حديث الجمعة 615: قراءةٌ تقويميَّةٌ لمراسيم الإحياء العاشورائيِّ (2) | الكلمة الأخيرة (فلمٌ يتعارض مع قِيَم الإسلام ومبادئه)
الموافق 17 أغسطس 2023 - التاريخ 29 محرم 1445 | مسجد الإمام الصَّادق (ع) القفول - البحرين
قراءةٌ تقويميَّةٌ لمراسيم الإحياء العاشورائيِّ (2)
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيِّدِ الأنبياء والمرسلين مُحمَّدٍ وآلِهِ الهُداةِ الميامين.
السَّلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه.
يستمرُّ بنا الحديثُ في قراءةٍ تقويميَّةٍ لمراسيم الإحياء العاشورائيِّ:
– الخطاب
– الفعَّاليَّات
– الإدارات
– الجماهير
فالموسم العاشورائيُّ له نجاحاتُه الباهرةُ والكبيرة، وهذا لا يعني أنْ لا تكونَ هناك إخفاقات، فموسم يملك هذا الحضور الاستثنائيُّ مِن الطَّبيعي جدًّا أنْ يحملَ في داخلِهِ بعضَ أخطاءٍ وبعضَ تجاوزات.
وإذا كان مطلوبًا أنْ نُثمِّن كلَّ الإيجابيَّات، فمطلوبٌ أيضًا أنْ نحاسب السَّلبيَّات وإلَّا تراكمت، وشكَّلتْ اختراقاتٍ لها تأثيراتها على هُويَّة هذا الموسم الكبير.
سمعةُ الموسم العاشورائيِّ مسؤوليَّةُ كلِّ الأجيالِ، وبقدرِ ما تحافظُ هذه الأجيالُ على سمعة عاشوراء تكونُ وفيَّةً كلَّ الوفاءِ للإمام الحُسين (عليه السَّلام) ولأهل بيته، ولأنصارِهِ، وتكونُ وفيَّةً كلَّ الوفاءِ لأهدافِ عاشوراء وأهدافِ كربلاء.
في الجمعة الماضية تناولتْ الكلمةُ (خطابَ المنبرِ) كأهمِّ مفصلٍ مِن مفاصلِ الإحياءِ العاشورائيِّ، وقد ثمَّنَّا دورَ هذا الخطابِ مع إشاراتٍ عاجلةٍ إلى بعضِ ملاحظات، تاركين لأساتذة المنبر أنْ يعالجوا كلَّ الإشكالات التي تواجه هذا المنبر الذي يحمل قداستَهُ مِن قداسةِ عاشوراء، وأهمِّيَّته مِن أهميَّة عاشوراء، ورسالتَه من رسالة عاشوراء.
♦ خطاب الموكب (أو خطاب الرَّواديد)
في لقاءِ اللَّيلة تتناولُ الكلمةُ (خطابَ الموكب) أو (خطاب الرَّواديد)
وقد أصبح هذا الخطابُ ينافسُ خطاب المنبر، وجماهيره تنافس جماهير المنبر، ورُبَّما فاقت.
فما هي قراءتنا لهذا الخطابِ في مضامينِهِ، في لغته، في أساليبه؟
ويتآزر في إنتاجِ خطابِ الموكبِ شُعراءُ وروادید.
فالمضامينُ ينتجُها شعراء، والأداءُ يمارسُهُ رواديد.
نبدأ بالمضامين، فخطابُ الموكبِ يتحمَّلُ مسؤوليَّتين كما هو خطابُ المنبر:
المسؤوليَّة الأولى: صناعة الوهج العاشورائيِّ
– العشق العاشورائيُّ
– الحزن العاشورائيُّ
وبمقدار ما يتجذَّر هذا الوهج يتجذَّر الولاء إلى عاشوراء، وإلى قِيَم عاشوراء، وإلى نهج عاشوراء.
المسؤوليَّة الثَّانية: صناعة الوعي العاشورائيِّ
وإلَّا تحوَّلَ الوهجُ إلى انفلاتٍ.
وتحوَّلَ إلى تَيهٍ.
وتحوَّلَ إلى ضياع.
وتحوَّل إلى فراغ.
فبقدر ما تتكاملُ المسؤوليَّتان يكون خطاب الموكب ناجحًا، وفاعلًا، وأصيلًا، وبصيرًا.
فخطاب بلا وهج خطاب راكدٌ.
وخطاب بلا وعي خطابٌ تائه.
فمطلوبٌ في قصائد المواكب أنْ تحقِّق هدفين أساسين:
الهدف الأوَّل: الهدف الوجدانيُّ
إنتاج الولاء والعشق العاشورائي.
وإنتاج الحزن والأسى والدُّموع.
الهدف الثَّاني: الهدف الثَّقافيُّ
إنتاج الوعي والبصيرة والتَّذكير بقِيَم عاشوراء
فإذا غاب الهدفان، أو أحدُ الهدفين فقدت هذه القصائد الموكبيَّة أو الرَّدَّات وظيفتها الأساس، وهي (صناعة مواكب ولائيَّة واعية)، فمواكب بلا وجدان عاشورائيٍّ، ومواكب بلا وعي عاشورائيٍّ هي مواكب استهلاكيَّة، ومواكب متخلِّفة.
فقصائد لا تصنع وجدانا عاشورائيًّا، وقصائد لا تصنع بصيرةً عاشورائيَّة، ولا تصنع قِيمًا عاشورائيَّة، ولا تصنع سُلوكًا عاشورائيًّا هي قصائد لا تنتمي إلى عاشوراء، هي قصائد لا تحمل رسالة عاشوراء، هي قصائد لا تصنع أجيال عاشوراء.
الحماس الجماهيريُّ مطلوبٌ، ولكن يجب أنْ يكون حماسًا واعيًا.
والوعي الجماهيريُّ مطلوبٌ، ولكن يجب أن يكون وعيًا مشحونًا بوجدان عاشوراء.
فحينما نريد أنْ نقيِّم شعراء المواكب، فبمقدار ما أنتجوا مِن ولاء صادق لعاشوراء.
وبمقدار ما أنتجوا مِن وهج عاشورائيٍّ وحزن عاشورائیٍّ.
وبمقدار ما أنتجوا من وعي وبصيرة وثقافة عاشورائيَّة.
وبمقدار ما أنتجوا من تقوى عاشورائيَّة.
وبمقدار ما أنتجوا من رِساليَّة عاشورائيَّة.
هذه هي معايير التَّقويم لخطاب المواكب العاشورائيَّة.
وليست المعايير كثرة الجماهير.
وليست المعايير ضخامة الشِّعارات.
ولیست المعايير صخب العناوين.
نقاط مهمَّة حول خطاب الموكب العاشورائي
وهنا بعض نقاط مهمَّة تتعلَّق بخطاب الموكب العاشورائيِّ:
النُّقطة الأولى: الانطلاق من عاشوراء
خطاب الموكب يجب أنْ ينطلق مِن عاشوراء، مِن مفاهيم عاشوراء، مِن شعارات عاشوراء، مِن كلمات عاشوراء، مِن قِيَم عاشوراء.
وعاشوراءٌ غنيَّةٌ بالمفاهيم، بالقِيَم، بالكلمات، بالشِّعارات.
ولا حاجة في أنْ يستعير خطاب الموكب أيَّة عناوين مِن خارج عاشوراء.
فالفارق كبير بين أنْ يستلم خطاب المواكب مضامينه، ومفاهيمه، وشعاراته مِن داخل عاشوراء، وأنْ يفرض على عاشوراء مضامين، ومفاهيم، وشعارات.
نريد لعاشوراء أنْ تتحدَّث، نريد لعاشوراء أنْ تُخاطب، نريد لعاشوراء أنْ تُوجِّه، نريد لعاشوراء أنْ تصنع.
هناك مَنْ تستهويه شعاراتُ هذا العصر فيحاول أنْ يجرَّ عاشوراء إلى هذه الشِّعارات ظانًّا أنَّ هذا يُعطي لعاشوراء قِيمة، ويُعطي لعاشوراء حضورًا.
القِيمة حينما تملك عاشوراء عناوينها.
القِيمة حينما تملك عاشوراء شعاراتها.
القِيمة حينما تملك عاشوراء حضورها.
لا أنْ تستعير عناوين.
لا أنْ تستعير شعارات.
لا أنْ تستعير حضورًا.
وهنا يحمل الشُّعراءُ أصالة عاشوراء، ونهج عاشوراء، وخطاب عاشوراء.
وهنا يصنع الشُّعراء أجيال عاشوراء.
النُّقطة الثَّانية: التَّعاطي مع قضايا السَّاحة
هل مسموح لخطاب الموكب العاشورائيِّ أنْ يتعاطى مع قضايا السَّاحة الثَّقافيَّة والاجتماعيَّة والسِّياسيَّة؟ أم أنَّ هذا التَّعاطي هو خارج وظيفة هذا الخطاب، حيث أنَّ وظيفته كلَّ ما يتَّصل بعاشوراء فقط؟
الهدف المركزي لعاشوراء هو (الإصلاح)
وهذا العنوان ينفتح على كلِّ قضايا الحياة؛ قضايا العقيدة، قضايا الفكر، قضايا القِيم، قضايا السُّلوك، قضايا الاجتماع، قضايا السِّياسة …
فما دام خطاب عاشوراء هو خطاب الإصلاح، وما دام عنوان الإصلاح ينفتح على كلِّ هذه المساحات،
فخطابُ المنبر، وخطاب الموكب، وخطاب الموسم يتَّسع لكلِّ هذه المساحات.
بشرط أنْ يكون على درجةٍ عاليةٍ من الرُّشد الفقهيِّ.
وعلى درجةٍ عاليةٍ من الرُّشد الثَّقافيِّ.
وعلى درجةٍ عاليةٍ من الرُّشد الأخلاقيِّ.
وعلى درجةٍ عاليةٍ من الرُّشد الاجتماعيِّ.
وعلى درجة عالية من الرُّشد السِّياسيِّ.
إلى جانب هذه المستويات من الرُّشد مطلوب أنْ يملك الخطاب كفاءة في قراءة الواقع الموضوعيِّ،
وأنْ يملك كفاءة في الأداء واللُّغة والأسلوب.
وهنا ننصح بعدم نقل حالات التَّوتُّر إلى أجواء الموسم العاشورائيّ، وهذه مسؤوليَّةُ خطابٍ، ومسؤوليَّةُ جماهيرَ، ومسؤوليَّةُ أنظمةٍ، ومسؤوليَّة كلِّ القيِّمين على هذا الموسم مِن علماء وإدارات.
النُّقطة الثَّالثة: وماذا عن دور الرَّواديد؟
إذا كان الشُّعراء ينتجون (القصائد)
فإنَّ الرَّواديد هم المواقع التي تُفعِّل قصائد الشُّعراء.
فإذا كان للقصائد ومضامينها قِيمةٌ كبرى، فإنَّ للرَّواديد كلّ الأثر في الارتقاء بمستوى القصائد أو الهبوط بهذا المستوى.
وكما ترتبط الجماهيرُ بصنَّاعِ القصائد، ترتبط أكثر بحملة هذه القصائد وهم الرَّواديد.
وقد أصبح الرَّواديد في جمهورهم ينافسون منابر عاشوراء.
ولا عقدة في هذه المنافسة.
ولكنَّ المشكلةَ كلّ المشكلة حينما تغيب بعض الاشتراطات الضَّروريَّة.
الكلمة الأخيرة (فلمٌ يتعارض مع قِيَم الإسلام ومبادئه)
انتشر خبر سماحِ وزارةِ الإعلام بعرض أحد الأفلام في صالاتِ السِّينما البحرينيَّة، وهذا الفيلم يحمل أفكارًا مُرعبة ومُدمِّرة، وتتعارض مع قِيَم الإسلام ومبادئه، وتسوِّق لمفاهيم فاسدة.
وقالت بعضُ الكلماتِ أنَّ هذا الفيلم يدعو للمثليَّة، إنْ صحَّ ما قالوا فكم هي المآلات المدمِّرة التي تنتظر هذا الوطن الذي يعتزُّ بدينه وقِيَمه، وتنتظر أجيالنا وأبناءنا وشبابنا وأطفالنا وكلَّ مكوِّناتنا، وكلَّ أسرنا.
فرِفقًا بهذا الوطن، ورِفقًا بأجيالنا وبقِيَمنا.
إنَّنا نثمِّن بقوَّةٍ كلَّ الأصواتِ الجريئة والنظيفةِ التي ارتفعت تُطالب بإيقافِ عرض الفيلم، ونتمنَّى أنْ تقوى هذه الأصواتِ حفاظًا على هُويَّة هذا الوطنِ، وعلى قِيَمه الرَّفيعة في مواجهة كلِّ المشاريع المدمِّرة والتي تحاول الهيمنة على أوطاننا، وسرقة أجيالنا، والعبث بمُثِلنا وأخلاقنا.
وهنا نؤكِّد على ضرورة أنْ ترتفع أصواتُ العلماءِ والخطباءِ وكلِّ حرَّاسِ القيم، وكلِّ الغَيارى من أبناء شعبنا، مدافعة عن الدِّين وقِيَمه، وعن هُويَّة هذا الوطن، فالصَّمت لا تسمح به أحكامُ الشَّرع، وضرورات هذا الدِّين.
وتبقى مسؤوليَّة وزارة الإعلام كبيرة في الحفاظ على هُويَّة هذا الوطن، وفي حراسة قِيَمه الأصيلة، وعدم السَّماح لهذا اللَّون من البرامج الفاسدة، والتي تُشكِّل مسًّا بكرامة الوطن، وإساءة كبيرة لهُويَّة الشَّعب، وتجاوزًا فاحشًا لثوابت الدِّين، وقِيَمه الكبرى، ومُثُله العليا، هكذا نحافظ على هُويَّة الأوطان في مواجهة كلِّ مشاريع العبث والإفساد.