حديث الجمعة 610: {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ …}
حديث الجمعة 610 | الموافق 22 يونيو 2023 - التاريخ 3 ذو الحجَّة 1444 | مسجد الإمام الصادق(ع) القفول - البحرين
{فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ …}
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيّدِ الأنبياء والمرسلين محمَّدٍ وآلِهِ الهُداةِ الميامين.
السَّلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه.
قال الله تعالى في سورة آل عمران/ الآية 97:
{فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ …}.
لماذا سُمِّي المقام بمقام إبراهيم؟
هنا مجموعة آراء:
الرَّأي الأوَّل: إنَّها الصَّخرة التي وقف عليها نبيُّ الله إبراهيم حينما نادی بالحجِّ.
• في الحديث عن الإمام الصَّادق (عليه السَّلام) قال: «لَمَّا أوحَى اللهُ تَعالى إلى إبراهيمَ (عليه السَّلام) أن أذِّن فِي النَّاسِ بِالحَجِّ، أخَذَ الحَجَرَ الَّذي فيهِ أثَرُ قَدَمَيهِ – وهُوَ المَقامُ – فَوَضَعَهُ بِحِذاءِ البَيتِ لاصِقًا بِالبَيتِ بِحِيالِ المَوضِعِ الَّذي هُوَ فيهِ اليَومَ، بِحِيالِ المَوضِعِ الَّذي هُوَ فيهِ اليَومَ.
ثُمَّ قامَ عَلَيهِ فَنادى بِأَعلى صَوتِهِ بِما أمَرَهُ اللهُ تَعالى بِهِ، فَلَمّا تَكَلَّمَ بِالكَلامِ لَم يَحتَمِلهُ الحَجَرُ، فَغَرِقَت رِجلاهُ فيهِ، فَقَلَعَ إبراهيمُ (عليه السَّلام) رِجلَيهِ مِنَ الحَجَرِ قَلعًا…».(1) (الصَّدوق: علل الشَّرائع 2/113)
الرَّأي الثَّاني: إنَّه الحجر الذي وقف عليه نبيُّ الله إبراهيم (عليه السَّلام) حينما كان يبني القسم العلوي مِن الكعبة، وكان إسماعيل (عليه السَّلام) يُعينه في هذا البناء.
الرَّأي الثَّالث: هو الحجر الذي وضعته زوجة إسماعيل لإبراهيم حيث غسلت رأسه وهو راكب.
“ويذكر الشَّيخ الطَّبرسي في تفسيره مجمع البيان قصَّه أُلخِّصها کما يلي:
جاء نبيُّ الله إبراهيم لزيارة زوجته هاجر وولدها إسماعيل، فوجد زوجته هاجر قد توفِّيت وولده إسماعيل قد تزوَّج، فلمَّا وصل إلى بيت إسماعيل قال لامرأته: أين صاحبك؟
قالت: ليس هنا، ذهب يتصيَّد، وكان إسماعيل يخرج من الحرم فيصيد، ثمَّ يرجع.
فقال لها إبراهيم: هل عندك ضيافة؟
قالت: ليس عندي شيئ وما عندي أحد.
فقال لها إبراهيم: إذا جاء زوجك فأقرئيه السَّلام، وقولي له فليغيّر عتبة بابه.
وذهب إبراهيم (عليه السَّلام) فجاء إسماعيل (عليه السَّلام) فوجد ريح أبيه، فقال لامرأته: هل جاءك أحد؟
قالت: جاءني شيخ صفته كذا وكذا كالمستخِفَّة بشأنه.
قال: فما قال لك؟
قالت: قال لي: أقرئي زوجك السَّلام، وقولي له: فليغيِّر عتبة بابه.
فطلَّقها وتزوَّج أخرى.
فلبث إبراهيم ما شاء الله أن يلبث، ثمَّ استأذن سارة أن يزور إسماعيل، فأذنت له واشترطت عليه أن لا ينزل.
فجاء إبراهيم حتى انتهى إلى باب إسماعيل، فقال لامرأته: أين صاحبك؟
قالت: ذهب يتصيَّد وهو يجيئ الآن إن شاء الله، فانزل يرحمك الله.
قال لها: هل عندكِ ضيافة؟
قالت: نعم، فجاءت باللَّبن واللَّحم.
فدعا لها بالبركة، …
قالت له: انزل حتَّى أغسل رأسك.
فلم ينزل، فجاءت بالمقام فوضعته على شقِّه الأيمن، فوضع قدمه عليه، فبقي أثره، فغسلت شقَّ رأسه الأيمن، ثمَّ حوَّلت المقام إلى شقِّه الأيسر، فغسلت شقَّ رأسه الأيسر، فبقي أثر قدمه عليه.
فقال لها: إذا جاء زوجكِ فأقرئيه السَّلام، وقولي له: قد استقامت عتبة بابك.
فلما جاء إسماعيل (عليه السَّلام)، وجد ريح أبيه فقال لامرأته: هل جاءَك أحد؟
قالت: نعم، شيخ أحسن النَّاس وجهًا، وأطيبهم ريحًا، فقال لي كذا وكذا، وقلت له كذا، وغسلت رأسه، وهذا موضع قدميه على المقام.
فقال إسماعيل لها: ذاك إبراهيم (عليه السلام)”. (2) (انظر: تفسير مجمع البيان، ج 1، الشَّيخ الطَّبرسي، ص 381)
وفِي المسجدِ الحرام آياتٌ بيِّناتٌ كثيرة
نذكر منها:
(1) الحجر الأسود:
ويقع في الرُّكن الذي يبدأ منه الطَّواف، وقد وردت فيه روايات:
- عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «الحَجَرُ يَمينُ اللهِ فِي أرضِهِ، فَمَن مَسَحَهُ مَسَحَ يَدَ اللهِ». (3) (الرَّيشهري: الحجّ والعمرة في الكتاب والسُّنَّة، ص 102، ح 183)
- وعنه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «الحَجَرُ يَمينُ اللهِ فِي الأَرضِ يُصافِحُ بِهِ عِبادَهُ». (4) (المصدر السَّابق، ح 184)
- وعنه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «الحَجَرُ يَمينُ اللهِ فِي الأَرضِ، فَمَن مَسَحَ يَدَهُ عَلَى الحَجَرِ فَقَد بايَعَ اللهَ أنْ لا يَعصِيَهُ». (5) (المصدر السَّابق، ح 185)
وفي بعض الرِّوايات:
كان الحجر أبيض عندما نزل به جبرئيل مِن الجنَّة، وبكثرة تمسّح أهل المعاصي تلوَّث وصار أسود. (6) (الرَّيشهري: الحجّ والعمرة في الكتاب والسُّنَّة، ص 104، ح 192)
(2) الحطيم:
ما بين الحجر الأسود وباب الكعبة.
وهو الموضع الذي تاب الله فيه على آدم (عليه السَّلام)، وسمّي حطيمًا لازدحام النَّاس فيه على الدُّعاء ويحطم بعضهم بعضًا، أو لانحطام الذُّنوب عنده، وهو أفضل الأماكن لاستجابة الدُّعاء.
- وعن الامام الصَّادق (عليه السَّلام): «…، فَإِنَّهُ أفضَلُ [الحطيم] أفضَلُ بُقعَة عَلى وَجهِ الأَرضِ». (7) (المصدر السَّابق، ص 119، ح 252)
(3) المُستَجار
الموضع المقابل لباب الكعبة دون الرُّكن اليمانيّ.
سُمِّي مُستَجارًا لأنَّه يُستجار عنده باللَّهِ مِن النَّار، ويقال له: (الملتزم).
- عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم):
«ما دَعا أحَدٌ بِشَيئ في هذَا المُلتَزَمِ إلاَّ استُجيبَ لَهُ». (8) (المصدر السَّابق، ص 109، ح 210)
- وفي بعض الرِّوايات:
« لَمْ يُقِرَّ عَبْدٌ لِرَبِّه بِذُنُوبِه ثُمَّ اسْتَغْفَرَ اللَّه إِلَّا غَفَرَ اللَّه لَه». (9) (انظر: الكليني: الكافي 4/410، (ك: الحجّ، ب: الملتزم والدُّعاء عنده)، ح 4)
- وهو الموضع الذي انشقَّ لفاطمة بنت أسد.
(4) الرُّكن اليمانيّ
سمّي بذلك لوقوعه لجهة اليمن.
وقد ورد في فضل هذا الرُّكن روايات كثيرة.
- وعن جابر بن عبد الله:
«إنَّ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) استَلَمَ الحَجَرَ فَقَبَّلَهُ، واستَلَمَ الرُّكنَ اليَمانِيَّ
فَقَبَّلَ يَدَهُ». (10) (الرَّيشهري: الحجّ والعمرة في الكتاب والسُّنَّة، ص 112، ح 222)
- وعن ابن عباس:
«إنَّ رَسولَ اللهِ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) قَبَّلَ الرُّكنَ اليَمانِيَّ، ووَضَعَ خَدَّهُ عَلَيهِ». (11) (المصدر السَّابق، ص 112، ح 223)
- وعن الإمام الصَّادق (عليه السَّلام): «الرُّكْنُ الْيَمَانِيُّ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، لَمْ يُغْلِقْه اللَّه مُنْذُ فَتَحَه». (12) (الكليني: الكافي 4/409، (ك: الحجّ، ب: الطَّواف واستلام الأركان)، ح 13)
- وعنه (عليه السَّلام): «الرُّكنُ اليَمانِيُّ بابُنَا الّذي نَدخُلُ مِنهُ الجَنَّةَ». (13) (الصَّدوق: من لا يحضره الفقيه 2/208، ح 2160)
(5) حجر إسماعيل (عليه السَّلام)
وهو بيت إسماعيل.
وفيه دُفن إسماعيل وأمَّه هاجر وبعض الأنبياء.
- عن طاووس اليمانيّ قال:
“رَأَيتُ فِي الحِجرِ [يعنى حِجرَ إسماعيل] زَينَ العابِدينَ (عليه السَّلام) يُصَلِّي ويَدعو: «عُبَيدُكَ بِبابِكَ، أسيرُكَ بِفِنائِكَ، مِسكينُكَ بِفِنائِكَ، سائِلُكَ بِفِنائِكَ، …، لاَ تَرُدَّني عَن بابِكَ».
قالَ طاووس: فَما دَعَوتُ بِهِنَّ في كَربٍ إلَّا فُرِّجَ عَنّي”. (14) (الرَّيشهري: كنز الدُّعاء 3/292، ح 2038-2039)
إذا أردتم أنْ تحظوا بثواب الحُجَّاج أو أكثر
أوَّلًا: الحُجَّاج يخرجون مِن ذنوبهم كيوم ولدتهم أُمَّهاتهم.
أيُّها الأحبَّة:
هنا بعض أعمالٍ تخرجكم مِن ذنوبكم كيوم ولدتكم أُمَّهاتكم:
(1) الصَّلاة الخاشعة
- عن النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «إذا قامَ العَبدُ إلى الصَّلاة، فكانَ هَواهُ وقَلبُهُ إلَى اللهِ تعالى انصَرَفَ كَيومِ وَلَدَتهُ أُمُّهُ». (15) (المجلسي: بحار الأنوار 81/263)
(2) قضاء حاجة مريض
- عن النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «مَن سَعى لِمَريضٍ في حاجَةٍ قَضاها أو لَم يَقضِها خَرَجَ مِن ذُنوبِهِ كَيَومَ وَلَدَتهُ أُمُّهُ، …». (16) (الصَّدوق: من لا يحضره الفقيه 4/16)
(3) المصافحة الصَّادقة
- عن النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم): «ما تصافح إخوان في الله عزَّ وجلَّ إلَّا تناثرت ذنوبهما حتَّى يعودان كيوم ولدتهما أُمُّهُما، …». (17) (المجلسي: بحار الأنوار 71/309)
(4) مجلس علم فاعل
- عن أمير المؤمنين (عليه السَّلام): « إذا جَلَسَ المُتَعَلِّمُ بَينَ يَدَيِ العالِمِ فَتَحَ اللهُ لَهُ سَبعينَ بابًا مِنَ الرَّحمَةِ، ولا يَقومُ مِن عِندِهِ إلَّا كَيَوم وَلَدَتهُ أمُّهُ، وأعطاهُ بِكُلِّ حَديثٍ عِبادَةَ سَنَةً، ويبني لَهُ بِكُلِّ وَرَقَةٍ مَدينَةً مِثلُ الدُّنيا عَشرَ مَرّاتٍ». (18) (الدَّيلمي: إرشاد القلوب 1/ 318، باب 50 (في الأدب مع الله تعالى))
(5) الإكثار مِن الصَّلاة على محمَّد وآل محمَّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)
- عن النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «إنَّه (صلَّى الله عليه وآله) قال: جاءني جبرئيل، وقال: إنَّه لا يصلِّي عليك أحد إلَّا ويصلِّي عليه سبعون ألف ملك.
ومَن صلَّى عليه سبعون ألف ملك كان من أهل الجنة». (19) (الطَّبرسي: مستدرك الوسائل 5/335)
ثانيًا: أعمال توازي في ثوابها الحجّ ورُبَّما تفوق.
نتحدّث هنا عن الحجِّ المندوب، وليس عن الحجِّ الواجب الذي لا يعوّض عنه أيّ عملٍ.
(1) اعالة أسرة فقيرة:
- قال الإمام الباقر (عليه السَّلام):
«…، ولأنْ أَعُولَ أَهْلَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؛ أَسُدَّ جَوْعَتَهُمْ، وأَكْسُوَ عَوْرَتَهُمْ، فَأَكُفَّ وُجُوهَهُمْ عَنِ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَحُجَّ حَجَّةً وحَجَّةً وحَجَّةً ومِثْلَهَا ومِثْلَهَا – حَتَّى بَلَغَ عَشْرًا -، ومِثْلَهَا ومِثْلَهَا – حَتَّى بلغ السَّبعين -». (20) (الكليني: الكافي 2/195، (ك: الإيمان والكفر، ب: قضاء حاجة المؤمن)، ح 11)
(2) قضاءُ حاجةِ مؤمن:
- قالَ الإمام الصَّادق (عليه السَّلام): «…، وَالَّذي بَعَثَ مُحَمَّدًا (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) بِالْحَقَّ بَشيرًا وَنَذيرًا لَقَضاءُ حاجَة امْرئٍ مُسْلِمٍ وَتَنْفيسُ كُربَته أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ حَجَّةٍ وَطَوافٍ وعمرة، حتَّى عدَّ عشرًة، …». (21) (الدَّيلمي: ارشاد القلوب، ص 145، (ب 46: من كلام أمير المؤمنين والأئمَّة (ع)))
- قالَ الإمام الصَّادق (عليه السَّلام) لإسحاق بن عمَّار: «يَا إِسْحَاقُ، مَنْ طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ طَوَافًا وَاحِدًا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَلْفَ حَسَنَةٍ، وَمَحَا عَنْهُ أَلْفَ سَيِّئَةٍ، وَرَفَعَ لَهُ أَلْفَ دَرَجَةٍ، وَغَرَسَ لَهُ أَلْفَ شَجَرَةٍ فِي الْجَنَّةِ، وَكَتَبَ لَهُ ثَوَابَ عِتْقِ أَلْفِ نَسَمَةٍ، حَتَّى إِذَا وَصَلَ إِلَى الْمُلْتَزَمِ فَتَحَ اللَّهُ لَهُ ثَمَانِيَةَ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، فقَالَ لَهُ: ادْخُلْ مِنْ أَيِّهَا شِئْتَ.
فقالَ: جُعِلْتُ فِدَاكَ هَذَا كُلُّهُ لِمَنْ طَافَ؟
قَالَ (علیه السَّلام): نَعَمْ، أَفَلَا أُخْبِرُكَ بِمَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْ هَذَا؟
قُلْتُ: بَلَى.
قَالَ: مَنْ قَضَى لِأَخِيهِ الْمُؤْمِنِ حَاجَةً كَتَبَ اللَّهُ لَهُ طَوَافًا وطَوَافًا وطَوَافًا حَتَّى بَلَغَ عَشْرًا». (22) (الصَّدوق: ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، ص 77، (ثواب الحجّ والعمرة)، ح 13)
(3) الورع عن أكل الحرام
- عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «تَرْكُ دانَقِ حَرامٍ أحَبُّ إلى اللَّهِ تعالى مِن مائةِ حِجَّةٍ مِن مالٍ حلالٍ». (23) (ورَّام بن أبي فراس: تنبيه الخواطر ونزهة النَّواظر 2/120، (كلمات قصار عن النبيِّ (ص)))
- وفي حديث آخر له (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم):
«تَرْكُ لُقْمَةِ حَرامٍ أحَبُّ إلى اللَّهِ مِن صلاةِ ألفَي رَكْعَةٍ تَطَوُّعا». (24) (المصدر السَّابق)
قيمة أكل الحلال:
- في الحديث عن النَّبيَّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «مَن أكَلَ الحَلالَ أربَعينَ يَومًا، نَوَّرَ اللهُ قَلبَهُ، وأجرى يَنابيعَ الحِكمَةِ مِن قَلبِهِ عَلى لِسانِهِ». (25) (الفيض الكاشاني: المحجَّة البيضاء 3/204، (ك: الحلال والحرام، ب 1: فضيلة الحلال ومذمَّة الحرام))
- عَن النَّبي (صلَّى الله عليه وآله): «يا عليُّ، مَن أكَلَ الحَرامَ سُوِّدَ قَلبه، وخلف دِينه، وضعفت نَفسه، وحَجب اللهُ دَعوته، وقلَّت عِبادته». (26) (التويسركاني: لئالي الأخبار 1/3، (ب 1: فيما يتعلق بتنبيه النَّفس).
كلمة أخيرة
لَسْنَا عُبَّادَ قبور…
إنَّنا حينما نقف على قبور الأولياء نقفُ مُسْتَلهمينَ تاريخ قِمَمٍ، قِمَم إيمانٍ ومبادئ، قِمَم جهادٍ وعطاءٍ، قِمَم إرادةٍ وصمود.
لَسْنَا عُبَّادَ قبور…
إنَّهم صُنَّاعُ تاريخ، إنَّهم صُنَّاعُ مَحبَّةٍ، إنَّهم صُنَّاعُ وحدة، إنَّهم صُنَّاعُ تسامح، إنَّهم أهلُ بيت النُّبوة، إنَّهم سبلُ الهدايةِ والرَّشاد، إنَّهم معالمُ الدِّين والسَّداد.
لَسْنَا عُبَّادَ قبورٍ…
وقفةٌ على قبرِ الحُسينِ تصنعُ عَزمَةَ الأبطالِ.
وقفةٌ على قبرِ الحُسينِ تصنعُ إرادةَ الصُّمود.
وقفةٌ على قبرِ الحُسين تصنعُ الشُّموخَ والإباء.
وقفةٌ على قبرِ الحُسينِ تُرعب الظُّلم والظَّالمين.
وقفةٌ على قبرِ الحُسينِ تتحدَّى كلَّ العبثِ والعابثين، وكلَّ الفَسادِ والمفسدين، وكلَّ الطَّيش والطَّائشين.
هكذا يكون الحُسين حاضرًا في كلِّ أفكارِنا، وفي كلِّ عواطفِنا، وفي كلِّ أخلاقنا، وفي كلِّ سُلوكنا، وفي كلِّ مواقفنا.
الحُسينُ يُعلُّمنا أنْ نحارب كلَّ أشكال الشِّرك والضَّلال والتّيه والغواية.
الحُسينُ يُعلُّمنا أن نرفض العبثَ والعُنفَ والتَّطرُّف والإرهاب.
أنكونُ عبَّادَ قبور؟!!
كمْ للكلمةِ حينما تنزلقُ آثارٌ مُدمِّرة.
وكمْ للكلمةِ حينما تنفلتُ آثارٌ مُوتِّرة.
وكمْ للكلمةِ حينما تزيغُ آثارٌ مُكدِّرة.
وكم للكلمةِ حينما تشذُّ آثارٌ خَاسِرة.
وكم للكلمةِ حينما تشُّطُّ آثارٌ بائرة.
وكم للكلمةِ حينما تقسو آثارٌ مُعكِّرة.
مضى أسبوعان وصحفنا المحليَّة تزدحم بكلمات التَّنديد لخطابات الكراهية والتَّأزيم، ونحن ندَّدنا ولا زلنا نندِّد بهذا اللَّون مِن الخطابات.
ولكن أين موقف أصحاب هذه الخطابات، مِن كلماتٍ تنطلق مِن مواقع دينيَّة بارزة تُسيئ إلى طائفةٍ كبيرة لها ثقلها وحضورها في هذا الوطن؟!
سوف نبقى أمناءَ على وحدة هذا الوطن.
وسوف نبقى أمناءَ على استقرار هذا الوطن.
وسوف تبقى أمناءَ على كرامة هذا الوطن.
وسوف نبقى أمناءَ على قِيمِ هذا الوطن، وعلى دينِ هذا الوطنِ، وعلى تاريخِ هذا الوطن، وعلى كلِّ خيرِ هذا الوطن.
وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.