وفي ذكرى مولاتنا الصِّدِّيقة الزَّهراء (ع): بناء الأجيال النِّسائيَّة في خُطى الصِّدِّيقة الزَّهراء (ع)
20 جمادى الآخرة 1443 هـ - الموافق 23 يناير 2022 م | مأتم النُّعيم الوسطي - البحرين
هذه الكلمة للعلَّامة السَّيِّد عبد الله الغريفي، والتي ألقيت لمأتم النُّعيم الوسطي، وذلك بمناسبة ميلاد الصِّدِّيقة الطَّاهرة فاطمة الزَّهراء (عليها السَّلام)، وقد تمَّ بثُّها عبر البثِّ الافتراضي في يوم الأحد (ليلة الاثنين) بتاريخ: (20 جمادى الآخرة 1443 هـ – الموافق 23 يناير 2022 م)، وقد تمَّ تفريغها من تسجيل مرئيٍّ، وتنسيقها بما يتناسب وعرضها مكتوبةً للقارئ الكريم.
أعوذ باللَّه السَّميع العليم من الشَّيطان الغوي الرَّجيم
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، وأفضل الصَّلوات على سيِّدِ الأنبياء والمرسلين، سيِّدنا ونبيِّنا وحبيبنا وقائدنا محمَّد، وعلى آله الطَّيِّبين الطَّاهرين المعصومين الأخيار الأبرار.
السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أهنئكم بذكرى ميلاد الصِّدِّيقة الزَّهراء (عليها السَّلام)، سائلين المولى القدير أن يجعل هذه المناسبة الغرَّاء مناسبة خيرٍ وأمنٍ وسلامٍ.
حديثنا في هذا اللِّقاء الطَّيِّب، وفي ذكرى مولاتنا الصِّدِّيقة الزَّهراء (عليها السَّلام) بعنوان:
بناء الأجيال النِّسائيَّة في خُطى الصِّدِّيقة الزَّهراء (عليها السَّلام)
المرأة في هذا العصر تتجاذبها مجموعة خيارات:
الخيار الأوَّل: خيار الدِّين الواعي
خيار يريد أن يصنع المرأة المسلمة صناعة إيمانيَّة إسلاميَّة واعية بصيرة رشيدة، هذا خيار يتبنَّاه صُنَّاع الوعي الإيماني، ويتبنَّاه دُعاةٌ واعون، ويتبنَّاه مثقَّفون إسلاميُّون، وتتبنَّاه مؤسَّسات إسلاميَّة، وحوزات، ومساجد، ومنابر.
هذا خط ُّالوعي الإسلامي، هذا خيار يُراد من خلاله أن تُصنع المرأة في هذا العصر.
الخيار الثَّاني: خيار الدِّين السَّاذج
المرأة ترتبط بالدِّين لكن بشكلٍ غير واع، وبشكلٍ غير بصير، وبشكلٍ غير رشيد، تحمل اسم الدِّين واسم الالتزام لكنَّها لا تملك وعي الدِّين ولا وعي الالتزام، هذا خط يجهِّل ويسذِّج المرأة، ويربطها بدينٍ غير واعٍ، وبدينٍ ساذج، ومن خلال قِيم تُنسَب إلى الدِّين وهي بعيدة عن الدِّين.
الخيار الثَّالث: خيار العَلمنة والتَّمرُّد على الدِّين
يوجد خيار يريد أن يصنع من المرأة المسلمة امرأة علمانيَّة تتمرَّد على قِيَم الدِّين، وتتمرَّد على قِيَم الإسلام، باعتبار أنَّ هذه القِيَم قِيَمٌ بالية قديمة رجعيَّة انتهى دورها.
الآن تُصنع المرأة وِفَق معايير العصر، وتُصنع المرأة وِفَق معايير هذا الزَّمان، ليس وِفق معايير زمان مضى، كانت معايير الدِّين تصلح لمرحلة ولتاريخ ولحقبة من الزَّمن، أمَّا اليوم ما عادت معايير الدِّين تصلح، فيجب أن نستبدل هذه المعايير بمعايير عصريَّة جديدة، وهنا يأتي دور العَلمنة، وصُنْع المرأة المتمرِّدة على دين وعلى قِيَم الإسلام.
وجميع هذه الخيارات تملك أدواتها وبرامجها في مجتمعات المسلمين.
خيار الدِّين الواعي يملك برامجه وأدواته ووسائله في صُنْعِ المرأة، وكذلك خيار الدِّين السَّاذج، وخيار التَّمرُّد على الدِّين.
كلُّ خيار من هذه الخيارات يملك أساليب، ويملك وسائل، وإن كان خيار العَلمنة والتَّمرُّد على الدِّين حاول أن يوظِّف كلَّ منتجات العصر، وكلَّ أدوات التَّطوُّر في هذا العصر في خدمة أهدافه في حرف المرأة عن مسار الإسلام والدِّين.
وكلُّ هذه الأدوات تملك مواقع تدعمها ماديًّا وإعلاميًّا وثقافيًّا.
العنوان الذي أحاول أن أعالجه في هذا اللِّقاء ونحن نحتفل بذكرى الصِّدِّيقة الزَّهراء (عليها السَّلام)، ونحن نعيش موسم المرأة المسلمة، هذا الموسم الذي أطلقه العلماء تزامنًا مع مناسبات الصِّدِّيقة الزَّهراء (عليها السَّلام)، بدءًا من يوم الشَّهادة وانتهاء بيوم الولادة، حيث ارتأى العلماء أن يكون هذا المقطع الزَّمني موسمًا للمرأة المسلمة، فالعنوان الذي سأعالجه في هذا الَّلقاء الطيِّب:
كيف نصوغ أجيالنا النِّسائيَّة المعاصرة في خطى الصِّدِّيقة الزَّهراء (عليها السَّلام)؟
أمامنا أجيال نسائيَّة معاصرة مشدودة ومربوطة بقِيَم، ومربوطة بعادات، ومربوط بتجاذبات خطيرة، ونحن نريد أن نصوغ هذه المرأة في هذا العصر بكلِّ تجاذباته وتيَّاراته وثقافاته، نريد أن نصوغ هذا الجيل من النِّساء وِفق معايير الصِّدِّيقة الزَّهراء (عليها السَّلام)، ووِفق خُطى الصِّدِّيقة الزَّهراء (عليها السَّلام)، ووفق مدرسة الصِّدِّيقة الزَّهراء (عليها السَّلام)، يعني وِفق منهج الإسلام، ومنهج القرآن، ومنهج النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، ومنهج الأئمَّة (عليهم السَّلام)، ومنهج الصَّالحين.
إذًا كيف نصوغ أجيالنا النِّسائيَّة المعاصرة في خُطى الصِّدِّيقة الزَّهراء (عليها السَّلام).
هنا أتناول هذين العنوانين:
العنوان الأول: من المسؤول عن صياغة الأجيال النِّسائيَّة في خُطى الصِّدِّيقة الزَّهراء (عليها السَّلام)؟
هناك مجموعة مواقع مسؤولة أشير إليها فقط إشارة بلا تفصيل، لأنَّ كلَّ عنوان يحتاج إلى تفصيل، الجهات المسؤولة عن صياغة المرأة وِفق خُطى الصِّدِّيقة الزَّهراء (عليها السَّلام) متعددة:
1- الأُسرة
المرأة والبنت تنتميان إلى أُسرة، هذه الأُسرة معنيَّة بالدرجة الأولى أن تصوغ المرأة وِفق معايير الزَّهراء (عليها السَّلام)، يعني وِفق معايير الإسلام، ووِفق معايير القرآن، وكلَّما كانت الأُسرة أكثر وعيًا ونُضجًا والتزامًا كانت أقدر على أن تصوغ الجيل النِّسائي وِفق المعايير الإيمانيَّة.
إذًا الأُسرة المؤمنة الملتزمة هي المعنيَّة أوَّلًا أن تصوغ المرأة الصِّياغة الإيمانيَّة وِفق خُطى الصِّدِّيقة الزَّهراء (عليها السَّلام).
2- العلماء ودور الحوزات الرِّجاليَّة والنِّسائيَّة
هنا دور علماء، ودور حوزات وأخصُّ الحوزات النِّسائيَّة فإنَّها معنيَّة بدرجةٍ كبيرةٍ جدًّا أن تمارس دور صياغة المرأة، وصياغة الجيل النِّسائي في خُطى الزَّهراء (عليها السَّلام)، وأن تمارس دورها في بناء أجيال نسائيَّة صالحة نظيفة ملتزمة في خُطى الصِّدِّيقة الزَّهراء (عليها السَّلام).
إذًا دور العلماء ودور الحوزات ودور المساجد دورٌ مهم، وهو موقع ثانٍ مسؤول ومعني بأن يصوغ المرأة وِفق خُطى الزَّهراء (عليها السَّلام).
3- المنبر الحُسيني
موقع ثالث وهو مهمٌّ جدًّا: المنابر الحُسينيَّة معنيَّة بدرجةٍ كبيرةٍ خاصَّة أنَّ المنابر تملك حضورًا وامتدادًا واسعًا في كلِّ الواقع الشِّيعي، لا يوجد موقعٌ يملك امتدادًا وعُمقًا وقوَّة كما يملكه المنبر.
إذًا هنا مسؤوليَّة المنبر كبيرة جدًّا في صناعة الأجيال، وأنا أشدُّ على يد المنابر التي وظَّفت هذا الموسم، وتحدَّثت عن قضايا المرأة، وتحدَّثت عن التَّجاذبات الخطيرة وعن التَّيارات التي تريد أن تنحرف بالمرأة.
هناك مجموعة من خطباء منابرنا – جزاهم الله خيرًا – مارسوا هذا الدُّور، ومطلوب أن يمارسوا هذا الدُّور في صناعة الجيل النِّسائي صناعة إيمانيَّة، وصناعة ولائيَّة، وصناعة قُرآنيَّة، وصناعة حُسينيَّة، وصناعة فاطميَّة، وصناعات مرتبطة بخطِّ الزَّهراء (عليها السَّلام).
4- المؤسَّسات والجمعيَّات النِّسائيَّة
كما الجمعيَّات النِّسائيَّة في الخطِّ الآخر تمارس دورًا خطيرًا كبيرًا كبيرًا في صياغة المرأة صياغة مُعلمَنة منحرفة عن الإيمان والدِّين والقِيم، كذلك جمعيَّاتنا الإيمانيَّة النِّسائيَّة النَّظيفة الصَّالحة مطلوبٌ منها أن تعمل على صياغة المرأة صياغة إيمانيَّة نظيفة.
5- الجهد الذَّاتي للمرأة
المرأة نفسها بجهدها الذَّاتي معنيَّة أن تصنع نفسها صُنْعًا إيمانيًّا، والمرأة نفسها معنيَّة أن تمارس دور بناء شخصيَّتها وِفق الزَّهراء (عليها السَّلام).
إذًا هذه مجموعة مواقع مسؤولة عن صياغة الأجيال النِّسائيَّة في خُطى الصِّدِّيقة الزَّهراء (عليها السَّلام).
العنوان الثَّاني: مُكوِّنات الصِّياغة
ما هي مُكوِّنات صياغة المرأة في خُطى الصِّدِّيقة الزَّهراء (عليها السَّلام)؟
وما هي مُكوِّنات صياغة الأجيال النِّسائيَّة في خُطى الصِّدِّيقة الزَّهراء (عليها السَّلام)؟
أتناول أهم المُكوِّنات:
المُكوِّن الأوَّل: المُكوِّن العقيدي
المُكوِّن العقيدي هو أوَّل مكوِّنات البناء، إذا أردت أن أبني أجيالًا نسائيَّة في خُطى الزَّهراء (عليها السَّلام)، فعليَّ أن أصنع أجيالًا عقائديَّة.
لأنَّ الزَّهراء (عليها السَّلام) قمَّة في العقيدة بعد رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، وبعد أمير المؤمنين (عليه السَّلام)، ففي تاريخ المرأة فإنَّ الزَّهراء (عليها السَّلام) هي قمَّة العقيدة، وهي المرأة الأولى في تاريخ المرأة من بداية الدُّنيا وحتى نهايتها: فالصِّدِّيقة الزَّهراء (عليها السَّلام) سيِّدة نساء العالمين.
إذًا الزَّهراء (عليها السَّلام) هي قمَّة العقل وقمَّة الإيمان.
فمطلوب منَّا أن نصوغ المرأة في اتِّجاه هذه القمَّة.
فمِنَ الضَّرورة أن تُصاغ الأجيال النِّسائيَّة عقيديًّا.
العقيدة اليوم تواجَه من خلال مشروعات خطيرة تريد أن تهزم وتُسقط العقيدة الإيمانيَّة، فتبقي الأجيال بلا وعي، أو تبقى بعقيدة فاسدة، أو بعقيدة منحرفة، أو بعقيدة ساذجة.
إنَّ أوَّل ما تُسرق الأجيال من خلال العقيدة.
اليوم أجيالنا، شبابنا، نساؤنا، بناتنا، أولادنا، يُسرقون من خلال عقائد تنحرف بهم عن عقيدة الإيمان باللَّه.
فهنا الضَّرورة الضَّرورة في أن نصوغ الأجيال صوغًا عقائديًّا.
العقائديَّة لا تعني التَّطرُّف
حينما أقول: أصنع أفرادًا عقائديِّين ليس معنى ذلك أن أصنع أفرادًا متطرِّفين متشدِّدين، نعم متشدِّد في التزامه العقيدي لكنه ليس متطرِّفًا، فكلَّما كان الإنسان عقائديًّا حقيقيًّا كان أكثر تسامحًا.
اليوم يحاولون ربط العقائديَّة بالتَّطرُّف، وأنَّ الذي صنع التَّطرُّف هو العقائديَّة، والتَّشدُّد في العقيدة!
لا، الذي صنع التَّطرُّف هو تشدُّد منحرف، وخارج عن مضمون العقائديَّة الحقَّة.
أمَّا العقائديَّة التي تربط الإنسان باللَّه، وبقدرة الله، وبعلم الله، وبلطف الله، وبرحمة الله، وبحنان الله، هذه لا تكون عقائديَّة متطرِّفة؛ لأنَّ العقائديَّة الحقَّة هي مرتبطة باللُّطف الإلهي، وبالحنان الإلهي، وبالكرم الإلهي، وبالقدرة الإلهيَّة، فكلَّما أصَّلنا البُعد الإيماني العقيدي صنعنا الجيل العقائدي.
فالعقائديَّة لا تعني التَّطرُّف، ولا تعني العُنف، ولا تعني الإرهاب.
وكلَّما ارتقى مستوى العقائديَّة الإيمانيَّة ارتقى مستوى الاعتدال والرِّفق والتَّسامح.
هكذا نفهم العقيدة اعتدالًا، ورفقًا، وتسامحًا.
أمَّا المتطرِّفون فلا علاقة لهم بالدِّين إطلاقًا وإن كانت بعض التَّيَّارات المتطرِّفة توظِّف الدِّين، وتحاول أن تنسب نفسها للدِّين لكنَّها هي بعيدة عن الدِّين.
فالمتطرِّفون لا علاقة لهم بالدِّين، وصُنَّاع العُنف والإرهاب خارجون عن الدِّين.
إذًا هذا مُكوِّن أساس، فإنَّنا إذا أردنا أن نصنع جيلًا في خُطى الزَّهراء (عليها السَّلام)، وأن نصنع جيلًا إيمانيًّا، فلنصنع الإيمان في داخله، ولنصنع العقيدة القويَّة الواعية البصيرة في داخله.
هذا هو المُكوِّن العقيدي: فالعقيدة إيمان باللَّه، وإيمان بالرِّسالة، وإيمان بالقرآن، وإيمان باليوم الآخر، وإيمان بالإمامة وِفق منظور مدرسة أهل البيت (عليهم السَّلام)، وهذا مطلوبٌ أن يُصنَعَ في أجيالنا النِّسائيَّة والرِّجاليَّة، والشَّباب والشَّابات.
المُكوِّن الثَّاني: المُكوِّن الثَّقافي
إذا تمَّت صناعة العقيدة، وكانت عقيدة قويَّة باللَّه، وبالنَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، وبالأنبياء (عليهم السَّلام)، وبالقرآن فقد تمَّت صناعة القوَّة، لكن نحتاج إلى مضامين، ومفاهيم، وفكر، وثقافة، تُستقى من المضمون العقيدي، فالمكوِّن الثَّقافي ضروري.
الزَّهراء (عليها السَّلام) قمَّة الوعي وقمَّة البصيرة
عقيدة الزَّهراء (عليها السَّلام) عقيدة واعية، وعقيدة بصيرة، وعقيدة منفتحة على كلِّ الدِّين، وكلِّ مساحات الدِّين.
إذًا نحن محتاجون أن نصنع وعي المرأة، وثقافة المرأة.
ضرورة هذا الوعي لدى أجيالنا
هذا الوعي يشكِّل ضرورة لأجيالنا.
اليوم لماذا سُرِقت الأجيال؟
لأنَّها لا تملك وعي الدِّين الحق، يوم تُجهَّل الأجيال تُسرَق، ويوم تُصنع أجيالًا غبيَّة تُسرَق، وكلَّما ارتقى وعي المرأة وثقافة المرأة الإيمانيَّة، كلَّما تحصنَّت المرأة، واستطعنا أن نحمي الأجيال من أن تُسرق.
سُرَّاق الأجيال اليوم خطيرون، فبقدر ما نحصِّن أجيالنا بثقافة الدِّين، وثقافة القرآن، وثقافة مدرسة أهل البيت (عليهم السَّلام) كلَّما حصَّنا الأجيال.
فإذًا ضرورة أن نصنع هذا الوعي لدى أجيالنا الرِّجاليَّة والنِّسائيَّة.
كيف نصنع الوعي؟
ما هي أدوات ومنتجات صناعة الوعي لدى هذه الأجيال؟
منتجات الوعي الدِّيني كثيرة منها:
المنتج الأوَّل: السُّؤال
مطلوبٌ من نسائنا وأجيالنا وشبابنا وشابَّاتنا أن يسألوا عن الدِّين، والمفاهيم، والقِيَم، والقرآن، والعقيدة. السُّؤال مطلوب؛ لأنَّه ينمِّي ثقافة الإنسان، وينمِّي وعي الإنسان، والحياء والخجل في السُّؤال أمرٌ مرفوض.
إنَّ (الحياء قيمة إيمانيَّة)، فالحياء رأس الإيمان، وهو مطلوب، وخاصَّة عند المرأة.
لكنَّ (الخجل) مذموم في ثلاثة أمور:
الأمر الأوَّل: الالتزام والطَّاعة.
قد يكون هناك من يقول: إنِّي أخجل أن أصلِّي عندما يكون في وسط شباب غير ملتزم، هذا خجلٌ مرفوض.
أو قد تقول امرأة وهي في وسط متبرِّجات سافرات: أخجل أن ألتزم بالحجاب، هذا خجلٌ مرفوض ومذموم.
هنا تبرز القوَّة الإيمانيَّة، والقوَّة العقيديَّة، وقوَّة الالتزام.
فالخجل في مواقع الطَّاعة خجلٌ مرفوض.
الأمر الثَّاني: الدَّعوة والأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر
الخجل في الدَّعوة والأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر مرفوض.
فمَنْ يخجل أن يدعو إلى الله، وأن يأمر بمعروف وينهى عن منكر، ويقول: أخجل، أرى المنكر لكن أخجل أن أنهى، فلا آمر بمعروف ولا أنهى عن منكر، ولا أدعو إلى الله، هذا خجل مرفوض.
الأمر الثَّالث: السُّؤال عمَّا يهمُّ الإنسان في دينه ودنياه.
أنت تسأل – الآن – عن كلِّ شيئ يهمُّ حياتك الدُّنيويَّة: صحَّتك، معيشتك، سكنك، …، فكذلك اسأل عن دينك ولا تعيش الخجل.
فالوسيلة الأولى لبناء الوعي هي السُّؤال، فيوجد لديك علماء، ومواقع إلكترونية متنوِّعة، واليوم أصبحت وسائل الاتِّصال سهلة جدًّا حتى بالمرجع الأعلى، وبالمرجع الدِّيني، وبالحوزات، وبالعلماء، وبمواقع الدِّين، ما أسهل أن تتَّصل في لحظة وتسأل.
إذًا السُّؤال هو المصدر الأوَّل من مصادر بناء الوعي الدِّيني.
المنتج الثَّاني: حضور البرامج الدِّينيَّة: الدُّروس/ المحاضرات/ المنابر.
هناك برامج تصنع وعي الإنسان الإيماني (الرَّجال، النِّساء، الشَّباب، الشَّابات، الأولاد، البنات)، تُسمَّى برامج دينيَّة كالدُّروس، والمحاضرات، والمنابر الحُسينيَّة، هذه كلُّها برامج بناء، وثقافة، ووعي.
فالتزام الإنسان خاصَّة المرأة بحضور البرامج يُسيِّجها، ويحميها، ويصنع وعيَها، وثقافتها، ومهمٌّ جدًّا حضور هذه المواقع الدِّينية التَّثقيفيَّة التَّعليميَّة.
• رَوى بَعضُ الصَّحابَةِ قال: جاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنصارِ إلَى النَّبِيِّ [صلَّى الله عليه وآله]، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، إذا حَضَرَت جَنازَةٌ أو حَضَرَ مَجلِسُ عالِمٍ، أيُّهُما أحَبُّ إلَيكَ أن أشهَدَ؟
فَقالَ رَسولُ اللهِ (صلَّى اللّه عليه وآله): «إن كانَ لِلجَنازَةِ مَن يَتبَعُها ويَدفِنُها فَإِنَّ حُضورَ مَجلِسِ العالِمِ أفضَلُ مِن حُضورِ ألفِ جَنازَةٍ، ومِن عِيادَةِ ألفِ مَريضٍ، ومِن قِيامِ ألفِ لَيلَةٍ، ومِن صِيامِ ألفِ يَومٍ، ومِن ألفِ دِرهَمٍ يُتَصَدَّقُ بِها عَلَى المَساكينِ، ومِن ألفِ حَجَّةٍ سِوَى الفَريضَةِ، ومِن ألفِ غَزوَةٍ سِوَى الواجِبِ تَغزوها في سَبيلِ اللّهِ بِمالِكَ ونَفسِكَ.
وأينَ تَقَعُ هذِهِ المَشاهِدُ مِن مَشهَدِ عالِمٍ! أما عَلِمتَ أنَّ اللهَ يُطاعُ بِالعِلمِ ويُعبَدُ بِالعِلمِ، وخَيرُ الدُّنيا وَالآخِرَةِ مَعَ العِلمِ، وشَرُّ الدُّنيا وَالآخِرَةِ مَعَ الجَهلِ».
النَّبيُّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) يُسأل في يوم من الأيام: «إذا حضرت جنازة أو مجلس عالم، أيُّهما أحبُّ اليك أن أشهَدَ؟
السُّؤال موجَّه للنَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): إذا حضرت جنازة مؤمن يُراد تشييعه وهناك مجلس علم، فأنا بين خيارين: الذهاب لتشييع الجنازة وهو عمل عظيم، وثوابه عظيم، ووردت فيه الرِّوايات والنُّصوص، وهناك مجلس علم وثوابه عظيم، فالسَّائل يسأل النَّبيَّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): أيُّهما أحبُّ إليك؟ أذهب إلى تشييع الجنازة أو أذهب إلى مجلس العلم؟
استمعوا إلى جواب النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم):
قال (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «إنْ كان للجنازة من يتبعها …»، إذا كان يوجد مجموعة من المؤمنين يشيِّعون جنازة هذا المؤمن، فالجنازة لا تُترك، يجب أن تُشيَّع، فإذا وُجد عدد كافٍ من المشيِّعين لهذه الجنازة، فإنَّ حضور مجلس العلم أفضل.
«إن كانَ لِلجَنازَةِ مَن يَتبَعُها ويَدفِنُها فَإِنَّ حُضورَ مَجلِسِ العالِمِ أفضَلُ مِن حُضورِ ألفِ جَنازَةٍ، ومِن عِيادَةِ ألفِ مَريضٍ، ومِن قِيامِ ألفِ لَيلَةٍ، ومِن صِيامِ ألفِ يَومٍ، ومِن ألفِ دِرهَمٍ يُتَصَدَّقُ بِها عَلَى المَساكينِ …».
هذه هي قيمة مواقع الثَّقافة، ومواقع العلم، ومواقع بناء الوعي الإيماني.
• في حديث آخر عن أمير المؤمنين (عليه السَّلام) يقول:
«إذا جَلَسَ المُتَعَلِّمُ بَينَ يَدَيِ العالِمِ فَتَحَ اللهُ لَهُ سَبعينَ بابًا مِنَ الرَّحمَةِ، ولا يَقومُ مِن عِندِهِ إلَّا كَيَوم وَلَدَتهُ أمُّهُ، وأعطاهُ بِكُلِّ حَديثٍ عِبادَةَ سَنَةً، ويبني لَهُ بِكُلِّ وَرَقَةٍ مَدينَةً مِثلُ الدُّنيا عَشرَ مَرّاتٍ».( )
«إذا جَلَسَ المُتَعَلِّمُ بَينَ يَدَيِ العالِمِ»:
مَنْ يعطيه وعي الدِّين: قد يكون عالم دين، عالم طب، مثقَّف يملك وعيًا.
«إذا جَلَسَ المُتَعَلِّمُ بَينَ يَدَيِ العالِمِ»:
– «فَتَحَ اللهُ لَهُ سَبعينَ بابًا مِنَ الرَّحمَةِ»
هذا أول مُعطى من معطيات مجالس الدِّين والعلم والثقَّافة.
– «ولا يَقومُ مِن عِندِهِ إلَّا كَيَوم وَلَدَتهُ أمُّهُ»
يولد ولادة روحيَّة جديدة، هذه قيمة مجالسنا.
– «وأعطاهُ بِكُلِّ حَديثٍ عِبادَةَ سَنَةً».
وهو يستمع هذا الحديث الدِّيني التَّربوي التَّثقيفي، كلُّ حديث يُعطى به عبادة سنة كاملة، كأنَّه يعبد الله سنة كاملة.
المُكوِّن الثَّالث: المُكوِّن الرُّوحي
الزَّهراء (عليها السَّلام) قمَّة الرَّوحانيَّة.
صناعة الرَّوحانيَّة هي أساسٌ في بناء المرأة، فقد تَصنع وعي المرأة، وقد تَصنع عقيدة المرأة، وقد تَصنع ثقافة المرأة، لكن تبقى روحانيَّتها هابطة، فنحتاج أن نصعد بروحانيَّة المرأة.
صناعة الرَّوحانيَّة
كيف نصنع الرَّوحانيَّة؟
ذلك مِن خلال:
(1) الثَّقافة الرُّوحيَّة
يُفترض بالمرأة أن تحضر دروسًا أخلاقيَّة وروحيَّة، وبقدر ما تحضر مِن هذه الدُّروس الرَّوحانيَّة تكبر الحالة الرُّوحيَّة عند المرأة، وعند الرَّجل، وعند الشَّاب، وعند الشَّابة.
(2) تلاوة القرآن
تلاوة القرآن تصنع الرَّوحانيَّة.
لابُدَّ أن ترتبط المرأة بالقرآن ارتباطًا وثيقًا، فكلَّما تعمَّقت العلاقة مع القرآن ارتقى مستوى الرَّوحانيَّة عند الإنسان.
القرآن يصنع الرَّوحانيَّة، فتدبُّر القرآن، وتأمُّله، وقراءته قراءة متأمِّلة متدبِّرة، تصنع روحانيَّة الإنسان.
(3) صلاة اللَّيل
صلاة اللَّيل مهمَّة جدًّا في صناعة الرَّوحانيَّة، والزَّهراء (عليها السَّلام) قِمَّة التَّهجُّد في جوف اللَّيل.
القرآن يحدِّثنا عن صلاة اللَّيل، هناك آيات كثيرة في القرآن تتحدَّث عن صلاة اللَّيل وعن المتعبِّدين والمتهجِّدين بالأسحار:
• {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا …} (السَّجدة/16).
{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ}: يتركون الفُرُش والنَّوم ويجلسون حتى يُصلُّون بعض ركعات بين يدي الله الرَّبِّ الرَّحيم الكريم.
• قال (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «إذا قام العبد من مضجعه والنُّعاس في عينيه؛ ليُرضي ربَّه بصلاةٍ ليله باهى الله به ملائكته فيقول: أما ترون عبدي هذا قائم من مضجعه، وترك لذيذ منامه إلى ما لم أفرضه عليه، اشهدوا أنِّي قد غفرت له».
الله يخاطب ملائكته، انظروا إلى عبدي قام من فراشه لأمرٍ ما أوجبته عليه، أنا لم أقل له إنَّ صلاة اللَّيل واجبة، لكنِّي رغَّبته في صلاة اللَّيل، فتراه يقوم من فراشه ينفض غبار النَّوم من عينيه، ويُسبغ الوضوء، يا ملائكتي اشهدوا أنِّي قد غفرت له، فهذا المتهِّجد بالأسحار، وهذا من عبَّاد اللَّيل، اشهدوا يا ملائكتي أنِّي قد غفرت له.
• وقال (صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم): «ركعتان يركعهما ابن آدم في جوف الليل الآخر خير له من الدنيا وما فيها، ولولا أن أشق على أمتي لفرضتهما عليهم».
فالآية تقول: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} (السَّجدة/16).
ما هو جزاء وعطاء هؤلاء الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع؟
استمعوا للقرآن ماذا يقول؟
ماذا أعد لهم؟
ما هو جزاؤهم؟
ما هو ثوابهم؟
القرآن يقول:
{فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (السَّجدة/17).
إذًا يبدو ثواب صلاة اللَّيل أكبر من أن يُعرف، لا نعرفه نحن، الله سبحانه وتعالى يقول: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم}، الجنَّات، الحور، القصور، الأنهار، هذه نعلمها، لكنَّ القرآن يقول: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
الزَّهراء (عليها السَّلام) نموذج المرأة العابدة المتهجِّدة بالأسحار.
• تحدَّث النَّبيُّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) عن إيمان وعبادة ابنته الزَّهراء (عليها السَّلام) فقال: «… ابْنَتِي فَاطِمَةُ مَلَأَ اللهُ قَلْبَهَا وَجَوَارِحَهَا إِيمَانًا إِلَى مُشَاشِهَا تَفَرَّغَتْ لِطَاعَةِ اللهِ …».
[المشاش رأس العظم اللَّين].
تفرَّغت إلى طاعة الله، فالزَّهراء (عليها السَّلام) قمَّة الطَّاعة، وقمَّة اللُّجوء إلى الله.
• وكذلك يتحدَّث النَّبيُّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) عن الزَّهراء (عليها السَّلام) فيقول: «…، متى قامت في محرابها بين يدي ربِّها جلَّ جلاله زهر نورُها لملائكة السَّماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض، ويقول الله عزَّ وجلَّ لملائكته: يا ملائكتي انظروا إلى أمتي فاطمة سيِّدة إمائي قائمة بين يدي ترتعد فرائصها من خيفتي وقد أقبلت بقلبها على عبادتي، …».
المُكوِّن الرَّابع: المُكوِّن الأخلاقي
الزَّهراء (عليها السَّلام) قمَّة الأخلاق.
صناعة الأخلاق: المحبَّة في الله (أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ فِي اللَّهِ؟)
مطلوب أن نصنع الأخلاق، فالدِّين الأخلاق، القِيَم.
المحبَّة في الله، الصِّدق، الأمانة، النَّظافة، هذه قِيم، وأخلاق.
فمطلوب أن نصنع في المرأة هذه القِيم، وهذه الأخلاق.
(1) المحاسبة (حاسبوا أنفسكم …)
مطلوب أن تحاسب المرأة نفسها.
• عن النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «حاسِبوا أنْفُسَكُم قَبلَ أنْ تُحاسَبوا، وزِنُوا قَبلَ أنْ تُوزَنوا، وتَجَهَّزوا للعَرْضِ الأكْبَرِ».
(2) المراقبة
(3) الثَّقافة الأخلاقيَّة (الدُّروس الأخلاقيَّة/ القراءة الأخلاقيَّة/ القُدوة)
الثَّقافة الأخلاقيَّة ضرورة في كلِّ عصر.
إشكاليَّة:
المرحلة المعاصرة مزدحمة بمشاكل كثيرة جديرة بالحديث عوضًا عن إشغال الوقت بالحديث عن الأخلاق.
كفى حديثًا عن الأخلاق، اليوم نحن بحاجة إلى الحديث عن السِّياسة، وعن الاقتصاد، وعن مشاكل العصر وأنتم لازلتم متمسِّكين بالأخلاق، لقد انتهى دور الأخلاق، وعليكم اليوم أن تتحدَّثوا عن قضايا العصر، فالقضايا التي تتحدَّى الإنسان في هذا العصر كثيرة!
الجواب عن هذه الإشكاليَّة:
الأخلاق هي قمَّة الحديث، سياسة بلا أخلاق سياسة هابطة، وهل انحرفت السِّياسة إلَّا لمَّا غابت الأخلاق، وهل انحرف الاقتصاد إلَّا لمَّا غابت الأخلاق، وهل انحرفت كلُّ الحياة إلَّا لمَّا غابت قِيَم الأخلاق، لو وُجِدَ سياسيُّون يملكون أخلاقًا لما انحرفت السِّياسة، ولو وُجِدَ اقتصاديُّون يملكون أخلاقًا لما انحرف الاقتصاد، ولو وُجِدَ اجتماعيُّون يملكون أخلاقًا لما انحرف الاجتماع.
إذًا الأخلاق تبقى هي جوهر الحديث وهي جوهر الضَّرورات، لم ينتهي دور الأخلاق حتى نقول انتهت الأخلاق، الأخلاق ليست للتَّاريخ، كلُّ زمن يحتاج إلى أن نبني أخلاقه، الأخلاق والقِيم التي أرادها الله خالق الإنسان.
إذًا الثَّقافة الأخلاقيَّة ضروريَّة جدًّا.
المُكوِّن الخامس: المُكوِّن السُّلوكي (التَّقوى)
مطلوب أن نصنع سلوك المرأة، وتقوى المرأة.
الصِّدِّيقة الزَّهراء (عليها السَّلام) قمَّة التَّقوى.
ما معنى التَّقوى؟
التَّقوى هي الطَّاعة لله سبحانه وتعالى، والتَّقوى هي ترك المعاصي والذُّنوب، فنحن بحاجة أن نصنع هذه التَّقوى في سلوك الإنسان المؤمن.
التقوى هي الالتزام بأوامر الله واجتناب نواهيه.
الله حدد لنا سلوكًا نتبعه، ونهانا عن سلوك نجتنبه، والمتَّقي هو الطَّائع لله، وهو الورع الذي يبتعد عن المحرَّمات والمعاصي والذُّنوب.
التَّقوى لا تتجزَّأ
فلا يمكن أن أكون في المسجد إنسانًا متَّقيًا، وفي المتجر عاصٍ فاسق!
أو أكون في المأتم متَّقيًا، لكن في الشَّارع عاصٍ!
المعصية تنسف التَّقوى في أيِّ موقع.
البعض يحاول أن يُجزِّأ التَّقوى، بأن يكون متَّقيًا في صلاته وصيامه وحجِّه، فيصلِّي ويصوم ويحجّ، لكنَّه في معاملاته لا يملك تقوى، في علاقاته مع النَّاس لا يملك تقوى، في اقتصاده لا يملك تقوى، في أوضاعه الاجتماعيَّة لا يملك تقوى، في سياسته لا يملك تقوى.
هل بقيت التَّقوى في مواقعها؟ لا، بل انتهت.
(الصَّلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر)، فالإنسان الذي لا يملك تقوى، تنتهي قيمة الصَّلاة في حياته، وتنتهي قيمة الصِّيام في حياته.
إذًا نحن في حاجة إلى أن نصنع التَّقوى، ما دمنا نريد أن نصنع المرأة الفاطميَّة التي تترسَّم خُطى الزَّهراء (عليها السَّلام) فيجب أن نصنع المرأة المتَّقية الصَّالحة.
كيف نصنع التَّقوى؟ هذا حديث وبحث آخر.
ما هي وسائل صنع التَّقوى؟ وما هي الأدوات؟ وما هي الإمكانات لصنع التَّقوى؟
خاصَّة اليوم في هذا العصر أصبحت التَّقوى محاصرة بإعلام، وبأدوات إعلام، وبتلفاز، وبإنترنت، وبأدوات من أشدِّ وأخطر الأدوات، في هذا الوضع والتَّقوى محاصرة بأقصى وأشرس الوسائل فإنَّ الحديث عن التَّقوى وعن أدواتها يكون صعبًا، لكنَّ هذا هو الجهاد الحقيقي.
إذًا لكي تكون المرأة في خُطى الزهراء (عليها السَّلام) لابدَّ أن نصنع مُكوِّنها السُّلوكي وهو التَّقوى.
المُكوِّن السَّادس: المُكوِّن الرِّسالي
إذا كنَّا قد صنعنا امرأة عقائديَّة، وصنعنا امرأة تملك ثقافة الدِّين، وصنعنا جيلًا نسائيًّا يملك روحانيَّة الدِّين، وصنعنا جيلًا نسائيًّا يملك أخلاق الدِّين، وصنعنا جيلًا نسائيًّا يملك تقوى الدِّين، لكن لم تكتمل الصُّورة، ولم تكتمل المُكوِّنات، بقي مكوِّن هو الأهم والأعظم والأصعب: المُكوِّن الرِّسالي.
ما معنى المُكوِّن الرِّسالي؟
كيف أنطلق؟
كيف أخدم الإسلام؟
كيف أدعو إلى الله؟
كيف آمر بالمعروف؟
كيف أنشر قِيم الهدى والحق؟
هنا القِيمة الكبرى.
ضرورة بناء داعيات ومبلِّغات
بناء المرأة التي تقف في مواقع العطاء.
نحن بحاجة في هذا الزَّمن وخصوصًا وأنَّ التحدِّيات أمام المرأة صعبة جدًّا جدًّا إلى بناء داعيات ومبلِّغات، صحيح لدينا دعاة ومبلِّغون كثيرون من الرِّجال، فلدينا خطباء، وعلماء، وحوزات، لكن وجود المرأة الدَّاعية المبلِّغة له تأثيره الكبير الكبير في الوسط النِّسائي، فنحتاج أن نصنع خطيبات مبلِّغات داعيات.
هناك الآن مجموعة من بناتنا ونسائنا وحوزويَّاتنا – جزاهم الله خيرًا – يمارسن دور التَّبليغ، لكن لا زالت الحاجة كبيرة وكبيرة، ولا زال النَّقص كبيرًا وكبيرًا، فمِنَ الضَّروري بناء داعيات ومبلِّغات يحملنَ رسالة الدِّين، ورسالة القرآن، ورسالة الصِّدِّيقة الزَّهراء (عليها السَّلام).
مسؤوليَّة العلماء والحوزات
من المسؤول عن بناء هذا الجيل النِّسائي الدَّاعي؟
من المسؤول عن بناء المبلِّغات؟
هي مسؤوليَّة علماء وحوزات.
علماؤنا معنيُّون بأن يصنعوا أجيالًا نسائيَّة مبلِّغة، حوزتنا مسؤولة أن تصنع نساءً مجاهدات مبلِّغات يمارسن دور العطاء والثَّقافة والبناء.
ربَّما تأثير المرأة أكبر من تأثير الرَّجل الدَّاعي والمبلِّغ، فالمرأة التي تتحرَّك في وسط النِّساء فإنَّها تقترب من كلِّ مواقع المرأة وكلِّ إشكالاتها.
توظيف الطَّاقات النِّسائيَّة:
المرأة المبلِّغة هي المرأة التي توظِّف طاقاتها، هذا هو معنى الدَّاعي المبلِّغ.
(1) الطَّاقات الفكريَّة والعلميَّة
(2) الطَّاقات الرُّوحيَّة
(3) الطَّاقات العمليَّة
هناك طاقات نسائيَّة لكنَّ الكثير من هذه الطَّاقات مجمَّدة، وهنا الخطر، الخطر حينما تتجمَّد الطَّاقات، اليوم الخط المعادي للدِّين – الذي يريد أن يُعلمِن المرأة -، يوظِّف كلَّ طاقاته، ونحن لدينا طاقات نسائيَّة كبيرة مجمَّدة!!، إنَّها مسؤوليَّة أمام الله، ستُسأل المرأة وهي التي تملك طاقات العطاء حينما تجمِّدها، ستُسأل المرأة بين يدي الله: لقد أعطيتكِ علمًا وثقافةً ووعيًا وصلاحًا وهديًا وبصيرة، لماذا لم تمارسي دوركِ أيَّتها المرأة؟
إذًا المرأة معنيَّة أن توظِّف هذه الطَّاقات وإلَّا ستُسأل.
وكيف توظِّف المرأة طاقتها؟
يعني ما هي الوسائل التي توظِّف المرأة من خلالها طاقاتها في خدمة الإسلام، وفي خدمة الدِّين، وفي مواجهة المشروع الذي يريد أن يُعلمِن المرأة المسلمة؟
أدوات التَّوظيف:
(1) التَّدريس
تمارس دور التَّدريس في الحوزات أو خارجها، وفي المآتم النِّسائيَّة، فنحن بحاجة إلى مدرِّسات، وجزى الله خيرًا بعض النِّساء التي يمارسن التَّدريس.
(2) الكتابة
نحن بحاجة إلى كاتبات يوظِّفن القلم، ويوظِّفن الفِكر والثَّقافة.
ودور المرأة الكاتبة الباحثة الدَّارسة دور كبير اليوم.
(3) الحوار
مطلوب أن ننشِّط الحوار خاصَّة مع مَنْ يريد أن ينحرف بسلوك المرأة، ومع مَن لديه إشكالات، فجيلنا النِّسائي معبَّأ بإشكالات كثيرة في هذا العصر وفي هذا الزَّمن، فنحن بحاجة إلى معالجة ومقاربة، فوجود حوار مفتوح بين الواعيات الحوزويَّات المثقَّفات وبين جيلنا النِّسائي مطلوب، وأن نفتح هذا الحوار بشكلٍ مُمنهج ومدروس لمعالجة هذه الإشكالات، مع التَّأكيد على ضرورة أن يكون بناء الوعي قائم على أُسس علميَّة إيمانيَّة مع ارتباط بحوزات، وعلماء، ومراجع.
(4) الخطابة
أسلوب من أساليب التَّبليغ، ولدينا اليوم نقصٌ خاصَّة في خطيبات المنبر الحُسيني، توجد خطيبات – والحمد لله – بدأن يظهرن بشكلٍ واعي وبشكلٍ مركَّز لكن لا زال هناك فراغ كبير.
المشاريع المضادَّة للدِّين قويَّة ونشطة
هنا نحن بحاجة إلى أن تنشط المرأة، وهذا لا يعني أن يتوقَّف دور العلماء والرِّجال في السَّاحة النِّسائيَّة، لكن أقول بقدر ما نرتقي بمستوى دور المرأة في داخل السَّاحة النِّسائيَّة، نحقِّق أهدافًا كبيرة.
قيمة العمل الرِّسالي قيمة كبيرة.
أ- الدَّعوة
• {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ …} (النَّحل/125).
• {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (العصر/1-3).
ب- الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر
ج- التَّعليم
التَّعليم له قيمته، مارسن أيَّتها الأخوات المؤمنات الحوزويَّات الواعيات المثَّقفات دور التَّعليم في داخل الحوزات، وخارجها، وفي المآتم النِّسائيَّة، والجمعيَّات النِّسائية، وفي أيِّ موقع نتمكَّن أن نوظِّفه ونمارس فيه دور التَّعليم، فالتَّعليم له ضرورته الكبرى.
إذًا ونحن نعيش ذكرى الصِّدِّيقة الزَّهراء (عليها السَّلام) مطلوبٌ أن نعيد الحساب في كلِّ أدوات التَّعاطي مع قضيَّة المرأة، ونحاسب كلَّ الخيارات المطروحة في السَّاحة، ونصوغ أوضاع المرأة وِفق معايير الدِّين والقرآن والإسلام؛ حتى تقترب المرأة وتنصاغ في خُطى الصِّدِّيقة الزَّهراء (سلام الله عليها).
وآخرُ دعوانا أن الحمدُ للهِ ربِّ العَالمين.
والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.