موائد الرَّحمن (2): 1- تنبيه: (أكبر من الوطن)؟ | 2- حديث الرَّحمة | 3- خديجة الكبرى أم المؤمنين (سلام الله عليها)

موائد الرَّحمن (2)

 

1- تنبيه: ماذا تعني عبارة (أكبر من الوطن)؟

2- وقفة مع حديث الرَّحمة

3- ذكرى وفاة السَّيدة خديجة الكبرى أم المؤمنين (سلام الله عليها)

—————————————————————————

العنوان الأوَّل:

تنبيه: ماذا تعني عبارة (أكبر من الوطن)؟

حينما استخدمتُ عبارة (أكبر من الوطن) في حديث الأسبوع الماضي فهمها البعض بأنِّي أعني بالعبارة (فوق الوطن)، وهذا فهمٌ ملتبسٌ.

كان المقصود أنَّ مِن الشَّخصيَّات مَنْ تتجاوز شهرتُهم وحضورُهم وأدوارُهم مساحةَ أوطانِهم، فما أكثر المفكِّرين الذين تتجاوز شهرتُهم مساحة أوطانهم، والأمثلة على ذلك واضحة وكثيرة.

وما أكثر السِّياسيِّين الذين تتجاوز شهرتُهم مساحةَ أوطانِهم.

وما أكثر الأدباء الذين تتجاوز شهرتُهم مساحةَ أوطانِهم. (طه حسین نموذجًا)

وما أكثر الشُّعراء كذلك. (الجواهري نموذجًا)

وما أكثر الفقهاء الذين تتجاوز شهرتُهم مساحةَ أوطانِهم. (صاحب الحدائق نموذجًا) (ابن ميثم البحراني نموذجًا) (الشَّهيد الصَّدر نموذجًا)

وما أكثر الخطباء كذلك. (الوائلي نموذجًا) (ملَّا عطيَّة نموذجًا)

فهؤلاء تتَّسع شهرتُهم لمساحات أكبر من أوطانهم.

فهل هذا يتنافى مع إيماننا بقداسة الوطن، وحب الوطن؟

وقد جاء في الحديث النَّبوي أنَّ: «حبَّ الوطن من الإيمان». (1)

وأنا هنا لا أريد أن أساوم في استخدام العناوين والشِّعارات، فالقيمة ليس في إطلاق الشِّعارات، القِيمة كلُّ القيمة في تجسيد الشِّعارات.

القيمة كلُّ القيمة حينما نصنع الأوطان الصَّالحة.

القيمة كلُّ القيمة حينما نعالج أزمات الأوطان.

القيمة كلُّ القيمة حينما تنعم الشُّعوب بخيرات الأوطان.

القيمة كلُّ القيمة حينما تتآلف القلوب، وتتعانق الأرواح.

القيمة كلُّ القيمة حينما تنشط الإرادات الخيِّرة.

القيمة كلُّ القيمة حينما تنتهي الطائفيَّات والعصبيَّات والصِّراعات.

هنا تكون الأوطان كبيرة.

هنا تكون الأوطان جميلة.

هنا تكون الأوطان صالحة.

هنا تكون الأوطان محبوبة.

هنا تكون الأوطان حاضنة.

هنا تكون الأوطان مزدهرة.

هنا تكون الأوطان عامرة.

هكذا يرتقي حبُّ الأوطان إلى مستوى الإيمان، ما دامت الأوطان عامرة بالإيمان، وعامرة بقِيم الإيمان، وما دامت تزرع الآمال، وما دامت تنشر الأمان، وما دامت تكرِّس الوئام، وما دامت وارفة الظِّلال، ومادامت مملوءة بالصَّفاء، والوفاء، والإخاء، وما دامت خيرَ مسكنٍ ومآل.

وما دامت تسودها الرَّحمة.

 

العنوان الثَّاني: وقفة مع حديث الرَّحمة

وهنا أقف بعض الوقت مع حديث الرَّحمة.

من أهمِّ معطيات هذا الشَّهر أنَّه يصنع القلوب الرَّحيمة.

فلا تشملنا رحمةُ الله إلَّا إذا كنَّا رحماءَ بعبادِ الله.

♦ جاء رجل إلى النَّبيِّ (صلَّى الله عليه آاله) وقال: “أحِبُّ أن يَرحَمَني رَبِّي”.

فقال له النَّبيُّ (صلَّى الله عليه وآله): «ارحَمْ نَفسَكَ، وارحَمْ خَلقَ اللهِ يَرحَمْكَ اللهُ». (2)

♦ وقال أمير المؤمنين (عليه السَّلام): «مَن لم يَرحَمِ النَّاسَ مَنَعَهُ اللهُ رحمَتَهُ». (3)

♦ وقال (عليه السَّلام): «أبلَغُ ما تَستَدِرُّ بهِ الرَّحمَةَ أن تُضمِرَ لِجَميعِ النَّاسِ الرَّحمَةَ». (4)

 

◊ مواقع مطلوب منها الرَّحمة

وهنا أذكر ثلاث مواقع مهمَّة تحتاج إلى الرَّحمة:

الموقع الأوَّل: مواقع الحكم (حکَّام، وزراء، مسؤولون)

في عهد أمير المؤمنين (عليه السَّلام) لمالك الأشتر: «وأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ، والْمَحَبَّةَ لَهُمْ واللُّطْفَ بِهِمْ، ولَا تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعًا ضَارِيًا، تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ، فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ، إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ». (5)

الموقع الثَّاني: مواقع الدِّين

حراسة دين النَّاس، وسلوك النَّاس في حاجة إلى دراجة عالية من الرَّحمة، ودرجة عالية من التَّواضع.

♦ النَّبيُّ (صلَّى الله عليه وآله): «لينوا لِمَن تُعَلِّمونَ ولِمَن تَتَعَلَّمونَ مِنهُ». (6)

♦ المسيح (عليه السَّلام): «يَا مَعْشَرَ الْحَوَارِيِّينَ لِي إِلَيْكُمْ حَاجَةٌ اقْضُوهَا لِي.

قَالُوا: قُضِيَتْ حَاجَتُكَ يَا رُوحَ الله.

فَقَامَ فَغَسَلَ أَقْدَامَهُمْ.

فَقَالُوا: كُنَّا نَحْنُ أَحَقَّ بِهَذَا يَا رُوحَ الله.

فَقَالَ: إِنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِالْخِدْمَةِ الْعَالِمُ، إِنَّمَا تَوَاضَعْتُ هَكَذَا لِكَيْمَا تَتَوَاضَعُوا بَعْدِي فِي النَّاسِ كَتَوَاضُعِي لَكُمْ». (7)

 

الرَّحمة والتَّواضع بوابة الولوج إلى القلوب، والولوج إلى القلوب بوابة الولوج إلى العقول، وبعدها إلى السُّلوك.

 

الموقع الثَّالث: مواقع الأسرة

• قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَٰجًا لِّتَسْكُنُوٓاْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً …). (الرُّوم: الآية 21)

◊ أسس نجاح العلاقة الزَّوجيَّة:

1. المودَّة والمحبَّة.
2. الاحترام المتبادل (لكلٍّ منهما مكانة كبيرة عند الآخر).
3. التَّعاون في أداء المهام والمسؤوليَّات.
4. التفاهم في معالجة الاشكالات الطارئة.
5. الالتزام بالحقوق والواجبات (امتلاك ثقافة فقهيَّة ودينيَّة).

 

العنوان الثَّالث: ذكرى وفاة السَّيدة خديجة الكبرى أم المؤمنين (سلام الله عليها)

العاشر من شهر رمضان المبارك.

1- أوَّل امرأة آمنت بالدَّعوة.

2- المجاهدة الأولى:

– بذلت كلَّ أموالها في سبيل الإسلام.

– شاركت الرَّسول (صلى الله عليه وآله) هموم ومشاق الدَّعوة.

– واجهت تحدِّيات نساء قريش بثبات وصمود.

3- كانت مثالًا للزَّوجة النَّموذجيَّة:

– المطيعة.

– تخفيف آلام النَّبيِّ (صلى الله عليه وآله).

– تملأ نفس النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله) بالثَّبات والصُّمود.

هي قدوة كبرى لكلِّ النِّساء المؤمنة في كلِّ الأزمان.

———————–

الهوامش:

1- الكجوري: الخصائص الفاطميَّة1/7.

2- الرَّيشهري: حِكَم النَّبيِّ الأعظم (ص)، 7/411، ح 11454.

3- الرَّيشهري: ميزان الحكمة 4/393، ح 7210.

4- الرَّيشهري: ميزان الحكمة 4/392، ح 7207.

5- نهج البلاغة، خطب الإمام علي (ع)، ص 427، ح 53.

6- الرَّيشهري: حِكَم النَّبيِّ الأعظم (ص)، 1/300، ح 601.

7- الكليني: الكافي 1/37، ح6.