نفحات رمضانيَّة (9) الخطبة الرَّمضانيَّة تُذَكِّر بثواب الأعمال (3)
هذه الكلمة للعلَّامة السَّيِّد عبد الله الغريفي، وهي الحلقة التَّاسعة ضمن البرنامج اليومي (نفحات رمضانيَّة)، والذي تمَّ بثُّها في شهر رمضان المبارك 1442هـ، عبر البثِّ الافتراضيِّ في يوم الأربعاء بتاريخ: (9 شهر رمضان 1442 هـ – الموافق 22 أبريل 2021 م)، وقد تمَّ تفريغها من تسجيل مرئيٍّ، وتنسيقها بما يتناسب وعرضها مكتوبةً للقارئ الكريم.
الخطبة الرَّمضانيَّة تُذَكِّر بثواب الأعمال (3)
أعوذ باللَّه السَّميع العليم من الشَّيطان الغوي الرَّجيم
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأفضلُ الصَّلوات على سيِّدِ الأنبياء والمرسلين سيِّدنا ونبيِّنا وحبيبنا وقائدنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ الطَّيِّبين الطَّاهرين المنتجبين الأخيار الأبرار.
السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نتابع الوقفات السَّريعة مع مقاطع من خطبة النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) الخطبة الرَّمضانيَّة.
المقطع الخامس: يقول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) في هذه الخطبة: «وَمَنْ أَكْرَمَ فِيهِ يَتِيماً أَكْرَمَهُ اللَّهُ يَوْمَ يَلْقَاهُ».
من أكرم فيه أي في شهر رمضان يتيمًا أكرمه الله يوم يلقاه.
اليتيم هو الذي يفقد أباه وهو في مرحلة الطفولة.
فبعد البلوغ لا يسمَّى الإنسان يتيمًا، وإنَّما يُسمَّى يتيمًا إذا فقد أباه في مرحلة ما قبل البلوغ.
وقد اهتمَّ الإسلام اهتمامًا كبيرًا، كبيرًا، كبيرًا برعاية اليتيم، والاهتمام باليتيم واليتامى، والرِّعاية لها مساران:
مساران لرعاية اليتيم
المسار الأوَّل: الرِّعاية الماديَّة
رعاية حاجاته المعيشيَّة، وحاجاته الماديَّة، وحاجاته الحياتيَّة، ورعايته فيما يأكل، وفيما يلبس، وفيما يتعالج، هذه رعاية نسمِّيها رعاية ماديَّة، في شؤونه الحياتيَّة الماديَّة المعيشيَّة.
هذه الرِّعاية مطلوبة، أن نهتم بشؤون هذا اليتيم خاصَّة إذا كان مُعوِزًا فقيرًا مُعدمًا، لا يملك مصادر توفِّر له شيئًا من الحياة، فهذه الرِّعاية نسمِّيها الرِّعاية الماديَّة.
المسار الثَّاني: الرِّعاية النَّفسيَّة
اليتيم لا يحتاج فقط إلى لقمة عيش، أو إلى كسوة لباس، وإنَّما اليتيم يعيش فراغًا نفسيًّا بفقد الوالد والأب، فيحتاج إلى من يلامس مشاعره، ومن يلامس أحاسيسه، ومن يملأ الجانب الرُّوحي والنَّفسي عنده، ولعلَّ هذه الرِّعاية أكبر وأهمُّ من الرِّعاية الماديَّة، فهذه الرِّعاية تخفِّف الكثير من آلام اليتيم وآلام اليُتم، وتحسِّسه بأنَّ النَّاس كلُّهم آباء له، وكلُّهم حنان عليه، وكلُّهم لطف ورعاية له، ويعطونه مشاعرهم، لا أن يعطونه لقمة عيش ومال فقط، بل هو محتاج بدرجة أكبر إلى المشاعر، وإلى الأحاسيس.
فهذه النَّبضات النَّفسيَّة، وهذه اللَّمسات الرُّوحيَّة والنَّفسيَّة هي رعاية لليتيم.
ولذلك في الأحاديث: أنَّ «مَن مَسَحَ يَدَهُ عَلى رأسِ يَتيمٍ تَرَحُّمًا لَهُ أَعطاهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِكُلِّ شَعرَةٍ نورًا يَومَ القيامَةِ» (المجلسي: بحار الأنوار 74/60)
هذا المسح هو عناية نفسيَّة، فهو يشحن اليتيم نفسيًّا روحيًّا وجدانيًّا.
فحينما تتحدَّث الرِّوايات عن رعاية اليتيم وعن إكرام اليتيم، تعني بما يشمل الرِّعاية الماديَّة، والرِّعاية النَّفسيَّة، والرِّعاية الرُّوحيَّة، والرِّعاية الاجتماعيَّة.
إذن، «من أكرم يتيمًا – خاصَّة في الشَّهر الفضيل – أكرمه الله يوم يلقاه».
وإكرام اليتيم يكون في كلِّ الأوقات، وفي كلِّ المناسبات، وفي كلِّ الأزمان، وفي كلِّ الأماكن، وهو عمل عظيم وجليل جدًّا، ولذلك جاء في الحديث:
•عن النَّبي (صلَّى الله عليه وآله)، أنَّه قال: «أنا وكافِلُ اليَتيمِ – كَهاتَينِ – في الجَنَّةِ؛ إذا اتَّقَى الله عَزَّ وجلَّ – وأشارَ بِالسَّبَّابَةِ والوُسطى -» (الرَّيشهري: ميزان الحكمة 13/564، ح 22850)
يعني الذي يرعى اليتيم يكون موقعه قريبًا جدًّا من رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، كما هو الاقتراب بين السَّبَّابة والوسطى، ففي يوم القيامة هكذا يكون قرب الكافل والرَّاعي لليتيم من رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم).
كم هو موقع كبير لكافل اليتيم، وكم هو موقع عظيم لراعي اليتيم.
«أنا وكافِلُ اليَتيمِ – كَهاتَينِ – في الجَنَّةِ»، موقع عظيم أن يكون الإنسان قريبًا من رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، ولهذا لا يحظى به إلَّا أولو الخصائص الكبيرة العظيمة.
أكل مال اليتيم من الكبائر العظيمة
فقد حذَّرت الرِّوايات من ظلم اليتيم، وأكل مال اليتيم.
• عن أبي عبد الله (عليه السَّلام)، قال: «أنَّ أَميرَ المؤمنينَ عليه السَّلام اشتكى عَيْنَهُ، فعَادَهُ النَّبِيُّ (صلَّى الله عليه وآله) فإِذا هو يصيحُ، فقال له النَّبِيُّ (صلَّى الله عليه وآله): أجَزَعًا أمْ وَجَعًا؟ فقال: يا رسول الله، ما وَجِعْتُ وَجَعًا قَطُّ أَشَدَّ مِنْهُ.
فقال: يَا عليُّ، إنَّ مَلَكَ الموتِ إذا نزل لقبض روح الكافر، نزل معه سَفُّودٌ مِنْ نارٍ، فينزِعُ روحَه به، فتصيح جهنَّم.
فاستوى عليٌّ (عليه السَّلام) جالسًا، فقال: يا رسولَ الله، أعِدْ عليَّ حديثَك؛ فلقد أنساني وجعي ما قلتَ، ثمَّ قال: هل يُصيبُ ذلك أحدًا من أمَّتك؟
قال: نعم، حاكمٌ جائِرٌ، وآكِلُ مالِ اليتيمِ ظُلمًا، وشاهِدُ زُورٍ». (الكليني: الكافي 5/623، ح4749 / 10)
نقرأ في هذه الرِّواية، أنَّ النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) في يوم من الأيام دخل على عليٍّ (عليه السَّلام) وكان يشكو وجعًا في عينه، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله):
«يَا عليُّ، إنَّ مَلَكَ الموتِ إذا نزل لقبض روح الكافر …»
رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) يُذَكِّر عليًا (عليه السَّلام) بالموت، وعليٌّ (عليه السَّلام) هو مصدر التَّذكير.
«إنَّ مَلَكَ الموتِ إذا نزل لقبض روح الكافر»
هنا الحديث عن قبض روح الكافر.
«نزل معه سَفُّودٌ مِنْ نارٍ»
سفود: سيخ يغلي نارًا، ويتوقَّد لهبًّا.
«نزل معه سَفُّودٌ مِنْ نارٍ، فينزِعُ روحَه به، فتصيح جهنَّم»
من شدَّة قبض روح الكافر تضجُّ جهنَّم.
«فاستوى عليٌّ (عليه السَّلام) جالسًا، فقال: يا رسولَ الله، أعِدْ عليَّ حديثَك؛ فلقد أنساني وجعي ما قلتَ»
فأعاد النَّبيُّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) الحديث على عليٍّ (عليه السَّلام).
وهنا سأل عليٌّ رسولَ الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «هل يُصيبُ ذلك أحدًا من أمَّتك؟»
بأن تُقبض روحه بهذه القسوة والصُّعوبة والشِّدَّة.
«هل يُصيبُ ذلك أحدًا من أمَّتك؟»
قال: نعم، حاكمٌ جائِرٌ، وآكِلُ مالِ اليتيمِ ظُلمًا، وشاهِدُ زُورٍ».
هذه الأصناف الثَّلاثة من المسلمين، أيضًا تُقبض أرواحهم بهذه القسوة.
فكم حذَّرت الرِّوايات والآيات من ظلم اليتيم.
إذن، إكرام اليتيم، ورعاية اليتيم، سواءً إكرامًا ماديًّا أم نفسيًّا، وسواءً رعاية ماديَّة أم نفسيَّة أم روحيَّة أم اجتماعيةَّ، فهذا مطلوب، وفي شهر رمضان يتضاعف الأجر والثَّواب.
المقطع السَّادس: «ومَنْ وَصَلَ فِيهِ رَحِمَهُ وَصَلَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ يَوْمَ يَلْقَاهُ، وَمَنْ قَطَعَ فِيهِ رَحِمَهُ قَطَعَ اللَّهُ عَنْهُ رَحْمَتَهُ يَوْمَ يَلْقَاهُ»
صلة الرَّحم مهمَّة جدًّا.
الإسلام يؤكِّد على التَّواصل العام، ولكن صلة الأرحام وصلة الأقارب ممَّا شدَّد عليه الدِّين، وشدَّدت عليه الآيات والرِّوايات، فصلة الرَّحم من أعظم القربات، ومن أعظم الأعمال ثوابًا وأجرًا ومقامًا عند الله.
وصلة الرَّحم تكون بزيارة، أو بالاتصال، أو بالسُّؤال، أو بالرِّعاية، أو بالإعانة إذا كانوا محتاجين، فكلُّها صلة رحم.
التحذير من قطيعة الرَّحم
إنَّ قطيعة الرَّحم قد تمَّ التَّشديد عليها والتحذير منها في الرِّوايات.
لذلك في ليلة القدر يغفر الله لمن يشاء من عباده، فتوجد مساحة كبيرة من النَّاس يُغْفر لها في شهر رمضان، وفي ليلة القدر بالخصوص.
لذلك بعد أن تنتهي ليلة القدر ويطلع الفجر، الملائكة يسألون جبرئيل ما صنع الله بأمَّة محمَّد في هذه اللَّيلة (ليلة القدر)؟
• «…، فإذا كانت ليلة القدر أمر الله عزَّ وجلَّ جبرئيل (عليه السَّلام) فهبط في كتيبة من الملائكة إلى الأرض …
فإذا طلع الفجر نادى جبرئيل (عليه السَّلام): يا معشر الملائكة الرَّحيل الرَّحيل.
فيقولون: يا جبرئيل فماذا صنع الله تعالى في حوائج المؤمنين من أمَّة محمَّد؟
فيقول: إنَّ الله تعالى نظر إليهم في هذه اللَّيلة فعفا عنهم وغفر لهم إلَّا أربعة.
قال: فقال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): وهؤلاء الأربعة: مدمن الخمر، والعاق لوالديه، والقاطع الرَّحم، والمشاحن» (المفيد: الأمالي، ص 263)
«فماذا صنع الله تعالى في حوائج المؤمنين من أمَّة محمَّد؟»
يقول جبرئيل (عليه السَّلام):
«إنَّ الله تعالى نظر إليهم في هذه اللَّيلة فعفا عنهم وغفر لهم إلَّا أربعة»
غفر الله لهم جمعيًا إلَّا أربعة
كم هم أشقياء هؤلاء الأربعة الذين لا يُغفر لهم حتى في ليلة القدر، اللَّيلة التي تشمل بركاتها كلَّ النَّاس، وكلَّ العصاة، وكلَّ الفسقة إذا لجأوا إلى الله.
«فعفا عنهم وغفر لهم إلَّا أربعة: مدمن الخمر، والعاقُّ لوالديه، والقاطع الرَّحم، والمشاحن»
إذن، القاطع رحمه لا تشمله المغفرة والرَّحمة ليلة القدر.
هنا نحتاج إلى أن نصفِّي الخلافات خاصَّة في داخل الأُسر، وفي داخل القرابات، وفي داخل الأرحام.
«مَنْ وَصَلَ فِيهِ رَحِمَهُ» في شهر رمضان «وَصَلَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ، وَمَنْ قَطَعَ فِيهِ رَحِمَهُ قَطَعَ اللَّهُ عَنْهُ رَحْمَتَهُ يَوْمَ يَلْقَاهُ».
آثار خطيرة لقطيعة الرَّحم
عندما نقرأ الرِّوايات، نراها تذكر آثارًا خطيرة، أشير إليها كعناوين فقط بلا تفصيل:
الأثر الأوَّل: عدم قبول الأعمال
فقد يصلِّي الإنسان، ويصوم، ويتصدَّق، ويمارس أعمال خيريَّة، إلَّا أنَّه لا تقبل منه؛ لأنَّه قاطع رحمه.
فمن شروط قبول الأعمال: صلة الرَّحم.
هذا أثر خطير من آثار قطيعة الرَّحم: عدم قبول الأعمال.
الأثر الثَّاني: الابتلاء بالفقر
الأثر الثَّالث: نقص العمر
يُبتر العمر، فإذا كان مقدَّر له ثمانين سنة، يُقتطع من عمره عشر سنوات، أو عشرين سنة نتيجة قطيعة الرَّحم.
الأثر الرَّابع: يُشدَّد عليه سكرات الموت، وعذاب القبر
الأثر الخامس: لا يرى رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) في الآخرة
الأثر السَّادس: لا يشمُّ ريح الجنَّة
آثار مرعبة وخطيرة جدًّا.
فحذارِ حذارِ من قطيعة الرَّحم، خاصَّة في الشَّهر الفضيل.
من هنا أكَّد النَّبيُّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) في خطبته على صلة الرَّحم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.
والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.