آخر الأخبارالسيد في الصحافةشهر ذي القعدةقضايا محلية

حديث الجمعة 609: في رحاب سورة الأعراف (4) – وقفةٌ مع أحدِ مناسِكِ الحجِّ – الجمعيَّات والصَّناديق الخيريَّة

حديث الجمعة 609 | الموافق 15 يونيو 2023 - التاريخ 26 ذو القعدة 1444 | مسجد الإمام الصادق(ع) القفول - البحرين

في رحاب سورة الأعراف (4)
عناوين الكلمة:
1- في رحاب سورة الأعراف (4)
2- وقفةٌ مع أحدِ مناسِكِ الحجِّ
3- الجمعيَّات والصَّناديق الخيريَّة

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيِّد الأنبياء والمرسلين محمَّدٍ وآلِهِ الطَّاهرين.
السَّلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه.
مع الآيات مِن سورة الأعراف وهي تتحدَّث عن إبليس اللَّعين، وقد اتخذ قراره الخطير في غواية الإنسان: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ}. (الأعراف/16)
وهكذا بدأ إبليسُ (مشاريعَ الغوايةِ والفَسادِ في الأرض).
كلُّ المشاريعِ الضَّالةِ هي مِن صُنعِ إبليس.
وكلُّ مشاريع الفُسقِ والفجور هي مِن صُنعِ إبليس.
مشاريع المثليَّةِ والشُّذوذِ الجنسيِّ هي من صُنع إبليس.
الانحرافات بكلِّ صِيغها هي من صُنعِ إبليس.
البدع بكلِّ ألوانِها، هي من صُنعِ إبليس.
الأفكار الزَّائفة هي من صُنعِ إبليس.
كلُّ أشكال التَّطرُّف والعُنفِ والإرهابِ هي مِن صُنعِ إبليس.
كلُّ الصِّراعاتِ المدمِّرةِ هي مِن صُنع إبليس.
وحينما نقولُ مِن صُنعِ إبليس فإنَّ لإبليس اللَّعين أعوان وعملاء مِن الجنِّ والإنسِ ينفِّذون
مشاريعَه الضَّالة وغواياتهِ المدِّمرة.
المعركة مع الشَّيطان أنتجت ثلاثة خيارات:
(1) خيار الانتصار الكامل على الشَّيطان
(2) خيار الكرِّ والفرِّ مع الشَّيطان
(3) خيار السُّقوط الكامل في قبضةِ الشَّيطان
هكذا تعدَّدتْ المسارات في هذه الدُّنيا.
وهكذا سوف تتعدَّد المساراتُ على الصِّراط في الآخرة.
• النَّاس يمرُّون على الصِّراط طبقات:
(1) كالبرق
(2) كطرفة العين
(3) كعدوِ الفرسِ
(4) مشيًا
(5) حبوًا
(6) متعلقًا
(7) يسقط في النَّار
وبقدر ما تثبت الأقدام هنا في الدُّنيا تثبت هناك.
والعبرة بالخاتمة {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ}. (الفاتحة/6)
{رَبَّنَا لاَ تُزِغْ …}. (آل عمران/8)

وقفةٌ مع أحدِ مناسِكِ الحجِّ
مِن أهمِّ مناسكِ الحجّ (رمي الشَّيطانِ في أيَّامِ منى) و(الذَّبح في يومِ العيد).
كيف تأسَّسَ هذا المَنْسَكُ؟
رأی نبيُّ اللهِ ابراهيمُ (عليه السَّلام) في المنام أنَّه يذبحُ ابنَهُ اسماعيل [عمرة ثلاث عشرة سنة]
{… قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى …}. (الصَّافات/102)
وهذه الرُّؤيا وحيٌ ولا بدَّ مِن تنفيذه.
هل شَكَّل هذا النَّبأُ صَدْمةً لإسماعيل؟
وهل أصابه الرُّعبُ والهَلَعُ؟
وهل حاوَلَ أنْ يَتسَاءل، وأنْ يُجادِلَ؟
كلَّا لم يحدثْ كلُّ ذلك.
بلْ كان جوابُه بكلِّ تسليم ورضى واطمئنانٍ:
• {… قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}. (الصَّافات/102)
هكذا شوقُ إسماعيلِ إلى تَمثُّل أمرِ اللهِ مهما كان هذا الأمر صعبًا وشديدًا وقاسيًا، إلَّا أنَّ لذَّةَ الطَّاعةِ للهِ أكبر، ولذَّةَ الاستجابةِ لأمرِ اللهِ أهنأ.
فالتقتْ عزيمةُ الإيمانِ عند الأبِ إبراهيم، وقوَّة التَّسليم عند الابنِ إسماعيل.
ليكونا مِن أروعِ النَّماذج في خطِّ الإيمان، وخطِّ الثَّباتِ، وخطِّ الصَّبر، وخطِّ العطاء.
وبدأ نبيُّ اللهِ إبراهيم يستعدُّ لتنفيذ الأمر الالهيِّ في ذبح ابنه إسماعيل.
وهنا تتحدَّث الرِّواياتُ عن بعض التَّفاصيل.
تقولُ بعض الرِّوايات:
إنَّ إبليس اللَّعين بذل كلَّ المحاولات للتَّشكيك في هذا الأمر الإلهيِّ.
أتى إلى أم اسماعيل هاجر فقال لها: أتدرين أين ذهب إبراهيم بابنكِ؟
قالت: ذهب به ليحتطب من هذا الشِّعب.
قال: لا والله ما ذهب به إلَّا ليذبحه.
قالت: كلَّا هو أرحم به منِّي، وأشدُّ حبًّا له من ذلك.
قال: إنَّه يزعم أنَّ الله أمره بذلك.
فقالت: إنْ كان [الله] أمره بذلك فقد أحسن في امتثال طاعةِ ربِّهِ في إسلامه لأمر الله سبحانه وتعالى.

هكذا فشلت محاولة الشَّيطان مع هاجر أمِّ إسماعيل، هذه الأم المؤمنة الواثقة بالله، المسلِّمة لقضائه وقدره، والتي ترى في طاعة الله كلَّ اللَّذة، وكلَّ السَّعادة وكلَّ الاطمئنان والرِّضا، وإن كان في ذلك ذبح ولدها الوحيد والغالي ما دام الهدف أغلى وأكبر.
خرج إبليس اللَّعين مِن عندِ هاجر هاربًا، حتَّى أدرك إسماعيل وهو يمشي على أثر أبيه.
فقال له: يا غلام هل تدري أين يذهب بك أبوك؟
قال الغلام: نحتطب لأهلنا في هذا الشِّعب.
قال إبليس اللعين: ما يريدُ إلَّا ذَبحك.
قال: ولِمَ؟
قال إبليس: يزعم أنَّ الله أمره بذلك.
قال الغلام: فليفعل ما أمره الله جلَّ وعلا، فسمعًا وطاعة لأمر الله سبحانه وتعالى.
وهنا أقبل إبليس على نبيِّ الله إبراهيم (عليه السَّلام) فقال له: أين تريد أيُّها الشَّيخ؟
قال (عليه السَّلام): أريد هذا الشِّعب لحاجة لي.
فقال إبليس اللَّعين: واللهِ إنِّي لأرى الشَّيطان قد جاءك في منامك يأمرك بذبح ابنك هذا، فعرف أنَّه هو الشَّيطان فقال له: إليك عنِّي يا ملعون، فواللهِ لأمضيَّن لأمرِ ربِّي.
فرجع إبليس مهزومًا. (انظر: الطَّبري، تاريخ الطَّبري، 1/192-193)
وفي بعض الرِّوايات:
إنَّ إبليس لما برز لنبيِّ الله إبراهيم جاءه جبرئيل وأمره أنْ يرمي إبليس، فرماه بسبع حصيات فدخل عند الجمرة الأولى، فأمسك ثمَّ برز عند الجمرة الثَّانية فرماه بسبع حصيات أخر فدخل تحت الأرض مع موضع الثَّانية، ثمَّ برز له في موضع الجمرة الثَّالثة فرماه بسبع حصيات فدخل موضعها.
وهكذا فشلت كلُّ محاولات إبليس اللَّعين.
ومضى نبيُّ الله إبراهيمُ مُصمِّمًا على أَنْ يَنفذَ أمر اللهِ سبحانَه في ذبحِ ولدِه إسماعيل.
{فَلَمَّا أَسْلَمَا …}. (الصَّافات/103)
استسلم نبي الله إبراهيم لأمر، الله وكذلك استسلم إسماعيل.
{… وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ}. (الصَّافات/103)
وضع جبينه على الأرضِ لئلَّا يرى وجهَهُ فتلحقه رقَّة الآباء.
وفي بعضِ الرِّواياتِ إنَّ إسماعيلَ قال لأبيه:
اذبحني وأنا ساجدٌ، لا تنظر إلى وجهي فعسى أنْ ترحمني. (انظر: الطَّبرسي: تفسير مجمع البيان 8/321-322.)
وفي رواية قال إسماعيل لأبيه:
يا أبتاه خمِّر [أي استر] وجهي وشدَّ وثاقي حتَّى لا أضطرب، واكف عنّي ثيابي حتَّى لا تنضح – أي يرش- من دمي شيئ فتراه أمّي.
واشحَذ – أي سنَّ شفرتك – وأسرع من السِّكين على حلقي ليكون أهون عليَّ، فإنَّ الموت شديد.
وجاءت اللَّحظة الحاسمة.
أضطجع ولدَهُ إسماعيل، وأخذ المُدية [السِّكين] وضعها على حلقِهِ، رفع رأسه إلى السَّماء
ثم جرَّ عليه المدية.
وإذا بجبرئيل يهبط من السَّماء فيقلب المُدية.
أعادها إبراهيم المدية… قلبها جبرئيل…
وهكذا استمرت محاولات إبراهيم.
وجاء النِّداء مِن اللهِ سبحانه:
{… يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا …}. (الصَّافات/104 – 105)
وكان الفداء كبشًا عظيمًا.
{وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} (الصَّافات/107). (انظر: الطَّبرسي: تفسير مجمع البيان 8/325.)
وهكذا تأسَّست شعيرة الرَّمي، وشعيرة الذَّبح في منى.
وهاتان الشَّعيرتان تُمركزان الموقف ضدَّ الشَّيطان، وتؤسِّسان للثَّبات على خطِّ اللهِ.

كلمة أخيرة (الجمعيَّات والصَّناديق الخيريَّة)
مِن الظَّواهرِ الطَّيِّبةِ والجميلةِ في هذا الوطنِ وجود (جمعيَّات خيريَّة) و(صناديق خيريَّة).
وإنَّنا نثمِّن هذه الظَّاهرةَ التي تُعطي لهذا الوطنِ وجهًا مشرقًا، وعنوانًا كبيرًا.
فما أجملَ أنْ تنشط أعمالُ الخير بكلِّ ما يحمله هذا العنوانُ من عطاءاتٍ كبيرةٍ، وبركاتٍ طيِّبةٍ.
ونجاح هذه المشاريعِ الخيريَّةِ مِن جمعيَّاتٍ وصناديقَ يحتاج إلى ثلاثة عناصر:
العنصر الأوَّل: إدارات ناجحة
ومطلوب أنْ تتوفر هذه الإدارات:
أوَّلًا: على كفاءاتٍ إيمانيَّة وروحيَّه وأخلاقيَّه وسلوكيَّة.
ثانيًا: على كفاءات فقهيَّة.
ثالثًا: على كفاءاتٍ إداريَّةٍ وخبراتٍ عمليَّةٍ.
رابعًا: على علاقات طيِّبة مع النَّاس.
ومِن الضَّروري أنْ تُطوِّرَ هذه المشاريع مِن أدائها، بما يمنحها القدرة على مواكبة كلِّ المتغيِّرات.

العنصر الثَّاني: تفاعل أصحاب الخير
فمن يتوفَّر على إمكاناتِ الدَّعم لهذه المشاريع الخيريَّة يتحمَّل المسؤوليَّة، فهناك عوائل معدمة، وبائسين يبحثون عن لقمة عيش، وهناك مَنْ لا يتوفَّر على أبسطِ ضروراتِ الحياةِ.
صحيح أنَّ الدَّولة هي المسؤولة الأولى عن معالجةِ أوضاعِ هؤلاءِ المعدمين.
وصحيح أنَّ الدَّولة هي المسؤولة الأولى عن توفير فرصَ العملِ للعاطلين.
إلَّا أنَّ هذا لا يلغي مسؤوليَّة كلِّ القادرين مِن أبناءِ هذا الوطنِ، إنَّها الرَّحمة المطلوبة.
• الرَّسول الأكرم (صلَّى الله عليه وآله): «…، ارحَمُوا مَن فِي الأرضِ يَرحَمْكُم مَنْ في السَّماءِ». (المتَّقي الهندي: كنز العمَّال 3/68، (الرَّحمة بالضُّعفاء والأطفال والشُّيوخ …)، ح 5966.)

• وفي الكلمة عن الإمام الباقر (عليه السَّلام): «…، ولأنْ أَعُولَ أَهْلَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؛ أَسُدَّ جَوْعَتَهُمْ، وأَكْسُوَ عَوْرَتَهُمْ، فَأَكُفَّ وُجُوهَهُمْ عَنِ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَحُجَّ حَجَّةً وحَجَّةً وحَجَّةً ومِثْلَهَا ومِثْلَهَا – حَتَّى بَلَغَ عَشْرًا -، ومِثْلَهَا ومِثْلَهَا – حَتَّى بلغ السَّبعين -». (الكليني: الكافي 2/195، (ك: الإيمان والكفر، ب: قضاء حاجة المؤمن)، ح 11.)

العنصر الثَّالث: التَّسْهِيلاتُ الرَّسميَّة
هذه التَّسهيلاتُ تُشكِّل ضرورة لتنشيط عمل الجمعيَّاتِ والصَّنَاديقِ الخيريَّةِ.
لا شكَّ مطلوب أنْ تتوافر الضَّوابط الرَّسميَّة، بشرط أنْ لا تتحوَّل إلى (مُعطِّلاتٍ ومُعقِّدات).
فمِن صالحِ هذا الوطنِ أنْ تنشط مؤسَّساتُ الخيرِ والعطاءِ، وهذا يعطي عنوانًا طيِّبًا، وعنوانًا مُشرقًا، وعنوانًا حضاريًّا.
الرَّقابة مطلوبة ما دامت تحمي المسار ولا تكبِّلهُ، ولا تثقله بإجراءات (مثبِّطة).
مطلوبٌ أنْ نشدَّ على أيدي صُنَّاعِ الخير ما داموا أمناءَ، وصالحين، وحملة تقوى ودينٍ، وأوفياء لهذا
الوطنِ.
إنّنا نريد أنْ لا تموتُ روحُ العطاءِ، وأعمال البرِّ والإحسان.
هناك همومٌ لدى القائمين على هذه الجمعيَّات والصَّناديق، أتمنَّى أنْ تدرسها الجهات الرَّسميَّة المعنيَّة؛ ممَّا يعطي للعمل الخيريِّ دفعًا، ونهوضًا، ومصداقيَّة، وممَّا يعطي لمؤسَّساتِ العملِ الخيريّ حضورًا
فاعلًا، وعطاءً كبيرًا، ومساحات أوسع ما دامت الضَّوابط متوفِّرة.
هناك بعض شكاوى وإشكالات مِن النَّاس مطلوب أنْ تُدرس.
وهناك بعض شكاوى وإشكالات مِن القيِّمين على هذه المشاريع.
رُبَّما تطال هذه الشَّكاوى والإشكالات بعض الإجراءات الرَّسميَّة.
ولا أجد ضرورة أن أُسمِّي هذه الشَّكاوى والإشكالات، وأتمنَّى أنْ تعالج هذه الأمور بحكمة وبصيرة، بما يخدم أهداف العمل الخيريِّ، وبما يُسهِّل حركته، بعيدًا عن كلِّ المعقِّدات، وكلِّ المكدِّرات.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.

 

Show More

Related Articles

Back to top button