في ذِكرى الشَّهيد السَّيِّد محمَّد باقر الصَّدر، وأخته الشَّهيدة بنت الهدى
هذه الكلمة للعلَّامة السَّيِّد عبد الله الغريفي، ألقيت في الذِّكرى السَّنويّة الـ (41) لاستشهاد الشَّهيد السَّيِّد محمَّد باقر الصَّدر (رضوان الله عليه)، وقد تمَّ بثُّها عبر البثِّ الافتراضيِّ في يوم السبت (ليلة الأحد) بتاريخ: (27 شعبان 1442 هـ – الموافق 10 أبريل 2021 م)، وقد تمَّ تفريغها من تسجيل مرئيٍّ، وتنسيقها بما يتناسب وعرضها مكتوبةً للقارئ الكريم.
في ذِكرى الشَّهيد السَّيِّد محمَّد باقر الصَّدر، وأخته الشَّهيدة بنت الهدى
أعوذ باللَّه السَّميع العليم من الشَّيطان الغوي الرَّجيم
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأفضلُ الصَّلوات على سيِّدِ الأنبياء والمرسلين سيِّدنا ونبيِّنا وحبيبنا وقائدنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ الطيِّبين الطَّاهرين.
السَّلام عليكم أيُّها الأحبَّة جميعًا ورحمة الله وبركاته.
هذه كلمة في ذِكرى شهادة المفكِّر الكبير، والمرجع العظيم السَّيِّد محمَّد باقر الصَّدر، وفي ذكرى شهادة شقيقته العلوية السَّيِّدة آمنة الصَّدر بنت الهُدى.
لا بدَّ لنا في هذه الذِّكرى من وقفة أو أكثر من وقفة.
كانت شهادة السَّيِّد الصَّدر، وأخته السَّيِّدة آمنة الصَّدر (بنت الهدى) في الثَّاني والعشرين من شهر جمادى الأولى سنة 1400، والتي تصادف التَّاسع من شهر أبريل سنة 1980.
كانت شهادة السَّيِّد الصَّدر وأخته السَّيِّدة آمنة الصَّدر (بنت الهدى) على يد طاغية العراق صدام، وقد شاءت إرادة الله أن يسقط نظام الطَّاغية في نفس اليوم الذي تمَّ إعدام الشَّهيد الصَّدر فيه، في التَّاسع من أبريل سنة 2003.
أوَّلًا: الشَّهيد السَّيِّد محمَّد باقر الصَّدر
حتى نتحدَّث عن السَّيِّد الصَّدر فإنَّ مساحات الحديث مفتوحة، ولا نستطيع في كلمة عاجلة أن نستوعب شيئًا من هذه العناوين، لكنَّها إثارات عاجلة جدًّا.
العنوان الأوَّل: السَّيِّد الشَّهيد الصَّدر عنوان لكلِّ التَّاريخ ولكلِّ الأجيال
السَّيِّد الشَّهيد الصَّدر ليس عنوانًا لمرحلة فينتهي بانتهائها، بل هو عنوان لكلِّ التَّاريخ ولكلِّ الأجيال.
نحن نستطيع تصنيف الشَّخصيَّات إلى:
1- شخصيَّات لا تحمل عنوانًا
شخصيِّات تمرُّ ولا يذكرها التَّاريخ، حيث يوجد نمط من الشَّخصيَّات تمرُّ ولا يقف التَّاريخ عندها، هذا نمط من الشَّخصيَّات لا يحمل أيَّ عنوان.
2-شخصيَّات تحملُ عنوان مرحلة
يوجد نمط آخر من الشَّخصيَّات يحمل عنوان مرحلة، فعندما أتحدَّث عن مرحلة أتحدَّث عن هذا النَّمط من العنوان؛ لأنَّه يمثِّل تلك المرحلة، وبانتهاء المرحلة ينتهي العنوان، فالعنوان شكَّل مرحلة، فلما انتهت المرحلة انتهى العنوان.
هذا نمط من الشَّخصيَّات يبرز ويتمركَّز في وعي النَّاس وفي أذهان النَّاس لكن لمرحلة، قد تكون عشرين، ثلاثين، أربعين، خمسين سنة، هو عنوان تلك المرحلة، لكن عندما تنتهي المرحلة ينتهي هذا العنوان.
3- ومن الشَّخصيَّات مَنْ يكون أكبر من المرحلة فيبقى عنوانًا لكلِّ التَّاريخ
الشَّهيد السَّيِّد الصَّدر واحد من هذه العناوين التي تجاوزت الزَّمان والمكان.
السَّيِّد الصَّدر كم عاش؟
عاش زمنًا قصيرًا، فعمر السَّيِّد الصَّدر عمر قصير لم يصل إلى الخمسين، فعاش مقطعًا محدودًا من الزَّمن، عاش تاريخًا محدودًا، لكن هل بقي محصورًا في ذلك التَّاريخ، هل بقي الصَّدر عنوانًا لتلك المرحلة فقط.
لا، السَّيِّد الصَّدر بقي عنوانًا أكبر، أكبر من التَّاريخ وأكبر من المرحلة، السَّيِّد الصَّدر واحد من أبرز العناوين التي تحدَّت التَّمركز في المرحلة.
صحيح أنَّه أعطى كلَّ عطاءاته في تاريخٍ لا يتجاوز الأربعين سنة، كان فيه عطاءه، وكانت حركته، وكانت مدرسته، وكان اجتهاده، هذا الزَّمن الذي أعطى فيه السَّيِّد الصَّدر الكثير، الكثير، الكثير.
لكن هل بقي مسجونًا لهذا الزَّمن؟
هل السَّيِّد الصَّدر نختصره في ثلاثين أو في أربعين سنة؟
لا، لا نختصر السَّيِّد الصَّدر في هذا الزَّمن المحدود، لا نختصره في ثلاثين أو أربعين سنة عاشها السَّيِّد الصَّدر.
صحيح هي سنين العطاء، وسنين المرحلة التي عاشها السَّيِّد الصَّدر منذ وُلِد إلى أن استشهد، تلك مرحلة فيها أعطى السَّيِّد الصَّدر فكره، ثقافته، علمه، جهاده.
لكن هل بقي السَّيِّد الصَّدر إنسان تلك المرحلة، ورجل تلك المرحلة فقط؟
لا، السَّيِّد الصَّدر أكبر من المرحلة، وأكبر من ذلك الزَّمن، وأكبر من الخمسين سنة.
ولذلك نقول السَّيِّد الصَّدر لا يمثِّل عنوان مرحلة، بل هو عنوان للتَّاريخ، وعنوان لكلِّ الزَّمان، وعنوان لكلِّ الأجيال.
هذه مسألة، يجب أن تكون واضحة في أذهاننا ونحن نريد أن نتحدَّث عن السَّيِّد الصَّدر.
إذن، نحن لا نتحدَّث عن شخص تمركزت حياته في فترة زمنيَّة لا تتجاوز الخمسين سنة، بل نتحدَّث عن أحقاب، عن تاريخ، عن قرون.
العنوان الثَّاني: الشَّهيد الصَّدر من أبرز الشَّخصيَّات الاستثنائيَّة
توجد شخصيِّات نسمِّيها شخصيِّات استثنائيَّة، وأخرى غير استثنائيَّة.
أ-ليس استثناءً أن يكون إنسانٌ فقيهًا متميِّزًا
شخص يبرز كفقيه بكلِّ امتياز، هذه حالة طبيعيَّة موجودة، وهذا لا يشكِّل استثناء، هناك عشرات، بل مئات الفقهاء برزوا كفقهاء، فأن يبرز شخص كفقيه، وفقيه متميِّز كلَّ التَّميُّز، هذا ليس استثناء في التَّاريخ، وهذه حالة طبيعيَّة، فقد برز عبر تاريخنا الطَّويل فقهاء كبار، عظماء، مجتهدون، متميِّزون كلَّ التميُّز، ولذلك هذا لا نسمِّيه استثناء، فعندما نقرأ التَّاريخ نرى نماذج من الفقهاء والمجتهدين برزوا بروزًا كبيرًا، وأعطوا الكثير في مجالات الفقه والاجتهاد، فهذا ليس استثناء.
ب- وليس استثناءً أن يوجد فيلسوفًا متميِّزًا
فقد يبرز فيلسوف متميِّزًا كلَّ التَّميُّز، والتَّاريخ حافل بنماذج من هؤلاء الفلاسفة الذين بروزا كفلاسفة متميِّزين، هذا لا أسمِّيه استثناء؛ لأنَّ التَّاريخ حافل بنماذج كثيرة ممَّن برزوا في دنيا الفلسفة ودنيا العقل.
ج-وليس استثناءً أن يبرز مفكِّرٌ متميِّزًا
التَّاريخ مليء بمفكِّرين، في مجالات متعدِّدة، كما في:
– الفكر الإسلامي
– الفلسفة اليونانيَّة
– الفكر الحديث
فقد يبرز مفكِّر ويكون متميِّزًا كلَّ التَّميُّز، هذا ليس استثناء؛ فالتَّاريخ غنيٌّ بمفكِّرين كثيرين.
د-وليس استثناءً أن يبرز كاتبٌ متميِّزًا
بأن يملك قلمًا، ويؤلِّف، ويكتب، هذه حالة طبيعيَّة، وليس استثناء، حتى لو حلَّق الإنسان في قدراته الكتابيَّة، فهذا ليس استثناء، فالتَّاريخ مليء بكُتَّاب ارتقوا بمستوى كتاباتهم إلى أعلى المستويات، تميَّزوا كلَّ التَّميُّز في الكتابة، كالعقَّاد، وطه حسين، وأمثال هؤلاء، تميَّزوا ككتَّاب، فهذا ليس استثناء.
ه- وليس استثناءً أن يبرز داعيةٌ متميِّزًا
قد يبرز فرد في مجال الدَّعوة، وفي مجال التَّبليغ.
وعلى مستوى التَّاريخ كلِّه، برز دعاة متميِّزين، لكن هذا ليس استثناء.
و-وليس استثناءً أن يبرز مربيٌّ متميِّزًا.
ز-وليس استثناءً أن يبرز روحانيٌّ متميِّزًا.
ح-وليس استثناءً أن يبرز سياسيٌّ متميِّزًا.
ط-أو أيَّ عنوان آخر.
متى يكون الاستثناء؟
أنْ يكون إنسان قد احتضن العناوين كلّها بدرجة عالية من الامتياز فهذا هو الاستثناء.
الشَّهيد الصَّدر هو واحد من أبرز هذه الشَّخصيَّات الاستثنائيَّة.
لماذا الشَّهيد الصَّدر ليس فقط من الشَّخصيَّات الاستثنائيَّة، بل من أبرز الشَّخصيَّات الاستثنائيَّة؟
عندما نقرأ السَّيِّد الصَّدر نقرأه:
أ-فقيهًا متميِّزًا كلَّ التَّميُّز.
ب- أصوليًّا – في علم الأصول – متميِّزًا كلَّ التَّميُّز.
ج- فيلسوفًا متميِّزًا كلَّ التَّميُّز.
د-مفكِّرًا متميِّزًا كلَّ التَّميُّز.
ه-كاتبًّا وباحثًا متميِّزًا كلَّ التَّميُّز.
و-داعيةً متميِّزًا كلَّ التَّميُّز.
ز-مربيَّا متميِّزًا كلَّ التَّميُّز.
ح-روحانيًّا متميِّزًا كلَّ التَّميُّز.
ط-سياسيًّا متميِّزًا كلَّ التَّميُّز.
في أيِّ عنوان قرأت السَّيِّد الصَّدر تجده متميِّزًا، هذا هو الاستثناء، أن يحتضن شخص عناوين كثيرة وبتميُّز، السَّيِّد الصَّدر احتضن مجموعة كبيرة من العناوين وبتميُّز كلَّ التَّميُّز، لم يحتضنها احتضانًا سطحيًّا عاديًّا، ليس فقيهًا عاديًّا، وليس أصوليًّا عاديًّا، وليس فيلسوفًا عاديًّا، ولا مفكِّرًا عاديًّا، ولا كاتبًّا عاديًّا، ولا مربِّيًّا عاديًّا ولا روحانيًّا عاديًّا، كلُّ هذه العناوين يملكها السَّيِّد الصَّدر بدرجة عالية جدًّا.
هذا هو الاستثناء.
كم في التَّاريخ مَنْ يُشكِّل شخصيَّات استثنائيَّة؟ الحالات محدودة.
التَّاريخ مليء بفقهاء، ومفسِّرين، وباحثين، وكُتَّاب، وفلاسفة، لكن ليس مليئًا بشخصيَّات تحتضن كلَّ العناوين وبدرجة امتياز عال جدًّا.
الشَّهيد الصَّدر واحد من شخصيَّات احتضنت عناوين كثيرة بامتياز كبير جدًّا.
العنوان الثَّالث: كيف نقرأ الشَّهيد الصَّدر
حينما نريد أنْ نقرأ الشَّهيد الصَّدر فأمامنا صيغتان من هذه القراءة وكلاهما ضروريَّتان ومتكاملتان:
الصِّيغة الأولى: القراءة التَّجزيئيَّة
عندما أريد أن أدرس السَّيِّد الصَّدر أُجزِّئ شخصيَّته، فكلُّ عنوان أدرسه دراسة متخصِّصة مستفيضة، فمثلًا:
أدرس السَّيِّد الصَّدر فقيهًا
وأدرس السَّيِّد الصَّدر فيلسوفًا
وأدرس السَّيِّد الصَّدر مربِّيًا
وأدرس السَّيِّد الصَّدر داعية
وأدرس السَّيِّد الصَّدر روحانيًّا
وأدرس السَّيِّد الصَّدر سياسيًّا
هذه دراسة تجزيئيَّة، أنْ أجزِّئ شخصيَّة الصَّدر.
وهذه الدِّراسة التَّجزيئيَّة ضرورة؛ حتى أُبرز كلَّ عنوان بشكلٍ واضح، فكلّ عنوان يحتاج إلى دراسة مستفيضة، فحينما أقرأ السَّيِّد الصَّدر فقيهًا أحتاج إلى مساحة كبيرة من الدِّراسات وليس دراسة واحدة، وحينما أقرأ السَّيِّد الصَّدر مفكِّرًا كبيرًا أحتاج إلى مجموعة دراسات، وحينما أقرأ السَّيِّد الصَّدر مؤلفًا، وكاتبًا، أغنى المكتبة بعطاءات فكريَّة عملاقة، أحتاج إلى دراسة.
هذه دراسة تجزيئيَّة، أن أُجزِّئ شخصيَّة السَّيِّد الصَّدر وأدرس كلَّ مقطع دراسة مستقلَّة، بل قد يحتاج إلى دراسات، ويحتاج إلى الكثير من المشتغلين بالدِّراسات حتى يُبرزوا السَّيِّد الصَّدر الفقيه، وحتى يُبرزوا السَّيِّد الصَّدر الأصولي، وحتى يُبرزوا السَّيِّد الصَّدر المفسِّر، وحتى يُبرزوا السَّيِّد الصَّدر المفكِّر، وحتى يُبرزوا السَّيِّد الصَّدر المربِّي، والدَّاعية، فنحتاج إلى متخصِّصين، ونحتاج إلى دراسة تخصصيَّة في كلِّ مجال من المجالات.
هذه دراسة نسمِّيها دراسة تجزيئيَّة، أجزِّئ الشَّخصيَّة، وكلَّ مقطع من الشَّخصيَّة أدرسها دراسة مستقلَّة، وقد يحتاج كلُّ مقطع من حياة السَّيِّد الصَّدر إلى دراسات، ويحتاج إلى متفرِّغين، ويحتاج إلى مفكِّرين، وكتَّاب، وباحثين، هذه دراسة تجزيئيَّة.
الصِّيغة الثَّانية: القراءة الشُّموليَّة
وهناك الدِّراسة الشُّموليَّة، وهي أيضًا ضروريَّة.
مطلوب أن أدرس السَّيِّد الصَّدر كفقيه، وكأصولي، وكمفسِّر، وكمفكِّر، وككاتب.
لكن متى تكتمل الدِّراسة؟
حينما أضمُّ هذه العناوين إلى بعضها لتبرز شخصيَّة الشَّهيد الصَّدر الشُّموليَّة.
لا تبرز شخصيَّة الشَّهيد الصَّدر الشُّموليَّة حينما أدرسه فقيهًا، أو حينما أدرسه كاتبًا، أو حينما أدرسه مفكِّرًا، أو داعية، أو مفسِّرًا، هنا قد أبرز جانبًا كبيرًا من شخصيَّة السَّيِّد الصَّدر لكن لم تكتمل الصُّورة عن السَّيِّد الصَّدر.
متى تكتمل الصُّورة عن السَّيِّد الصَّدر؟
حينما أدرس السَّيِّد الصَّدر دراسة شموليَّة، هنا يَبرُز مَنْ هو السَّيِّد الصَّدر.
نحن نقف إجلالًا للسَّيِّد الصَّدر حينما يبرز فقيهًا، وحينما يبرز فيلسوفًا، وكاتبًا، لكن حينما تبرز الشَّخصيَّة التي تحتضن كلَّ هذه العناوين بامتياز، فإن التَّقدير والاحتفاء يكون أكبر، وهنا يبرز مَنْ هو الشَّهيد الصَّدر، وهذا لا يتحقَّق إلَّا بدراسات شموليَّة.
لا زالت الدراسات عن السَّيِّد الصَّدر ناضبة، تحتاج إلى مزيد ومزيد، ودراسة السَّيِّد الصَّدر لا تكون من خلال عشرين، أو ثلاثين، أو أربعين مؤلَفًا، بل السَّيِّد الصَّدر يحتاج إلى مئات، وآلاف الكتابات؛ حتى نستطيع أن نجلِّي شيئًا من شخصيَّته.
هناك شخصيَّات أقلُّ من السَّيِّد الصَّدر بكثير من مفكِّرين وفلاسفة كُتب فيهم الكثير الكثير، وأُلِّف حولهم الكثير الكثير.
إنَّ تأليف عشرين، أو ثلاثين، أو أربعين، أو خمسين، أو مائة مؤلَف، قليلة في حقِّ السَّيِّد الصَّدر، فحتى يبرز السَّيِّد الصَّدر نحتاج إلى مئات وآلاف الكتابات، والمؤلَّفات، لعلها تجلِّي شيئًا من شخصيَّة السَّيِّد الصَّدر.
ونحن في هذه الكتابات نحتاج إلى هذين النَّمطين:
1-الكتابات التَّجزيئيَّة: بأن يصدر كتاب يتحدَّث عن السَّيِّد الصَّدر الفقيه، أو يصدر كتاب يتحدَّث عن السَّيِّد الصَّدر المفسِّر، أو يصدر كتاب يتحدَّث عن السَّيِّد الصَّدر الكاتب، أو الاقتصادي، أو الفيلسوف، أو الدَّاعية، أو السِّياسي، هذه كتابات، وهذا نمط من الكتابات نحتاجها.
2-الكتابات الشُّموليَّة: نحتاج كذلك إلى كتابات شموليَّة، تدرس السَّيِّد الصَّدر بشموليَّة، في كلِّ مساحاته، وليس في مساحة معيَّنة.
نعم حتى أدرسه دراسة شموليَّة أحتاج أن أعطي رؤية واضحة عن كلِّ مفصل، فأنا لا أتمكَّن أن أدرس السَّيِّد الشَّهيد الصَّدر دراسة شموليَّة إذا لم يتَّضح عندي السَّيِّد الصَّدر الفقيه، وإذا لم يتَّضح عندي السَّيِّد الصَّدر الفيلسوف، وإذا لم يتَّضح عندي السَّيِّد الصَّدر الدَّاعية، وإذا لم يتَّضح عندي السَّيِّد الصَّدر الكاتب، والسِّياسي، والمربِّي.
إذن، هنا يتزاوج المنهجان: المنهج التَّجزيئي والمنهج الشُّمولي؛ من أجل إبراز شخصيَّة السَّيِّد الصَّدر.
فنحن نحتاج إلى كتابات من النَّمطين: النَّمط التَّجزيئي والنَّمط الشُّمولي.
هذه نقطة في الحديث عن السَّيِّد الصَّدر (رضوان الله عليه).
العنوان الرَّابع: ما سرُّ الجاذبيَّة في شخصيَّة الشَّهيد السَّيِّد الصَّدر؟
هنا سؤال يُطرح: ما سرُّ الجاذبيَّة في شخصيَّة الشَّهيد السَّيِّد الصَّدر؟
لم يلتقه إنسان إلَّا وانجذب إليه انجذابًا رهيبًا، فهو يفرض عليك أن تدخل في قلبه، وفي وجدانه، ويفرض عليك أن يدخل في قلبك وفي وجدانك وفي مشاعرك، وهذه جاذبيَّة ليست عاديَّة، الذين التقوا السَّيِّد الصَّدر يعرفون ذلك، وربَّما مَنْ يسمعون الحديث عن السَّيِّد الصَّدر لا يتمكَّنوا أن يستوعبوا مستوى جاذبيَّة شخصيَّة السَّيِّد الصَّدر، لكنَّ الذين التقوه والذين جالسوه والذين سمعوا منه يعرفون معنى هذه الجاذبيَّة، فهي جاذبيَّة ليست عاديَّة، بل جاذبيَّة استثنائيَّة.
حينما تلتقيه تنجذب إليه كلَّ الانجذاب، وتذوب فيه كلَّ الذَّوبان.
ليس فقط تنجذب إليه، بل تذوب فيه، أنت تلتقي الكثيرين وقد تُعجَب بحديثهم، وقد تعشقهم بنسبة مَّا، لكن أن تذوب فيهم، وأن تنجذب إليهم كلَّ الانجذاب، أن ينجذب عقلك، أن ينجذب قلبك، أن تنجذب أفكارك، عواطفك، كلُّ وجودك ينجذب، هذه ليس مع كلِّ شخص.
السَّيِّد الصَّدر من هذا النَّمط الذي إذا التقيته، وجالسته، تنجذب إليه كلَّ الانجذاب، وتذوب فيه كلَّ الذَّوبان.
هنا سؤال: ما سرُّ هذا الانجذاب في شخصيَّة السَّيِّد الصَّدر؟
1-هل هو العلم والثَّقافة؟
فكثيرون يملكون العلم والثَّقافة.
يوجد مئات، وآلاف العلماء والمثَّقفين لكن لا تنجذب إليهم.
إذن السِّر ليس العلم وحده.
ويوجد مئات، وآلاف العلماء والمثَّقفين تُعجب بفكرهم، وتُعجب بثقافتهم، ولكن هل تذوب فيهم؟ وهل تنجذب إليهم كلَّ الانجذاب، وتعيش درجة الهيام والعشق والذَّوبان؟ لا.
إذن، المسألة ليست مسألة علم وثقافة فقط.
2-هل هو الخطاب؟
فكثيرون يملكون قدرة الخطاب
قدرة السَّيِّد على الخطاب؟ وقدرته على التَّعبير؟ لا.
فهناك مئات، وآلاف الخطباء المحلِّقين تتأثَّر بخطابهم، وتنجذب إلى خطابهم، لكن لا تنجذب إلى قلوبهم، ولا تذوب فيهم كلَّ الذَّوبان.
قد تُعجب بالخطاب وتُغرم به لفترة مَّا، لكن دون أن تدخل في قلوبهم وأن يدخلوا في قلبك، أن تذوب فيهم كلَّ الذَّوبان، وأن تنجذب إليهم كلَّ الانجذاب.
إذن، السِّر ليس الخطاب.
3-هل هو الأخلاق / التَّواضع / الأريحيَّة؟
ممكن، لكن هذا ليس هو كلُّ السَّبب؟
فكثيرون يملكون ذلك.
فما أكثر الذين يملكون أخلاقًا عالية، ويملكون تواضعًا عاليَّا، ويملكون أريحيَّة عالية، ومع ذلك أنت تتأثَّر بهم وقتًا مَّا، ولكن عندما ينتهى هذا اللِّقاء، لا تذوب فيهم، ولا تعيش انصهارًا كاملًا فيهم.
إذن، ما هو السِّرُّ في هذه الجاذبيَّة الاستثنائيَّة في شخصيَّة السَّيِّد الصَّدر؟
السِّرُّ هو:
أ-ربَّانيَّته المتميِّزة
ب- ذوبانه في الله
ج-إخلاصه الكبير
كان ربَّانيًّا ومعنى (ربَّاني) أي ذاب في الله كلَّ الذَّوبان، وعشق الله كلَّ العشق، وأحبَّ الله كلَّ الحبِّ.
فهذه الرَّبانيَّة، وهذا الذَّوبان في الله، وهذا الإخلاص المتميِّز لله هو سرُّ الجاذبيَّة في شخصيَّة السَّيِّد الصَّدر.
هذه العناوين هي التي أعطت السَّيِّد الصَّدر هذه الجاذبيَّة.
وفي حياته شواهد كثيرة على ذلك.
العنوان الخامس: ضرورة أن تتعرَّف عليه كلُّ الأجيال
أيُّها الأحِبَّة ضروري أن تتعرَّف كلُّ أجيالنا على السَّيِّد الصَّدر، فالسَّيِّد الصَّدر لكلِّ الأجيال.
1-الذين عاصروه ولم يلتقوه ولم يقرأوه
2-الذين لم يعاصروه
إنَّ كلَّ الأجيال لم تعاصر السَّيِّد الصَّدر، حيث إنَّ السَّيِّد الصَّدر عاش مرحلة، ومضت هذه المرحلة، وجاءت أجيال جديدة، فيجب أن نعرِّف هذه الأجيال بالسَّيِّد الصَّدر، كما أنَّه ليس كلّ الذين عاصروه التقوه وقرأوه.
مسؤوليَّة مَنْ أنْ يعرِّف السَّيِّد الصَّدر للأجيال؟
1-مسؤوليَّة تلامذته.
تلامذة السَّيِّد الصَّدر بالدَّرجة الأولى، والذَّين تتلمذوا على يد السَّيِّد الصَّدر يحملون مسؤوليَّة كبيرة أن يعرِّفوا السَّيِّد الصَّدر للأجيال، إنَّهم عرفوه عن حضور، وعن مشاهدة، وعن معايشة، فلينقلوا الصَّورة إلى كلِّ الأجيال.
فطلَّاب السَّيِّد الصَّدر وتلامذته يتحمَّلون المسؤوليَّة في أن ينقلوا الصُّورة إلى كلِّ الأجيال.
2-مسؤوليَّة العلماء والدُّعاة والمفكِّرين.
مطلوب أن يتجذَّر السَّيِّد الشَّهيد الصَّدر:
1-في عقل الأجيال.
2-في وجدان الأجيال.
3-في أخلاق الأجيال.
4-في سلوك الأجيال.
5-في حَراك الأجيال.
اقرأوا الشَّهيد الصَّدر من خلال كتاباته:
•الفلسفيَّة والمنطقيَّة
•الاقتصاديَّة والمصرفيَّة
•الفقهيَّة والأصوليَّة
•العقائديَّة
•القرآنيَّة
•الأخلاقيَّة
•التَّاريخيَّة
•المتفرِّقة
العنوان السَّادس: التَّقريب بين الحوزة والجامعة
1-فرض نفسه على العقل الجامعي.
2-كتاباته اقتحمت أجواء الجامعات.
3-أسَّس لعلاقات مع أساتذة الجامعات.
4-تشجيع الأنشطة القادرة على استقطاب طلَّاب الجامعات.
5-الارتقاء بوعي طلَّاب الحوزة ليكونوا قادرين على استقطاب طلَّاب الجامعات.
6-خلق تواصل بين الحوزة والجامعة من خلال مشروعين:
المشروع الأوَّل: حثُّ خريجي الجامعات على الالتحاق بالحوزات؛ لإنتاج كفاءات حوزويَّة مزوَّدة بعقل أكاديمي.
المشروع الثَّاني: إقامة دورات حوزويَّة لطلَّاب الجامعات؛ لإنتاج كفاءات جامعيَّة محصَّنة بثقافة حوزويَّة.
ثانيًا: الشَّهيدة آمنة الصَّدر بنت الهدى
العنوان الأوَّل: شقيقة الشَّهيد السَّيِّد الصَّدر وشريكته في الجهاد والشَّهادة
1-شقيقة الشَّهيد السَّيِّد الصَّدر
الشَّهيدة آمنة الصَّدر هي شقيقة الشَّهيد السَّيِّد الصَّدر، والتي غلب عليها عنوان (بنت الهُدى)، حيث كانت كتاباتها بعنوان بنت الهُدى.
2-وهي شريكته في الجهاد
كم هو جهاد السَّيِّد الصَّدر طويل وعظيم وكبير، الشَّهيدة بنت الهدى كانت شريكة السَّيِّد الصَّدر في هذا الجهاد الطَّويل، هي أصغر من السَّيِّد الصَّدر، ولكنَّها عاشت مدرسة السَّيِّد الصَّدر، وعاشت تجربة السَّيِّد الصَّدر، وعاشت فكر السَّيِّد الصَّدر، وعطاءات السَّيِّد الصَّدر، وجهاد السَّيِّد الصَّدر، فشاركته في كلِّ هذا التَّاريخ، فهي شريكته في الجهاد والعطاء.
3-وكانت شريكته في الشَّهادة
فقد استشهدت يوم استشهد السَّيِّد الصَّدر.
العنوان الثَّاني: دورها التَّبليغي والجهادي
ما هو دور السَّيِّدة بنت الهدى، السَّيِّدة آمنة الصَّدر؟
لا تستطيع كلمة عابرة وسريعة وعاجلة أن تُعطي لهذه المرأة العملاقة شيئًا من حقِّها، لا في كلمة، ولا في كلمات، ولا في كتاب، ولا في كتابات.
لكن هي إطلالة عابرة؛ حتى نلقي ضوءًا على شخصيَّة الشَّهيدة بنت الهُدى، ونحاول من خلالها أن نتناول دورها التَّبليغي والجهادي.
ما هو دور الشَّهيدة بنت الهُدى التَّبليغي والجهادي؟
هنا أذكر مجموعة أدوار:
الدُّور الأوَّل: أسَّست مدارس لإنشاء أجيال من المؤمنات الرِّساليَّات
من أبرز أنشطة الشَّهيدة بنت الهدى أنَّها أسَّست مدارس بنت الهُدى في العراق، مدارس نسائيَّة للبنات، للنِّساء، للفتيات، مدارس لإنشاء أجيال من المؤمنات الرِّساليَّات، في بغداد، وكربلاء، والنَّجف الأشرف، والبصرة.
إنَّها وجدت أنَّ الثَّقافة والعلم هما اللذان يحصِّنان أجيالنا النِّسائيَّة، فغذَّت بفكرها، وبثقافتها، وبعطائها، وبمنهجها أجيال من نساء الأُمَّة، فهذه المدارس العلميَّة والتَّبليغيَّة والرِّساليَّة أنتجت، وعبر التَّاريخ ظلَّت خرِّيجات هذه المدارس يمارسن دورًا تبليغيًّا كبيرًا.
إذن، أوَّل جهد وأوَّل عطاء في حياة الشَّهيدة بنت الهُدى هو هذه المدارس التي بقيت عنوانًا كبيرًا.
لذلك ضرب النِّظام البائد في العراق هذه المدارس، لأنَّه يعلم أنَّها كم تخرِّج من أجيال، وكم تخرِّج من كفاءات.
هذا الدُّور الأوَّل للشَّهيدة بنت الهُدى.
الدُّور الثَّاني: كانت داعية نشطة، ومحاضِرة قديرة
فقد كانت تحاضر من خلال برامج ثقافيَّة، وبرامج علميَّة، إنَّها كانت تملك قدرة الحديث وقدرة الخطاب، كانت تتحدَّث مع النِّساء، وتتحدَّث مع الفتيات، والشَّابات، والكبار، بلغة كفوءة، وبخطاب بليغ، وخطاب واع، وخطاب يلامس ويقارب كلَّ حاجات المرحلة، ليس خطابًا تقليديًّا متخلِّفًا، بل خطابًا متطوِّرًا في لغته، ومضامينه، وقدراته، ومعالجته لكلِّ هموم السَّاحة النِّسائيَّة.
إذن، كانت خطيبة ومحاضِرة ومبلِّغة بدرجة امتياز.
هذه هي المساحة الثَّانية من دور الشَّهيدة أنَّها كانت تحاضر، وتحاور، وتلتقي مع المثقَّفات والنَّاشئات من بنات الإسلام.
الدُّور الثَّالث: برزت في عالم الكتابة والتَّأليف
لم تحاضِر فقط، بل ألَّفت وكتبت.
فهي تملك:
-قدرة علميَّة راقية.
-قابليَّة أدبيَّة متميِّزة.
-عمقًا في الطَّرح.
هنا قيمة الكتابة، فليس كلُّ من يكتب تكون كتابته راقية، وليس كلُّ من يكتب يحمل عمقًا فيما يكتب، السَّيِّدة بنت الهُدى كتبت، لكن كتبت بعمق، وكتبت بامتياز، وكتبت بقابليَّة أدبيَّة راقية جدًّا.
-لغة قصصيَّة شيِّقة
وقد نهجت منهج الأسلوب القصصي، فإنَّ كتابات السَّيِّدة بنت الهدى يغلب عليها الكتابات القصصيَّة، وهي أكثر تأثيرًا في الأجيال، وفي الجيل النِّسائي.
وصدر لها مجموعة كتابات أخذت طابع الكتابة القصصيَّة، منها:
1-الفضيلة تنتصر: كتاب قصصي، رائع، وجميل، ومحبَّب.
2-ليتني كنت أعلم.
3-امرأتان ورجل.
4-الخالة الضَّائعة.
وعناوين أخرى.
إذن الشَّهيدة بنت الهُدى كاتبة.
فهي مفكِّرة، وهي داعية، وهي محاضِرة، وهي مؤسِّسة لمدارس، وهي كاتبة.
الدُّور الرَّابع: دورها السِّياسي
كانت شريكة أخيها الشَّهيد الصَّدر في العمل السِّياسي والجهادي
شاركت شقيقها الشَّهيد السَّيِّد محمد باقر الصَّدر في عمله السِّياسي والجهادي.
كم هو واضح عمل السَّيِّد الصَّدر السِّياسي عبر تاريخ طويل.
وكم هو واضح عمل الشَّهيد الصَّدر الجهادي عبر تاريخ طويل.
وكانت النِّهاية واحدة، هي الشِّهادة.
استشهدت معه في 22 جمادى الأولى 1400 ه، المصادف 9 / 4 / 1980 م
ففقد أُخذ السَّيِّد الصَّدر إلى بغداد، وكان الاعتقال الأخير، حيث إنَّ السَّيِّد الصَّدر اعتقل عدَّة اعتقالات، واعتقل هذا الاعتقال الأخير، والذي من خلاله تمَّ إعدامه، وأُرسِل الجثمان الطَّاهر المبارك إلى النَّجف ليوارى بخفاء، وظلَّ جثمانه مخفيًّا مستورًا، لا يعلم عنه أحد، إلَّا السَّيِّد محمَّد صادق الصَّدر الذي استلم الجثمان، وظلَّ متكتِّمًا كلَّ التَّكتُّم على جثمان السَّيِّد الصَّدر، إلى أن استطاع أحد المؤمنين أن يكتشف موقع القبر، وتمَّ نقله في زمن الطَّاغية صدام إلى موقع آخر، وبعد سقوط النِّظام نُقِل إلى الموقع الحالي، والذي جُعل له قبرًا وصرحًا كبيرًا.
هذا السَّيِّد الصَّدر.
أما عن جثمان الشَّهيدة بنت الهُدى فلا يُعلم عنه شيئ حتى الآن، فلم يُسلَّم جثمانها، وإن قيل أنَّه سُلِّم، لكنَّ الرِّواية الأخرى الأقوى أنَّ جثمان السَّيِّدة الشَّهيدة بنت الهدى لم يُسلَّم مع جثمان الشَّهيد السَّيِّد الصَّدر.
أين دفنها النِّظام؟
هل أذيبت في حوض (تيزاب)؟
لا يعلم بموقع قبرها إلَّا الله.
وهل لها موقع قبر أو لا؟
الله أعلم.
وآخر دعوانا أن الحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.