مع موسم العقيلة (عليها السَّلام)
بتاريخ: 12 صفر 1443 هـ | الموافق 20 سبتمبر 2021 م | مأتم القدم للنِّساء - البحرين
هذه الكلمة للعلَّامة السَّيِّد عبد الله الغريفي، وهي كلمة توجيهيَّة بمناسبة افتتاح موسم العقيلة السَّنوي 24، والذي سيكون تحت عنوان (الأُسرة المسلمة بين النِّظام الإسلامي والنُّظم الماديَّة – كربلاء نموذجًا)، في مأتم القدم للنِّساء، والذي تمَّ بثُّها عبر البثِّ الافتراضيِّ في يوم الاثنين (ليلة الثلاثاء) بتاريخ: 12 صفر 1443 هـ – الموافق 20 سبتمبر 2021 م)، وقد تمَّ تفريغها من تسجيل مرئيٍّ، وتنسيقها بما يتناسب وعرضها مكتوبةً للقارئ الكريم.
أعوذ باللَّه السَّميع العليم من الشَّيطان الغوي الرَّجيم
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأفضلُ الصَّلوات على سيِّدِ الأنبياء والمرسلين سيِّدنا ونبيِّنا وحبيبنا وقائدنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ الطَّيِّبين الطَّاهرين المعصومين الأخيار الأبرار.
السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مع موسم العقيلة (عليها السَّلام)
1- لماذا موسم العقيلة؟
قد يُقال لا ضرورة لمثل هذا الموسم ما دامت العقيلة الحوراء زينب (سلام الله عليها) حاضرة في كلِّ أيام السَّنَة بحضورها في كلِّ مجالس الحسين (عليه السَّلام)، هذه المجالس القائمة والدَّائمة.
فما دامت مجالس الحسين (عليه السَّلام) مستمرَّة، فزينب (عليها السَّلام) حاضرة طيلة السَّنة، لأنَّها شريكة الحسين (عليه السَّلام) في عاشوراء.
فما الضَّرورة لأن نخصِّص مَوسمًا باسم العقيلة؟
- أسباب ومبرِّرات إقامة موسم للعقيلة (عليها السَّلام)
هنا عدَّة أسباب ومبرِّرات لأهمِّيَّة وقِيمة هذا الموسم:
السَّبب الأوَّل: أنَّ الموسم يُمركز الحديث حول هذه الشَّخصيَّة الكبيرة في كلِّ أبعادها:
- الإيمانيَّة
- الرُّوحيَّة
- الأخلاقيَّة
- السُّلوكيَّة
- الرِّساليَّة
- الجهاديَّة
صحيح إنَّ الحديث عن الحوراء مفتوح طيلة السَّنة مقترنًا بالحديث عن قضيَّة كربلاء، إلَّا أنَّ هذا الحديث لا يُقارب الأبعاد التَّفصيليَّة في شخصيَّة الحوراء (عليها السَّلام)، كالحديث عن (عبادتها/ أخلاقها/ علمها/ بقيَّة المساحات في حياتها …)، فقد لا يتم التَّعرض لهذه المساحات بشكلٍّ تفصيلي في حديث كربلاء.
لقد هيمن حضورها في قضيَّة كربلاء على كلِّ تاريخها:
- وقفت مع أخيها الحسين (عليه السَّلام) منذ بدايات الثَّورة.
- حضورها الفاعل في يوم عاشوراء.
- دورها في حمل أهداف عاشوراء.
إذن، السَّبب الأوَّل لضرورة الموسم هو مركزة الحديث، وتفصيل الأبعاد التي ظلَّت مستورة وغير واضحة في الحديث العام في عاشوراء.
السَّبب الثَّاني: أنْ نمارس مراجعة لعلاقتنا مع العقيلة الحوراء (عليها السَّلام)
ماذا تعني المراجعة؟
المراجعة تعني: أنْ نقرأ كلَّ واقعنا على ضوء المُكوِّنات في شخصيَّة الحوراء زينب (عليها السَّلام)، كـ:
- المُكوِّن العَقيدي
نقرأ واقعنا العقيدي كم هو منسجم مع المُكوِّن العقيدي في شخصيَّة الحوراء (عليها السَّلام)، في:
- وعي الانتماء
- صلابة الانتماء
الصَّلابة لا تعني العنف والتَّطرُّف والإرهاب.
- المُكوِّن العِبادي
ندرس المُكوِّن العبادي في شخصيَّتنا على ضوء الحوراء وعبادة الحوراء (عليها السَّلام)، (الحوراء الذَّائبة في العبادة)، الحوراء المقدَّسة، الحوراء الرَّبَّانيَّة، الحوراء الرَّوحانيَّة.
- المُكوِّن الأخلاقي (قمَّة الأخلاق الرَّبَّانيَّة)
- المُكوِّن السُّلوكي (قمَّة التَّقوى)
- المُكوِّن الرِّسالي (قمَّة الجهاد الرِّسالي)
فإحياء هذا الموسم ليس للاسترخاء التَّاريخي.
وليس للتَّرف الفكري.
وليس لاستهلاك الأوقات والطَّاقات.
وإنَّما للمراجعة الجادَّة والصَّادقة والواعية.
السَّبب الثَّالث: أنْ نعالج كلَّ التَّحدِّيات التي تواجه أجيالنا النِّسائيَّة في ضوء التَّعاطي مع شخصيَّة العقيلة الحوراء زينب (عليها السَّلام).
- ربما يقال إنَّ الحوراء (عليها السَّلام) شخصيَّة تشكَّلت في التَّاريخ، فهل تصلح أنْ تكون نموذجًا لكلِّ الأجيال؟!
فلكلّ مرحلة ضروراتها ومكوِّناتها.
- في التَّعاطي مع حركة الأجيال هناك بعدان:
- البعد الثَّابت
- العقيدة: كالإيمان باللَّه، والإيمان بالرِّسالة، والإيمان بالقرآن، هذه العقيدة لا نقول إنَّها كانت في التَّاريخ، بل إنَّ العقيدة كانت في التَّاريخ والماضي وتكون في الحاضر وتكون في المستقبل، لا تتغيَّر، فلا نقول إنَّ الحاجة إلى العقيدة قد انتهت.
- الأخلاق: لا نقول إنَّ الحاجة إلى الأخلاق والقِيم قد انتهت، بل هي حاجة في التَّاريخ والحاضر والمستقبل.
- العبادة: لا نقول إنَّ الحاجة إلى العبادة قد انتهت، فالعبادة حاجة في التَّاريخ والحاضر والمستقبل.
- الاستقامة: لم تنته الحاجة إلى التَّقوى والاستقامة والطُّهر والنُّبل الرُّوحي.
- الإصلاح: لم تنته الحاجة إلى الإصلاح والتَّغيير.
هذه عناوين لا تنتهي، فإذن لا زالت الحاجة إلى الصِّديقة الطَّاهرة فاطمة (عليها السَّلام)، ولا زالت الحاجة إلى زينب (عليها السَّلام)، ما دامت الحاجة مستمرَّة إلى هذه الأبعاد، فالحاجة إلى هذه الشَّخصيَّات تكون مستمرَّة.
- البعد المتغيِّر (بقيَّة مسارات الحياة)
هناك بُعدٌ متغيِّر، كما في بقيَّة المسارات الحياتيَّة، ففي هذه المسارات يمكن أن يتم التَّعاطي مع الحاضر.
فلا نتعاطى مع التَّاريخ في المتغيِّرات، أمَّا في الثَّوابت فتبقى الزَّهراء (عليها السَّلام) نموذجًا، وتبقى الحوراء (عليها السَّلام) نموذجًا، هذه نماذج تبقى ما دامت القِيم والمرتكزات الأساس باقية.
- فالحاجة إلى حضور النَّماذج مستمرَّة في كلِّ زمان ومكان، ما دامت الحاجات الثَّابتة باقية، فالصِّديقة الزَّهراء (عليها السَّلام)، والحوراء زينب (عليها السَّلام) نماذج لا تتجمَّد في التَّاريخ، بل هي شخصيَّات متحرِّكة في كلِّ الأعصر والأزمان.
فمسؤوليَّة صنَّاع وعي الأجيال كـ (العلماء/ الخطباء/ الدُّعاة/ المربُّون) أنْ يملكوا القدرة على توظيف (الشَّخصيَّات القدوة) في كلِّ الأزمان.
وهنا أكرِّر التَّأكيد إنَّ مسؤوليَّة هذا الموسم (موسم العقيلة) أنْ يؤسِّس لحضور الحوراء زينب (عليها السَّلام) في كلِّ واقع أجيال المرأة، وإلَّا كان الموسم فاشلًا.
نجاح هذا الموسم بمقدار ما يُعطي للعقيلة من حضور حقيقي في حركة المرأة.
- المواسم ليست بديلًا عن المنابر
هذه المواسم ليست بديلًا عن المنابر.
فتبقى المنابر هي صوت عاشوراء ما توفَّرت على:
- الكفاءة المنبريَّة
كفاءة الخطاب، وكفاءة الكلمة، وكفاءة الطَّرح.
- الكفاءة العلميَّة
يجب أن يحمل المنبر مستوى علميًّا متقدِّمًا، حتى يتمكَّن أن يصنع أجيالًا راقية، وأجيالًا مثقَّفة، وأجيالًا واعية.
نحتاج إلى كفاءة علميَّة وفكريَّة وثقافيَّة متقدِّمة، فإنَّ أجيالنا بدأت تنهض ثقافيًّا وفكريًّا، فإذا لم يتمكَّن المنبر من أن يتابع مستويات الأجيال فإنَّه يتخلَّف ويبتعد، وتبتعد عنه الأجيال.
- الكفاءة الرُّوحيَّة والأخلاقيَّة والسُّلوكيَّة
إنَّ المنبر يُربِّي ويصنع، فإذا كان حملة المنبر لا يملكون مستوًى روحيًّا متقدِّمًا، ولا يملكون مستوًى أخلاقيًّا متقدمًا، ولا يملكون مستوًى سلوكيًّا متقدِّمًا، ولا يملكون مستوًى تقوائيًّا متقدِّمًا، فإنَّهم لن يقدروا أن يصنعوا أجيالًا إيمانيَّة، وأجيالًا تقوائيَّة، وأجيالًا روحيَّة، وأجيالًا أخلاقيَّة.
- الكفاءة الرِّساليَّة
- الدَّعوة إلى الله
- الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر
- بناء الأجيال في خُطى عاشوراء
هذه هي وظيفة المنبر.
إذن، فإنَّنا حينما ندعو للموسمة، لا نقول أنَّ هذه بديل عن المنبر، فيبقى المنبر هو الموقع الذي يحمل رسالة عاشوراء، ورسالة الحسين (عليه السَّلام)، ورسالة أهل البيت (عليهم السَّلام)، ورسالة القِيم، والمُثل، والطُّهر، والصَّلاح، والتَّقوى.
ونتمنَّى لموسمكم موسم العقيلة أن يكون موسم عطاء، وموسم فكر وثقافة، وموسم بناء، وموسم أخلاق، وموسم تقوى، وموسم جهاد.
وفَّقكم الله لكلِّ خير، وسدَّد خطاكم.
والسَّلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه.