دور المواسم العاشورائيَّة في صناعة الأجيال – الطَّرح العاشورائي – ما حدث في ظهيرة عاشوراء – شِعار الموسم: (القولُ مِنَّا قولُك)
20 يوليو 2023 | 1 محرم 1445 | مسجد الإمام الصادق (ع) بالقفول - البحرين
دور المواسم العاشورائيَّة في صناعة الأجيال
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيِّدِ الأنبياء والمرسلين مُحمَّدٍ وآلِهِ الهُداةِ الميامين.
السَّلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه.
دور المواسم العاشورائيَّة في صناعة الأجيال
إذا كان للمسجد دورُه وللحوزة دورُها، وللمؤسَّسات الثَّقافيَّة والاجتماعيَّة دورُها في تحصينِ الأجيالِ وحمايتِهم مِن الضَّلالِ والفَسادِ والانحرافِ، فإنَّ لمواسمِ عاشوراء الدَّورَ الفاعلَ والكبيرَ جدًّا في صياغةِ أجيالِنا وشبابِنا مِن خلالِ المنبر، ومِن خلالِ الموكب، ومِن خلالِ كلِّ الفعَّاليَّات العاشورائيَّة.
فلا انجذابَ شبابي كالانجذابِ إلى موسمِ عاشوراء، وإلى مراسيم وشعائر عاشوراء.
أهمَّ المُكوِّنات العاشورائيَّة في صناعة الأجيال
وهُنا أضع بين أيديكم أهمَّ المُكوِّنات العاشورائيَّة في صناعة الأجيال:
المُكوِّن الأوَّل: العقائديَّة العاشورائيَّة
وحينما نتحدَّث عن العقائديَّة العاشورائيَّة لا نتحدَّث عن العُنف والتَّطرُّف والإرهاب، هذه العناوين
التي يمارسها سُرَّاقُ الدِّين، وسُرَّاقُ الجهاد.
وإنَّما نتحدَّث عن أمنٍ وأمان، وتسامحٍ واعتدالٍ.
نتحدّثُ عن حبٍّ ووئام، وخيرٍ وسلام.
نتحدَّثُ عن هُدًى وصَلاحٍ، وتقوى وفلاح.
نتحدَّثُ عن طُهرٍ وصفاء، ونظافةٍ ونقاء.
نتحدَّثُ عن إرادةٍ وثبات، وبذلٍ وعطاء.
هذه هي أهداف عاشوراء.
وهذه هي أجيال عاشوراء.
فمطلوبٌ مِن خطاب عاشوراء أنْ يُمركز هذه القِيَم الكبرى.
المُكوِّن الثَّاني: الوعي العاشورائيّ
قِيمةُ الانتماءِ إلى عاشوراءَ حينما يكونُ انتماءً واعيًا.
وكيف يتشكَّل هذا الانتماءُ العاشورائيُّ الواعي؟
حينما يكون الطَّرح العاشورائيُّ واعيًا.
الطَّرح العاشورائي
وهُنا مسألة أرى مِن الأهميَّة البالغة أنْ أتناولها، وهي مسألة تتعلَّق بالطَّرح العاشورائيّ.
يعتمد الخطباء منهجين في الطَّرح العاشورائيّ:
المنهج الأوَّل:
أنْ ينطلقَ الخطابُ مِن آيةٍ قُرآنيَّة، أو مِن حديثٍ نبويّ، أو مِن كلمةٍ لأحدِ الأئمَّة المعصومين.
وهُنا تبرز كفاءة الخطيب في الطَّرح والعرض.
وهُنا تتعدَّد القدرات والكفاءات.
وهذا المنهج حينما يستوعب الطَّرح والمعالجة يُعرِّج على كربلاء مِن خلالِ (مدخل) يسمِّيه الخطباء (اكريز)، وهكذا ينتقل الخطاب إلى (المُصِيبة العاشورائيَّة).
وهكذا ينتقل المجلس إلى (الدَّمعة العاشورائيَّة).
فدور الموسم العاشورائيّ أنَّه أتاح الفرصة لتقديم هذه الأبحاث القرآنيَّة، والعقائديَّة، والثَّقافيَّة، والأخلاقيَّة، والتَّاريخيَّة، والاجتماعيَّة.
هذا منهج في الطَّرح العاشورائيِّ.
وهذه مدرسة في المنبر الحُسينيّ.
المنهج الثَّاني:
أنْ ينطلق الخطاب (خطاب المنبر) مِن عاشوراء الحُسين (عليه السَّلام)، مِن كلماتِ عاشوراء، وعاشوراء غنيَّة كلَّ الغنى بالكلمات والخطابات والشِّعارات، فكم هي كثيرة كلماتُ الإمام الحُسين (عليه السَّلام) وكلماتُ أهل بيته (عليهم السَّلام)، وكلماتُ الأنصار، وكلماتُ الإمام السَّجاد (عليه السَّلام)، وكلماتُ بطلة كربلاء الحوراء زينب (عليها السَّلام)، وكلماتُ بنات الرِّسالة.
هذا المنهج الثَّاني يعتمد خطاب عاشوراء.
هُنا خطاب عاشوراء يتحدَّث.
هُنا كلمات عاشوراء تتحدَّث.
هُنا مِن عاشوراء نستلم المفاهيم والأفكار.
هُنا مِن عاشوراء نتثقَّف.
ويعذرني الخطباء الأجِلَّاء، فأنا أترك لهم اختيار المنهج والأسلوب والطَّريقة.
وإنْ كنتُ أميلُ إلى المنهج الثَّاني.
فنحن في خطابنا دائمًا نؤكِّد أنَّنا مِن عاشوراء نتعلَّم، ومِن عاشوراء نتربَّى، فلنترك لخطاب عاشوراء يتحدَّث.
هناك فرق بين أنْ نستلم المفاهيم مِن عاشوراء، وبين أنْ نُسقِطَ المفاهيم على عاشوراء.
صحیح أنَّ مفاهيم القرآن ومفاهيم الإسلام هي مفاهيم عاشوراء، وهذا ما يجب أنْ يبرهن عليه منبر عاشوراء وخطاب عاشوراء.
المُكوِّن الثَّالث: الالتزام العاشورائيّ
أنْ تكونَ عاشورائيًّا؛ اصنعْ روحَك صُنعًا عاشورائيًّا.
أنْ تكونَ عاشورائيًّا؛ اصنعْ أخلاقَك صُنعًا عاشورائيًّا.
أنْ تكونَ عاشورائيًّا؛ اصنعْ سلوكَك صُنعًا عاشورائيًّا.
أنْ تكونَ عاشورائيًّا؛ اصنع حراكك حَراكًا عاشورائيًّا.
والحراك العاشورائيُّ رفضٌ للباطلِ، للفساد، للانحراف، للضَّلال، لكلِّ أشكال المنكر.
الحراك العاشورائيُّ دعوةٌ إلى الهُدى، إلى الحقِّ، إلى الصَّلاح، إلى كلِّ المعروف.
المُكوِّن الرَّابع: الدَّمعةُ العاشورائيَّة
فلا عاشوراء بلا دمعة.
ولا عاشوراء بلا حزن.
والدَّمعة العاشورائيَّة لا تعنى انهزامًا.
والحزن العاشورائيّ لا يعني انكسارًا.
الدَّمعة صرخة.
والحزنُ موقف.
ما حدث في ظهيرة عاشوراء
ما حدث في ظهيرة عاشوراء فاجعة لم تشهد لها الدُّنيا نظيرًا.
ما حدث في ظهيرة عاشوراء مأساةٌ تهاوت أمامها كلُّ مأساة.
ما حدث في ظهيرةِ عاشوراء كارثة عظمى أهتزَّ لها الكون.
ما حدث في ظهيرة عاشوراء عدوانٌ هو أقسى عدوان، وفتكٌ هو أسوء فتك.
ما حدث في ظهيرة عاشوراء جناية هي الأعنف في تاريخ الإنسان.
هكذا كان الضَّحيَّة في ظهيرة عاشوراء الحُسين (عليه السَّلام) سبط رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وريحانة الزَّهراء (عليها السَّلام).
قال الحُسين (عليه السَّلام) يوم عاشوراء:
– أُنشدكم اللهَ، هل تعرفوني؟
قالوا: نعم، أنت ابن رسول الله وسِبطه.
قال [عليه السَّلام]: أنشدكم الله، هل تعلمون أن جدِّي رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)؟
قالوا: اللَّهم نعم.
قال [عليه السَّلام]: أُنشدكم اللهَ، هل تعلمون أنَّ أمِّي فاطمةُ بنت مُحمَّد (صلَّى الله عليه وآله)؟
قالوا: اللَّهمَّ، نعم.
قال [عليه السَّلام]: أُنشدكم اللهَ، هل تعلمونَ أنَّ أبي عليّ بن أبي طالب (عليه السَّلام)؟
قالوا: اللَّهمَّ، نعم.
قال [عليه السَّلام]: أُنشدكم الله، هل تعلمون أنَّ جدَّتي خديجة بنت خويلد، أوَّل نساء هذه الأمَّة إسلامًا؟
قالوا: اللَّهمَّ نعم.
قال [عليه السَّلام]: أُنشدكم الله، هل تعلمون أنَّ سيِّد الشُّهداء حمزة عمُّ أبي؟
قالوا: اللَّهمَّ نعم.
قال [عليه السَّلام]: فأُنشدكم الله هل تعلمون أنَّ جعفر الطيَّار في الجنَّة عمِّي؟
قالوا: اللَّهمَّ نعم.
قال [عليه السَّلام]: أُنشدكم اللهَ، هل تعلمون أنَّ هذا سيف رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) وأنا متقلده.
قالوا: اللَّهمَّ، نعم.
قال [عليه السَّلام]: أُنشدكم اللهَ، هل تعلمونَ أنَّ هذه عِمامة رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، أَنَا لابسُها؟
قالوا: اللَّهمَّ، نعم.
قال [عليه السَّلام]: فأُنشدكم الله، هل تعلمون أنَّ عليًّا كان أولهم إسلامًا، وأعلمهم علمًا، وأعظمهم حلمًا، وأنَّه وليُّ كلِّ مؤمن ومؤمنة؟
قالوا: اللَّهمَّ نعم.
قال [عليه السَّلام]: فبِمَ تَسْتَحِلُون دمِي، وأبي الذَّائد عن الحوض غدًا، يذود عنه رجالًا كما يُذاد البعير الصَّادي عن الماء، ولواء الحمد في يدي جدي يوم القيامة؟
قالوا: قد علمنا ذلك كلَّه، ونحن غير تاركيك حتَّى تذوق الموت عَطَشًا.()
(إنَّها قلوب استحوذ عليها الشَّيطانُ، فَأَبتْ إلَّا الضَّلال)!
ما حدث في ظهيرة عاشوراء أبكى العيون، وأفجع كلَّ القلوب.
أفتبخل العيونُ بشيئٍ مِن دموع.
أفتبخل القلوبُ بشيئٍ مِن آهات.
أفتبخل الأرواحُ بشيئٍ مِن هيام.
هكذا يتمركز المعتقد العاشورائيُّ.
وهكذا تتعمَّق رؤى كربلاء.
فالدَّمعة الدَّمعة يجب أنْ تبقى.
والحزن الحزن يجب أنْ يستمر.
ما دامت الدَّمعة تنفتحُ على عاشوراء.
وما دامت الدَّمعة تصنعُ وهج الانتماء.
وما دامت الدَّمعة تخلقُ روح الثَّبات.
وما دامت الدَّمعة تجذِّرُ عنوان الولاء.
وما دامت الدَّمعة تنشِّط المواقف.
وما دامت الدَّمعة تتحدَّى الانكسار.
هكذا تتمركز الأهداف العاشورائيَّة في القلوب.
فحذارِ حذارِ أنْ تصمت الدَّمعة.
نعم يجب أنْ تتعبَّأ الدَّمعة بالوعي.
هُناك مَنْ يريد لهذه الدَّمعة أنْ تبقى صامتة.
هُناك مَنْ يريد لهذه الدَّمعة أن تبقى منهزمة.
هُناك مَنْ يريد لهذه الدَّمعة أنْ تبقى بليدة.
فمسؤوليَّة هذا الخطاب العاشورائيّ أنْ يصنع الدَّمعة.
ومسؤوليَّة الخطاب العاشورائيّ أنْ يفتح كلَّ آفاق الوعي أمام دمعة عاشوراء.
وهكذا تتزاوج الدَّمعة مع الفكرة.
فدمعة بلا فكرة دمعة ساذجة.
وفكرة بلا دمعة فكرة راكدة.
شِعار الموسم: (القولُ مِنَّا قولُك)
نحن عُشَّاق عاشوراء.
– وقِيمة هذا العُشقِ بمقدار ما يملكُ مِن وعي لأهداف عاشوراء.
– وقِيمة هذا العُشقِ بمقدار ما يملكُ مِن تمثُّلٍ لقِيم عاشوراء.
– وقِيمة هذا العُشقِ بمقدار ما يملكُ مِن تقوى عاشوراء.
– وقِيمة هذا العُشقِ بمقدار ما يملكُ مِن جهادِ عاشوراء.
هكذا نجسِّدُ أهداف عاشوراء.
وهكذا ننطلق مِن مدرسةِ عاشوراء.
وهكذا نُمثِّل الامتدادَ لمواقفِ عاشوراء.
فتكون أفكارُنا
وتكونُ أقوالُنا
وتكونُ أفعالُنا
وتكون كلُّ مساراتِنا، وكلُّ خياراتِنا هي امتدادٌ لعاشوراءِ الحُسين (عليه السَّلام).
وهذه هي دلالات هذه الشِّعار.