نفحات رمضانيَّة (10) الخطبة الرَّمضانيَّة تُذَكِّر بثواب الأعمال (4)
هذه الكلمة للعلَّامة السَّيِّد عبد الله الغريفي، وهي الحلقة العاشرة ضمن البرنامج اليومي (نفحات رمضانيَّة)، والذي تمَّ بثُّها في شهر رمضان المبارك 1442هـ، عبر البثِّ الافتراضيِّ في يوم الخميس بتاريخ: (10 شهر رمضان 1442 هـ – الموافق 23 أبريل 2021 م)، وقد تمَّ تفريغها من تسجيل مرئيٍّ، وتنسيقها بما يتناسب وعرضها مكتوبةً للقارئ الكريم.
الخطبة الرَّمضانيَّة تُذَكِّر بثواب الأعمال (4)
أعوذ باللَّه السَّميع العليم من الشَّيطان الغوي الرَّجيم
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأفضلُ الصَّلوات على سيِّدِ الأنبياء والمرسلين سيِّدنا ونبيِّنا وحبيبنا وقائدنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ الطَّيِّبين الطَّاهرين.
السَّلام عليكم أيُّها الأحبَّة جميعًا ورحمة الله وبركاته.
نتابع الحديث في خطبة النَّبيِّ الأعظم (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) الخطبة الرَّمضانيَّة.
المقطع السَّابع: يقول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «ومَن تَطَوَّعَ فيهِ بِصَلاةٍ كُتِبَ لَهُ بَراءَةٌ مِنَ النَّارِ»
«كُتِبَ لَهُ بَراءَةٌ مِنَ النَّارِ»: أي صكٌّ بالبراءة من النَّار.
«تَطَوَّعَ»: يعني صلَّى صلاة غير واجبة، وغير مطلوب بها.
سواءً كانت:
– نافلة راتبة
– نافلة غير راتبة
– صلوات مستحبَّة
هذه كلُّها نسمِّيها صلاة تطوعيَّة، بأن يأتي بصلاة ليس ملزمًا بالإتيان بها، ما لم تأخذ عنوان نذر، أو عهد، أو يمين، أو غير ذلك من العناوين الملزمة، فتبقى صلوات مستحبَّة، هذا يسمَّى تطوُّع.
«مَن تَطَوَّعَ فيهِ – أي في شهر رمضان – بصلاة كتب – الله – لَهُ بَراءَةٌ مِنَ النّارِ»
يُعطى وثيقة الخلاص من النَّار.
المقطع الثَّامن: «وَمَنْ أَدَّى فِيهِ فَرْضًا كَانَ لَهُ ثَوَابُ مَنْ أَدَّى سَبْعِينَ فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الشُّهُورِ»
هنا انتقل الرَّسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) إلى الفرض، يعني الصَّلوات الواجبة، فتوجد عندنا خمس صلوات واجبة تسمَّى (فرضًا): صلاة الصُّبح، صلاة الظُّهر، صلاة العصر، صلاة المغرب، صلاة العشاء.
«وَمَنْ أَدَّى فِيهِ فَرْضًا»: يعني صلاة واجبة.
«كَانَ لَهُ ثَوَابُ مَنْ أَدَّى سَبْعِينَ فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الشُّهُورِ»
أنت تصلِّي الفرائض الخمس فتُعطى من الأجر والثَّواب الشَّيئ الكبير، فالصَّلاة لها معطيات عظيمة.
•قال الإمام الصَّادق (عليه السَّلام): «الصَّلاةُ عَمودُ الدِّينِ، إنْ قُبِلَت قُبِلَ ما سِواها، وإنْ رُدَّت رُدَّ ما سِواها». (التويسركاني: لئالي الأخبار 4/10)
الصَّلاة، الصَّلاة، قرَّة عين النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم).
الصَّلاة تملأ الإنسان إيمانًا وروحًا وأنسًا باللَّه، وهي معراج المؤمن.
«من أدَّى في شهر رمضان فرضًا»
أنت تصلِّي الفرض في غير شهر رمضان فلك ما لك من الأجر العظيم، لكن أداء الفرض في شهر رمضان يتضاعف ويتضاعف الأجر.
وتصلِّي فريضة صلاة الصُّبح في غير شهر رمضان يُكتب لك من الأجر الشَّيئ الكبير، لكن أنْ تصلِّي صلاة الصُّبح في شهر رمضان فإنَّك تُعطى ثواب سبعين فريضة، هكذا يتضاعف العدد، والسَّبعين كناية عن تضاعف الثَّواب، فربَّما أكثر من سبعين.
«كَانَ لَهُ ثَوَابُ مَنْ أَدَّى سَبْعِينَ فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الشُّهُورِ».
هذا هو الفرق بين أداء الفريضة في شهر رمضان وفي غير شهر رمضان، ففي شهر رمضان يتضاعف الأجر العظيم بأداء الفريضة.
من هنا لا بدَّ من الاهتمام كلَّ الاهتمام بالفرائض، ولا ننسى النَّوافل والمستحبَّات، لكن العناية بالفريضة مطلوبة بشكلٍ مركَّز خاصَّة في شهر رمضان.
المقطع التَّاسع: يقول النَّبيُّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) في خطبته: «ومَن أكثَرَ فيهِ مِنَ الصَّلاةِ عَلَيَّ ثَقَّلَ اللّهُ ميزانَهُ يَومَ تَخَفَّفُ المَوازينُ».
الصَّلاة على الحبيب المصطفى (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) عظيمة، ولها معطيات كثيرة.
ذُكرت في الرِّوايات معطيات كثيرة أوصلها بعضهم إلى سبعين أو ثمانين معطى من المعطيات، وثمرة من ثمرات الصَّلاة على النَّبيِّ وعلى آله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم).
عظيمة هي الصَّلاة على النَّبيِّ وآله.
ورُبَّما تأتي فرصة نتحدَّث فيها عن ثمرات الصَّلاة على النَّبيِّ وآله، وعن معطيات الصَّلاة على النَّبيِّ وآله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم).
الصَّلاة على النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) في شهر رمضان لها خصوصيَّة، وكذلك في الأشهر الفضيلة لها خصوصيَّة، فمن يُكثر الصَّلاة على النَّبيِّ وآله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) في شهر رجب، وفي شهر شعبان، وفي شهر رمضان، وفي شهر ذي الحجَّة، وفي يوم الجمعة، وفي ليلة الجمعة، يتضاعف له الأجر.
الصَّلاة على النَّبيِّ محمَّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) مطلوبة في كلِّ وقت، فعلى الإنسان أن يُكثِر من الصَّلاة على محمَّد وآل محمَّد، ولا دعاء ولا عمل أفضل من الصَّلاة على محمَّد وآل محمَّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم).
•عن الإمام الرِّضا (عليه السَّلام): «مَنْ لم يقدر على ما يكفِّر به ذنوبه فليكثر من الصَّلاة على محمَّد وآل محمَّد، فإنَّها تهدم الذُّنوب هدمًا». (الصَّدوق: الأمالي، ص 131)
الصَّلاة على محمَّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) معطياتها كبيرة جدًّا، ولذلك فإنَّ من أفضل وأعظم الأعمال في شهر رمضان هو الإكثار من الصَّلاة على محمَّد وآل محمَّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم).
«مَنْ أكثر فيه من الصَّلاة عليَّ ثقَّل الله ميزانه يوم تخِفُّ الموازين».
ينتظر الإنسان يوم القيامة نتائج الميزان، الذي هو حقٌّ، فكما في الدُّعاء يقول: «وأشهد أنَّ الموت حقٌّ، ومساءلة القبر حقٌّ، والبعث حقٌّ، والنُّشور حقٌّ، والصِّراط حقٌّ، والميزان حقٌّ، والحساب حقٌّ، والكتاب حقٌّ، والجنَّة حقٌّ، والنَّار حقٌّ، وأنَّ السَّاعة آتية لا ريب فيها، وأنَّ الله يبعث من في القبور».
(القمِّي: مفاتيح الجنان، ص 160، دعاء العديلة)
فالميزان حقٌّ.
ما هو الميزان يوم القيامة؟ لا نعلم.
كيف هو الميزان؟ لا نعلم.
لكن هناك ميزان، وفيه كفَّتان: كفَّة توضع فيه الحسنات، وكفَّة توضع فيها السيئات.
فالبشرى كلُّ البشرى لمن تثقل كفَّة الحسنات عنده وتخفُّ كفَّة السَّيِّئات، والسُّوء كلُّ السُّوء والشُّؤم كلُّ الشُّؤم لمن تثقل عنده كفَّة السَّيِّئات وتخفُّ كفَّة الحسنات.
ممَّا يُثقل الميزان يوم القيامة، ويُثقل كفَّة الحسنات هو الإكثار من الصَّلاة على محمَّد وآل محمَّد.
•قال النَّبيُّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «أكثروا الصَّلاة عليَّ فإنَّ الصَّلاة عليَّ نورٌ في القبر، ونورٌ على الصِّراط، ونور في الجنَّة». (المجلسي: بحار الأنوار 79/66)
فالأثر الأوَّل للصَّلاة على محمَّدٍ وآل محمَّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) أنَّها نورٌ في القبر.
•وروي عن الإمام الصَّادق (عليه السَّلام) أنَّه قال: «إِذَا ذُكِرَ النَّبِيُّ (صلَّى الله عليه وآله) فَأَكْثِرُوا الصَّلَاةَ عَلَيْه؛ فَإِنَّه مَنْ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ (صلَّى الله عليه وآله) صَلَاةً وَاحِدَةً، صَلَّى الله عَلَيْه أَلْفَ صَلَاةٍ فِي أَلْفِ صَفٍّ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، ولَمْ يَبْقَ شَيئٌ مِمَّا خَلَقَه الله إِلَّا صَلَّى عَلَى الْعَبْدِ لِصَلَاةِ الله عَلَيْه وصَلَاةِ مَلَائِكَتِه، فَمَنْ لَمْ يَرْغَبْ فِي هَذَا فَهُوَ جَاهِلٌ مَغْرُورٌ، قَدْ بَرِئَ الله مِنْه ورَسُولُه وأَهْلُ بَيْتِه». (الكليني: الكافي 2/492، ح 3169/ 6)
«إِذَا ذُكِرَ النَّبِيُّ (صلَّى الله عليه وآله) فَأَكْثِرُوا الصَّلَاةَ عَلَيْه»
ألَّا يمرَّ ذِكر النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله) ولا يُصلَّى عليه، فلا يمر في محفل، أو على لسان، أو في كتاب، أو في أيِّ موقع يرد ذكر النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) إلَّا وأكثروا من الصَّلاة عليه.
«فإنَّه مَنْ صلَّى على النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله)، …»
انتبهوا، كم هي عطاءات الصَّلاة على النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، وكم هو ثواب الصَّلاة على النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم).
«فإنَّه مَنْ صلَّى على النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله)، …»
وأؤكِّد على إضافة الآل، وإلَّا فهي صلاة بتراء مردودة، فمن صلَّى على النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ولم يصلِّ على آله فصلاته بتراء مردودة مرفوضة.
«إِذَا ذُكِرَ النَّبِيُّ (صلَّى الله عليه وآله) فَأَكْثِرُوا الصَّلَاةَ عَلَيْه؛ فَإِنَّه مَنْ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ (صلَّى الله عليه وآله) صَلَاةً وَاحِدَةً …»
التفتوا إلى حجم الثَّواب، وحجم العطاء، وحجم الأجر والحسنات، والموقع والقيمة لمن يصلِّي على النَّبيِّ مرَّة، فكيف بمن صلَّى مائة، وكيف بمن صلى ألفًا؟
«فَإِنَّه مَنْ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ (صلَّى الله عليه وآله) صَلَاةً وَاحِدَةً صلَّى الله عليه ألف صلاة»
ألف صلاة من الله!
وتعلمون كم هو معنى صلاة الله على العبد؟ رحمته، غفرانه، رضوانه، جنَّته، عطاءاته، فيوضاته.
«صلَّى الله عليه ألف صلاة في ألف صفٍّ من الملائكة»
وكم هو عدد الصَّف من الملائكة؟ من المشرق إلى المغرب، لا يعلم ذلك إلَّا الله.
الله بجلاله وعظمته يصلِّي على من يصلَّي على النَّبيِّ (صلّى الله عليه وآله)، ويصلِّي مع الله ألف صفٍّ من الملائكة!
«ولم يبق شيئ ممَّا خلق الله»
السَّماوات، الأرضين، أشجار، طيور، حيوانات، كلُّ الوجود يصلِّي على ذلك العبد لصلاة الله عليه وصلاة ملائكته.
«صَلَّى اللَّه عَلَيْه أَلْفَ صَلَاةٍ فِي أَلْفِ صَفٍّ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، ولَمْ يَبْقَ شَيئٌ مِمَّا خَلَقه الله إِلَّا صَلَّى عَلَى الْعَبْدِ لِصَلَاةِ اللَّه عَلَيْه وصَلَاةِ مَلَائِكَتِه.
فمَن لم يَرْغَب في هذا فَهُوَ جَاهِلٌ مَغْرُورٌ، قَدْ بَرِئَ الله مِنْه ورَسُولُه وأَهْلُ بَيْتِه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)»
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.
والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.