موائد الإيمان: دعاء للوطن بالخير والبركات – منهجيَّة هذا اللِّقاء – أبعاد الصِّيام
حديث السَّبت الرمضاني | تاريخ: 7 شهر رمضان 1443 هـ | الموافق: 09 أبريل 2022 م | مسجد الإمام الصَّادق (ع) بالقفول - البحرين
موائد الإيمان – 1
هي محاضرات للعلَّامة السَّيِّد عبد الله الغريفي، أُلقيت في أيَّام السَّبت خلال شهر رمضان المبارك 1443هـ، وقد تمَّ تفريغها من تسجيلات مرئيَّة، وتنسيقها بما يتناسب وعرضها مكتوبة للقارئ الكريم.
أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّميع العليم من الشَّيطان الغَوِيّ الرَّجِيم
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، وأفضل الصَّلوات على سيِّدِ الأنبياءِ والمُرسلين، سيِّدنا ونبيِّنا وحبيبنا وقائدنا محمَّد، وعلى آله الطَّيِّبين الطَّاهرين.
السَّلام عليكم أيُّها الأحبَّة ورحمة الله وبركاته.
- دعاء للوطن بالخير والبركات
فقد أطلَّ علينا شهر الله الكريم، شهر اللُّطف والفيوضات والرَّحمات والنَّفحات، فنسأل الله أن يمنَّ على هذا الوطن وعلى أوطان المسلمين بالخير والبركات، وأن تسود البلاد والعباد قِيَم الخير والصَّلاح.
كم هو جميل وكبير أن تسود المحبَّة لا الكراهية.
وأن يسود التَّسامح لا التَّشدُّد.
وأن يسود التَّفاؤل لا التَّشاؤم.
وأن يسود الرِّفق لا العنف.
وأن يسود الخير لا الشَّر.
وأن يسود الأمن لا الخوف.
وأن يسود التَّقارب لا التَّحارب.
وأن يسود الإنصاف لا الإجحاف.
وأن يسود العدل لا الظُّلم.
- منهجيَّة هذا اللِّقاء
أحبَّتي في هذا اللِّقاء الطيِّب المبارك، وفي هذا الشَّهر المبارك سيكون اللِّقاء عبارة عن مجموعة محاور، هذا اللَّقاء الكريم الطَّيِّب سيكون من خلال ثلاثة محاور:
المحور الأوَّل: الحديث الرُّوحي والفكري.
المحور الثَّاني: الحديث الفقهي.
المحور الثَّالث: الأسئلة المفتوحة.
هكذا نحاول أن نستوعب هذا الوقت الطيِّب من أوقات هذا الشَّهر الكريم.
المحور الأوَّل: المحور الرُّوحي والفكري.
من الضَّروري أن نفهم الجانب الفكري والرُّوحي في الإسلام.
فالإسلام يوجد فيه جانب وجداني، وجانب روحي، وجانب أخلاقي، وجانب فكري ثقافي، فمن الضَّروري على المسلم أن يتثقَّف في الصِّيام والصَّلاة وفي كلِّ مفاهيم الإسلام.
المحور الثَّاني: المحور الفقهي يتناول الرُّؤية الفقهيَّة.
ما هي الأحكام الشَّرعيَّة؟
ما هي الأحكام الشَّرعيَّة للصَّلاة؟
ما هي الأحكام الشَّرعيَّة للصِّيام؟
ما هي الأحكام الشَّرعيَّة للحجّ؟
هذا الجانب الفقهي، والرُّؤية الفقهيَّة.
المحور الثَّالث: الحوار المفتوح.
أوَّلًا: الحديث الرُّوحي والفكري حول الصِّيام
الصِّيام له ثلاثة أبعاد، كما هي العبادات في الإسلام:
- البُعد الفقهي.
- البُعد الثَّقافي.
- البُعد الرُّوحي.
البُعد الأوَّل: البُعد الفقهي
من خلاله نتعرَّف على أحكام الصِّيام.
كيف نصوم؟
ما هي نيَّة الصِّيام؟
ما هي المفطرات؟
ما هي موارد القضاء؟
ما هي موارد الكفارة؟
هذه أحكام فقهيَّة، من الضَّروري أن يطَّلع عليها الصَّائم، ولا بدَّ أن يتفقَّه في الصِّيام؛ حتى يُنتج صيامًا صحيحًا، فكما يحتاج الإنسان إلى أن يتفقَّه في الصَّلاة حتى يؤدِّي صلاة صحيحة، وكما يحتاج أن يتفقَّه في الحجِّ حتى يؤدِّي حجًّا صحيحًا، كذلك مطلوب أن يتفقَّه في الصِّيام حتى يؤدِّي صيامًا صحيحًا، هذا بعدٌ أساس في الصِّيام.
ربَّما الإنسان يُتعب نفسه في العبادة، ولكن بلا تفقُّه، فقد تكون العبادة غير صحيحة من النَّاحية الفقهيَّة، لكن إذا توفَّر على الرُّؤية الفقهيَّة فقد صحَّحَ عبادته.
ما هي مصادر الجانب الفقهي؟
- سؤال العلماء.
- قراءة الرِّسالة العمليَّة؛ إذا كانت هناك قابليَّة لفهم الرِّسالة العمليَّة.
هذه تشكِّل عنده رؤية فقهيَّة.
البُعد الثَّاني: البُعد الثَّقافي
من خلال البُعد الثَّقافي نصنع وعي الصَّائم.
الفقه يصنع السُّلوك العملي الصَّحيح للصَّائم في أداء الصَّيام، أمَّا الجانب الفكري فيصنع وعي الصَّائم. فكما أنَّنا نحتاج إلى فقه، كذلك نحتاج إلى وعي، وثقافة، ومفاهيم.
ما هي معطيات الصِّيام الفكريَّة؟
ما هي معطيات الصِّيام الثَّقافيَّة؟
البُعد الثَّالث: البُعد الرُّوحي
كيف نصنع من الصِّيام منطلقًا لصناعة الرُّوح، والوجدان، والأخلاق؟
التَّزاوج بين الأبعاد الثلاثة
من الضَّروري أن تتزاوج هذه الأبعاد الثَّلاثة.
هناك مّنْ يملك الجانب الفقهي بدرجةٍ كبيرةٍ جدًّا، لديه تفقُّه في الصَّلاة، والصِّيام، والعبادات، ولديه مستوى فقهي كبير جدَّا لكن مستواه الثَّقافي ضعيف، ومستواه الرُّوحي ضعيف، فهذا لا تكون الرُّؤية متكاملة عنده.
بقدر ما هي الضَّرورة أن يتفقَّه الإنسان، فمن الضَّرورة كذلك أن يملك وعي العبادة، ووعي الصِّيام، ووعي الصَّلاة، ووعي الحجّ، ومن الضَّرورة أيضًا أن يملك الجانب الرُّوحي.
هذه ثلاثة أبعاد يجب أن تتزاوج فيما بينها، فإذا أراد الإنسان أن يكون صائمًا فعليه أن يتفقَّه في الصِّيام، وأن يفهم معاني الصِّيام الفِكريَّة والثَّقافيَّة، وأن يفهم معاني الصِّيام الرُّوحيَّة، حينها سيكون صائمًا حقيقيًّا.
- مسؤوليَّة الخطاب الدِّيني وضرورة التَّوافر على عدَّة كفاءات
مسؤوليَّة العلماء، وأئمَّة الجماعة، وروَّاد المنبر أن يزاوجوا في الطَّرح بين الفِقه والفِكر والرُّوح، فكما أنَّ عليهم طرح الأحكام الشَّرعيَّة للصِّيام وللصَّلاة وللحجِّ وللعبادات، كذلك عليهم طرح المفاهيم الفكريَّة والثَّقافيَّة، وكما أنَّ عليهم طرح الجانب الفقهي والمفاهيم، عليهم طرح الأبعاد الرُّوحيَّة.
وهذا يفرض أن تكون هناك إمكانات لدى أصحاب الخطاب الدِّيني؛ إمكانات فقهيَّة وثقافيَّة وروحيَّة.
- ضرورة أن ينشط الخطاب الدِّيني في هذا الشَّهر المبارك
هناك مِنْ أئمَّة المساجد مَنْ يقول: أنا أُصلِّي فقط ولا شغلَ لي بغير الصَّلاة.
صحيح إنَّ الصَّلاة عبادة وثواب صلاة الجماعة لا يُحصيه إلَّا الله، خاصَّة إذا زاد العدد على عشرة، فكما جاء في الحديث المروي عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، أنَّه قال: «…، فإنْ زادوا على العشرة، فلو صارت بحار السَّماوات والأرض كلُّها مدادًا، والأشجار أقلامًا، والثَّقلان مع الملائكة كُتَّابًا، لم يقدروا أن يكتبوا ثواب ركعة واحدة».(1)
لكنَّ كما أنَّ مسؤوليَّة إمام الجماعة أن يؤمَّ الجماعة، كذلك مسؤوليَّته أن يمارس خطابه الدِّيني خاصَّة في هذا الشَّهر الفضيل.
ولا يُعذر إمام الجماعة الذي يقول: إنَّ النَّاس لا تجلس للحديث!!
ألا يجلس للحديث شخص واحد أو اثنان أو ثلاثة أـو عشرة؟! فهذا العدد كاف.
مطلوب من أئمَّة الجماعة أن يمارسوا دورهم خاصَّة في هذا الشَّهر الكريم، فهذا شهر استثنائي؛ لأنَّ العقول فيه مهيَّأة، والقلوب مهيَّأة، والأرواح مهيَّأة للكلمة الدِّينيَّة.
إذا لم نُطلق الكلمة الدِّينيَّة في شهر رمضان، فمتى نُطلق الكلمة الدِّينيَّة؟
إذا لم نوصل للنَّاس مفاهيم الدِّين، وأحكام الدِّين في شهر رمضان، فمتى سنوصلها للنَّاس؟
النَّاس في شهر رمضان لديها استعداد أن تستقبل بدرجة لا تتوافر عليه النُّفوس والعقول في غير شهر رمضان، فإنَّ الإنسان في شهر رمضان ينفتح عقله وقلبه، وتنفتح روحه وكلُّ أحاسيسه من أجلِ أن يسمع الكلمة الخيِّرة، ومن أجلِ أن يسمع القرآن، ومن أجلِ أن يسمع الحديث، ومن أجلِ أن يسمع الموعظة، إنَّ الموعظة في شهر رمضان تؤثِّر بما لا تؤثِّر في غيره من الشُّهور.
هذه فرصة للنَّاس وفرصة لصاحب الخطاب، هذه فرصتك أيُّها العالم، وهذه فرصتك يا إمام الجماعة؛ لأنَّ القلوب والأرواح مهيَّأة، والنُّفوس مستعدة أن تستقبل الكلمة الخيَّرة الصَّالحة الواعظة الموجِّهة المبصِّرة.
إذًا هذه مسؤوليَّة الخطاب، وإلَّا يتحمَّل أصحاب الخطاب كلَّ المسؤوليَّة أمام الله إذا قصَّروا خاصَّة في هذا الشَّهر الكريم، لا أقول فقط في شهر رمضان بل هم معنيُّون بالخطاب الدِّيني في كلِّ الأوقات، لكنَّ المواسم لها استثناءات، شهر رمضان موسم استثنائي يجب أن ينشط فيه الخطاب الدِّيني، ويجب أن ينشط فيه الخطاب الرُّوحي والأخلاقي والثَّقافي والفقهي، وإلَّا يتحمَّل الإنسان المسؤوليَّة.
- التَّحذير من كتمان العلم
هناك أحاديث تُشدِّد على العالم السَّاكت الذي لا يوصل مفاهيم الدِّين إلى النَّاس، فالإنسان الذي مَلَكَ عقلًا، ومَلَكَ ثقافة فقهيَّة ودينيَّة، وتعلَّم والتحق بالحوزة ودرس وتخرَّج، كلُّ ذلك من أجل ماذا؟
لماذا ذهب هذا الإنسان إلى الحوزة؟
هل من أجل أن يضع عمَّة على رأسه؟ أم من أجل هدف معيَّن؟
يقول تعالى: ﴿… فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ …﴾.(2)
الهدف من الذَّهاب إلى الحوزة هو التَّفقُّه في الدِّين.
لكن هل هذا هو الهدف الوحيد؟ ماذا تقول الآية؟
﴿وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ﴾.
إذا رجع هذا الإنسان إلى قومه من الحوزات، أو قومه رجعوا إليه في السُّؤال عن الدِّين.
﴿وَلِيُنذِرُواْ﴾ الإنذار تبليغ، والإنذار كلمة، والإنذار نصيحة، ﴿وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ﴾.
هي مسؤوليَّة، مسؤوليَّة خطاب ديني، ومسؤوليَّة مسجد، ومسؤوليَّة مأتم، ومسؤوليَّة منبر، والنَّاس أمانة في أعناق العلماء، والنَّاس هم أيتام آل محمَّد (صلَّى الله عليه وآله)، فهم بحاجة إلى أن نرعاهم، وأن نثقِّفهم، وأن نعلِّمهم.
ومطلوب من النَّاس أن يتعلَّموا أيضًا، كما أنَّ العالم مسؤول أن يعلِّم ويثقِّف ويربِّي، كذلك مسؤوليَّة النَّاس أن تتعلَّم.
- في الحديث عن أمير المؤمنين (عليه السَّلام): «إذا جَلَسَ المُتَعَلِّمُ بَينَ يَدَيِ العالِمِ فَتَحَ اللهُ لهُ سَبعينَ بابًا مِنَ الرَّحمَةِ، ولا يَقومُ مِن عِندِهِ إلَّا كَيَومَ وَلَدَتهُ أُمُّهُ، وأعطاهُ – اللهُ – (3) بِكُلِّ حديثٍ عِبادَةَ سَنَة، ويبني له بكلِّ ورقة مدينة مثل الدُّنيا عشر مرَّات».(4)
جلسة بين يدي عالم تتثقَّف وتتفقَّه فيها يفتح الله لك سبعين بابًا من الرَّحمة الإلهيَّة.
«فَتَحَ اللهُ لهُ سَبعينَ بابًا مِنَ الرَّحمَةِ».
«وأعطاهُ – اللهُ – بِكُلِّ حديثٍ عِبادَةَ سَنَة».
الحديث الذي تسمعه وتستوعبه وتهضمه وتطبِّقه كأنَّك عبدت الله سنة كاملة تصلي فيها، وتصوم، وتقوم اللَّيل، هذه العبادة كلُّها تختزلها في جلسة أمام عالم تتعلَّم منه وتتثقف منه.
وهناك أمرٌ ثالث مهمٌّ جدًّا جدًّا، وهو:
«ولا يَقومُ مِن عِندِهِ إلَّا كَيَومَ وَلَدَتهُ أُمُّهُ».
هذا حديث ديني يربِّيك، ويربِّي روحك وفكرك وثقافتك.
هذه ولادة روحيَّة جديدة، كيف أنَّ المولود الجديد يولد وليس عليه أيّ غبار ولا أيّ معاصي، كذلك هذا المتعلِّم يخرج من كلِّ معاصيه في جلسة، لكن هذه الجلسة يجب أن تُدخل المفاهيم في عقولنا، وتُدخل المفاهيم في قلوبنا وفي أرواحنا وفي سلوكنا، وإلَّا مجرَّد الجلوس أمام العالم وأمام المنبر والتَّفاعل معه وجدانيًّا وشعوريًّا وعاطفيًّا، وما إن تنتهي لحظة اللِّقاء الدِّيني ينتهي كلُّ شيئ، فلا قيمة لهذا الجلوس.
حاول وأنت في شهر البناء وشهر الرَّحمة أن تهندس لعلاقتك مع الدِّين، وأن تبنيها بناء جديدًا.
انظر إلى علاقتك مع الدِّين هل هي صحيحة أو تحتاج إلى ترميم؟
هذه فرصة للتَّصحيح، هذا شهر رمضان هو فرصتنا لتصحيح علاقتنا مع الدِّين، فقد يكون في علاقتنا مع الدِّين غبش، وقد يكون في علاقتنا مع الدِّين خطأ، وقد يكون في علاقتنا مع الدِّين الكثير من السَّلبيَّات، فهذا اللِّقاء السَّنوي في شهر رمضان مع الله ومع الدِّين يجعلنا نُعيد كلَّ الحسابات مع أنفسنا، ومع فكرنا، ومع علاقاتنا.
ولا تقل أنا قد ألِفْت ذلك، فقد يكون المألوف خطأ.
ولا تقل إنِّني قد تعلَّمت ذلك من آبائي أو من أُسرتي أو من النَّاس، فقد يكون ذلك خطأ.
اعرض نفسك عرضًا كاملًا على الدِّين في هذا الشَّهر، اعرض نفسك وفكرك وثقافتك ومفاهيمك وأخلاقك وكلَّ شيئ على الدِّين في هذا الشَّهر، حتى تخرج بنتيجة وحصيلة وهي أنَّنا قد دخلنا الشَّهر وخرجنا من الشَّهر بعد أن اغتسلنا اغتسالًا روحيًّا حقيقيًّا، فهذا شهر الطُّهر وشهر النَّقاء.
إذًا العالم مسؤول أن يقول الكلمة وإلَّا سيحاسب.
- جاء في كتاب (أمالي الطُّوسي): قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): «أيُّما رَجُلٍ آتاهُ اللهُ عِلمًا فكَتَمَهُ وهُوَ يَعلَمُهُ، لَقِيَ اللهَ (عَزَّ وجلَّ) يَومَ القِيامَةِ مُلجَمًا بِلِجامٍ مِن نارٍ».(5)
أي ذهب ليتعلَّم، وقد لا يكون هذا مخصوصًا بالعالم، فقد تكون أنت أيضًا قد حصل عندك علم بحكمٍ شرعيّ من مصدر تطمئن إليه وفهمته فهمًا كاملًا عليك أن تنقله إلى غيرك، بشرط أن تكون قد استوعبته وفهمته، ولم يحصل لديك خلط في المفاهيم والأحكام الشَّرعيَّة حتى لا تنقلها بشكلٍ خطأ.
«أيُّما رَجُلٍ آتاهُ اللهُ عِلمًا فكَتَمَهُ…».
الله أعطاني علمًا، لكنِّي كتمته، ولم أبلّغه للنَّاس، ولم أتحدَّث به، أو أُعلِّمه لِأحدٍ.
«… فكَتَمَهُ وهُوَ يَعلَمُهُ، لَقِيَ اللهَ (عَزَّ وجلَّ) يَومَ القِيامَةِ مُلجَمًا بِلِجامٍ مِن نارٍ».
لأنَّه كتمه، فهو يملك العلم ويملك المفاهيم ويملك الفقه لكنَّه لم يوصلها للنَّاس، لم يتكلَّم ولم يتحدَّث للنَّاس، فيؤتى به يوم القيامة مُلجمًا بلجامٍ مِن نار.
- وجاء في كتاب (تنبيه الخواطر):
ذُكِرَ عِندَ النَّبِيِّ (صلَّى الله عليه وآله) رَجُلانِ … كانَ أحَدُهُما يُصَلِّي المَكتوبَةَ ثُمَّ يَجلِسُ فيُعَلِّمُ النّاسَ الخَيرَ، وكانَ الآخَرُ يَصومُ النَّهارَ ويَقومُ اللَّيلَ، فقالَ رَسولُ اللهِ (صلَّى الله عليه وآله): «فَضلُ الأوَّلِ عَلى الثَّاني كَفَضلي عَلى أدناكُم».(6)
انتبهوا لهذا الحديث قليلًا، وهذا موجَّه للعلماء ولأئمَّة الجماعة ولأصحاب الخطاب الدِّيني:
«ذُكِرَ عِندَ النَّبِيِّ (صلَّى الله عليه وآله) رَجُلانِ … كانَ أحَدُهُما يُصَلِّي المَكتوبَةَ …».
رجل يصلِّي الفريضة فقط، ولا توجد لديه نوافل ولا زيادة عبادات، ثم يتفرَّغ ليعلِّم النَّاس الدِّين.
ورجل آخر يصوم النَّهار ويقوم اللَّيل، مشغول بالعبادات، وتلاوة القرآن، وإحياء اللَّيل كلَّه بالعبادة لكنَّه لا يعلِّم أحدًا.
ما هو الفرق بين الرَّجلين؟
اسمعوا جواب رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، قال: «فَضلُ الأوَّلِ عَلى الثَّاني كَفَضلي عَلى أدناكُم». الأوَّل: الذي يعلِّم النَّاس، والثَّاني: العابد المتهجِّد الذي يحيي كلَّ اللَّيل بالعبادة.
«فَضلُ الأوَّلِ عَلى الثَّاني كَفَضلي – أي كفضل رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) – عَلى أدناكُم».
بأيِّ مقدار يكون الفرق بين رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) وبين أدنى النَّاس، بهذا المقدار يكون الفرق بين الرَّجلين.
إذًا العالم مسؤول أن يعلِّم، وأنت مسؤول أن تتعلَّم.
هذا الجانب الفكري الرُّوحي.
ثانيًا: الحديث الفقهي
- أقسام الصِّيام
يُقسَّم الصِّيام إلى أربعة أقسام:
- الصِّيام الواجب
- الصِّيام المستحب (المندوب)
- الصِّيام الحرام
- الصِّيام المكروه.
الصِّيام الواجب، مثل:
- شهر رمضان
- قضاء شهر رمضان
- النَّذر
- العهد
- اليمين
الصِّيام المستحب، مثل:
- صيام شعبان
- صيام رجب
- صيام كلّ اثنين وكلّ خميس
- صيام ثلاثة أيام من كلِّ شهر، ومّنْ يحافظ عليها فكأنَّما قد صام الدَّهر كلَّه: أوَّل خميس في الشَّهر العربي، وآخر خميس في الشَّهر العربي، وأوَّل أربعاء في العشرة الثَّانية.
الصِّيام الحرام، مثل:
صيام العيدين؛ عيد الفطر وعيد الأضحى.
الصِّيام المكروه، مثل:
- صيام عاشوراء
- صيام الضَّيف تطوُّعًا إذا كان المضيِّف لا يرغب بذلك، ولا يقبل ولا يرضى.
ثالثًا: الحوار المفتوح
السُّؤال 1: ونحن نعيش هذا اليوم ذكرى شهادة عملاق الفكر وعملاق الجهاد السَّيِّد الشَّهيد محمَّد باقر الصَّدر (أعلى الله تعالى مقامه الشَّريف)، إذا كان بالإمكان سماحة السَّيِّد وقفة مع هذه المناسبة في هذا اليوم.
سماحة السَّيِّد: جزاكم الله خيرًا.
الشَّهيد الصَّدر (رضوان الله عليه)، والشَّهيدة بنت الهدى آمنة الصَّدر، أخته وشقيقته، استشهدوا في هذا اليوم التَّاسع من شهر أبريل، حيث تمَّ إعدامهم في العراق.
الشَّهيد الصَّدر والشَّهيدة بنت الهدى يجب أن يعيشا في وعي كلِّ جماهيرنا.
قد يكون هناك منكم من عاصر مرحلة الشَّهيد الصَّدر، وهم الكبار منكم، حيث كان استشهاد السَّيِّد الصَّدر سنة ألف وتسعمائة وثمانين ميلاديَّة، فمَن كان كبيرًا في سنة ثمانين ميلادية وكان عنده وعي فقد أدرك السَّيِّد الصَّدر، وإلَّا فقسمٌ منكم كانوا صغارًا في ذلك الوقت، وقسمٌ آخر قد ولدوا بعد هذا الوقت فلم يُدركوا السَّيِّد الصَّدر، فليست كلُّ أجيالنا أدركت السَّيِّد الصَّدر، وحتى الذين أدركوا أيام السَّيِّد الصَّدر ليس كلهم عاشوا الصَّدر وعرفوه واطلَّعوا على حياته وسيرته ومعطياته.
فلو نسأل الآن شخصًا عن الشَّهيد الصَّدر وقد عاصر تلك المرحلة في سنة ثمانين، مِمَّن كان عمره عشرين أو خمسة وعشرين سنة، فسيقول: أنا أسمع بالسَّيِّد الصَّدر لكن لا توجد عندي معلومات عنه، فقط هو فقيه من فقهاء الشِّيعة في النَّجف.
إذًا يجب أن تتحرَّك المفاهيم والرُّؤية والثَّقافة خاصَّة حول هؤلاء العمالقة.
الشَّهيد الصَّدر يُعتبر شخصيَّة استثنائيَّة.
ما معنى شخصيَّة استثنائيَّة؟
ليست كل الشَّخصيَّات استثنائيَّة، فمِن النادر في التَّأريخ وفي كذا قرن يخرج شخص استثنائي.
ما معنى الشَّهيد الصَّدر شخصيَّة استثنائيَّة؟
قد نجد فقيهًا عملاقًا.
وقد نجد مفكِّرًا عملاقًا.
وقد نجد كاتبًا عملاقًا.
وقد نجد مربِّيًا عملاقًا.
وقد نجد ونجد … والعناوين كثيرة.
لكن أن تجد شخصًا يجمع كلَّ هذه العناوين فهذا استثناء.
إذا نظرت للشَّهيد الصَّدر كفقيه؛ فهو عملاق الفقهاء.
وإذا نظرت للشَّهيد الصَّدر كمفكِّر؛ فهو عملاق المفكِّرين.
مَنْ كالسَّيِّد الصَّدر في فكره، وفي عطائه الفِكري، وفي كتاباته وفي مؤلَّفاته؟
ما أُلِّفت كتب بحجم ما ألَّف السَّيِّد الصَّدر، فقد أحدث نُقلة في الوعي الدِّيني والإسلامي، ليس عند الشِّيعة فقط، بل حتى عند غير الشِّيعة فقد اقتحم عقولهم، بل اقتحم عقول العالم بفكره.
فهو عملاق في الفكر وفي الثَّقافة وليس في الفقه فقط.
قد نجد عملاقًا في الفقه، لكنَّه ليس عملاقًا في الفِكر، بينما السَّيِّد الصَّدر هو عملاق في الفِقه وعملاق في الفِكر.
يحدِّثني أحد تلامذة السَّيِّد الصَّدر – ممَّن يكبرني سنًّا – ويقول: في سنة من السَّنوات عُقِدَ مؤتمرٌ في بغداد للحقوقيِّين العرب، وحضر هذا المؤتمر أكبر القانونيِّين الحقوقيِّين في مصر، وهو منظِّر الاشتراكيَّة في مصر في أيام عبد الَّناصر، قال: أنا جئت للمؤتمر لكن عندي هدف آخر من زيارة العراق وهو أن ألتقي الشَّيخ محمَّد باقر الصَّدر، – سمَّاه الشَّيخ -، أنا أريد أرى هذا الرَّجل العملاق، أنا منظِّر الاشتراكيَّة وإذا به يأتي وينسف الاشتراكيَّة نسفًا كاملًا من خلال كتاباته؟!
هذا ليس شخصًا عاديًا، يجب أن أزوره وأراه.
حاولوا ثَنيه عن زيارة النَّجف وزيارة الشَّهيد الصَّدر، لكنَّه أصرَّ على ذلك.
أحضروه إلى النَّجف لزيارة بيت السَّيِّد الصَّدر، ومجلسه كان أكبر من هذا المحراب بقليل، ودخل هذا المفكِّر الحقوقي الكبير مجلس السَّيِّد الصَّدر، وكان السَّيِّد الصَّدر جالسًا في زاوية من زوايا المجلس، ببساطته وبِعِمَّته وبعباءته، وكان هذا المفكِّر الحقوقي يتصوَّر أنَّ الذي ألَّف اقتصادنا وفلسفتنا شخصيَّة لها زيٌّ وشكلٌ مختلف، فسأل: أين الشَّيخ محمَّد باقر الصَّدر؟
قالوا له: إنَّه هذا الجالسُ في الزَّاوية، هذا هو السَّيِّد محمَّد باقر الصَّدر.
قالوا: هذا مؤلِّف اقتصادنا وفلسفتنا.
فقال له: أنت أرجعت الاشتراكيَّة قرنًا كاملًا إلى الوراء، لكن أحبُّ أن أسألك: مِنْ أيِّ جامعة تخرَّجت؟
قال له السَّيِّد الصَّدر: أنا تخرَّجت من جامعة أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب.
وهنا تصوَّر هذا الحقوقي أنَّ هناك جامعة أكاديميَّة اسمها جامعة أمير المؤمنين.
فقال: أنا أحبُّ أن أزور هذه الجامعة، فهذه الجامعة التي خرَّجت هذا العملاق تستحق الزِّيارة.
قال السَّيِّد الشَّهيد لطُلَّابه: اذهبوا به إلى مسجد الهندي (7) ليراه.
قالوا له: الجامعة التي تخرَّج منها السَّيِّد الشَّهيد إنَّما هي مسجد.
فقال: هل معقول أنَّ يخرِّج مسجدٌ هذا العملاق! هذا أمرٌ لا استوعبه!!
فالسَّيِّد عملاق؛ عملاقٌ في فكره، وفي بحوثه، وفي أخلاقه.
الذي يجلس مع السَّيِّد الصَّدر ينأسر إنئسارًا كاملًا له، لا يشعر بوجوده ويذوب، حينما يجلس الإنسان بين يدي السَّيِّد الصَّدر فإنَّه يعيش في عَالمٍ آخر، عَالم روحانيّ وربَّانيّ وإيماني، وعَالم فكر وثقافة.
يذكِّرنا بالأنبياء والأئمَّة والأولياء في تواضعه، فكان يمشي لوحده في شوارع النَّجف، وإذا دخل مجلس فاتحة أو غيرها يجلس عند الباب وفي أيِّ مكان.
كان لا يفتِّش عن عناوين، ومع ذلك صار عملاقًا كبيرًا.
كما إنَّ المعروف عن السَّيِّد الصَّدر أنَّه لم يُكمل المرحلة الابتدائيَّة في دراسته الأكاديميَّة، فهو لم يكن بحاجة أن يدرس، فقد طوى المراحل الدراسيَّة طيًّا.
كانت أخلاقه أخلاق الأنبياء، وروحانيَّته روحانيَّة الأئمَّة.
الشَّيخ محمَّد رضا النُّعماني في كتابه (8) يصف الكثير من عبادات السَّيِّد الشَّهيد الصَّدر حينما يقرأ القرآن، وحينما يصلِّي، وحينما ذهب معه إلى مكَّة، وحينما يطوف حول البيت،
يقول الشَّيخ النُّعماني: “فقد كان (رضوان الله عليه) يذهب إلى المَسجدِ الحرامِ يُصلِّي الظُّهر والعصر، …، ثمَّ يعود مرَّة أُخرى فِي حدود الثَّانية ظهرًا إلى المَسجدِ حيث يقلُّ الزُّحام بسبب شِدَّة الحرِّ، وكانت أرض المسجدِ مُغطَّاة بالمرمر الطَّبيعي – وهُوَ غير المرمر الموجود حاليًّا – فكان لا يتمكّن أحدٌ مِن شِدَّة الحرِّ مِن الطَّواف فِي تلك الفترة، فكان (رحمه الله) يذهب فِي ذلكَ الوقت إلى المَسجدِ حافي القدمين، وكنتُ أطوف معه فو الله ما تمكّنت مِن إكمال شوط واحد حتَّى قطعت طوافي وذهبتُ مُسرعًا إلى الظِّل، فقد شعرت أنَّ باطن قدمي قد التهب مِن شِدَّة الحرِّ، وما طفت فِي تلك السَّاعة إلَّا منتعلًا.
فكنت أعجب مِن حَال السَّيِّد الشَّهيد (رحمه الله) وهو يطوف ويُصلِّي وكأنَّه فِي الجوِّ الطبيعيِّ المُلائم، فسألته يومًا بعد عودتنا مِن المسجد الحرام عَن هَذهِ القُدرة العجيبة مِن التَّحمُّل فقال: ما دمتُ فِي المسجد الحرام لا أشعر بالحرارة، نعم بعد أنْ أعود إلى الفندق أحسُّ بألمٍ فِي قدمي”.(9)
هذا لأنَّ روحه تكون مشدودة إلى الله، وقلبه يكون خاشعًا.
فكما كان أئمَّتنا حيث نسمع قصصًا عنهم، فمثلًا الإمام زين العابدين (عليه السَّلام) عندما وَقَعَ الحَريقُ وَالنَّارُ في البَيتِ الَّذي هُوَ فيهِ وَكانَ ساجِدًا في صَلاتِهِ، فَجَعلوا يَقولونَ لَهُ: يا بنَ رَسولِ اللَّه النَّارَ! يا بنَ رَسولِ اللَّهِ النَّارَ! فَما رَفَعَ رَأسَهُ مِن سُجوده حَتَّى اطفِئَت، فَقيلَ لَهُ: ما الَّذي ألهاكَ عَنها؟ قالَ: «نارُ الآخِرَةِ».(10)
هذه سيرة الأبرار والصَّالحين والأخيار.
السَّيِّد الصَّدر نموذج في أخلاقه، – وإن شاء الله – تتيسَّر فرصة أخرى للحديث عن هذا العملاق ونتوفَّق لتجلية بعض الحقائق.
اقرأوا عنه، فهناك كتابات كثيرة، ومنها كتابات مُبسَّطة، كما أنَّه لي كتيِّب مُبسَّط عن السَّيِّد الصَّدر.
فعليكم بالقراءة وخاصَّة الشَّباب والمثقَّفين فليقرأوا عن السَّيِّد الصَّدر، فهذه فرصة للاطلاع على السَّيِّد الصَّدر، للذين لم يدركوا السَّيِّد الصَّدر ولم يتعرَّفوا عليه.
السُّؤال 2: مِمَّن نأخذ أحاديث الدِّين؟
سماحة السَّيِّد: الدِّين يُؤخذ بالرُّجوع إلى الفقهاء، مصدر الدِّين هم الفقهاء، ولا يُؤخذ مِنْ متطفِّل هنا أو هناك، أو مِمَّن يطرح الدِّين بحسب مزاجاته وأهوائه، بل أئمَّتنا أرجعونا إلى الفقهاء بعد مرحلة الغَيبة الصُّغرى.
نأخذ الدِّين مِمَّن نثق بهم من الفقهاء.
نعم هناك وسائط بيننا وبين الفقهاء، فقد لا تتمكَّن دائمًا أن تلتقي بالفقيه، لكن هناك وسائط بينك وبين الفقيه، مثل:
1- الرِّسالة العمليَّة: إذا كنت قادرًا أن تقرأها وتفهمها.
2- العلماء الأمناء الموثوقون: مِمَّن نطمئن لهم وإلى دِينهم واستقامتهم وفهمهم.
فأنت تسأل مَنْ يفهم الرِّسالة العمليَّة، فليس كلُّ شخص يتمكَّن أن يفهم المصطلحات الفقهيَّة، فالرِّسالة العمليَّة هي مصدر ثقافتنا الفقهيَّة، والعلماء الأمناء ووكلاء الفقهاء الموثوقين مِمَّن نطمئن لهم وإلى دينهم واستقامتهم وفهمهم، هؤلاء هم وسائطنا مع الفقهاء، فليس كلّ أحدٍ نأخذ عنه ولا كل عِمَّة نأخذ عنها.
فأنت حينما تُسأل مِمَّن أخذت دينك؟ تقول: أخذته من فلان وأنا أثق بدينه وبتقواه وبورعه وصلاحه وفهمه، وإذا أخطأ فهو مَنْ يتحمَّل المسؤوليَّة، ولست أنت.
أمَّا إذا أخذت من هنا وهناك بلا تدبُّر، وبلا تثبُّت فأنت مَنْ تُحاسب.
إذًا مصدرك في أخذ الحكم الفقهي، بل الدِّين ككل من هذه المصادر، سواء فيما هي عبادتنا وصلاتنا وصيامنا وحجُّنا، وسواء فيما هي مفاهيم ديننا، كما قلنا أنَّ الإسلام فقه وفكر وثقافة ومفاهيم، فنأخذ الدِّين ممَّن يملك وعي الإسلام وثقافة الإسلام.
وبالخصوص هذه الأيام نرى هناك خلط في الأمور، فهناك مِنَ النَّاس مَنْ يتدخَّلون في الدِّين وينظِّرون له كالعلمانيِّين الذين ليس لهم علاقة بالدِّين ولا بفهم الدِّين!!، أو كالجمعيَّات والتَّيَّارات البعيدة كلَّ البعد عن الدِّين أصبحت هي تُنظِّر لنا كيف نفهم القرآن وكيف نفهم الدِّين!!
فأنت مسؤول من أين أخذت دينك، وفهمك للإسلام، وستحاسب يوم القيامة، فإذا أخذت الدِّين من المصدر الموثوق المعتمد فهو يتحمَّل المسؤوليَّة، وأمَّا إذا أخذته من هنا وهناك فأنت مَنْ يتحمَّل المسؤوليَّة.
السُّؤال 3: هل هناك بوادر حل؟
سماحة السَّيِّد: اُدعو الله في شهر رمضان، شهر الفيوضات والبركات والرَّحمة والخير بالفَرَج، كما نسأل الله أن يفرِّج عن المسلمين في كلِّ أقطار الدُّنيا، فهذا شهر الفيوضات وشهر البركات، – وإن شاء الله – لن يحرمنا الله من بركاته في هذا الشَّهر.
السُّؤال 4: نجد هناك بعض التقصير لدى بعض العلماء وكذلك المتعلمين، مع احترامي لهم، فإذا أمكن التركيز على هذه النقطة.
سماحة السَّيِّد: هذا حديثنا دائمًا في الحوزة، وفي لقاءاتنا مع طلَّابنا ومع العُلماء ومع الوعَّاظ والخطباء دائمًا نركِّز على هذا الدُّور، وهو أن نجعل النَّاس تتعلَّم، فمِنْ أين يتعلَّم النَّاس؟ فالإنسان مشغول بعمله ولا توجد عنده فرصة لأن يقرأ أو يُطالع أو يُراجع.
ولذلك الحديث(11) يعبِّر عن العلماء بأنَّهم الرَّاعون لأيتام آل محمَّد، يعني النَّاس هم أيتام آل محمَّد، فهذا العَالِم هو الرَّاعي لهم.
فإذا لم يثقِّفهم ولم يُعلِّمهم فمن أين يأخذون دينهم؟، هل يأخذونه من الإذاعات والتِّلفاز؟
نعم، من الإذاعات والتِّلِفِزْيون إذا برزَ مَن يوثق بدينه وطرحَ الإسلام وطرحَ الدِّين.
فإذًا فمِن الضَّروري أن يُظهِرَ العَالِمُ عِلمه وإلَّا فعليه لعنة الله (12)، كما ويَلعَنُهُ كُلُّ شَيئٍ؛ حَتَّى الحُوتُ فِي البَحرِ، والطَّيرُ فِي السَّماءِ كما جاء في الحديث.(13)
فمَن يملك علمًا فليبرزه ويعلِّمه النَّاس.
عن أمير المؤمنين (عليه السَّلام): «…، فَإِنَّ رَسولَ اللهِ (صلَّى الله عليه وآله) قالَ لي يوم خيبر: لَأَن يَهدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلًا واحِدًا خَيرٌ لَكَ مِمّا طَلعَتَ عَلَيهِ الشَّمسُ».(14)
إنَّ القيمةٌ الكبرى والمقامٌ العظيم لكً عند الله حينما يتعلَّم أو يهتدي على يدك رجلٌ واحد.
______________________
الهوامش:
1- النُّوري: مستدرك الوسائل 6/444، ك: الصَّلاة، أبواب صلاة الجماعة، ب1، ح 7184/3.
2- التَّوبة: الآية 12.
3- الشَّرطتان العارضتان وما بينهما من أصل المصدر.
4- السَّيِّد القبانجي: مسند الإمام علي (عليه السَّلام) 1/44، (مبحث العلم والعلماء، ب 1: في فضل العلم، والدَّعوة لطلبه)، ح 119/71.
وورد أيضًا باختلاف يسير:
عنه (صلَّى الله عليه وآله): «إذا جَلَسَ المُتَعَلِّمُ بَينَ يَدَيِ العالِمِ فَتَحَ اللهُ تَعالى عَلَيهِ سَبعينَ بابًا مِنَ الرَّحمَةِ، ولا يَقومُ مِن عِندِهِ إلّا كَيَومَ وَلَدَتهُ أمُّهُ، وأعطاهُ اللهُ بِكُلِّ حَرفٍ ثَوابَ سِتّينَ شَهيدًا، وكَتَبَ اللهُ لَهُ بِكُلِّ حَديثٍ عِبادَةَ سَبعينَ سَنَةً، وبَنى لَهُ بِكُلِّ وَرَقَةٍ مَدينَةً، كُلُّ مَدينَةٍ مِثلُ الدُّنيا عَشرَ مَرّاتٍ». الرَّيشهري: حِكم النَّبي الأعظم (صلَّى الله عليه وآله) 1/225، ح307.
5- الطُّوسي: الأمالي، ص 377، (المجلس العاشر)، ح 808/ 59.
6- ورَّام بن أبي فراس: تنبيه الخواطر ونزهة النَّواظر (مجموعة ورَّام) 2/212.
7- ‹جامع الهندي: يُطلق لفظ (الجامع أو جامع البلد) على مسجد الهندي؛ وذلك لسعته ولأهمِّيته التاريخيَّة، …، ويعود تأسيس جامع الهندي إلى أوائل القرن الثَّالث عشر الهجري، وتعود تسميته بالهندي نسبة لعائلة هنديَّة شريفة.
وكان جامع الهندي على طول تاريخه مدرسة علميَّة، وقد اعتلى منبره عدد من أعلام مدينة النَّجف الأشرف ومدرِّسي الحوزة العلميَّة فيها، وأقيمت فيه صلاة الجماعة من قبل أعلام أسرة آل نجف وشيوخها.
وأصبح الجامع الهندي (جامع النجف) بأسرها، فهو مدرسة تُلقى فيه المحاضرات العلميَّة، ومنتدى تقام فيه المناسبات الدِّينيَّة والوطنيَّة إذ تقام في رحابه، وإنَّ الاجتماعات الخطيرة تُعقد فيه، واتخذه النجفيُّون مكانًا للمآتم الحسينيَّة وإقامة الفواتح وغير ذلك من الخدمات الدِّينيَّة والاجتماعيَّة›.
راجع: حسن عيسى الحكيم: المفصَّل في تاريخ النَّجف الأشرف 3/94 – 98، ف3: الجوامع والمساجد، 6- جامع الهندي.
8- سنوات المحنة وأيَّام الحصار.
9- النُّعماني: سنوات المحنة وأيَّام الحصار، ص 121.
10- انظر: محمدُ بنُ طَلحةِ الشَّافِعيِّ: مطالب السؤول، ص 267، (ب 4: في علي بن الحسين عليه السَّلام).
11- ورد عن رسولُ اللهِ (صلَّى الله عليه وآله): «أشَدُّ مِن يُتْمِ اليَتيمِ الَّذي انقَطَعَ عَن أبيهِ، يُتْمُ يَتيمٍ انقَطَعَ عَن إمامِهِ ولا يَقدِرُ علَى الوُصولِ إلَيهِ، ولا يَدري كَيفَ حُكمُهُ فيما يُبتَلى بهِ مِن شَرائعِ دِينِهِ.
ألَا فمَن كانَ مِن شِيعَتِنا عالِمًا بِعُلومِنا وهذا الجاهِلُ بِشَريعَتِنا المُنقَطِعُ عَن مُشاهَدَتِنا يَتيمٌ في حِجرِهِ، ألَا فَمَن هَداهُ وأرشَدَهُ وعَلَّمَهُ شَريعَتَنا كانَ مَعَنا في الرَّفيقِ الأعلى».
وعنه (صلَّى الله عليه وآله): «إنَّ عُلَماءَ شِيعَتِنا يُحشَرونَ فيُخلَعُ علَيهِم مِن خِلَعِ الكَراماتِ على قَدرِ كَثرَةِ عُلومِهِم وجِدِّهِم في إرشادِ عِبادِ اللهِ ، حتَّى يُخلَعَ علَى الواحِدِ مِنهُم ألفُ ألفِ خِلعَةٍ مِن نُورٍ.
ثُمَّ يُنادِي مُنادِي رَبِّنا (عَزَّ وجلَّ): أيُّها الكافِلُونَ لأيتامِ آلِ محمّدٍ، النّاعِشُونَ لَهُم عِندَ انقِطاعِهِم عَن آبائهِم الَّذينَ هُم أئمَّتُهُم، هؤلاءِ تَلامِذَتُكُم والأيتامُ الَّذينَ كَفَلتُموهُم ونَعَشتُموهُم، فاخلَعوا علَيهِم (كَما خَلَعتُموهُم) خِلَعَ العُلومِ في الدُّنيا». الرَّيشهري ميزان الحكمة 13/569، 4177 (أيتامُ آلِ مُحَمَّدٍ صلَّى الله عليه وآله)، ح 22865 و22866.
12- ورد عن رسولُ اللهِ (صلَّى الله عليه وآله): «إذا ظَهَرتِ البِدعُ في أمَّتي فلْيُظهِرِ العالِمُ علمَهُ، فمَن لَم يَفعلْ فعَلَيهِ لَعنةُ اللهِ». الرَّيشهري: ميزان الحكمة 1/517، ح1759.
13- ورد عن رسولُ اللهِ (صلَّى الله عليه وآله): «كاتِمُ العِلمِ يَلعَنُهُ كُلُّ شَيئٍ؛ حَتَّى الحُوتُ فِي البَحرِ، والطَّيرُ فِي السَّماءِ». الرَّيشهري: ميزان الحكمة 8/39، ح 13929.
14- ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة، ص 14، (من أخبار يوم صفين).