الرسول الأكرم (ص)ملف شهر رجب

كلمة العلَّامة الغريفي في ذكرى المبعث النَّبوي، وذكرى الإسراء والمعراج

التاريخ 26 رجب 1443هـ - الموافق 28-2-2022

 

في ذكرى المبعث النَّبوي، وذكرى الإسراء والمعراج

أعوذ باللَّه السَّميع العليم من الشَّيطان الغويِّ الرَّجيم

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

الحمد لله ربِّ العالمين، وأفضل الصَّلوات على سيِّد الأنبياء والمرسلين، سيِّدنا ونبيِّنا وحبيبنا وقائدنا محمَّد، وعلى آله الطيِّبين الطَّاهرين المعصومين المنتجبين الأخيار الأبرار.

السَّلام عليكم أيُّها الأحبَّة جميعًا ورحمة الله وبركاته.

 

1- مناسبتين عظيمتين في شهر رجب

نلتقي في هذا التاريخ السَّابع والعشرين من شهر رجب بمناسبتين عظيمتين جدًّا:

  • مناسبة البعثة النبويَّة وِفق الرِّواية الشِّيعيَّة.
  • مناسبة الإسراء والمعراج وِفق الرِّواية السُّنيَّة.

والمناسبتان مهمَّتان جدًّا، ولهما دورهما الكبير الكبير جدًّا في تكريس (الوحدة الإسلاميَّة).

فإذا لم تستطع مناسبة البعثة النَّبويَّة أن تكرِّس الوحدة بين المسلمين.

وإذا لم تستطع مناسبة الإسراء والمعراج أن تكرِّس الوحدة بين المسلمين.

فأيَّة مناسبة قادرة أنْ تكرِّس هذه الوحدة؟

أخطر ما يواجه المسلمين، وأخطر ما يواجه شعوب المسلمين، وأخطر ما يواجه أوطان المسلمين هو (الخلاف والتمزُّق).

ممَّا كلَّف المسلمين وأوطان المسلمين أرواحًا، ودماءً، وأعراضًاـ وأموالًا، وضَعفًا، وانهزامًا، وخنوعًا، وانكسارًا وتبعيَّةً ذليلة للقوى الاستكباريَّة.

  • في الكلمة عن النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «يُوشكُ أن تَداعى عَلَيكُم الأمَمُ من كلِّ أفقٍ كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، قيل: يا رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)! فمِن قلَّةٍ بنا يومئذ؟ قال: لا، ولكنَّكم غُثاء كغُثاء السَّيل …».(1)

هنا النَّبيُّ الأعظم (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) يطرح استشرافًا مستقبليًّا لما سيؤول إليه وضع المسلمين: إنَّه التَّشتُّت، والخلاف، والصِّراع، والتَّمزُّق، والضَّعف، والانهيار، والانكسار، وهيمنة كلُّ القوى الأخرى على هذه الأمَّة.

«يوشكُ»: أمرٌ سيتحقَّق وسيكون.

«يُوشكُ أن تَداعى عَلَيكُم الأمَمُ»

تُهيمن عليكم، وتُسيطر على كيانكم ووجودكم وأموالكم وثروتكم وحريَّتكم واستقلالكم.

قالوا: أمِن قلَّة فينا يومئذٍ يا رسول الله؟

هذا اللَّون من الانهيار، والانكسار، والتَّبعيَّة الذَّليلة لقوى الشَّرق والغرب، هل لأنَّنا كمسلمين قلَّة لا نملك عددًا، ولا نملك أموالًا، ولا نملك ثروة؟

قال (صلَّى الله عليه وآله): «لا، ولكنَّكم غثاء كغثاء السَّيل …».

لا فأنتم من الكثرة، ومن المكوِّنات، ومن الثَّروات ما تملكون الكثير الكثير.

«ولكنَّكم غثاء كغثاء السَّيل».

لا تملكون إرادة، ولا قوَّة، ولا تكاتف، ولا تآزر، هنا تسقطون أمام قوى الأرض الشَّرقيَّة والغربيَّة.

هذه نظرة استشرافيَّة لمستقبل المسلمين، وها نحن في هذا العصر بكلِّ تشتُّتاتنا وانقساماتنا وصراعاتنا تتداعى علينا الأمم، وتتحكَّم فينا قوى الأرض الشَّرقيَّة والغربيَّة.

 

فحينما يحتفل المسلمون بمناسبة كبرى كالبعثة النَّبويَّة، أو بمناسبة كبرى كالإسراء والمعراج مطلوب أن يستنهضوا (خطاب الوحدة والتآلف).

وإذا لم يستطيعوا أنْ يستنهضوا هذا الخطاب، فمطلوب أن يجمِّدوا خطاب الفرقة والخلاف.

ويتحمَّل هذه المسؤوليَّة:

– حَمَلة خطابِ الدِّين.

– وحَمَلة خطابِ الثَّقافة.

– وحَمَلة خطاب السِّياسة.

 

2- الفارق بين الخلاف والاختلاف

الخلاف: صراعات، مواجهات، عداوات، عصبيَّات، طائفيَّات.

هذا خلاف، وتشتُّت، وتمزُّق.

الاختلاف: تعدُّد رؤى، تعدُّد قناعات، تعدُّد انتماءات، ما دام هذا التعدُّد محكومًا للعقل والحكمة، وليس للجهل والهوى والنَّزق والأنانيَّات والعصبيَّات.

 

فلا مشكلة في الاختلاف، فلكلِّ مكوِّنٍ دينيٍّ، أو مذهبي، أو ثقافي، أو سياسي أنْ يؤسِّس لقناعاته متى كان هذا التأسيس يعتمد الرُّشد والبصيرة.

 

  • إشكاليَّة: الإسلام وحريَّة الرَّأي الآخر

هنا إشكالية تُطرح، وقد تناولتها في إحدى كلماتي السَّابقة وأرى من الضَّروري أن أؤكِّد عليها.

هذه الإشكاليَّة تقول:

أنتم أيُّها الإسلاميُّون، وأنتم أيُّها الدِّينيُّون تحملون شعار حريَّة الرَّأي، ولكن حينما يختلف معكم مَنْ يختلف أثرتم الدُّنيا ضدَّه، وكفَّرتموه وزندقتموه وحاربتموه، ولم تدَّخروا وسيلة إلَّا حرَّكتموها لإسقاطه.

الرد على هذه الإشكاليَّة:

أوَّلًا: لكلِّ إنسان أن يؤسِّس انتماءَه الفكري أو الدِّيني أو المذهبي أو السِّياسي، وِفْق قناعاته وهو يتحمَّل مسؤوليَّة هذا الانتماء.

 

ثانيًا: هذا الانتماء ليس فوق النَّقد والمحاسبة، فمن حقِّ أصحاب الفِكر أن يحاوروا علميًّا هذا الانتماء، معتمدين الأدوات العلميَّة واللُّغة النَّظيفة والأساليب المهذَّبة.

 

ثالثًا: حينما تتشكَّل القناعة في الانتماء إلى الدِّين، وحينما تتشكَّل القناعة في الانتماء إلى المذهب، وحينما تتشكَّل القناعة في الانتماء إلى الحزب السِّياسي.

فإنَّ للدِّين ثوابته وضروراته.

وإنَّ للمذهب ثوابته وضروراته.

وإنَّ للحزب السِّياسي ثوابته وضروراته.

فليس من حقِّ المنتمي للدِّين أنْ يعبث بالثَّوابت والضَّرورات في هذا الدِّين.

وليس من حقِّ المنتمي للمذهب أنْ يعبث بالثَّوابت والضَّرورات في هذا المذهب.

وليس من حقِّ المنتمي للحزب السِّياسي أن يعبث بالثَّوابت والضَّرورات في هذا الحزب.

ومتى حاول هذا المنتمي العبث بثوابت وضرورات الدِّين كـ (الإيمان باللَّه، بالأنبياء، بالبعث، بالقرآن).

أو العبث بثوابت وضرورات المذهب.

أو العبث بثوابت وضرورات الحزب السِّياسي.

فلا شكَّ أنَّ القيِّمين على هذا الدِّين.

أو أنَّ القيِّمين على هذا المذهب.

أو أنَّ القيِّمين على هذا الحزب.

يتحمَّلون كلَّ المسؤوليَّة بأن يتصدوا بقوَّة لهذا العبث.

والمسألة هنا ليست في سياق حرية الرَّأي، وإنَّما هي مسألة عبث ونزق.

وحينما نتحدَّث عن ضرورة التصدِّي وبقوَّة لهذا العبث والنَّزق، لا يعني اعتماد الأساليب غير النَّظيفة والألفاظ السَّاقطة.

 

رابعًا: ما عدا الثَّوابت والضَّرورات خاضعة للاجتهاد لمن يملك مؤهلات الاجتهاد، فليس من حقِّ مَنْ لا يملك هذه المؤهلات أنْ يُعطي رأيًا في الدِّين أو المذهب وإن كان مثقَّفًا ومفكِّرًا وأديبًا.

كما أنَّه ليس من حقِّه أن يُعطي رأيًّا في أيِّ مجال لا يملك اختصاصه كالطِّب، والهندسة، والزِّراعة والصِّناعة.

فإذًا يجب أن نفرِّق بين (عنوانين)

العنوان الأوَّل: حرية الرأي.

وهنا من حقِّ أيِّ إنسان أن يعبِّر عن قناعاته الدِّينيَّة أو المذهبيَّة أو الثَّقافيَّة أو السِّياسيَّة ما دامت الشروط الموضوعيَّة لهذا التعبير متوفِّرة، وما دامت الكفاءات العلميَّة متوفِّرة، وما دامت اللُّغة النَّظيفة متوفِّرة.

وهنا أيضًا من حقِّ الآخرين أنْ يحاوروا هذه القناعات متى توفَّرت الشروط الموضوعيَّة، والكفاءات العلميَّة والأساليب النَّظيفة.

 

العنوان الثَّاني: العبث الفكري.

وهذا مرفوض كلَّ الرَّفض، وهو نزق، وطيش، وانفلات.

فليس من حقِّ من ينتمي للإسلام أنْ يعبث بمسلَّمات هذا الانتماء كالإيمان باللَّه، والإيمان بالنُّبوَّة، والإيمان باليوم الآخر، والإيمان بالقرآن.

فإذا حاول أحد أنْ يعبث بهذه المسلَّمات، وهو يزعم بأنَّه منتمي للإسلام، فالموقف منه يجب أن يكون متشدِّدًا، وحدِّيًّا، مع الحفاظ على نظافة الأسلوب واللُّغة.

وفيما عدا الثَّوابت والمسلَّمات، فمن حقِّ المنتمي للإسلام متى توفَّر على الكفاءة العلميَّة الاجتهاديَّة، أن يعبِّر عن فهمه وقناعاته، وإذا تصدَّى مَنْ لا يملك هذه الكفاءة العلميَّة الاجتهاديَّة فيجب أن يُردع ويُمنع.

وكذلك من ينتمي لمذهب من المذاهب الإسلاميَّة ليس من حقِّه أن يمسَّ مسلَّمات المذهب، وأمَّا غير المسلَّمات فهي خاضعة للاجتهاد متى توفَّرت شروط الاجتهاد.

وعدم التمييز بين عنوان (العبث الفكري) وعنوان (حرية الفكر) أنتج فهمًا غبشيًّا مغلوطا خطأً يتَّهم التصدِّي للعابثين بمسلَّمات الدِّين، ومسلَّمات المذهب بأنَّه محاربة للفكر، ومواجهة لحرية الرأي.

ثمَّ إنَّ اقتحام ميدان الفكر الدِّيني أو الفكر المذهبي بدون امتلاك الكفاءات والمؤهلات العلميَّة أمر في غاية الخطورة، وله منتجاته المدمِّرة.

ليس لك أن تقول الكلمة الطبيَّة إذا كنت لا تملك كفاءة الطِّب.

وليس لك أن تقول الكلمة الهندسيَّة إذا كنت لا تملك كفاءة الهندسة.

وليس لك أن تقول الكلمة التربويَّة إذا كنت لا تملك كفاءة التربيَّة.

وليس لك أن تقول الكلمة الاقتصاديَّة إذا كنت لا تملك كفاءة الاقتصاد.

وليس لك أن تقول الكلمة السِّياسيَّة إذا كنت لا تملك كفاءة السَّياسة.

وليس لك أن تقول الكلمة الإعلاميَّة إذا كنت لا تملك كفاءة الإعلام.

فلماذا إذا وصلت النَّوبة إلى مسائل الدِّين، أو إلى مسائل المذهب سقطت هذه القاعدة فجاز لمن لا يملك كفاءة الاجتهاد في الدِّين، أو لمن لا يملك كفاءة الاجتهاد في المذهب أن يشرِّق وأنْ يُغرِّب كما يشاء، وأن يقول كما يشاء؟؟!!

وإذا تصدَّى حرَّاس الدِّين وحرَّاس المذهب لهذا العابث أو ذاك ثارت الثَّائرة، وتباكى من تباكى على حرِّية الرَّأي، متَّهمين هذا التَّصدِّي بالقمع الفكري، والقمع الدِّيني، والقمع المذهبي.

 

  • إشكاليَّة تُطرح: التَّصدِّي الفكري المتشدِّد يتنافى مع شعار الوحدة والتَّقارب

هذه الاشكاليَّة تقول: إنَّ التَّصدِّي الفكري المتشدِّد يتنافى مع شعار الوحدة والتَّقارب الذي تدعون إليه.

فإنَّ هذا يخلق انقسامات داخليَّة، وصراعات.

نجيب عن هذه الإشكاليَّة:

أوَّلًا: لا شكَّ أنَّ شعار الوحدة والتقارب مطلوبٌ جدًّا، خاصَّة وأمَّتنا الإسلاميَّة وشعوبنا الإسلاميَّة تواجه تحدِّيات صعبة، وتواجه مشاريع تجزئة خطيرة، يخطِّط لها أعداء هذه الأمَّة.

القرآن يطرح شعار الوحدة والتآلف:

  • قال تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُواْ …}.(2)
  • وقال تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}.(3)
  • وقال تعالى: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ}.(4)

فخيار الوحدة والتَّقارب يجب أن يكون خيار كلِّ المخلصين والمنتمين لهذه الأمَّة.

وأيُّ خيار آخر يدعو إلى التَّشتت والتمزُّق والاحتراب خيار مرفوض.

 

ثانيًا: إنَّ شعار الوحدة والتقارب لا يعني الصَّمت في مواجهة الأفكار العابثة والفاسدة على ثوابت الدِّين، أو على ثوابت المذهب، أو على القِيَم والأخلاق.

فالدَّعوة إلى الله سبحانه، والإصلاح، والأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر من العناوين التي أكَّد عليها خطاب الدِّين، وخطاب المذهب.

  • {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إلى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}.(5)

والدَّعوة إلى الله عنوان يحمل هموم النَّاس بكلِّ مساحاتها الدنيويَّة والأخرويَّة.

  • {… إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ …}.(6)

والإصلاح عنوان يتَّسع لكلِّ قضايا الحياة (الفرديَّة/ الأسريَّة/ الاجتماعيَّة/ الاقتصاديَّة/ الأمنيَّة/ السِّياسيَّة)، فخطاب الدِّين يتَّسع لهموم الدُّنيا والآخرة.

  • {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.(7)

فهذه عناوين لها دورها الفاعل في تحصين الواقع بكلِّ امتداداته.

 

ثالثًا: لا يُمزِّق وحدة الأمَّة شيئ كما تمزِّقه الأفكار الفاسدة والمنحرفة والضَّالة.

فالتَّصدِّي لهذه الأفكار يُساهم بدرجة كبيرة في تحصين الأمَّة، وفي مواجهة كلِّ محاولات التَّمزُّق والتَّعصُّب والخلاف والصِّراع.

فلا يمكن التأسيس لمشاريع الوحدة والتآلف ما دامت هناك صيحات متمرِّدة على عقيدة الأمَّة، وعلى ثوابت الدِّين، وعلى مسلَّمات المسلمين.

هذه الصَّيحات هي التي تفرِّق، وهي التي تمزِّق، وهي التي تنشر الخلافات والصِّراعات والعصبيَّات، وهي التي تدمِّر مشاريع الوحدة والتَّقارب.

وأما نداءات الإصلاح، وخطابات الدَّعوة إلى الله، وكلمات الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر متى توفَّرت على شروطها السَّليمة فهي التي تؤسِّس لمشاريع الوحدة الحقيقيَّة، ومشاريع التَّقارب الجادِّ، وهي التي تحارب عوامل التَّمزُّق من صراعات وخلافات وعصبيَّات.

فلا يصحُّ أن يُتَّهم خطاب الدِّين بأنَّه يؤسِّس لهذه الصِّراعات والخلافات والعصبيَّات، وإذا وُجد مَنْ يحمل خطاب الدِّين وهو يدعو إلى هذه العناوين فهو ليس خطاب دين حق، بل هو خطاب هوى ومصالح.

خطاب الدِّين هو الذي يحرص كلَّ الحرص على مفاهيم الدِّين الحقَّة، وعلى قِيَم الدِّين الأصيلة في مواجهة مشاريع العبث بالدِّين وقِيَم الدِّين، وما أكثر هذه المشاريع في هذا الزَّمان، وهي تتقمَّص عناوين التَّجديد، معتمدة أساليب الخداع والتَّزوير.

فالحذر الحذر من هذه المشاريع العابثة بالدِّين وقِيَمه، مهما كانت العناوين والأسماء.

هناك فقهاء دين أُمناء.

وهناك علماء دين صُلحاء.

وهناك حملة فكر نُجباء.

فمِنْ هؤلاء يُؤخَذ الدِّين، ومِنْ هؤلاء تُؤخَذ قِيَم الدِّين.

فيجب أن لا تختلط العناوين.

ويجب أن لا تختلط الأسماء.

ويجب أن لا تختلط الشِّعارات.

هناك في يوم الحساب سوف نُسأل من أين أخذنا ديننا؟

والحساب شديد وعسير.

  • ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ﴾. (8)

يُسأل العباد في يوم الحساب مِنْ أين أخذوا دينهم، ومِمَّنْ أخذوا دينهم؟

مِنْ أمناء على الدِّين أم مِنْ عابثين؟

مِنْ صُلَحاء أم مِنْ فاسقين؟

مِنْ فقهاء أبرار أم مِنْ مفسدين؟

من علماء هداة أم مِنْ مضلِّلين؟

هناك يوم الحساب سوف يقول العابثون والفاسقون والمفسدون والمُضلِّلون:

  • ﴿فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ﴾.(9)

هناك في يوم الحساب سوف تتقطَّع الأسباب الواهية.

  • ﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ﴾.(10)

الآن في هذه الدنيا القرار بيدك أيُّها الإنسان، والخيار خيارك، فكُن على بصيرة وأنت تتَّخذ القرار، وكُن على هدي وأنت تعتمد الخيار، ولا سيَّما حينما يكون القرار قرار الدِّين، وحينما يكون الخيار خيار الدِّين.

فالحذر الحذر، فهذا عصر الشِّعارات، وهذا عصر الإعلام.

فكم سَرقت هذه الشِّعارات بَشَرًا، وكم ظَلَّلَ إعلامُ العصر خَلْقًا كثيرًا.

إذا كانت مساحات الثَّقافة مهمَّة جدًّا.

وإذا كانت مساحات السياسة مهمَّة جدًّا.

فإنَّ مساحات الدِّين هي الأهمُّ من كلِّ المساحات.

بل مسؤوليَّة الدِّين أن يوجِّه كلَّ المساحات.

فكم هو خطير وخطير جدًّا حينما يتشكَّل الدِّين تشكُّلًا خطأً.

وكم هو خطير وخطير حينما يتشكَّل وعيُ الدِّين، وفقهُ الدّين، وقِيمُ الدِّين، وسلوكُ الدِّين تشكُّلًا مغلوطًا.

ومتى يكون هذا التَّشكُّل مغلوطًا؟

حينما يُؤخذ الدِّين من غير أهله، وحينما يُؤخذ الدِّين من غير الأمناء.

 

كلمتان أخيرتان

ونحن نعيش ذكرى الإسراء والمعراج نضع هاتين الكلمتين:

الكلمة الأولى:

قضية الإسراء والمعراج من الحقائق القرآنيَّة الثَّابتة، والتي يتَّفق عليها المسلمون.

فمن المؤسف جدًّا أن نسمع في هذه الأيام مقولات باطلة تحاول أن تشكِّك في هذه الحقيقة القرآنيَّة والإيمانيَّة.

هكذا تزيغ الرُّؤى، وتنحرف الأفكار، فمسؤوليَّة علماء المسلمين ومفكِّري المسلمين، بل مسؤوليَّة كلِّ المسلمين أن يتصدوا إلى هذا الزَّيف، وإلى هذا الزَّيغ وكلَّ زيف وزيغ يحاول أنْ يمسَّ الحقائق الإيمانيَّة التي يتَّفق عليها المسلمون.

تحدّث القرآن عن قضيَة الإسراء في سورة الإسراء حيث قال:

  • {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا}. (11)

وتحدَّث القرآن عن قضيَّة المعراج في سورة النَّجم:

  • {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى}.(12)

 

الكلمة الثانية:

قضية الإسراء يجب أن تذكِّر المسلمين بمأساةِ القدس ومأساة الشَّعب الفلسطيني، هذه المأساة التي طال أمدها، وهذه المأساة التي يجب أن تكون حاضرة في ذاكرة المسلمين وفي وجدانِهم وفي كلِّ واقعهم وفي كلِّ ثقافتهم وإعلامهم، والمسألة قضيَّة كلِّ شعوب المسلمين، وكلِّ أنظمتهم ومؤسَّساتهم وكلِّ منظَّماتهم.

نسأله تعالى أنْ يحقِّق لشعبنا في فلسطين كلَّ ما يطمح إليه، وأن يحمي قدسنَا العزيزة من كلِّ سُوء ومكروه.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربَّ العالمين.

والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

———-

الهوامش

  1. المتَّقي الهندي: كنز العمَّال 11/58، ح30913.
  2. سورة آل عمران: الآية 103.
  3. سورة الأنبياء: الآية 92.
  4. سورة المؤمنون: الآية 52.
  5. سورة فصِّلت: الآية 33.
  6. سورة هود: الآية 88.
  7. سورة آل عمران: الآية 104.
  8. سورة الصَّافات: الآية 24.
  9. سورة الصَّافات: الآية 32.
  10. سورة البقرة: الآيتان 166 – 167.
  11. سورة الإسراء: الآية 1.
  12. سورة النَّجم: الآية 8-11.

 

Show More

Related Articles

Back to top button