موائد الرَّحمن (3) | ذكرى شهادة الشَّهيد السَّيِّد محمَّد باقر الصَّدر | كلمتان أخيرتان
تاريخ: يوم السَّبت، 17 شهر رمضان 1444هـ | الموافق: 8 أبريل 2023 م | مسجد الإمام الصَّادق (عليه السَّلام) – القفول
موائد الرَّحمن (3)
ذكرى شهادة الشَّهيد السَّيِّد محمَّد باقر الصَّدر (رضوان الله عليه)
عناوين الحديث:
1- تحيَّة حُبٍّ وإكبارٍ
2- مِنْ مناسبات الشَّهر الكريم
3- ذكرى شهادة الشَّهيد السَّيِّد محمَّد باقر الصَّدر
4- كلمتان أخيرتان
———————————
أعوذ باللَّه السَّميع العليم من الشَّيطان الغوي الرَّجيم
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمد للهِ ربِّ العالمين، وأفضل الصَّلواتِ على سيِّد الأنبياء والمرسلين، سيِّدنا ونبيِّنا وحبيبنا وقائدنا محمَّد وعلى آله الطيِّبين الطَّاهرين.
السَّلام عليكم أيُّها الأحبَّة جميعًا ورحمة الله وبركاته.
العنوان الأوَّل: تحيَّة حُبٍّ وإكبارٍ
لكُمْ ولكلِّ مَوقفٍ نبيل.
لكلِّ كلمةٍ طيِّبةٍ صَادقة.
لكلِّ كلمةٍ شريفةٍ غَيُورة.
لكلِّ كلمةٍ واثقةٍ ثابتةٍ.
لكلِّ كلمةٍ نظيفةٍ طاهرة.
لكلِّ كلمةٍ مجاهدةٍ هادفة.
لكلِّ كلمةٍ مدافعةٍ عن قِيَمِ الدِّينِ، وثوابتِ المعتقد.
لكلِّ كلمةٍ رافضةِ للتَّيهِ والضَّلالِ والسَّفاهة والبدعِ.
لكلِّ كلمةٍ بصيرةٍ هادية.
العنوان الثَّاني: مِن مناسبات الشَّهر الكريم
أيّها الأحبة:
هذه الأيام من الشَّهر الفضيل تحتضن مجموعةَ مناسباتٍ دينيةٍ كبيرة:
1- مناسبة ميلاد السِّبط الحسن المجتبى (عليه السَّلام) (15 شهر رمضان).
2- مناسبة الإسراء والمعراج (17 شهر رمضان) على حسب بعض الرِّوايات.
3- مناسبة معركة بدر الكبرى (17 شهر رمضان).
4- مناسبة شهادة أمير المؤمنين (عليه السَّلام) (19، 20، 21 من شهر رمضان).
5- مناسبة ليلة القدر (19، 21، 23 من شهر رمضان).
6- ويصادف السابع عشر من شهر رمضان لهذا العام ذكرى شهادة المرجع الكبير السَّيِّد محمَّد باقر الصَّدر، وشهادة شقيقته السَّيِّدة بنت الهدى آمنة الصَّدر.
وقد وعدتكم أنْ يكون حديثي في هذا اليوم عن هذا المرجع العظيم، والمفكِّر الكبير السَّيِّد محمَّد باقر الصَّدر (رحمه الله).
◊ الممازجة بين الحديث عن السًّيِّد الصَّدر وهذه المناسبات في هذا الشَّهر
وقد علَّمتنا مدرستُهُ – مدرسة الشَّهيد الصَّدر – كيف نتعاطى مع المناسبات الدِّينيَّة؟
خطاب السيد الصدر، كلماته، كتاباته، تناولت الحديث عن المناسبات الدينية،
وقد علمتنا مدرسته كيف نتعامل مع المناسبات الدينية؟
فقيمة هذه المناسبات – حسب مدرسة الشَّهيد السَّيِّد محمَّد باقر الصَّدر -:
بقدرِ ما تصنعُ وعيَ الأجيال.
وبقدرِ ما تصنعُ وجدانَ الأجيال.
وبقدرِ ما تصنعُ أخلاق الأجيال.
وبقدر ما تصنعُ تقوى الأجيال.
وبقدر ما تصنعُ عطاء الأجيال.
◊ كيفيَّة إحياء المناسبات بنجاح
أيُّها الأحبَّة:
لكي تُحيوا هذه المناسبات بنجاح ضعوا لكم:
1- برنامجًا ثقافيًّا
2- وبرنامجًا روحيًّا
3- وبرنامجًا أخلاقيًّا
4- وبرنامجًا سلوكيًّا
5- وبرنامجًا رساليًّا
هكذا تُعلِّمنا مدرسة الشَّهيد السَّيِّد محمَّد باقر الصَّدر.
فماذا يعرف أجيالنا وشبابنا عن الشَّهيد السَّيِّد محمَّد باقر الصَّدر (رحمه الله)؟
العنوان الثَّالث: ذكرى شهادة السَّيد محمَّد باقر الصَّدر
مضى أكثر من أربعين عامًا على شهادة آية الله العظمى المفكِّر الكبير السَّيِّد محمَّد باقر الصَّدر (رضوان الله عليه).
وبالتحديد كانت شهادته في الثامن (أو التَّاسع) من شهر أبريل سنة 1980 ميلادية، والمصَادِف للثَّاني والعشرين من شهر جمادى الأولى سنة 1400 هجريَّة.
ولا شكَّ أنَّ أجيالَنا في نصف قرنٍ في نصف قرنٍ مضى لم تعاصر الشهيد الصَّدر، ولم تطَّلع على شيئ من سيرته إلَّا نسبة قليلة من المثقَّفين الَّذين يقرأون ويتابعون، فربما كان لهم نصيب من المعرفة بهذه الشَّخصيَّة العظيمة.
ولعلَّ غيابَ الخطاب الدِّيني الذي يُعرِّف بهذه الشَّخصيَّات العملاقة هو أحد أهمِّ أسباب النضوب الثَّقافي المعرفي لدى أجيالنا.
أما ترون أنَّ نسبة كبيرة من شبابنا في هذا العصر يملكون ثقافةً مكثَّفةً حول رجالِ فنٍ، ورجالِ رياضةٍ، ورجال سياسةٍ؛ لوجود إعلامٍ مُهيمنٍ على ذهنيَّة هذا الجيل من الشَّباب والشَّابات.
في حين أنَّ الخطاب الدِّيني المسؤول عن خلق وعي برموزنا الدِّينيَّة الكبيرة غائب، أو أنَّ حضوره ضعيف، وربَّما خجول.
إنَّ مسئوليَّة الخطاب الدِّيني كبيرة جدًّا في التَّعريف برجال الفقه والفكر والأدب والعلم والثَّقافة، وكم هو غنيٌّ تاريخنا وحاضرنا بنماذج شاخصة من هؤلاء الرِّجال الكبار.
فمِنَ الظُّلم أنْ تَسرق أجيالَنا ثقافاتٌ دخيلة متنافية مع ثقافتنا ومع قِيَمنا.
ومِنَ الظُّلم أنْ لا نُعرَّف أجيالنا بالقمم الكبيرة والعملاقة في تاريخنا.
ومطلوبٌ من أجيالِنا وشبابِنا أن يتوفَّروا على ثقافة جادَّة تصنع لديهم البصيرة الإيمانيَّة، وتعرِّفهم بقِمَم الفكر والعلم، وقِمَم القِيَم والفضيلة، وقِمَم التَّقوى والصَّلاح، وقِمَم الجهادِ والعطاء.
وإنتاج هذه الثَّقافة في حاجة إلى قراءة مكثَّفة ومتابعةٍ جادَّة.
ومن المؤسف أنَّ شبابنا لا يقرأون، وإذا قرأوا فهم يقرؤون تفاهات الثَّقافة التي تملأ عقولهم غَبَشًا وسَفَهًا وفُسْقًا وضياعًا وخواء.
وحديثي هذا ليس تعميمًا، فمِن شبابنا مَنْ نفتخر به إيمانًا، ووعيًا، وصلاحًا، وعطاءً.
ومن شبابِنا مَنْ يمثِّلون نماذج راقية نفخر بها، ونتلمَّس من خلالِها مستقبلًا رائدًا وكبيرًا وفاعلًا.
ونحن نشدُّ على أيدي هذه النَّماذج؛ فبهم تنهض الأوطان، وبهم تقوى الشُّعوب، وبهم تحصَّن الأجيال في مواجهة كلِّ مشاريع العبث، وكلِّ مشاريع الضَّياع، وكلِّ مشاريع التَّجهيل.
ولا يُحصِّن أجيالَنا خطابٌ كما يُحصِّنها خطابُ التَّأصيل، وأقصد بخطاب التَّأصيل الخطاب الذي يعرِّف الأجيال بقِمَم الدِّين، وفقهاءِ الدِّين، ورجالِ المبدأ والعقيدة، وحملةِ القِيَم والأخلاق، وصنَّاعِ الوعي والبصيرة.
◊ الشَّهيد السَّيد محمَّد باقر الصَّدر نموذجًا كبيرًا
تمرُّ بنا اليوم الثَّامن من أبريل ذكرى شهادة الفقيه العظيم، والمفكِّر العملاق، والمجاهد الكبير السَّيِّد محمَّد باقر الصَّدر، وشهادة شقيقتِهِ السَّيِّدة آمنة الصَّدر بنت الهدى، شريكته في الجهاد والعطاء.
أعطت دمها كما أعطى دمه، ونالت وسام الشَّهادة كما ناله.
وإنْ اختلفا فللشَّهيد الصَّدر قبرٌ شاخص يَزدحم عنده العشَّاق، وليس للشَّهيدة بنت الهدى قبر، وأبت إلَّا أنْ تشارك جدَّتها الصِّدِّيقة الزَّهراء (عليها السَّلام) في خفاء قبرها.
◊ الشَّهيد الصَّدر ينقطع إلى الله
الشَّهيد الصَّدر كان المنقطع إلى الله دائمًا، والذِّائب في عبادة الله دائمًا، إلَّا أنَّه وهو يقترب من لحظة الشَّهادة زاد انقطاعًا إلى الله، وزاد انصهارًا وذوبانًا في العبادة، كان بين تالٍ للقرآن، وذاكرٍ لله تعالى، وقائم وصائم، ومتهجِّد وراكع وساجد.
وأعلن كلمته الأخيرة (1):
‹… وأنا أعلن لكم يا أبنائي، أنِّي صمَّمتُ على الشَّهادةِ، ولعلَّ هذا آخر ما تسمعونه منِّي، وإنَّ أبوابَ الجنَّةِ قد فُتحت لتستقبل قوافلَ الشُّهداء حتى يكتب الله لكم النَّصر، وما ألذَّ الشَّهادة التي قال عنها رسولُ اللهِ (صلَّى الله عليه والِهِ): أنَّها حسنة لا تضرُّ معها سيِّئة، والشَّهيد بشهادتِهِ يغسل كلَّ ذنوبه مهما بلغت …›. (2)
◊ واعتُقِل السَّيِّد الصَّدر الاعتقال الأخير
وكان في يوم السَّبت ظهرًا الخامس من شهر أبريل سنة 1980م.
استمهلهم حتى يغتسل ويُودِّع أهلَهُ.
اغتسل السَّيد الصَّدرُ غُسْلَ الشَّهادةِ وصلَّى لربِّه ركعتين.
ثمَّ اتَّجه إلى والدتهِ المذهولةِ والمكروبة، وأخذ يدَها وضمَّها إلى صدرِهِ بين يديه، ثمَّ رفعها إلى فيه يلثمها في حنو، وطلب منها الرِّضا والدُّعاء …
ثمَّ احتضن أطفالَهُ يضمُّهم ويقبِّلُهم في لحظاتٍ مملوءةٍ بالدُّموعِ والآهاتِ.
وصرفتْ واحدة من بناتِهِ وجهَها إلى الجدارِ جاهشةً بالبكاء.
ضمَّها بين ذراعيه:
‹ابنتي كلُّ إنسانٍ يموت، …، والموت في سبيل الله أفضل وأشرف، إنَّ أصحاب عيسى نُشروا بالمناشير، وعُلِّقُوا بالمسامير على صلبان الخشب، وثبتوا من أجل موتٍ في طاعةٍ، لا تكترثي يا صغيرتي، فكلُّنا سنموت، اليوم أو غدًا، وإنَّ أكرم الموت القتل، بنيَّتي أنا راضٍ بما يجري عليّ، …›.
وحان الوقت لوداع زوجته، اقترب منها وقال:
‹يا أخت موسى (3)، بالأمس أخوك (4)، واليوم النَّديم والشَّريك والحبيب، اليوم أنا، لكِ الله يا جنَّتي ويا فردوسي، تصبَّري، إنَّما هي البيعة مع الله، قد بعناه ما ليس بمرجوع، وهو قد اشترى سبحانه، يا غريبة الأهل والوطن حملك ثقيل، ولكِ العيال، أسألكِ الحلَّ، فأولئك هم سود الأكباد على بابكِ ينتظرون وما مِن مفرٍّ، أنا ذاهبٌ وعند مَليكٍ مقتدرٍ لنا لقاء›.
وتوجَّه للخروج، فكانت أختُه بنت الهدى بانتظاره تحملُ القرآن الكريم فمرَّ من تحتِهِ ثمَّ قبّلَهُ بهدوء وخرج. (5)
هنا سؤال يُطرح…
هل قال السّيد الصدر كلمة وَداع لأخته بنت الهدى؟
لم تُحدِّثنا المصادر أنَّه جرى بينه وبين شقيقته (بنت الهدى) وداع في تلك اللَّحظات.
لماذا؟
لأنَّه على موعدٍ معها في يوم الشَّهادة.
وفعلًا في اليوم الثَّاني جاءوا وأخذوها وهي شامخة عملاقة تردِّد: ‹والله حتى أُشارك أخي في كلِّ شيئ حتى الشَّهادة›. (6)
ولا يملك القلم أن يتحدَّث عن بعض ما لاقاه الشَّهيد الصَّدر وأخته بنت الهدى من ألوان التَّعذيب.
يقول آية الله السَّيِّد كاظم الحائري، وهو من أبرز تلامذة الشَّهيد الصَّدر:
‹أمَّا عن ألوان التَّعذيب التي مُورست بشأن أستاذِنا الشَّهيد – رحمه الله – وأختِهِ الفاضلة …:
لو صدق عشرٌ من أعشارِ ما نقلوه، فهو ممَّا لا أظنُّهُ واقعًا طول تاريخ العالم، وحقًّا يثقل على النَّفسِ البشريَّة سماعُ جزءٍ يسير منه، فما ظنُّك بالقدرة على تحمُّله›. (7)
◊ وكيف تمَّت الشَّهادة؟
تقول الرِّواية:
قيَّدوا الشَّهيد الصَّدر بالحديد، وأخذوا يهشِّمون رأسه ووجهه بالسِّياط البلاستيكيَّة الصُّلبة، وعذَّبوه تعذيبًا قاسيًا.
وجاءوا بأخته بنت الهدى وقد أنزلوا بها أقسى ألوان التَّعذيب وأمام ناظر شقيقها السّيد الصَّدر.
وهنا أطلقوا رصاصة قاتلة وسقط السَّيِّد شهيدًا مضرَّجًا بالدِّماء (لا يعنينا هنا الحديث عمَّن أطلق الرَّصاصة؟).
وأطلقوا رصاصة أخرى قاتلة وسقطت السَّيِّدة بنت الهدى شهيدة مضرَّجة بالدِّماء (مَنْ أطلق الرَّصاصة؟)
وهكذا تمازج الدَّمانِ الطَّاهرانِ في طريق الكرامة والشَّهادة.
وهكذا تعانقت الرُّوحان في طريق العشق الإلهي.
وفي رواية أنَّهم سألوه: أيَّ أسلوب من القتل تريد؟
فقال: أن أذبح كما ذبح الحسين.
ولكنَّهم قرَّروا أن يموت السَّيِّد الصَّدر رميًا بالرَّصاص، ووجَّهوا رصاصة استقبلها بعمامته، ورصاصة ثانية، وثالثة كانت القاتلة.
أيُّها الأحبَّة
وحينما يكونُ الحديثُ عن شهادةِ السَّيِّدِ الصَّدر
وحينما يكونُ الحديثُ عن شهادةِ السَّيِّدةِ بنتِ الهدى
لا يكون حديثًا يؤسِّسُ للإرهاب.
ولا يكون حديثًا يؤسِّسُ للتَّطرُّف.
ولا يكون حديثًا يؤسِّسُ للعنف.
دعاة الإرهابِ والتَّطرُّفِ والعنفِ يحاولون أن يتقمَّصوا عنوان الجهاد وعنوان الشَّهادة، وهذان العنوانان لهما قدسيَّتهما الكبيرة جدًّا في منظور الإسلام وفي منظور القرآن.
– مشاريع الجهاد والشَّهادة تصنع الأمن والأمان، بينما مشاريع الإرهاب والتَّطرُّف والعنف تقتل الأمن والأمان.
– مشاريع الجهاد والشَّهادة تحمي البلاد والعباد، بينما مشاريع الإرهاب والتَّطرُّف والعنف تدمِّر البلاد والعباد.
– مشاريع الجهاد والشَّهادة تصون شعائر الله في الأرض، بينما مشاريع الإرهاب والتَّطرُّف والعنف تدمِّر شعائر ومقدَّسات الدِّين.
– مشاريع الجهاد والشَّهادة تزرع المحبَّة والصَّفاء والتَّسامح، بينما مشاريع الإرهاب والتَّطرُّف والعنف تزرع الحقد والتَّباغض والتَّشدُّد.
– مشاريع الجهاد والشَّهادة تؤسِّس للوحدة والتَّقارب والتَّآلف، بينما مشاريع الإرهاب والتَّطرُّف والعنف تؤسِّس للفرقة والتَّباعد والخلاف.
– مشاريع الجهادِ والشَّهادةِ تدعمها خطابات الدِّين والعقيدة، بينما مشاريع الإرهاب والتَّطرُّف والعنف مرفوضة دينًا وعقيدةً وقِيَمًا.
– مشاريع الجهاد والشَّهادة تشكِّل منطلقًا للبناء والإصلاح، بينما مشاريع الإرهاب والتَّطرُّف والعنف تشكِّل منطلقًا للدَّمار والإفسادِ.
وهنا مطلوبٌ جدًّا أنْ لا تختلط العناوين، وأن لا تختلط الشِّعارات، وأن لا تختلط المصطلحات.
صناع الإرهاب والتَّطرُّف والعنف يتعمَّدون هذا الخلط بين العناوين، وهذا الخلط بين الشِّعارات، وهذا الخلط بين المصطلحات من أجل أن يُمرِّروا أهدافهم الفاسدة إلى عقول شعوبنا، وإلى قلوب جماهيرنا.
وقد اختلطت الأمور على كثيرين فحسبوا أنَّ كلَّ حديث عن الجهاد والشَّهادة هو حديث عن الإرهاب والتَّطرُّف والعنف.
بينما الرُّؤية البصيرة والواعية للجهاد والشَّهادة هي حماية الأوطان والبلاد والعباد في مواجهة كلِّ أشكال الإرهاب والتَّطرُّف والعنف.
وإذا أساء البعض استخدام عناوين الدِّين فلا تتحمَّل هذه العناوين مسؤوليَّة هذا اللَّبس والخلط، ولا يتحمَّل الدِّين هذا اللَّبس والخلط.
أنا لا أشكُّ أنَّ هناك تطبيقات خطأ جدًّا.
المطلوب هو تصحيح هذه التَّطبيقات لا أن نحارب المفاهيم نفسها.
فمن مارس الدِّين ممارسة خطأ مطلوب منَّا:
– أن نصحِّح له هذه الممارسة لا أن نتَّهم الدِّين.
– وأن نؤكِّد على البصيرة والوعي.
– وأن نواجه المسارات الضَّالة والمنحرفة.
العنوان الرَّابع: كلمتان أخيرتان
الكلمة الأولى: السُّجون المفتوحة
إنَّني أثمِّنُ خطوةَ السُّجون المفتوحة، إلَّا أنَّي أضع ملاحظتين:
1) إنَّ العددَ دونَ مُستوى الطموح.
2) ثمّ إنَّ بقاء عنوان السُّجون أمر ثقيل جدًّا.
فهل نشهد عيدًا أكثرَ وأكبرَ أملًا وتفاؤلًا؟
فلا عِيدَ والأزماتُ ضاغطة.
ولا عيدَ والسُّجونُ مزدحمة.
ولا عيدَ والدُّموعُ تملأ العيون.
ولا عيد والفقر يحاصر الكثير من الأسر.
ولا عيد والعاطلون تزدحمُ بهم البلاد.
ولا عيدَ والبسمةُ ضائعة.
ولا عيدَ والآمال تبحث عن مسار
إنَّ أكفّنا مشدودة إلى السَّماءِ، سائلين المولى القدير أنْ يملأ هذا الوطن وأوطانَ المسلمين أمنًا وأمانًا، ومحبَّةً ووئامًا، وخيرًا وصلاحًا، وبهجةً وارتياحًا، وسعادةً وهناءً.
الكلمة الثَّانية: الصَّلف الصُهيوني يمارسُ أساليبه العدوانيَّة
لا زال الصَّلف الصُهيوني يمارسُ أساليبه العدوانيَّة، حيث اقتحمت قواتُ الاحتلال المسجد الأقصى، واعتدت بكلِّ شراسةٍ على المصلِّين والمعتكفين، وبينهم نساء، على مرأى ومسمع من كلِّ العالم.
وهكذا يواجهُ شعبُنا المظلوم في فلسطين أسوء ألوانِ القمع وأشرسَ ألوانِ العدوانِ، فأين الضَّمير العالمي، وأين مجلسُ الأمن، وأين المواقفُ الجادَّةُ والفاعلةُ لدولنا العربيَّة، ولدولنا الإسلاميَّة؟!
صدرت بيانات واحتجاجات ولكنَّها لا زالت خجولة، لا تملك أنْ تواجه هذا العبث الصهيوني الشَّرس. المواجهة في حاجة إلى مواقف شجاعة.
إنَّنا نشدُّ على أيدي المجاهدين الصَّامدين في فلسطين، سائلين المولى القدير أنْ يدحر كيد المعتدين، وأنْ يحمي شعبنا المظلوم في فلسطين إنَّه سبحانَه هو القادر والقاهر والمنتقم.
ويصادف هذا اليوم السَّابع عشر من شهر رمضان ذكرى الإسراء والمعراج وِفق بعض الرِّوايات؛ ممَّا يضع أمَّتنا الإسلاميَّة أمامَ مَسْؤوليَّتِها الكبرى في الدِّفاع عن القدسِ الشَّريفِ مسرى الحبيبِ المصطفى (صلّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم)، فالقدس يستصرخ ضمائر المسلمين، ووجدان كلّ الغيارى، فهل تنهض الهمم، وتنشط الإرادات؟
نسأله تعالى العزيمة، والإرادة، والوفاءَ لقدسنا الشَّريف، ولشعبنا في فلسطين إنَّه سبحانه نعم المولى ونعم النَّصير.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.
والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
—————————————————————————–
الهوامش:
1- هذا البيان موقَّع باسم (محمَّد باقر الصَّدر) في 10 شعبان 1399هـ.
2- محمَّد رضا النُّعماني: سنوات المحنة وأيام الحصار، ص 287.
3- زوجة الشَّهيد الصَّدر هي أخت السَّيد موسى الصَّدر.
4- أخذوا السَّيد موسى الصَّدر، ولا يُعلم مصيره وكيف انتهى؟
5- أبو زيد العاملي: محمَّد باقر الصَّدر السِّيرة والمسيرة 4/271.
6- أبو زيد العاملي: محمَّد باقر الصَّدر السِّيرة والمسيرة 4/273.
7- الحائري: مباحث الأصول 1/165.