلام)، وفي خطِّ الانتظار.
المحطَّة الثَّالثة: من المحطَّات التي تعبِّئ للانتظار (يوم عاشوراء)
قد يُطرح هذا السُّؤال:
وما علاقة عاشوراء بالانتظار؟
لعاشوراء كلّ العلاقة بانتظار الإمام المهدي (عليه السَّلام)؛ فهو – أرواحنا فداه – المُعدُّ لكي يأخذ بثأر الإمام الحسين (عليه السَّلام)، وهو المنتقم من صُنَّاع فاجعة كربلاء.
حينما تقرأون زيارة عاشوراء، تجدون في موضعين ذُكر إمامنا المهدي (عليه السَّلام).
– في الموضع الأوَّل وردت هذه العبارة: «فأسأل الله الذي أكرمَ مقامَك وأكرمني بكَ أنْ يرزقني طلبَ ثارِكَ مع إمامٍ منصورٍ من أهلِ بيتِ محمَّدٍ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)».
– وفي موقع آخر وردت هذه العبارة: «… وأنْ يرزقني طلبَ ثارِكم مع إمامٍ مهديٍّ ظاهرٍ ناطقٍ بالحقِّ منكم».
وهنا أوجِّه الكلمة إلى حملةِ الخطابِ العاشورائي: اعطوا للإمام المهدي (عليه السَّلام) حضورًا كبيرًا في خطابكم العاشورائي، وفي كلِّ مسارات منابركم التي تحمل صرخة الإمام الحسين (عليه السَّلام)، هذه الصَّرخة التي وصلت إلى مسامعِ إمامك صاحب العصر والزَّمان (عليه السَّلام) وهو يتحرَّق ينتظر اللَّحظة لينتصر لدم جدِّه الحسين (عليه السَّلام) الشَّهيد في يوم عاشوراء.
إلى هنا كان الحديث عن المحطَّات المركزيَّة التي تُعبِّئ للانتظار.
وهنا محطَّات رافدة
إنَّ جميع مناسبات الولادة والشَّهادة لأهلِ البيت (عليهم السَّلام) هي محطَّات رافدة.
– فالنَّبيُّ الأعظم (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)
– والصِّديقة الزَّهراء (عليها السَّلام)
– وأمير المؤمنين (عليه السَّلام)
– والسِّبطان الحسن والحسين (عليهما السَّلام)
– وبقيَّة الأئمَّة المعصومين (عليهم السَّلام)
جميعًا أعطوا لقضيَّة (الانتظار) اهتمامًا كبيرًا جدًا، فما ورد في قضيَّةٍ من الأحاديث ما ورد في قضيَّة (الإمام المهدي عليه السَّلام)، فمطلوبٌ جدًّا أنْ تُوظَّف جميع المناسبات الدِّينيَّة في التَّعبئة لانتظار المهدي (عليه السَّلام).
وإذا أضفنا إلى ذلك (المحطَّات المتحرِّكة زمانًا ومكانًا) وأعني بذلك أنْ نوظِّف أيَّ خطاب ديني، وأيَّ برنامجٍ ديني، وأيَّ موقعٍ ديني، هنا يكون خطاب الانتظار حاضرًا في كلِّ الأزمان، وحاضرًا في كلِّ
المواقع، وهكذا يُصاغ عقل الانتظار، وهكذا تُصاغ أجيالنا في خطِّ الانتظار.
نظام السُّفراء في خطِّ الانتظار
غاب الإمام المهدي (عليه السَّلام) غَيبته الصغرى والتي استمرت قرابة سبعين عامًا كما تقدَّم القول.
لماذا هذه الغَيبة الصغرى؟
من أجل تهيئة القاعدة المنتمية إلى إمامته.
ما اعتاد هؤلاء أن يكون الإمام غائبًا، ربَّما يكون رهين سجون، ربَّما يكون مُحاصرًا، إلَّا إنَّه حاضرًا.
حينما وصلت النَّوبة إلى (الإمام المهدي) كان الوضع متغيِّرًا، مطلوبٌ ولأسباب كبيرة أن يكون الإمام غائبًا.
ولابدَّ من إعداد وتهيئة لهذا الخيار فجاءت الغَيبة الصغرى.
الإمام (عليه السَّلام) غائب عن أتباعه.
ولكنَّه يتواصل معهم عبر وسائط تمَّ اختيارهم بدقَّة لخطورة المهمَّة.
هؤلاء سمُّوا بـ (سفراء الإمام المهدي).
– وهم قممٌ في التَّقوى والورع والصَّلاح.
وهم قممٌ في العلم والفقه والوعي.
وهم قممٌ في النَّشاط والبذل والجهاد.
فالإمام بنفسه هو الذي عيَّن هؤلاء النخبة.
– مَنْ هؤلاء؟
– ما مهامهم؟
هذا ما يتناوله حديث الجمعة القادمة إنْ شاء الله.
كلمة أخيرة
كم كانت الصَّدمة كبيرة ونحن نسمع ما حدث لموظَّفي طيران الخليج من أبناء هذا الوطن، أكثر من ثلاثين موظَّفًا تمَّ فصلهم بجرَّة قلم!! والأقسى على القلب إنْ صحَّ ما يُقال أنَّهم فصلوا ليوضع مكانهم أجانب!!
صحَّ هذا أم لم يصح فالقرار جائرٌ وظالمٌ في وقتٍ تتعقَّد أزمة البطالة، وتشتدُّ قسوة المعيشة على أسرٍ محرومة، وأطفال جياعٍ، يبحثون عن لقمة عيش، وكسوة بدن.
لماذا ضاق هذا الوطن على أبنائه؟
ولماذا أصبح كبيرًا للغرباء والدُّخلاء؟
وكم نسمع أنَّ هناك جهودًا تُبذل لمعالجة أوضاعِ البطالة، وللتَّخفيف من آلام المحرومين.
ولكنَّنا نُصدم بمزيد من التَّأزيم!!
فلا زالت صيحات العاطلين تتصاعد وصرخات البائسين، وآلام الجياع …
نريد لهذا الوطن أن يكون حانيًا على أبنائه، وارف الظِّلال على شعبه، سخيًّا على مواطنيه.
لكلِّ هذا جاء قرار الفصل لموظفي طيران الخليج صادمًا، وإنَّنا نثمِّن كلَّ المواقف النبيلة التي تعاطفت مع المفصولين، وأعربت عن غضبها تجاه هذا القرار.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.
وصلَّى الله على محمَّد وآله الطَّاهرين.