كلمة في حفل تأبين المرحوم الوجيه الحاج عاشور حبيب (أبو ياسر) – دار كليب
هذه الكلمة للعلَّامة السَّيِّد عبد الله الغريفي في حفل تأبين المرحوم الوجيه الحاج عاشور حبيب، من قرية دار كليب، والتي تمَّ بثُّها عبر البثِّ الافتراضيِّ في يوم الخميس (ليلة الجمعة) بتاريخ: (27 ذو القعدة 1442 هـ – الموافق 8 يوليو 2021 م)، وقد تمَّ تفريغها من تسجيل مرئيٍّ، وتنسيقها بما يتناسب وعرضها مكتوبةً للقارئ الكريم.
كلمة في حفل تأبين المرحوم الوجيه الحاج عاشور حبيب (أبو ياسر) – دار كليب
أعوذ باللَّه السَّميع العليم من الشَّيطان الغوي الرَّجيم
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأفضلُ الصَّلوات على سيِّدِ الأنبياء والمرسلين سيِّدنا ونبيِّنا وحبيبنا وقائدنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ الطيِّبين الطَّاهرين المعصومين المنتجبين الأخيار الأبرار الهداة الميامين.
السَّلام عليكم أيُّها الأحبَّة جميعًا ورحمة الله وبركاته.
وبعد:
العنوان الأول: الراحلون عن هذه الدُّنيا ثلاثة
الصِّنف الأوَّل: راحلٌ رَحل ورَحل معه ذِكرُه
كان في الدُّنيا عند النَّاس مغمورًا، وبقي بعد رحيله عند النَّاس مغمورًا، أمَّا عند الله فالحساب يختلف.
فرُّبَّ مغمور عند النَّاس هو مشهور عند الله.
ورُّبَّ مشهور مشهور عند النَّاس هو مغمور عند الله.
هذا هو الرَّاحل الأوَّل عاش مغمورًا في هذه الدُّنيا، عاش منسيًّا في هذه الدُّنيا، وبقي بعد رحيله مغمورًا، وبقي منسيًّا وأمره متروكٌ إلى الله.
هذا الصِّنف الأوَّل من الرَّاحلين عن هذه الدُّنيا.
الصِّنف الثَّاني: راحلٌ رَحَلَ وبقي لعنة اللَّاعنين
بقي ذِكره ولكن بقي ذِكره ذكرًا سيِّئًا، بقي على الألسن ولكن بقي لعنةً، راحلٌ رَحَلَ وبقي لعنة اللَّاعنين.
وهذا الذي ملأ حياته بالفساد والظُّلم والشَّر وارتكاب الموبقات، وما ينتظره عند الله أشدُّ وأخزى.
الصِّنف الثَّالث: راحِلٌ رَحَلَ وبقيَ ذِكرًا طيِّبًا، وعنوانًا مشرقًا
لأنَّه ملأ حياتَه خيرًا وطُهرًا وعطاء طيِّبًا، وأعمالًا صالحة.
•في الكلمة عن أمير المؤمنين (عليه السَّلام): «لَمْ يَمُتْ مَنْ تَرَكَ أَفْعَالًا يُقْتَدَى بِهَا مِنَ الْخَيْرِ». (الكراجكي: كنز الفوائد 1/ 349)
مَنْ صنع الخير في حياته وفي حياة النَّاس هذا لا يموت، ما دام الخير باقيًّا، وما دام العطاء الطيِّب باقيًّا، وما دامت المساهمات الكريمة باقية فذكره باقٍ.
إذن، نحن أمام هذه الأصناف الثلاثة:
-راحلٌ رحل ورحل معه ذكره.
-وراحلٌ بقي لعنة على الألسن.
-وراحلٌ رحل وبقي ذِكرًا طيِّبًا، وعنوانًا مشرقًا، لأنَّه ملأ حياتَه خيرًا، وطُهرًا، وعطاء طيِّبًا، وأعمالًا صالحة.
العنوان الثَّاني: الحاج عاشور (أبو ياسر، أبو حامد)
ونحن نؤبِّنُ واحدًا ممَّن رحلوا عن هذه الدُّنيا، وبقي ذكرًا طيِّبًا، وعنوانًا مشرقًا؛ لأنَّه ملأ حياته خيرًا وطُهرًا.
إنَّه الحاج عاشور (أبو ياسر/ أبو حامد) (رحمة الله عليه)
الحاج عاشور (أبو ياسر، أبو حامد) واحدٌ ممَّن رحلوا وبقوا ذِكرًا طيِّبًا، وعنوانًا مشرقًا، وتركوا أفعالًا من الخير يُقتدى بها.
أتناول بعض الأبعاد وأنا أؤبِّن هذا العبد الصَّالح، هذا الإنسان الطيِّب الكريم، المملوء إيمانًا وصدقًا، هنا أتناول مجموعة نقاط:
النقطة الأولى: لقد أحدث رحيله هزّة في نفوس المؤمنين
تأثَّر النَّاس أيَّما تأثُّر، بكوه أيَّما بكاء؛ لأنَّه كان في قلوب النَّاس، لأنَّه كان في عقول النَّاس، لأنَّه كان في مشاعر النَّاس، في وجدان النَّاس، في حياة النَّاس، فمن الطبيعي أن تبكيه العيون، ومن الطبيعي أن تُذرَف عليه الدُّموع، ومن الطبيعي أن يُحدِث رحيله هزَّة في نفوس المؤمنين، وأن يترك لوعةً كبيرة، وأن يترك أسى وحزنًا، فدمعت من أجله العيون وتأوَّهت القلوب، ولكنَّ الأمر لله، فــ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ﴾ (الرَّحمن/ 26)، و﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾ (العنكبوت/٥٧)، فــ﴿إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ (البقرة/١٥٦).
النقطة الثَّانية: علاقتي مع الحاج عاشور قديمة، امتدت لسنين طويلة
ليست علاقة طارئة، وليست علاقة سنوات قليلة، بل منذ زمن طويل، ومنذ سنوات طويلة بدأت هذه العلاقة يوم تعرَّفتُ عليه وتعرَّف عليَّ، فالعلاقة ممتدَّة، إنَّ علاقتي مع أبي ياسر وأبي حامد علاقة قديمة ومتجذِّرة وقويَّة، علاقة قديمة امتدَّت لسنين طويلة، وجدتُه فيها (نموذجًا) راقيًا جسَّد أسمى معاني (الأخوَّة والصّداقة الإيمانيَّة).
كم صاحبنا من النَّاس، وكم عاشرنا من النَّاس، وكم تشكَّلت صداقات، وكم تشكَّلت علاقات، وكم تشكَّلت أُخوَّات، لكنَّها تتهاوى؛ لأنَّها لم تُرسم على أساسٍ من الصِّدق والأمانة والحبِّ الخالص لله، فإنَّ هذه العلاقات تنتهي وتموت، وإن عمَّرت بعض الزَّمن إلَّا أنَّها تنتهي.
أما العلاقة القائمة على أُسس الإيمان، وعلى أسس الخير والصَّلاح والتَّقوى، هذه علاقة تبقى متجذِّرة، وتبقى ثابتة، وتبقى متحرِّكة لا تموت ولا تنتهي.
ولذلك أنا وجدت في هذا العبد الصَّالح نموذجًا راقيًا جسَّد أسمى معاني (الأُخوَّة والصَّداقة الإيمانيَّة).
كان صادقًا كلَّ الصِّدق، وفيًّا كلَّ الوفاءً، نقيًّا كلَّ النَّقاء، نبيلًا كلَّ النُّبل، مخلصًا كلَّ الإخلاص، طاهرًا كلَّ الطُّهر.
كم امتلأت الذَّاكرة بعلاقات، وكم امتلأت الذَّاكرة بصداقات، لكنَّها تتلاشى وتنتهي، تبقى في الذَّاكرة زمنًا ثمَّ تنتهي ثمَّ تموت ثمَّ تتلاشى، وإذا كان لذاكرتي أنْ تحتفظ بأصدقاء أوفياء فالحاج عاشور واحد منهم، بل من أبرزهم.
الحاج عاشور (رحمة الله عليه) واحد من هؤلاء الذين بقوا متمركزين في الذَّاكرة، ولا يخرجون عنها، واحدٌ منهم، بل من أبرزهم.
فمن الصَّعب جدًّا جدًّا أنْ يغيب عن الذَّاكرة، وأن يغيب عن الوجدان.
هكذا هم الأخوة الأوفياء النُّبلاء الصُّلحاء.
النقطة الثَّالثة: وهذا يفرضُ عليَّ أنْ أقابل وفاءَه بشيئ من الوفاء، وقد رحل من هذه الدُّنيا؟
كان وفيًّا في صداقته، كان صادقًا في علاقته، كان نقيًّا في أُخوَّته، فبماذا أقابله؟
لكي أفي له بشيئ بسيطٍ بسيطٍ من الوفاء:
4-سوف يبقى – إنْ شاء الله – في ذاكرتي لن أنساه، فهو أبرز من سيبقون في ذاكرتي، ولن يغيب عنها.
2- وسوف يبقى – إنْ شاء الله – في وجداني.
3- وسوف يبقى – إنْ شاء الله – في فكري.
4- وسوف يبقى – إنْ شاء الله – في دعائي.
ربما بعض النَّاس يبقون في الذَّاكرة، لكنَّهم لا يبقون في الوجدان، وجدان المشاعر، وجدان العواطف، وجدان الأحاسيس.
الأوفياء، الأحبَّاء، الصَّادقون كما يتمركزون في العقل، يتمركزون في الوجدان، وفي القلب، وفي الضَّمير، وفي المشاعر.
هكذا سيبقى الحاج عاشور في ذاكرتي.
وهكذا سيبقى الحاج عاشور في وجداني.
وهكذا سيبقى الحاج عاشور في فكري، وفي ثقافتي.
وهكذا سيبقى الحاج عاشور في دعائي إن كان لي دعاء يُسمع، أو عبادة تُقبل فسيبقى في دعائي وسيبقى في ذكري وسيبقى في تلاوتي وسيبقى في عبادتي، لأنَّه أصبح جزءًا من العقل، وأصبح جزءًا من الوجدان، وأصبح جزءًا من المشاعر.
ولعلِّي بهذا أكون قد أدَّيت له بعض الوفاء، فإخوة من هذا الطِّراز لهم حقوق كثيرة كثيرة في حياتهم وبعد رحيلهم، فأسأل الله تعالى أنْ يوفِّقني أنْ أؤدِّيَ لهذا العبد الصَّالح بعضًا من حقوقه، وبعضًا من وفائه، وبعضًا من أخوَّته، وبعضًا من إخلاصه.
النقطة الرَّابعة: الحاج عاشور شخصيَّة إيمانيَّة متميِّزة هكذا عرفته
شخصيَّة إيمانيَّة ليست مصطنعة، فهناك من يصطنع الإيمان، وهناك من يصطنع الصَّلاح، ولكنَّه لم يكن كذلك، فقد عرفته صادق الإيمان.
•كان يحمل إيمانًا نقيًّا.
•وكان يحمل روحانيَّةً صافية.
•وكان يحمل خُلُقًا شفَّافًا يجذبك إليه جذبًا وبلا تكلُّف.
•وكان يحمل تقوى وورعًا شاخصين في حياته وسلوكه.
كان يعشق مجالس العلماء.
كيف تشكَّل إيمانه؟ كيف تشكَّل ورعه؟ كيف تشكَّلت روحانيَّته؟ كيف تشكَّل خُلُقه؟ كيف تشكَّلت تقواه؟ لأنَّه كان يعشق مجالس العلماء، وكان يعشق مجالس الذِّكر والعبادة، وكان يعشق مجالس الحسين (عليه السَّلام).
وهكذا انصاغت شخصيَّته، وهكذا تكوَّنت شخصيَّته، شخصيَّة إيمانٍ، وشخصيَّة روحانيَّةٍ، وشخصيَّة شفافيَّةٍ وشخصيَّة تقوى.
النقطة الخامسة: الحاج عاشور كان من النَّاشطين في خدمة (أهداف الدِّين)
نقطة أخرى يجب أن ندرسها في حياة الرَّاحل الطيِّب: الحاج عاشور (رحمة الله عليه) كان من النَّاشطين في خدمة (أهداف الدِّين)
كان نشطًا، وكان يعمل لا من أجل أن يشتهر، ولا من أجل أن يحصل على ثناء النَّاس ومدح النَّاس، كان صادقًا.
انطلاقًا من:
أ-وعيه الدِّيني: كان يملك وعيًا إيمانيًّا.
ب- صدقه الإيماني: كان يملك صدقًا إيمانيًّا.
ج-التزامه العملي: كان يملك التزامًا عمليًّا.
كيف تتشكَّل عناصر الشَّخصيَّة الإيمانيَّة؟
تتشكَّل من خلال ثلاثة مرتكزات:
أ-الوعي
ب-الإيمان
ج-الالتزام
ثلاثة مرتكزات إذا تشكَّلت تكوَّنت الشَّخصيَّة الإيمانيَّة: وعيٌّ يُستقى من الدِّين، وإيمانٌ راسخٌ في العقل وفي القلب وفي الوجدان، وسلوكٌ عمليٌّ متمثِّل.
-لا قيمة لانتماءٍ لا يملك وعيًا.
ينتمي إلى الدِّين كثيرون ولكن لا يملك هذا الانتماء وعيًّا، فلا قيمة كبيرة له، كلَّما ارتقى مستوى الوعي ارتقى مستوى الانتماء، وكلَّما ارتقى مستوى ثقافة الإنسان الإيمانيَّة الدِّينيَّة ارتقى مستوى الانتماء.
-ولا قيمة لوعي لا يصنع إيمانًا.
نحتاج إلى الوعي، الوعي الذي يصنع الإيمان، لا من أجل أن نشكِّل ثقافة، فالثَّقافة التي لا تُنتج إيمانًا لا قيمة لها، فنحتاج إلى ثقافة ومفاهيم تصنع إيمانًا.
-ولا قيمة لإيمانٍ لا يتحوَّل التزامًا عمليًّا.
إيمانٌ يبقى في العقل، وإيمانٌ يبقى في الوجدان ولا يتحوَّل سلوكًا، ولا يتحوَّل ممارسة، ولا يتحوَّل أعمالًا متحرِّكة، هذا إيمانٌ متكلِّسٌ جامدٌ لا قيمة له.
فقيدنا الكبير الحاج عاشور وظَّف حياته في خدمة أهداف الدِّين، وما كان يبحث عن شهرة وجاه ومتاع دنيا، كان يطمع في ثواب الله وفي عطاء الله، وهكذا المخلصون الصَّادقون.
النقطة السَّادسة: الحاج عاشور ودوره الاجتماعي
دوره الاجتماعي دورٌ متميِّز جدًّا.
الحاج كانت حياته عطاءًا دائمًا.
عاش معاناة البائسين والمحرومين.
وما كان يرى في خدمة النَّاس مجرَّد عملٍ تطوُّعي، بل يراه عملًا عباديًّا، بل عملًا جهاديًّا.
لقد أدمنَّا أن نُطلق على هذه الأعمال عنوان: (الأعمال التَّطوعيَّة)، ولكنَّ المسألة في منظور الإنسان المؤمن المتديِّن أكبر، فالمسألة عبادة، وجهاد، فما كان يرى في خدمة النَّاس مجرَّد عملٍ تطوُّعي، بل يراه عملًا عباديًّا، بل يراه عملًا جهاديًّا.
•سُئل رسولُ الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «مَنْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللهِ؟
قَالَ [صلَّى الله عليه وآله وسلَّم]: أَنْفَعُ النَّاسِ لِلنَّاسِ». (الكليني: الكافي 2/164، ح 7.)
«مَنْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللهِ؟»، ما هو الموقع المتقدِّم في حبِّ الله، فإنَّ (أحبُّ النَّاس) عنوان كبير.
«مَنْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللهِ؟».
فقال (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «أَنْفَعُ النَّاسِ لِلنَّاسِ».
الذي ينفع النَّاس، والذي يُعطي من حياته للنَّاس، والذي يخدم النَّاس، فكلَّما ارتقى مستوى نفع النَّاس ارتقى موقع الحبِّ عند الله.
أحبُّ النَّاس وأحبُّ العباد إلى الله هو أنفعهم لعباد الله وأنفعهم للنَّاس.
•وقال (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «مَنْ سَرَّ مُؤْمِنًا فَقَدْ سَرَّنِي، وَمَنْ سَرَّنِي فَقَدْ سَرَّ اللهَ». (الكليني: الكافي 2/188، ح 1.)
•وقال أمير المؤمنين (عليه السَّلام): «قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): إنَّ للهِ عبادًا مِنْ خَلقِهِ يَفزَعُ النَّاسُ إليهم في حوائِجهِم، أولئِكَ هُمْ الآمِنونَ مِنْ عَذابِ اللهِ». (الطبرسي: مشكاة الأنوار 2/297، ح 1836/9.)
«إنَّ للهِ عبادًا مِنْ خَلقِهِ يَفزَعُ النَّاسُ إليهم في حوائِجهِم، …».
النَّاس في حاجاتهم يفزعون إلى نمط من البشر، فهناك نمط من النَّاس قد تصدَّى لقضاء حوائج النَّاس، وقد تصدَّى للاستجابة لهموم النَّاس، وآلام النَّاس، وأوجاع النَّاس.
«…، أولئِكَ هُمْ الآمِنونَ مِنْ عَذابِ اللهِ».
هؤلاء لهم مقام كبير عند الله، بقدر ما يعطون للنَّاس ويقضون حوائج النَّاس سواء مِنْ عندهم، أم مِنْ عند غيرهم، فربما الإنسان لا يملك مالًا لكنَّه يستطيع أن يوفِّر للمحتاجين أموالًا، ربما الإنسان لا يملك جاهًا لكنَّه يستطيع أن يحقِّق من خلال علاقته بالوجهاء أن يحقِّق للنَّاس أهدافًا وقضايا.
«إنَّ للهِ عبادًا مِنْ خَلقِهِ يَفزَعُ النَّاسُ إليهم في حوائِجهِم، أولئِكَ هُمْ الآمِنونَ مِنْ عَذابِ اللهِ».
•وقال الإمام الصَّادق (عليه السَّلام): «مَنْ قَضَى لأخيهِ المؤمنِ حاجَةً قَضَى اللهُ عزَّ وجلَّ لَهُ يَومَ القِيامَةِ مِائةَ ألفِ حاجَةٍ مِن ذلكَ، أوَّلُها الجَنَّةُ». (الرَّيشهري: ميزان الحكمة 2/484، ح 4623)
•وفي الحديث عن أَبي الحَسَنِ (عليه السَّلام) يَقُولُ: «إِنَّ لِلَّهِ عِبَادًا فِي الْأَرْضِ يَسْعَوْنَ فِي حَوَائِجِ النَّاسِ، هُمُ الْآمِنُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ وَمَنْ أَدْخَلَ عَلى مُؤْمِنٍ سُرُورًا، فَرَّحَ اللهُ قَلْبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». (الكليني: الكافي 2/197، ح 2)
إذن، مسألة قضاء حوائج النَّاس، وأن يعيش الإنسان هموم النَّاس ليست مجرَّد عمل تطوُّعي عادي، بل هو عمل في مستوى العبادة الكبرى، وهو عمل في مستوى الجهاد الأعظم.
فقيدنا الحاج عاشور كم وظَّف حياته، وكم وظَّف قُدراته الماديَّة والمعنويَّة، بالكلمة، والقول، والفعل؛ من أجل قضاء حوائج النَّاس.
كان يعيش هموم النَّاس، كان يتحسَّس حوائج النَّاس، كان يتألَّم لآلام النَّاس، كان يتوجَّع لأوجاع النَّاس، هذا سيكون آمنًا بلا إشكال يوم القيامة.
فإذن وظَّف حياته وقدراته الماديَّة والمعنويَّة، ووظَّف أقواله وأفعاله في قضاء حوائج النَّاس.
ما كان يبتغي شهرةً أو جاهًا، ربما من النَّاس من يعمل ويخدم من أجل أن يشتهر، من أجل أن يقول النَّاس: فلان يسعى ويقضي حوائج النَّاس.
فقيدنا الكبير كما عرفته وكما هو ظاهره كان لا يبحث عن شهرة، كان يبحث عن عطاء الله وعن ثواب الله، كان يبحث عن الثَّواب والأجر، ما كان يبحث عن شهرة وجاه.
النقطة السَّابعة: مسؤوليَّة الذّين عرفوا الحاج عاشور، ومسؤوليَّة الذين أعطاهم من جهده وخدماته
كثيرون عرفوه، وكثيرون تشكَّلت بينهم وبينه علاقات، هؤلاء يتحمَّلون مسؤوليَّة بعد رحيله:
أوَّلًا: أنْ لا ينسوه في صلواتهم ودعواتهم وأعمال البِّر والصَّدقات، وفي كلِّ مجالات الطَّاعة
في مجالات طاعاتهم، عباداتهم، أعمالهم الخيريَّة، فليذكروه هذا الذِّكر الحسن المبارك، نذكر هذه النَّماذج التي أعطت من وجودها ومن حياتها ومن كلِّ قدراتها.
ونحن نتصدَّق نذكرهم، ونحن نصلِّي نذكرهم، ونحن ندعو الله نذكرهم، ونحن نقرأ القرآن نذكرهم، ونحن نحجُّ نذكرهم، ونحن نعتمر نذكرهم، ونحن نزور العتبات المقدَّسة نذكرهم، هذا واجب، وهو جزء من الحقِّ الذي لهم، كما كانوا الحاضرين عند النَّاس وفي حياة النَّاس، يجب أن لا يغيبوا عن الذَّاكرة وعن العبادة.
ثانيًا: أن يترسَّموا منهجه في العمل والعطاء والبذل
وهذا أفضل تخليد وإحياء، أنا حينما أريد أن أخلِّد الحاج عاشور فليس بالكلام فقط أتحدَّث عنه، مع أنَّ هذا مطلوب، لكن حينما نقتدي بالسِّيرة سيرة العطاء وسيرة الهمِّ الإيماني والهمِّ الرِّسالي والهمِّ الاجتماعي، هذا هو تخليد حقيقي.
حينما يصبح قدوة ومَثَلًا نُدخل عليه الثَّواب، وحينما نقتدي بسيرته، وحينما نصنع أناسًا يقتدون بسيرته فنكون قد أعطيناه مزيدًا من الثَّواب، ومزيدًا من الأجر، ومزيدًا من الحسنات والدَّرجات.
هذا ثانيًا: أن يترسَّموا منهجه في العمل والعطاء والبذل، وهذا أفضل تخليد وإحياء.
ثالثًا: أنْ يُعرِّفُوه للأجيال التي لم تعاصره
نحن قد عرفناه، لكنَّ أجيالنا الجديدة لم تعرفه ولم تعاصره، فمِن حقِّه علينا ونحن الذي عاصرناه وعشناه وعرفناه أن نعرِّفه للنَّاس، نقول: فلان كان نموذجًا رائعًا طيِّبًا في الصِّدق، في الإيمان، في العطاء، في العمل، في النَّشاط.
النقطة الثَّامنة: الشَّخصيَّات التي تُشكِّل (قُدوَات صالحة) يجب أن تُجذَّر في (وعي الأجيال)، وفي (وجدان الأجيال)، وفي (سلوك الأجيال)، وفي (حراك الأجيال)
هذا عمل إيماني مبارك، أيُّ شخصيَّة تمثِّل قدوة صالحة للنَّاس يجب أن نجذِّرها في (وعي الأجيال)، ويجب أن نجذِّرها في (وجدان الأجيال)، وفي (سلوك الأجيال)، وفي (حراك الأجيال).
– ولا تبني الأجيال كما تبنيها (القُدْوات الصالحة)
هذه أفضل وسيلة لبناء الأجيال بناءً صالحًا أن نقدِّم لهم نماذج صالحة، ربما الإرشادات لا تصنعهم، وربما الكلمات لا تصنعهم، لكن تصنعهم القدوة الصَّالحة.
أنا حينما أقدِّم إلى أبنائي قدوة صالحة، وأنا حينما أقدِّم للنَّاس قدوة صالحة، أنا أصنع صلاحًا وأصنع نماذج طيِّبة.
فلا تبني الأجيال كما تبنيها (القُدْوات الصالحة).
– ولا تُدمَّر الأجيال كما تُدمِّرها (القُدْوات الفاسدة)
– فقيدنا الغالي (الحاج عاشور) واحد من هذه (القدوات الصَّالحة)
– ليس بالضَّرورة أنْ يكون القدوة (فقيهًا)، أو (عالمًا دينيًّا)، أو (مفكِّرًا كبيرًا)، القدوة هو (النَّموذج الصَّادق لقيم الدِّين) في أيِّ موقع كان.
قد يكون فلَّاحًا، وقد يكون راعي غنم، وقد يكون بقَّالًا، لكنَّه قدوة في تمثُّله للدِّين، وفي أخلاق الدِّين، وفي التَّقوى، وفي الصَّلاح.
صحيحٌ أنَّ القدوة العليا هو رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، ثمَّ الأنبياء والأولياء، ثمَّ الأمثل فالأمثل.
•{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ …}. (الأحزاب/21)
•{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ …} (الممتحنة/4)، (إبراهيم أسوة، ومن معه أسوة).
إلَّا أنَّ أيَّ عبدٍ صالحٍ هو قدوة وأسوة.
ووجود (القدوات الصَّالحة) في أيِّ زمان هو نعمة من نعم الله، وعامل من عوامل هداية البشر، كما هي حجَّة على النَّاس.
النقطة التَّاسعة: تأبين واحد من (القُدُوات الصَّالحة)
في هذا اللِّقاء الطيِّب نؤبِّن واحدًا من (القدوات الصَّالحة) الحاج عاشور رحمه الله وأسكنه الفسيح من جنانه مع الأولياء الصَّالحين، ونكرِّر العزاء إلى أسرته وأولاده وكلِّ عارفيه ومحبِّيه. وأتمنَّى أنْ ينهض أولاده (الشِّيخ حامد وإخوته) بالموروث من العطاء الكبير للرَّاحل.
أنتم يا أولاد الرَّاحل، أنت يا شيخ حامد وإخوتك انهضوا بالموروث من العطاء الكبير للرَّاحل الكبير، وهذا أعظم البِّر.
ووفَّق الله القائمين على هذا التَّأبين، وشكر الله سعيهم، وجزاهم الله خير الجزاء، فهذا بعضٌ من الوفاء للرَّاحل الكبير.
وآخر دعوانا أن الحمد الله ربِّ العالمين.
والفاتحة إلى روح الفقيد:
{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} (الفاتحة/1-7)