موسم نداءات التوبة
26 شعبان 1444هـ | الموافق: 19 مارس 2023 | مأتم السَّنابس – السَّنابس
موسم نداءات التوبة
◊ في استقبال الشَّهر الفضيل والدُّعاء للوطن
ونحن نستقبل الشَّهر الفضيل نرفع أكفَّ الضَّراعة إلى الله العلي القدير أن يجعل شهرنا هذا شهر خير وبركة لهذا الوطن ولكلِّ أوطان المسلمين.
وإذا أردنا أن يُقارب الدُّعاء بعض هموم وطننا؛ فإلى الله وحده نتوجَّه ضارعين:
أن يجعل هذا الوطن وطن دينٍ وقِيَم.
أن يجعل هذا الوطن وطن أمنٍ وأمان.
أن يجعل هذا الوطن وطن عدلٍ وإنصاف.
أن يجعل هذا الوطن وطن عزَّة وكرامة.
أن يجعل هذا الوطن وطن تقارب.
أن يجعل هذا الوطن وطن محبَّة ووئام.
أن يجعل هذا الوطن وطن تسامح وتراحم.
أن يجعل هذا الوطن بلا أزمات، بلا إرهاقات.
بلا بؤساء يفتِّشون عن لقمة عيش.
بلا عاطلين قد سرق الأجانب كلَّ فرصهم في الأعمال والوظائف.
بلا أسر موجوعة قلوبها وأبنائهم في السُّجون أو خارج الأوطان.
وما أكثر اللَّاءات التي تؤزِّم أوضاع الوطن.
ونحن على أعتاب شهر الله الكريم تتجدَّد في داخلنا الآمال الكبيرة وتضرُّعنا إلى الله وحده، وهو سبحانه المسدِّد، وهو مصدر كلّ الفيض والعطاء، ومصدر كلّ الخيرات والبركات، {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اَللّٰهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}. (الطَّلاق: الآية 3)
◊ موسم نداءات التَّوبة
قال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (النُّور: الآية 31)
1- تخصيص موسم لنداءات التوبة
اختیارٌ صائب جدًّا أن يُخصَّص هذا الأسبوع الأخير من شهر شعبان لانطلاق (نداءات التَّوبة).
لماذا هذا الاختيار؟
أوَّلًا: كون الضِّيافة الرَّبَّانيَّة في شهر الله بحاجة إلى استعدادات، وأهم هذه الاستعدادات هو (التَّوبة) وإلَّا لا قيمة لكلِّ الاستعدادات الأخرى، وبقدر ما تنجح التَّوبة تنجح الضِّيافة في الشَّهر الفضيل.
ثانيًا: ضرورة التَّوفُّر على (ثقافة التَّوبة) من أجل إنتاج توبة حقيقيَّة، وغياب هذه الثَّقافة يضع
التَّائبين في مسارات خاطئة أو مرتبكة، ممَّا يجعل الاستعداد للشَّهر الفضيل استعدادًا خطأً.
ثالثًا: تنشيط (عنوان التَّوبة) في وعي الجماهير، وفي وجدانهم وفي سلوكهم.
ومن أجل أن يكون للتَّوبة فِعلُها مطلوبٌ:
(1) أنْ نُدخل التَّوبة في العقل.
(2) أن نُدخل التَّوبة في القلب.
(۳) أن تُدخل التَّوبة في السُّلوك.
رابعًا: التَّأسيس للخطاب الرَّمضاني الهادف.
فالثَّقافة الرَّمضانيَّة مرتكزها الكبير هو (التَّوبة)، وغياب التَّوبة يفقد الخطاب الرَّمضاني كلَّ فاعليَّته
وكلَّ معطياته.
خامسًا: على ضوء التَّوبة ومستواها يُصنَّف الصَّائمون
(1) الخاسرون
(2) المغبونون
(۳) الرَّابحون
2- كيف نؤسِّس لتوبة فاعلة؟
ماذا نقصد بالتَّوبة الفاعلة؟
التَّوبة التي تصنع الإنسان صنعًا إيمانيًّا فاعلًا.
وهي التَّوبة التي:
أ- تغيِّر وعي الإنسان تغييرًا إيمانيًّا.
ب- تغيِّر وجدان الإنسان تغييرًا إيمانيًّا.
ج- تغيِّر أخلاق الإنسان تغييرًا إيمانيًّا.
د- تغيِّر سلوك الإنسان سلوكًا إيمانيًّا.
هذه هي التى يعبِّر عنها القرآن بـ (التَّوبة النَّصوح).
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا …}. (التَّحريم: الآية 8)
أركان التَّوبة النَّصوح
للتَّوبةِ النَّصُوح أربعة أركان:
الرُّكن الأوَّل: أن تكون توبة ربَّانيَّة
ما معنى أن تكون توبة ربَّانيَّة؟
أن تكون خالصة لله سبحانه؟
لا من أجل دنيا ومال ومواقع؟
لا من أجل جاه وشهرة.
لا خوفًا من أحد.
لا من أجل أن يُقال له عبد صالح.
والتَّوبة الخالصة لله سبحانه:
أ- قد تكون حُبًّا لله تعالى.
ب- وقد تكون طمعًا في ثواب الله.
ج- وقد تكون خوفًا من عقاب الله.
الرُّكن الثَّاني: القلب التَّائب
مطلوب لكي تكونَ التَّوبةُ صادقةً أنْ يتوجَّعَ القلبُ وتدمعَ العينُ، وتطولَ الآهات والحسرات نتيجة ارتكاب الذُّنوب والموبقات، وطمعًا في عفو اللهِ وكرمِهِ وفيضِه، فلا يأس في ساحته تعالى، ورحمتُه وسِعت كلَّ شيئ.
- في الكلمة عن إمامنا السَّجاد (عليه السَّلام):
«لا يَهلِكُ مُؤمنٌ بينَ ثلاثِ خِصالٍ:
شهادَةِ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ،
وشفاعَةِ رسولِ اللهِ (صلَّى الله عليه وآله)،
وسَعَةِ رَحمَةِ اللهِ عزَّ وجلَّ». (1)
الرُّكن الثَّالث: التَّصميم الجادُّ على التَّوبة، وعلى عدم العود إلى مقارفة المعصية
وإلَّا لم يكن صادقًا في توبته.
- في الكلمة عن أمير المؤمنين (عليه السَّلام):
«التَّوبَةُ على أربَعةِ دَعائِمَ:
نَدَمٌ بالقَلبِ، واسْتِغفَارٌ باللِّسانِ، وعَملٌ بالجَوارِحِ، وعَزْمُ أنْ لا يَعودَ». (2)
وهذا لا يعني أنَّه لو سقط مرة أخرى في المعصية انغلق باب التَّوبة أمامه، فهذا الباب لا ينغلق.
- في الكلمة عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله):
«مَن تابَ قَبْلَ أنْ يُعايِنَ قَبِلَ اللهُ تَوبَتَهُ». (3)
أي قبل أن يعايِن ملك الموت.
الرُّكن الرَّابع: التَّدارك والتَّصحيح
وهنا مجموعة مسارات:
المسار الأوَّل: تدارك ما فرَّط فيه
من واجبات: صلاة، صيام، حج، زكاة، خمس، كفارات.
الاجتهاد في قضائها.
المسار الثَّاني: الاستغفار عمَّا صدر منه من معاصي بينه وبين الله ولا تتعلَّق بحقوق العباد
(كذب/ شرب خمر/ سماع غناء/ نظرة محرَّمة …)
أ- النَّدم وكثرة الاستغفار.
ب- توطين النَّفس على التَّرك.
ج- الإكثار من فعل الحسنات لمحو السَّيِّئات.
المسار الثَّالث: تدارك ما صدر عنه في حقِّ العباد
(1) ما كان في المال:
أ. الرَّد.
ب. الاستحلال.
ج. التَّصدُّق عنهم.
د. التَّضرُّع إلى الله أن يرضيه عنه.
هـ. الإهداء إليه بعض الأعمال؛ عسى أن يرضى عنه يوم القيامة.
(2) ما كان في العِرض:
(شتم/ قذف/بهتان/ غيبة)
أ- أن يكذِّب نفسه.
ب- أن يستحلَّ من صاحبه مع الإمكان.
ج- وإلَّا فليكثر الاستغفار له، فلعلَّه يسمح عنه حينما يطالب الخصماء بحقوقهم يوم القيامة.
- قَالَ (صلَّى الله عليه وآله) لأصحابه: «أتدرون ما المفلس؟
قالوا: المفلس فينا مَن لا درهم له، ولا متاع.
فقال: إنَّ المفلس من أمَّتي يأتي يوم القيامة بصلاة، وصيام، وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أنْ يُقْضَى ما عليه أُخِذ من خطاياهم، فطُرِحت عليه، ثمَّ طُرح في النَّار». (4)
—————————–
الهوامش
1- المجلسي: بحار الأنوار 75/159.
2- المجلسي: بحار الأنوار 75/81، ح 74.
3- الكليني: الكافي 2/440، بَابٌ فِيمَا أَعْطَى الله عَزَّ وجَلَّ آدَمَ ع وَقْتَ التَّوْبَةِ، ح 2.
4- مسلم النيسابوري: صحيح مسلم 2/1380، (ك45: البر والصِّلة والآداب، ب 15: تحريم الظُّلم)، ح 59/2581.