نفحات رمضانيَّة (24) قراءة في البَرْمَجة مِن جديد (1)
هذه الكلمة للعلَّامة السَّيِّد عبد الله الغريفي، وهي الحلقة الرَّابعة والعشرون ضمن البرنامج اليومي (نفحات رمضانيَّة)، والذي تمَّ بثُّها في شهر رمضان المبارك 1442هـ، عبر البثِّ الافتراضيِّ في يوم الجمعة بتاريخ: (24 شهر رمضان 1442 هـ – الموافق 7 مايو 2021 م)، وقد تمَّ تفريغها من تسجيل مرئيٍّ، وتنسيقها بما يتناسب وعرضها مكتوبةً للقارئ الكريم.
قراءة في البَرْمَجة مِن جديد
أعوذ باللَّه السَّميع العليم من الشَّيطان الغوي الرَّجيم
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأفضلُ الصَّلوات على سيِّدِ الأنبياء والمرسلين سيِّدنا ونبيِّنا وحبيبنا وقائدنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ الطَّيِّبين الطَّاهرين.
السَّلام عليكم أيُّها الأحِبَّة ورحمة الله وبركاته.
عنوان الكلمة:
قراءة في البَرْمَجة مِن جديد
لَعَلَّنَا تحدَّثنا في حديثٍ سابق عن ضرورة البَرْمَجة لشهر رمضان، ونحن على مشارف النِّهاية من الشَّهر الفضيل وفي العشر الأواخر مطلوب مِنَّا أن نُعيدَ حِساباتنا مع البَرْمَجة.
كم برمجنا؟
عشرون يومًا مضت من شهر رمضان، كم برمجنا مِن تلك الأيام؟
وكم حقَّقنا من برنامجنا في شهر رمضان؟
هل برمجنا؟
هل نجحنا في البَرْمَجة؟
هل حقَّقنا مفردات البَرْمَجة؟
•إنَّ الإمام الصَّادق (عليه السَّلام) كان يقول في كلِّ ليلة مِن العشر الأواخر بعد الفرائض والنَّوافل: «اللهُّمَ أَدِّ عَنّا [اقض عَنَّا] حَقَّ ما مَضى مِنْ شَهْرِ رَمَضانَ وَاغْفِرْ لَنا تَقْصِيرَنا فِيْهِ، وَتَسَلَّمْهُ مِنّا مَقْبُولًا، وَلا تُؤاخِذْنا بِإِسْرافِنا عَلى أَنْفُسِنا، وَاجْعَلْنا مِنَ المَرْحُومِينَ وَلا تَجْعَلْنا مِنَ المَحْرُومِينَ». (القُمِّي: مفاتيح الجنان، ص 227)
إنَّها إعادة حساب مع البرنامج الرَّمضاني، فقد أكون قد قصَّرت في الأيام العشرين الماضية مِن شهر رمضان، فلم أقم بعمليَّة البَرْمَجة لِشهر رمضان، أو لم أطبِّق شيئًا من برنامجي، فعليَّ التَّدارك في العشر الأواخر، فقد بقيت أيام أستطيع من خلالها أنْ أُعيد كلّ حسابات البَرْمَجة، وأنْ أطبّق ما أستطيع تطبيقه.
1- سؤال في غاية الأهميَّة، نطرحه على أنفسنا ونحن نبدأ العشر الأواخر:
هل استطعنا أنْ نبرمج لِلشَّهر الفضيل؟
والبَرْمَجة تعني: تنظيم الجهد والوقت.
هناك وقتٌ نظَّمته، وجهدٌ نظمَّته، وهناك طاقةٌ نظَّمتها، هذا ما نسمِّيه برمجة.
هناك من يُمضي الوقت بلا تخطيط، فهذا ليس لديه برمجة، وهناك من يستهلك الجهد والطَّاقة بلا تخطيط، فهذا أيضًا ليس لديه برمجة.
أمَّا إذا قمتُ بحسابِ الوقت، وحسابِ الجهد، وحسابِ الطَّاقة، وإعادة صياغة العلاقة مع الوقت والجهد والطَّاقة، فأكون بذلك قد قمت بعمليَّة البَرْمَجة، فقد برمجت لحركتي مع الزَّمن ومع القدرات التي أملكها، وهذا ما نسمِّيه بالبَرْمَجة.
فأسأل نفسي وأنا أبدأ العشر الأواخر: هل برمجت؟
هل استطعت أنْ أبرمج لِلشَّهر الفضيل؟
وكم طبَّقت مِن البَرْمَجة؟
هذا هو السُّؤال الجادّ الصَّادق.
فإذا طرحت على نفسي هذا السُّؤال، سيأتي الجواب بأحد احتمالات.
حينما أطرح على نفسي هذا السُّؤال وأنا في العشر الأواخر: هل برمجت؟
هل طبقت؟
سيأتي الجواب: 1، 2، 3، 4.
أ- لم أستطع
الاحتمال الأوَّل أن يكون الجواب: لا، لم أبرمج ولم أطبِّق.
ربما برمجت لكن لم أطبِّق، هذا جواب، وجواب مؤلم.
وهذا يحتاج إلى صراحة مع النَّفس، أنت والله ونفسك، لا أحد معكم، هنا حسابات مع الله، هنا حسابات مع النَّفس مع الذَّات.
لم أطبِّق لم أبرمج، هذا هو الجواب الأوَّل.
ب- استطعت بدرجة منخفضة
الجواب الثَّاني: استطعت أن أبرمج وأن أطبِّق بدرجة منخفضة جدًّا، برمجت ولكن بدرجة منخفضة، طبَّقت ولكن بدرجة منخفضة.
طبعًا هذه حالة أفضل من الحالة الأولى، ففي الحالة الأولى هناك غياب مطلق للبرمجة وللتَّطبيق، أمَّا هنا فتوجد برمجة بسيطة، وهنا يوجد تطبيق بسيط، هذا هو الجواب الثَّاني.
ج- بدرجة متوسطة
الجواب الثالث: استطعت أن أبرمج بدرجة متوسِّطة.
ليس بدرجةٍ منخفضةٍ، ولا بدرجةٍ عاليةٍ، وإنَّما بدرجة متوسطة.
واستطعت أن أطبِّق بدرجة متوسِّطة.
د- بدرجة مقبولة
الحالة الرَّابعة هي الحالة المثلى، فقد استطعت أن أبرمج بدرجة مقبولة.
وهنا الدَّرجة المقبولة ترتفع وقد تصل إلى درجة الامتياز.
برمجت بدرجة امتياز، وطبَّقت بدرجة امتياز.
2- أنْ نبرمج لما تبقَّى من أيام وليالي الشَّهر الفضيل
ولنفترض أنَّنا لم نطبِّق، قصَّرنا، فرَّطنا في البَرْمَجة، فرَّطنا في التَّطبيق، فهل هناك فرصة؟
نعم، الفرصة لا زالت موجودة بأن نبرمج لما تبقَّى من أيام وليالي الشَّهر الفضيل، فالمطلوب أن نعيد البَرْمَجة ولو في الأيام الأخيرة من شهر رمضان، وبذلك نتدارك ما صدر من تقصير طيلة الأيام المنصرمة، فتكون هناك برمجة ويكون هناك تطبيق.
فقرات ومقاطع برنامج الشَّهر الفضيل
المقطع الأوَّل: المقطع العِبادي
ما هو مقدار تعاطينا مع الصَّلاة، ومع العِبادة؟
أ- التَّعاطي مع الصَّلاة الفريضة
ما هو مقدار حرصنا على أداء الفريضة في أوقاتها؟
ب- التَّعاطي مع الصَّلاة المندوبة
كم أدَّينا من نوافل مستحبَّة، راتبة أو غير راتبة؟
– الرَّاتبة ومنها (صلاة اللَّيل)
كم أدَّينَا من صلاة اللَّيل؟
– غير الرَّاتبة (صلاة جعفر/ صلاة الوصيَّة)
ونحن بحاجة لمحاسبة الصَّلاة، لِما لها من قيمة عظمى في شهر رمضان، فهي تُعادل سبعين ضعفًا.
ج- التَّعاطي مع الذِّكر والدُّعاء
فأنا بحاجة إلى أن أحاسب العِبادة المُتمثِّلة في الذِّكر، كم كنت أذكر الله؟
إنْ كنتُ مفرِّطًا، ولم أكن ذاكرًا لله، فعليَّ التَّدارك الآن.
وإنْ لم أكن قد توجَّهت لله بالدُّعاء، ولم أقرأ ما ورد من الأدعية فعليَّ التَّدارك الآن.
د- التَّعاطي مع التِّلاوة
فأنا بحاجة إلى أن أحاسب العِبادة المُتمثِّلة في التِّلاوة لكتاب الله تعالى، كم كنت أتلو كتاب الله؟
فإنْ كنتُ مفرِّطًا، ولم أكن تاليًا لكتاب الله، فعليَّ التَّدارك الآن.
هذا ما يتَّصل بالمقطع العِبادي، فلا بدَّ أن أُعيد برمجة الوضع العِبادي فيما تبقَّى من الشَّهر.
المقطع الثَّاني: المقطع الثَّقافي
لقد قلنا بأنَّ برنامج شهر رمضان ليس صلاة فقط، وليس ذِكر فقط، وليس تلاوة قرآن فقط، رغم أهميَّة المقطع العِبادي، فهو الذي يشحننا بالرُّوحيَّة، ويشحننا بالعلاقة مع الله.
فإذا لم يكن هناك شحن روحي فإنَّ المقاطع الأخرى تكون جافَّة، ولا يعني ذلك أن ننحصر في البُعد العِبادي، إنَّما هو منطلق.
فهناك المقطع الثَّقافي، وهو مُهِمٌّ أيضًا في شهر رمضان.
كم تثقَّفت؟
كم تعلَّمت؟
كم تفقَّهت؟
كم حضرت محاضرة دِينيَّة؟
كم حضرت درسًا دِينيًّا؟
كم استمعت إلى برنامجٍ دِيني؟
هذه الأعمال لا تقلُّ عن الذِّكر إنْ لم تكن تتفوَّق عليه.
•عن أمير المؤمنين (عليه السَّلام) قال: «إذا جَلَسَ المُتَعَلِّمُ بَينَ يَدَيِ العالِمِ فَتَحَ اللهُ لَهُ سَبعينَ بابًا مِنَ الرَّحمَةِ، ولا يَقومُ مِن عِندِهِ إلَّا كَيَومَ وَلَدَتهُ امُّهُ، وأعطاهُ بِكُلِّ حَديثٍ عِبادَةَ سَنَة، ويبني بِكُلِّ وَرَقَةٍ مَدينَةً مِثل الدُّنيا عَشرَ مَرّاتٍ». (الديلمي: إرشاد القلوب، 1/166)
هذه الفيوضات لا تتحقَّق بمجرّد الذِّكر، وبمجرّد التِّلاوة.
كم هو ثواب التَّثقُّف الدِّيني، والتَّعلم الدِّيني؟
إنَّه من أضخم العِبادات.
فكم تثقَّفت في شهر رمضان؟
وكم تعلَّمت؟
إنَّه مقطع مُهِمٌّ جدًّا فلا بدَّ أن أعيد حساباتي مع ما تبقَّى من أيام الشَّهر الفضيل.
أقرأ في كتاب، أسأل، أستمع إلى برنامج دِيني.
ولله الحمد فإنَّ البرامج الدِّينيَّة متوفِّرة، وأدوات التَّواصل موجودة، وفرص التَّثقُّف والتَّعلُّم الدِّيني موفَّرة.
كم حقَّقت؟
كم أدَّيت؟
كم قصَّرت؟
المقطع الثَّالث: المقطع الرُّوحي
كيف أُربِّي روحي؟
كيف أُثقِّف روحي؟
كيف أُربِّي قلبي ووِجداني؟
هناك دروس أخلاق، وهناك كتب أخلاق، وهناك برامج أخلاقيَّة، وهناك جلسة محاسبة.
هذه كلّها تُربِّي الرُّوح، وتُربِّي القلب، وتُربِّي الوجدان، وتُربِّي الضَّمير.
فإذا كنت مقصرًا طِيلة عشرين يومًا، ولم تمارس بناءً روحيًّا أو تربية روحيَّة فعليك الآن القيام بذلك.
المقطع الرَّابع: المقطع الأخلاقي
كم ارتقيت بمستوى أخلاقي في شهر رمضان؟
هل استطعت أن أصوغ أخلاقي وفق ما يريد الله، وتوجيهات النَّبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وأهل البيت (عليهم السَّلام)؟
هل صنعت من أخلاقي أخلاقًا ربَّانيَّة، وأخلاقًا إيمانيَّة، وأخلاقًا قرآنيَّة؟
إذا كان الأمر كذلك فأنا نجحت، وعليَّ مواصلة عملية الارتقاء الرُّوحي.
وإلَّا فلأُعيد الحِساب، وأصنع وضعي الأخلاقي من جديد.
المقطع الخامس: المقطع الاجتماعي
1-التَّواصل الاِجتماعي
كم تواصلت مع الآخرين، مع الأرحام، ومع المؤمنين؟
قد توجد صعوبة في الزِّيارات في ظلِّ الظُّروف الرَّاهنة، لكنَّ أدوات التَّواصل موجودة، فليس هناك عذر لأحد.
فقد يتعلَّل البعض بعدم القدرة على التَّواصل مع الأرحام بسبب الوباء!
نقول لهم: بأنَّ أدوات التَّواصل مفتوحة، فيمكنك التَّواصل مع الأرحام ومع المؤمنين، وذلك متاح وميَّسر وبأسهل ما يكون.
فإنَّ قطيعة الرَّحم خطيرة، ومقاطعة المؤمنين وعدم التَّواصل معهم خطيرٌ جدًّا.
إذن فالمقطع الاجتماعي هو مقطعٌ مُهِمٌّ.
2-تصفية الخلافات
وكذلك في المقطع الاِجتماعي أيضًا يجب أن أعيد حساب خلافاتي مع المؤمنين، فإذا كان هناك خلاف مع مؤمن، أحاول قبل أنْ ينتهي الشَّهر أنْ أُصحِّحه، وإلَّا تُجمَّدُ الأعمال، ويُجمَّدُ قبول العمل ما دام الخلاف بين المؤمنين.
•ورد في الحديث: «…، يُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ مُؤمنٍ إلَّا عَبدًا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: اترُكوا عَمْلَ هَذين حَتَّى يَصْطَلِحَا، …». (الطوسي: الأمالي، ص 549)
•وفي الحديث: «…، فَإِذا كانَت لَيلَةُ القَدرِ أمَرَ اللهُ عزَّ وجلَّ جَبرَئيلَ (عليه السَّلام)، فَهَبَطَ في كَتيبَةٍ مِنَ المَلائِكَةِ إلَى الأَرضِ، …، …، …، فَيُجاوِزانِ المَشرِقَ وَالمَغرِبَ، ويَبُثُّ جَبرَئيلُ (عليه السَّلام) المَلائِكَةَ في هذِهِ اللَّيلَةِ، فَيُسَلِّمونَ عَلى كُلِّ قائِمٍ وقاعِدٍ، ومُصَلٍّ وذاكِرٍ ويُصافِحونَهُم ويُؤَمِّنونَ عَلى دُعائِهِم حَتّى يَطلُعَ الفَجرُ، فَإِذا طَلَعَ الفَجرُ نادى جَبرَئيلُ (عليه السَّلام): يا مَعشَرَ المَلائِكَةِ، الرَّحيلَ الرَّحيلَ، فَيَقولونَ: يا جَبرَئيلُ، فَمَاذا صَنَعَ اللهُ تَعالى في حَوائِجِ المُؤمِنينَ مِن أمَّةِ مُحَمَّدٍ (صلَّى الله عليه وآله)؟ فَيَقولُ: إنَّ اللهَ تَعالى نَظَرَ إلَيهِم في هذِهِ اللَّيلَةِ فَعَفا عَنهُم وغَفَرَ لَهُم إلَّا أربَعَةً: …، مُدمِنَ الخَمرِ، وَالعاقَّ لِوالِدَيهِ، وَالقاطِعَ الرَّحِمِ، وَالمُشاحِنَ، …». (الرَّيشهري: حِكَم النَّبي الأعظم (ص)، 6/28)
إذن، حتى لا نُجمِّد أعمالنا في شهر رمضان مطلوب أن نصفِّي خلافاتنا مع إخواننا المؤمنين.
تارة تكون الخلافات قائمة على أساس مبدأي وعقيدي، فأنا أرفض الآخر لأنَّه منحرف عن دين الله، ولأنَّه منتهك لحرمات الله، ولأنَّه يمارس المعاصي.
وتارة أخرى فإنَّ الخلافات تنبع من قضايا شخصيَّة بحتة، قضايا دنيا، قضايا أموال، فهذه لا بدَّ أن تتصَّفى، وإلَّا يُجمَّدُ العَطاء الرَّمضاني المبارك.
3- قضاء الحوائج وأعمال البرِّ
وكذلك هناك موضوع الخدمات الاجتماعيَّة، فكم أدَّيت من خدمات اِجتماعيَّة في شهر رمضان؟
فإنْ كنت قد قصَّرت فهناك بقيَّة من شهر رمضان، أستطيع من خلال هذه البقيَّة أن أتدارك ما فاتني، وأعيد كلَّ ما صدر مِنّي من تقصير في الجانب العِبادي، الرُّوحي، الأَخلاقي، الاِجتماعي، الرِّسالي.
المقطع السَّادس: المقطع الرِّسالي
كم دعوت؟
كم أمرت بمعروف؟
كم نهيت عن منكر؟
كم ساهمت في برنامج دِيني؟
كم نشَّطت عملًا إسلاميًّا؟
المقطع السَّابع: المحاسبة وبناء التَّقوى والورع
يأتي دور محاسبة النَّفس، فإنَّ أقدس وأعظم عمل في شهر رمضان هو المُحاسبة.
فقرة المُحاسبة كم حقَّقت مِنها؟
كم نجحت؟
وهكذا أعيد برمجتي لِشهر رمضان.
نتابع الحديث – إنْ شاء الله تعالى -.
وآخرُ دعوانا أن الحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.