نفحات رمضانيَّة (1) الاستعدادات لاستقبال الشَّهر الفضيل (الاستعداد الأوَّل: الاستعداد الفقهي)
هذه الكلمة للعلَّامة السَّيِّد عبد الله الغريفي، وهي الحلقة الأولى ضمن البرنامج اليومي (نفحات رمضانيَّة)، والذي تمَّ بثُّها في شهر رمضان المبارك 1442هـ، عبر البثِّ الافتراضيِّ في يوم الأربعاء بتاريخ: (1 شهر رمضان 1442 هـ – الموافق 14 أبريل 2021 م)، وقد تمَّ تفريغها من تسجيل مرئيٍّ، وتنسيقها بما يتناسب وعرضها مكتوبةً للقارئ الكريم.
أعوذ باللَّه السَّميع العليم من الشَّيطان الغوي الرَّجيم
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأفضلُ الصَّلوات على سيِّدِ الأنبياء والمرسلين سيدنا ونبينا وحبيبنا وقائدنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ الطَّيِّبين الطَّاهرين.
السَّلام عليكم أيُّها الأحبَّة جميعًا ورحمة الله وبركاته.
عنوان الحديث:
الاستعدادات لاستقبال الشَّهر الفضيل
أنواع الاستعدادات
هناك أربعة أنماط من الاستعدادات لاستقبال هذا الشَّهر الفضيل:
الاستعداد الأوَّل: الاستعداد الفقهي
الاستعداد الثَّاني: الاستعداد الفكري
الاستعداد الثَّالث: الاستعداد الرُّوحي
الاستعداد الرَّابع: الاستعداد العملي
ومن الضَّروري جدًّا أن تتكامل هذه الاستعدادات، وفقد أيّ استعداد من هذه الاستعدادات الأربعة يشكِّل خللًا في التَّعاطي مع الشَّهر الفضيل، سنحاول ضمن أحاديث موجزة أن نتناول بعض هذه الشُّؤون.
الاستعداد الأوَّل: الاستعداد الفقهي
ماذا نعني بالاستعداد الفقهي للشَّهر الفضيل؟
المقصود بالاستعداد الفقهي هو: (امتلاك رؤية فقهيَّة صحيحة حول الصَّوم)
الصَّوم عبادة من العبادات وتحكمه مجموعة أحكام فقهيَّة، وحتى نصوم صومًا كما أراد الله لا بدَّ لنا أن نتوفَّر على هذه الثَّقافة الفقهيَّة، فالثَّقافة الفقهيَّة ضروريَّة لكلِّ العبادات، ولكلَّ مسارات الحياة.
•النَّبيُّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) يقول: «إذا أراد الله بعبد خيرًا فقَّهه في الدِّين، وألهمه رشده». (الرَّيشهري: ميزان الحكمة 1/841)
أي أعطاه رؤية فقهيَّة، وفهم الدِّين.
•أمير المؤمنين (عليه السَّلام) يقول: «لا خير في عبادة ليس فيها تفقُّه، ولا خير في علم ليس فيه تفكُّر، ولا خير في قراءة ليس فيها تدبُّر». (الرَّيشهري: ميزان الحكمة 3/669، باب (التَّفقُّه روح العبادة)، ح2)
•الإمام زين العابدين (عليه السَّلام) يقول: «لا عبادة إلَّا بتفقُّه». (الرَّيشهري: ميزان الحكمة 3/669، باب (التَّفقُّه روح العبادة)، ح3)
إذن، لا بدَّ لنا أن نملك فهمًا فقهيًّا لهذه العبادة وهي عبادة الصِّيام.
هذا استعداد أساس لأداء فريضة الصِّيام، للتَّعاطي مع هذا الشَّهر الفضيل.
ما هي وظيفة الاستعداد الفقهي؟
كلُّ لون من ألوان الاستعداد له وظيفة، فالاستعداد الفقهي له وظيفة، والاستعداد الفكري له وظيفة، والاستعداد الرُّوحي له وظيفة، والاستعداد العملي له وظيفة.
فما هي وظيفة الاستعداد الفقهي؟
وظيفة الاستعداد الفقهي هي: تصحيح الصِّيام.
أنا لماذا أتفقَّه؟
لماذا أتعرَّف على الأحكام الفقهيَّة للصَّلاة؟ حتى تكون الصَّلاة صحيحة.
لماذا أتعلَّم الأحكام الفقهيَّة للصِّيام؟ حتى يكون الصِّيام صحيحًا.
لماذا أتعلَّم الأحكام الفقهيَّة للحج؟ حتى يكون الحجُّ صحيحًا.
إذن الوظيفة للثقافة الفقهيَّة هي تصحيح الأعمال وتصحيح العبادات، وبلا توفر هذه الثقافة ترتبك صحَّة العمل العبادي.
فالصَّوم واحد من العبادات المهمَّة التي لها أحكام فقهيَّة، فعندما تراجعون الرسائل العمليَّة ترون بابًا خاصًّا بأحكام الصِّيام، فكما أنَّ للصَّلاة باب خاصٌّ، ولبقية العبادات أبواب خاصَّة، للصِّيام له باب خاصٌّ في الكتب الفقهيَّة، وفي الرَّسائل العمليَّة.
يتضمن مجموعة ومنظومة أحكام فقهيَّة خاصَّة بالصِّيام، مثل شروط الصِّيام، وما هي المفطِّرات؟
هذه أمور فقهيَّة أساس من الضَّروري أن يتفهَّمها الإنسان؛ حتى يصوم صومًا صحيحًا.
إذن وظيفة الاستعداد الفقهي هو تصحيح الصِّيام.
وسائل التفقُّه
ما هي وسائل التفقُّه؟
كيف نتفقَّه في أحكام الصِّيام؟
الوسيلة الأولى: القراءة
من المفترض عند كلِّ إنسان رسالة عمليَّة لمقلَّده، حيث أنَّ التقليد هو رجوع المكلَّف إلى مرجع وفقيه، والمكلَّف يحمل رسالة عمليَّة تتضمَّن فتاوى الفقيه أو المرجع الذي يرجع إليه.
إذن، حتى يتثقَّف الإنسان بثقافة فقهيَّة حول الصِّيام، وحول الصَّلاة، وحول أيِّ عبادة، يقرأ الرِّسالة العمليَّة بحسب قدرته، وإذا لم يفهم بعض المسائل يستفسر.
إذن هذه طريقة للتفقُّه في مسائل الدِّين ومن جملتها الصِّيام.
اقرأوا الرَّسائل العمليَّة لمقلَّديكم؛ حتى تتعرَّفوا على أحكام الصِّيام.
الوسيلة الثَّانية: السُّؤال
اسألوا العلماء المعتمدين الموثوقين، فليس كلّ واحد نسأله، ليس كلّ واحد يتصدَّى يكون محل اطمئنان في نقل الفتاوى، فمن تثقون به من العلماء ومن تطمئنُّون إلى نقله للفتاوى اسألوه، فكثرة السؤال هي التي تُعطي الإنسان ثقافة فقهيَّة.
كما أنَّ القراءة تُعطي الإنسان ثقافة فقهيَّة، كذلك السُّؤال ومتابعة الإبهامات يُعطي الإنسان مجموعة من المفاهيم الفقهيَّة، الثَّقافيَّة.
لا خجل في السُّؤال
والسُّؤال مهمٌّ، ولا خجل في السُّؤال، فلعلَّ إنسان يقول: أخجل.
إنَّ أحد ألوان الخجل المذموم هو الخجل في السُّؤال، الحياء في السُّؤال، هذا خجل مذموم.
الحياء مقبول، والحياء عنوان من عناوين القيم الإيمانيَّة الإنسانيَّة، الحياء في النَّفس.
لكن توجد ألوان من الخجل المذموم.
كالخجل في الالتزام بالأحكام الدِّينيَّة هذا خجل مذموم، مثلًا: أخجل أن أصلِّي، أخجل أن ألتزم، امرأة تخجل أن تلبس الحجاب، هذا خجل مرفوض، أي الخجل في الالتزام بالأحكام الشَّرعيَّة.
الخجل في قول كلمة الحقِّ، هذا خجل مذموم، وخجل مرفوض.
إذن، من ألوان الخجل المذموم الخجل في السُّؤال عن الدِّين، هذا خجل مذموم، وخجل مرفوض.
فإذن حتى نتثقَّف فقهيًّا، نحتاج أن نقرأ، ولكي نتثقَّف فقهيًا نحتاج أن نسأل، ولكي نتثقف فقهيًا نحتاج أن نتعلَّم.
الوسيلة الثَّالثة: التَّعلُّم (حضور الدُّروس الدِّينيَّة)
إذا كنت عاميًّا لا أقرأ، ولم يتيسَّر لي أن أسأل، فمن الوسائل لبناء الثَّقافة الفقهيَّة الحضور في دروس العلماء الفقهيَّة التَّثقيفيَّة، فلأحافظ على حضور هذه الدُّروس.
قيمة حضور مجالس العلماء هي أنَّها تثقِّف، وتربِّي، وترتقي بوعي الإنسان الإيماني، وترتقي بثقافته الفقهيَّة، وتصحِّح سلوكه، وقِيَمه، وأخلاقه، وروحه، ومساراته، هذه قيمة مجالس التَّعلُّم، ولذلك لها ثواب وقيمة عظيمة عند الله.
•أمير المؤمنين (عليه السَّلام) يقول: «إذا جلس المتعلِّم بين يدي العالم فتح الله له سبعين بابًا من الرَّحمة ولا يقوم من عنده إلَّا كيوم ولدته أمُّه وأعطاه الله بكلِّ حرف عبادة سنة». (الرَّيشهري: حِكم النَّبي الأعظم (ص) 1/225، ح307)
هذه قيمة مجالس العلم.
إذن، لا بدَّ أن نملك ثقافة فقهيَّة، هذا أحد الاستعدادات المهمَّة جدًّا للصِّيام.
ما حكم الصَّيام بالنسبة للمصابين بفيروس (الكورونا)؟
سؤال يُطرَح في ظلِّ الظُّروف الرَّاهنة
ونحن نتحدَّث عن الجانب الفقهي في الصِّيام، يُطرح هذا السُّؤال هذه الأيام، في ظلِّ أزمة (الكورونا)، حيث بدأ النَّاس يسألون.
ما حكم الصَّيام بالنِّسبة للمصابين بفيروس (الكورونا)؟
مثلًا: إنسان مصاب بهذا المرض هل يصحُّ له أن يصوم؟
الجواب: يُرجع في هذا إلى الأطباء الحاذقين الموثوقين.
نسأل الأطباء المتخصِّصين المعتمدين الموثوقين، هل أنَّ الصِّيام يضرُّ بصحَّة المصاب بهذا الفيروس؟
فإذا شخَّص الطَّبيب وقال: أنَّ الصِّيام يضرُّ، فإنَّ على المريض الإفطار، ولا يجوز له أن يصوم.
هل يشترط أنْ يوجب قول الطَّبيب خوف الضَّرر؟
هنا مسألة فقهيَّة: هل أنَّ كلام الطَّبيب يجب أن يولِّد الخوف عند الإنسان حتى يمكنه أنْ يُفطر؟
الجواب: يشترط بعض الفقهاء ذلك، وآخرون لا يشترطون.
قسم من الفقهاء يقول: ما دام أنَّ الطبيب حاذق ومعتمد فيؤخذ بكلامه، سواء ولَّد كلامه خوفًا أم لم يولِّد خوفًا.
وقسم آخر من الفقهاء يشترطون أن يحدث عند الإنسان خوفٌ من الصِّيام.
وعلى كلِّ واحد أن يرجع إلى مقلَّده.
ماذا لو حكم الطَّبيب بعدم الضَّرر من الصَّوم وكان المكلف خائفًا من الضَّرر؟
(وجب الإفطار) أو (جاز له الإفطار)
هنا مسألة أيضًا تطرح فقهيًّا
هنا الفقهاء يقولون: (يجب) عليه أن يُفطر أو (يجوز) له أن يُفطر على اختلاف في تعابير الفقهاء.
ما دام عنده خوف حقيقي، حتى لو أن الطَّبيب طمأنه لكن ما دام خوف الضَّرر موجودًا، فإنَّه يُفطر.
ما هو حكم أخذ اللِّقاح بالنَّسبة للصَّائم؟
اليوم يوجد تطعيم ولقاح ضدَّ هذا الفيروس، فهل يمكن للإنسان أن يذهب لأخذ التَّطعيم في نهار شهر رمضان؟
الجواب: لا توجد مشكلة في ذلك، فهذا اللِّقاح لا يضرُّ بالصَّوم، هذا المعروف في فتاوى الفقهاء، فيمكن للإنسان وهو صائم أن يأخذ هذا اللِّقاح.
هذا ما يتَّصل بجانب الاستعداد الفقهي، ونتابع الحديث إن شاء الله.
والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.