الرسول الأكرم (ص)من وحي الذكريات

كلمة العلَّامة السَّيِّد عبد الله الغريفي في ذكرى المبعث النَّبويِّ والإسراء والمعراج

هذه الكلمة للعلَّامة السَّيِّد عبد الله الغريفي، بمناسبة ذكرى المبعث النَّبوي – الإسراء والمعراج، وقد تمَّ بثُّها عبر البثِّ الافتراضي في يوم الخميس، بتاريخ: (26 رجب 1442 هـ – الموافق 11 مارس 2021 م)، وقد تمَّ تفريغها من تسجيل مرئيٍّ، وتنسيقها بما يتناسب وعرضها مكتوبةً للقارئ الكريم.

في ذكرى المبعث النَّبويِّ والإسراء والمعراج

أعوذ باللَّه السَّميع العليم من الشَّيطان الغويِّ الرَّجيم.
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم.
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأفضلُ الصَّلوات على سيِّدِ الأنبياء والمرسلين سيِّدنا، ونبيِّنا، وحبيبنا، وقائدنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ الهداة الميامين الطَّيِّبين الطَّاهرين.
السَّلام عليكم أيُّها الأحبَّة جميعًا ورحمة الله وبركاته.
وبعد:
فنلتقي في السَّابع والعشرين من شهر رجب بمناسبتين كبيرتين من مناسبات المسلمين:
المناسبة الأولى: ذِكرى المبعث النَّبويِّ وفق الرِّواية الشِّيعيَّة.
المناسبة الثَّانية: ذكرى الإسراء والمعراج وفق الرِّواية السُّنِّيَّة.
وكلا المناسبتين لهما موقعهما الكبير جدًّا في قلوب المسلمين بكلِّ انتماءاتهم، ومذاهبهم.
سأبدأ بالحديث حول المبعث النَّبويِّ، ثمَّ سأتحدَّث عن الإسراء والمعراج.

أوَّلًا: المبعث النَّبويُّ

هو أعظم مناسبة في تاريخ الدُّنيا!
في تاريخ الدُّنيا لا توجد مناسبة أعظم من مناسبة البعثة النَّبويَّة على الإطلاق بين كلِّ المناسبات!
المناسبة الأولى في تأريخ الدُّنيا هي مناسبة المبعث النَّبويِّ، فالمبعث النَّبوي هو أعظم يوم في تاريخ الدُّنيا، ولا يومَ أعظمُ منه، ففيه انبلج فجرُ الرِّسالةِ العظمى، والنُّبوَّة الخاتمة.
في تاريخ البشريَّة رسالات، ونبوَّات، منها خمس رسالات كبرى: رسالةُ نبيِّ الله نوح (عليه السَّلام)، ورسالةُ نبيِّ الله إبراهيم (عليه السَّلام)، ورسالة نبيِّ الله موسى (عليه السَّلام)، ورسالة نبيِّ الله عيسى (عليه السَّلام)، ورسالةُ نبيِّنا الأعظم محمَّد (صلّى لله عليه وآلِهِ وسلّم).
هذه خمس رسالات تُعتبر الرِّسالات الكبرى في تأريخ الرِّسالات، وفي تاريخ النُّبوَّات، وخاتمةُ هذه الرِّسالاتِ، وأعظمُها، وأشرفُها هي نبوةُ ورسالةُ سيِّد الأنبياءِ الحبيب المصطفى (صلَّى لله عليه وآلِهِ وسلَّم).
فمطلوب من المسلمين أنْ يعطوا لهذه المناسبة – مناسبة البعثة – موقعها في (عقولهم)، وفي (قلوبهم)، وفي كلِّ (واقعهم).
وبقدر ما يكون لهذه المناسبة حضورها لدى المسلمين تتجذَّر في واقعهم (الأصالة، والانتماء)، وتتمركز في حياتهم (القِيمُ الكبرى، والأهداف العظمى) التي جاء بها الإسلام.

كيف بدأ نزولُ الوحي على النَّبيِّ (صلَّى لله عليه وآلِهِ)؟

نحن هنا نتحدَّث عن بداية البعثة، وبداية انطلاقة الرِّسالة، وبداية نزول الوحي على النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله).
النَّبيُّ (صلَّى الله عليه وآله) يتعبَّد في كلِّ سنة في غار حراء، ويخصِّص له موسمًا معيَّنًا للعبادة.
كيف بدأ نزولُ الوحي على النَّبيِّ (صلَّى لله عليه وآلِهِ) وهو يتعبَّد في غار حراء؟

رؤيتان حول نزول الوحي على النَّبيِّ (صلَّى لله عليه وآلِهِ)

أذكر هنا رُؤيَتين للَّحظة التي بدأ فيها نزول الوحي على النَّبيِّ (صلَّى لله عليه وآلِهِ).
الرُّؤية الأولى
تقول هذه الرُّؤية: «…، جاءه المَلك …، فقال: اقرأ.
فقال رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم)، فقلت: ما أنا بقارئ!
قال: فأخذني، فغطَّني حتَّى بلغ منِّي الجهد، ثمَّ أرسلني، فقال: اقرأ.
فقلت: ما أنا بقارئ.
فأخذني، فغطَّني الثَّانية حتَّى بلغ منِّي الجهد، ثمَّ أرسلني، فقال: اقرأ.
فقلت: ما أنا بقارئ!
فأخذني، فغطني الثَّالثة حتَّى بلغ منِّي الجهد، ثمَّ أرسلني، فقال: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ حتَّى بلغ ﴿… مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾، …» (مسند أحمد 6/233، الإمام أحمد بن حنبل).
إنَّ «المَلَك» يعني جبرئيل جاء محمَّدًا (صلَّى لله عليه وآلِهِ وسلَّم) وهو «في غار حراء يتعبَّد»، فنزل المَلَكَ – ولعلَّ المَلَك هنا جبرئيل (عليه السَّلام) – على النَّبيِّ (صلَّى لله عليه وآلِهِ) «وهو» يتعبَّد «في غار حراء»، «فقال» له – أي: المَلَك قال لمحمَّد (صلَّى لله عليه وآلِهِ): «اقرأ».
انتبهوا بدقَّة إلى الصِّيغة المطروحة وفق الرُّؤية الأولى، «فجاءه المَلَكَ فيه، فقال» أي: جبرئيل لمحمَّد (صلَّى لله عليه وآلِهِ): «اقرأ
فقال رسول الله، فقلت: ما أنا بقارئ»!
أنا لا أعرف القراءة!
الرَّسول أُميٌّ لا يقرأ، ولا يكتب!
«فـقال رسول الله: ما أنا بقارئ»!
قال النَّبيُّ (صلَّى لله عليه وآلِهِ): «فأخذني» المَلَكُ!
انتبهوا للصِّيغة: «فأخذني» المَلَكُ «فغطَّني حتَّى بلغ منِّي الجهد»!
غطَّني: أي حبس نفسي، وضغط عليَّ، وخَنَقَنِي حتَّى كِدتُ أنْ أموت، ثمَّ أرسلني!
«فقال» المَلَكَ: «اقرأ» مرَّة ثانية «قال» المَلك للنَّبيِّ: «اقرأ»!
فقلت: ما أنا بقارئ، أنا لا أعلم القراءة!
«فأخذني، فغطَّني الثَّانية حتَّى بلغ منِّي الجهد، ثمّ أرسلني».
فقال المَلَكَ: «اقرأ» مرَّة ثالثة!
فقلت: ما أنا بقارئ، «فأخذني، وغطَّني الثَّالثة حتَّى بلغ منِّي الجهد ثمَّ أرسلني»، فقال: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾» (سورة العلق: الآية 1).
غطَّه: أي عصره، وحبس نفسه، أو خنقه حتَّى بلغ منه الجهد، أو حتَّى ظنَّ الموت!

ملاحظات على هذه الرُّؤية
هذه الرُّؤية لنا تحفُّظ عليها.
لنا مجموعة ملاحظات على هذه الرؤية:
الملاحظة الأولى: ما المبرر أنْ يستخدم المَلَك هذا الأسلوب القاسي مع محمَّدٍ (صلَّى لله عليه وآلِهِ وسلَّم)؟
ما هي الضَّرورة؟
هذا أسلوب قاسٍ، جاف.

الملاحظة الثَّانية: لماذا لم يصدِّق جبرئيل محمَدًا (صلَّى لله عليه وآلِهِ وسلَّم) بأنَّه غير قادر على القراءة في المرَّة الأولى؟!
النَّبيُّ محمَّد (صلَّى الله عليه وآله)، قال: أنا لا أقرأ، فلماذا لم يصدِّقه في المرَّة الأولى، والمرَّة الثَّانية، والمرَّة الثَّالثة، وبعدئذٍ اقتنع جبرئيل أنَّ محمَّدًا (صلَّى الله عليه وآله) لا يقرأ.
هذه مسألة فيها كثير من الهفوات.

الملاحظة الثَّالثة: جبرئيل (عليه السَّلام) لم يأتِ محمَّدًا (صلَّى لله عليه وآلِهِ وسلَّم) بشيئ مكتوب؛ حتَّى يقول له النَّبيُّ (صلَّى الله عليه وآله): «ما أنا بقارئ»!
لم يأتِ له برسالة مكتوبة، ليقول له النَّبيُّ (صلَّى الله عليه وآله): «ما أنا بقارئ»، فهل يطلب منه أنْ يقرأ، ويردُّ محمَّد (صلَّى لله عليه وآلِهِ): «ما أنا بقارئ»؟
وإنَّما المراد بالقراءة (التِّلاوة)، اتلو.
إذن، لا يوجد شيئ مكتوب حتَّى يقول النَّبيُّ (صلَّى الله عليه وآله): أنا لست بقارئ!
فلماذا يأمره بالتِّلاوة قبل أنْ يتلوا عليه شيئًا، ثمَّ لماذا لا يستجيب محمَّدٌ (صلَّى لله عليه وآلِهِ وسلَّم)، فيتلو؟!
وتقول بعض الرِّوايات ضمن هذه الرُّؤية – الأولى -: إنَّ النَّبيَّ (صلَّى لله عليه وآلِهِ وسلَّم) كان مضَّطرِبًا، وقلقًا حينما نزل عليه الوحي، إلَّا أنَّ خديجة هي التي طمأنته، وثبَّتتهُ!
أو أنَّ ابن عمِّها ورقة بن نوفل – وكان نصرانيًّا – هو الذي طَمْأنه، وثبَّتَهُ!
ولنا تحفُّظ على هذا النَّمط من الرِّوايات:
1-تحاول أنْ تعطي ورقة بن نوفل دورًا كبيرًا ومهمًّا في تثبيت نبوَّة نبيِّنا الأعظم (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم).
2-حتَّى أنَّهم رووا أنَّ النَّبيَّ (صلَّى الله عليه وآلِهِ) رآه في الجنَّة، والرِّوايات تؤكِّد أنَّه مات على نصرانيَّته، مع أنَّه عاش بعد البعثة عدَّة سنوات!!
هذه مجموعة روايات مضطَّربة جدًّا.
هذه هي الرُّؤية الأولى، ولنا تحفُّظاتنا عليها كثيرًا.

الرُّوية الثَّانية
التي وردت في مصادر أهل البيت (عليهم السَّلام) صيغة مهذَّبة، بعيدة عن هذا الارتباك، وبعيدة عن هذا الاضطراب.
•جاء في الرِّوايات الواردة عن أئمَّة أهل البيت (عليه السَّلام): إنَّ جبرئيل (عليه السَّلام) نزل على النَّبيِّ (صلَّى لله عليه وآلِهِ) وهو يتعبَّد في غار حراء، فقال له: اقرأ.
قال (صلَّى لله عليه وآلِهِ): ما اقرأ؟
الفرق بين «ما أنا بقارئ» هناك كأنَّه النَّبيُّ (صلَّى لله عليه وآلِهِ) جاؤوا له برسالة يقرأها، بينما هنا فإنَّ جبرئيل (عليه السَّلام) يقول له: اقرأ والنَّبيُّ من الطَّبيعيِّ يسأل: وما أقرأ؟
أي: أيَّ شيئ أقرأ؟
قال جبرئيل (عليه السَّلام): ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ (سورة العلق: الآية 1).
لا يوجد فيها «غطَّني»، و«حبسني»، وإلى آخره من الصُّورة المرتبكة!
والنَّبيُّ (صلَّى الله عليه وآله) كان مطمئنًا كلَّ الاطمئنان، واستقبلَ الوحيَ.
والنَّبيُّ (صلَّى الله عليه وآله) لم يفاجئه أمر الرِّسالة!
فكما يبدو أنَّ النَّبيَّ (صلَّى الله عليه وآله) كان يوجد تاريخ من الإعداد له.
فمسألة أنَّه كان مضطَّربًا؟!، أو كما في بعض الرِّوايات ورد أنَّه كاد يلقي بنفسه من شاهق!!، فهذه روايات مرتبِكة؟
النَّبيُّ (صلَّى الله عليه وآله) كان مُعدًّا إعدادًا كاملًا؛ لاستقبال النُّبوَّة.
فلنقرأ هذا النَّصَّ للإمام أمير المؤمنين (عليه السَّلام) في نهج البلاغة، من خطبة لأمير المؤمنين (عليه السَّلام) التي تُسمَّى بـ(الخطبة القاصعة)، فقد ورد في هذه الخطبة مقطع، يتحدَّث أمير المؤمنين (عليه السَّلام) عن بداية الوحي، وعن النَّبيِّ (صلَّى لله عليه وآلِهِ).

•وجاء في الخطبة (القاصعة) لأمير المؤمنين (عليه السَّلام) متحدِّثا عن النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم): «…، ولقد قرن الله به (صلَّى الله عليه وآله) من لدن أنْ كان فطيمًا أعظم ملك من ملائكته، يسلك به طريق المكارم، ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره.
ولقد كنت أتَّبعه اتِّباع الفصيل أثر أمِّه، يرفع لي في كلِّ يوم من أخلاقه علمًا، ويأمرني بالاقتداء به.
ولقد كان يجاور في كلِّ سنة بحراء، فأراه ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذٍ في الإسلام غير رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، وخديجة، وأنا ثالثهما.
أرى نور الوحي والرِّسالة، وأشمُّ ريح النُّبوَّة، ولقد سمعت رنَّة الشَّيطان حين نزل الوحي عليه (صلَّى الله عليه وآله)، فقلت: يا رسول الله، ما هذه الرَّنَّة؟
فقال هذا الشَّيطان أيس من عبادته، …» (نهج البلاغة 2/158، خطب الإمام علي عليه السَّلام).
«ولقد قرن الله به»، أي: بمحمد «(صلَّى لله عليه وآلِهِ وسلَّم) من لدن أنْ كان فطيمًا» مجرَّد أنْ وُلد محمَّدٌ كان هناك رعاية ربَّانيَّة، وكان هناك إشراف، وكان هناك إعداد، «أعظم مَلَك من ملائكته يسلك به طريق المكارم، ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره»، إشراف ورعاية، وتوجيه ربَّانيٌّ، مَلَكٌ يُشرِف على حركة النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله)، يُعِدُّه لأعظم رسالة، وأضخم رسالة، وأعظم نبوَّة، «ولقد كنتُ أَتَّبِعُه»، عَليٌّ (عليه السَّلام) يقول: أنا أتَّبع محمَّدًا (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم)، «اتِّباع الفصيل أثر أمِّه، يرفع لي في كلِّ يوم من أخلاقِهِ عِلْمًا، ويأمرني بالاقتداء به، ولقد كان يجاور في كلِّ سنّة بحِراء»، فكان عنده موسم يتعبَّد فيه النَّبيُّ (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم) في غار حراء، «فأراه ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذٍ في الإسلام غير رسول اللهِ (صلَّى لله عليه وآلِهِ وسلَّم)، وخديجة، وأنا ثالثهما، أرى نور الوحي والرِّسالة، وأشمُّ ريح النُّبوَّة، ولقد سمعت رنَّة الشَّيطان حين نزل الوحي عليه (صلَّى الله عليه وآله)، فقلت: يا رسول الله، ما هذه الرَّنَّة؟!
فقال: هذا الشَّيطان آيس من عبادتِهِ، …» (الشَّيخ محمَّد عبدة: شرح نهج البلاغة 2/157).

•وسأل زرارةُ الإمام الصَّادقَ (عليه السَّلام): «كيف لم يخف رسول الله (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلم) فيما يأتيه من قبل الله أنْ يكون ذلك ممَّا ينزغ به الشَّيطان؟
قال: فقال: إنَّ الله إذا اتَّخذ عبدًا رسولًا أنزل عليه السَّكينة، والوقار، فكان الذي يأتيه من قبل الله (عزَّ وجلَّ) مثل الذي يراه بعينه» (البرهان في تفسير القرآن 3/218، السَّيِّد هاشم البحراني).
فما اتَّجهت إليه الرُّؤية الأولى من أنَّه (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلم) كان مضطَّربًا، وقلقًا، وشاكًّا هو أمر مرفوض تمامًا، فقد تمَّ إعداد النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم) قبل أنْ يُبعث إعدادًا كاملًا.
هذ العنوان الأوَّل وتمَّ فيه الحديث عن بداية البعثة النَّبويَّة.
والآن أنتقل إلى الحديث عن الإسراء والمعراج.

ثانيًا: الإسراء والمعراج

تحدَّث القرآن الكريم عن الإسراء في الآية الأولى من سورة الإسراء، حيث قال: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا …﴾ (سورة الإسراء: الآية 1).
هذا المقطع القرآنيُّ يتحدَّث عن الإسراء.
هذه الحركة، وهذه السَّفْرَة اللَّيليَّة التي تمَّت من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى.
وتحدَّث القرآن الكريم عن المعراج في سورة النَّجم، حيث قال: ﴿ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى﴾ (سورة النجم: الآية 6 – 11).
فالإسراء هو الرِّحلة الإلهيَّة التي حَدَثت للنَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، والتي تمَّت بطريقة إعجازيَّة، حيث أُسرِي به (صلَّى الله عليه وآله وسلم) ليلًا من مكَّة إلى بيت المقدس في زمن قياسيٍّ جدًّا!
والمعراج هو الصُّعود بالنَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) من المسجد الأقصى إلى السَّماوات العُلى، حيث بلغ موقعًا لا يصل إليه أحدٌ من البشر إلَّا بإذن الله تعالى.

متى حدث الإسراء والمعراج؟
هنا أقوال:
القول الأوَّل: قيل: في السَّنة الثَّالثة من البعثة.
القول الثَّاني: قيل: في السَّنة العاشرة من البعثة.
القول الثَّالث: قيل: في السَّنة الثاَّلثة عشرة من البعثة.
وذهب البعض إلى تعدُّد وقوع هذا الحادث، وليس مهمًّا أنْ يحدَّد الزَّمان بقدر ما هي أهمِّية الحدث.

كيفيَّة الإسراء والمعراج
كيف حدث الإسراء والمعراج؟
لقد تعدَّدت الآراء:
الرَّأي الأوَّل: إنَّ الإسراء والمعراج كانا بالرُّوح لا بالجسد!
أي أنَّ روح رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) أُسْرِيَ وعرج بها، أمَّا جسده فقد بقي مكانه لم يتحرَّك!
وهذا الرَّأي مرفوض لعدَّة أمور منها:
أوَّلًا: إنَّ ظاهِر القرآن الكريم أنَّ الاسراء والمعراج بالجسد.
•﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ …﴾ (سورة الإسراء: الآية 1).
إنَّ كلمة ﴿بِعَبْدِهِ﴾ تعني بجسده، بكامل مكوِّناته، وليس بالرُّوح فقط.
•﴿فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى﴾ (سورة النجم: الآية 10).
هذا في المعراج.
إذن، المسألة ليست بالرُّوح، بل بالجسد.
ثانيًا: لا معجزة في إسراء وعروج الرُّوح!
المعجزة أنْ يكون الإسراء والمعراج بالجسد والرُّوح، فإنَّ أرواح الأولياء قد تعرج، إذن أيُّ معجزة في ذلك؟
في الإسراء معجزة، وفي المعراج معجزة، فإذا قلنا هو عروج بالرُّوح فقط فلا معجزة في ذلك!

الرَّأي الثَّاني: إنَّ الإسراء والمعراج هي رؤية رآها النَّبيُّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وهو في المنام!
لقد كان النَّبيُّ نائمًا النَّبيُّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، ورأى رؤية أنَّه قد انتقل إلى المسجد الأقصى، وإلى السَّماوات العلى.
وهذا الرَّأي باطل أيضًا، وذلك لعدَّة أمور منها:
أوَّلًا: لا إعجاز في ذلك!
ما هي المعجزة بأنْ يرى أحدهم رؤية بأنَّه قد ذهب في رحلة إلى السَّماء! لا يوجد أيُّ إعجاز.
ثانيًا: إنَّ كلمة: ﴿بِعَبْدِهِ﴾ (سورة الإسراء: الآية 1)، وكلمة ﴿إلى عَبْدِهِ﴾ (سورة النجم: الآية 10) الواردتان في القرآن الكريم يدلَّان على أنَّ هذه الرِّحلة الإلهيَّة قد تمَّت بالجسد والرُّوح معًا.

الرَّأي الثَّالث: إنَّ الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى كان بالجسد والرُّوح، وأنَّ العروج من المسجد الأقصى إلى السَّماوات العلى كان بالرُّوح فقط!
أي: هو عروج روحانيٌّ، بمعنى: (التَّدبُّر، والتَّأمُّل في عظمة وجلال الله تعالى من خلال التَّجرُّد من عالم المادَّة إلى عالم الرَّوحانيَّة).
ويسند أصحاب هذا الرَّأي قولهم بأنَّ الإنسان الذي يحمل هذا الجسد المادِّي، لا يمكنه أنْ يخترق الأفلاك.
وهذا الرَّأي – أيضًا – مرفوض.
ويرد على هذا الرَّأي:
أوَّلًا: التَّدبُّر والتَّأمُّل في عظمة وجلال الله تعالى، يمكن أنْ يمارسه الكثير من الأولياء، وأصحاب البصائر، وليس من مختصَّات النَّبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم).
كأنَّما هذا الرَّأي يقول: إنَّ العروج كان عبارة عن تأمُّلات، فرسول الله (صلَّى الله عليه وآله) تأمَّل تأمُّلات في الكون، وعاش حالة عروجيَّة في عظمة وجلال الله تعالى يمكن أنْ يمارسه الكثير من الأولياء.
ليس لذلك خصوصيَّة بالنَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله)، فأيُّ عبد صالح يقدر على أنْ يتأمَّل، ويعيش الآفاق، وأصحاب البصائر، وليس ذلك من مختصَّات النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم).
ثانيًا: نظريَّة استحالة اختراق الأفلاك قد تغيَّرت وفق معطيات العلم وتطوراته.
ثالثًا: أمام قدرة الله تعالى لا يقف شيئ.

الرَّأي الرَّابع – وهو الرَّأي التي تتبنَّاه مدرسة أهل البيت (عليهم السَّلام) -: الإسراء والمعراج كانا بالجسد والرُّوح معًا
وهذا هو الرَّأي الصَّائب، ويجمع عليه علماؤنا، وهو ظاهر الآيات، وصريح الرِّوايات.

تشكيكات مرفوضة
يحاول المشكِّكون في مفاهيم الدِّين أنْ يطرحوا بعض الإشكالات حول مسألة (المعراج) زاعمين أنْ العلم لا يقبل هذه المسألة.
من هذه الإشكالات:
1-إشكال الحرارة العالية في طبقات الجو، فإنَّ الحرارة العالية لا يمكن اختراقها!
2-إشكال التَّخلُّص من الجاذبيَّة.
3-إشكال انعدام الوزن.
4-إشكال تخطِّي الغلاف الجويِّ.
5-إشكال التَّخلُّص من الشُّهب.
6-إشكال انعدام الأكسجين.
ومجموعة إشكالات علميَّة أُخرى.
من الطَّبيعيِّ مَنْ لا يؤمن بالله تعالى، وبقدراته اللَّامحدودة تتكوَّن لديه هذه الأنماط من الإشكالات، إلَّا أنَّ المؤمنين بالله سبحانه يعلمون كلَّ العلم أنَّ قُدرات الخالق المُطلقة لا تقف أمام أيَّة معوِّقات.
إنَّنا لا نتحدَّث عن قدرة بشريَّة، بل نتحدَّث عن قدرة تملك الكونَ كلَّ الكون، وتدبِّر الكونَ كلَّ الكون.
إنَّ معجزات الأنبياء (عليهم السَّلام) قد تجاوزت كلَّ القُدُرات البشريَّة.
وهل معجزات الأنبياء (عليهم السَّلام) وفق قدرات بشريَّة؟
فالنَّار قد تحوَّلت بردًا وسلامًا على إبراهيم (عليه السَّلام)، فهل وفق قدرات بشرية؟!
وعصا موسى (عليه السَّلام) قد تحوَّلت إلى أفعى، فهل هذا وفق قدرات بشريَّة؟
وعصاه (عليه السَّلام) قد فلقت البحر، وفجَّرت الينابيع، فهل هذا وفق قدرات بشريَّة؟
وعيسى (عليه السَّلام) قد صنع من الطِّين طَيرًا، وأحيا الموتى، فهل وفق قدرات بشريَّة؟
كلُّ ذلك بقدرة الله تعالى، وإرادته.
فنبيُّنا محمد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) لم يعرج إلى السَّماء بطاقاته البشريَّة، بل كان ذلك بقدرة الله سبحانه.

كيف نوظِّف هاتين المناسبتين في واقع المسلمين؟
هنا نطرح بعض أسئلة:
السُّؤال الأوَّل: هل يمكن أنْ نُوظِّف هاتين المناسبتين؛ لإنتاجِ الوحدةِ والتَّآلف بين المسلمين؟
المسلمون جميعًا – وبكلِّ مذاهبهم – يؤمنون بأنَّ البعثة النَّبويَّة هي المنطلق الذي أُسَّس لوجود هذه الأمَّة، ولكلِّ مساراتها الإيمانيَّة، والرُّوحيَّة، والفكريَّة، والاجتماعيَّة، والأخلاقيَّة، والسُّلوكيَّة.
كما أنَّ المسلمين جميعًا يؤمنون بحادثة الإسراء والمعراج، وبكلِّ دلالاتها العقيديَّة، والثَّقافيَّة، والعمليَّة.
وإذا كانت هذه الأمَّة بمذاهبها، وتعدُّداتها تختلف في بعض الرُّؤى العقيديَّة، والفقهيَّة، والتَّاريخيَّة، فهي تتَّفق كلَّ الاتِّفاق في انتمائها إلى هذه الرِّسالة، وفي إيمانها القرآن الكريم، وبالنُّبوَّة، وبأساسات هذا الدِّين.
إنَّ مناسبتين عظيمتين – وبهذا الحجم كمناسبة البعثة، ومناسبة الإسراء والمعراج – إنْ فهمناهما فَهْمًا أصيلًا، وتعاطينا معهما بوعي وبصيرة قادرتانِ أنْ تؤسِّسا لوحدة المسلمين، وقادرتانِ أنْ ترمِّما كلَّ التَّصدُّعات التي أحدثتها (النَّزعات المذهبيَّة المتطرِّفة)، و(الخَيَارات الطَّائفيَّة المتشدِّدة).
إذا أتقنا التَّعاطي الواعي مع (البعثة النَّبويَّة)، ومع (الإسراء والمعراج)، فلا شكَّ سوف تتشكَّل في داخل أمَّتنا، وفي داخلِ شعوبنا، وأوطانِنا (خيارات المحبَّة)، و(خَيَارات التَّسامح)، و(خَيَارات التَّقارب)، و(خيارات الاعتدال).

السُّؤال الثَّاني: هل يمكن أنْ نوظِّف هاتين المناسبتين؛ لتنشيط لغة الحوار والتَّفاهم بين المذاهب والمكوِّنات، والانتماءات في داخل أمَّتِنا، وفي داخل أوطانِنا، وفي داخل كلِّ مكوِّناتنا؟
لا مشكلة أنْ تتعدَّد الانتماءات.
ولا مشكلة أنْ تتعدَّد الرُّؤى، والقناعات.
لا مشكلة أن تتعدَّد الطَّوائف، والمذاهب، والأديان.
ولكنَّ المشكلة كلَّ المشكلة أنْ تتحوَّل هذه الانتماءات، وهذه القناعات إلى (خلافات)، و(تناقضات)، و(صراعات)، و(عداوات)، و(صِدامات)، و(مواجهات).
الأمر الذي يُكلِّف أمَّتنا، ويُكلِّف شعوبنا، ويُكلِّف أوطاننا أثمانًا باهظة من أرواحٍ، ودماء، وأعراضٍ، وأموال.
نداءُ البعثة النَّبويَّة يدعونا أنْ نتقارب، ونتحاور؛ البعثة تشكِّل وحدة الأمَّة.
ونداءُ الإسراء والمعراج يدعونا أنْ نتقارب، ونتحاور.
ونداء القرآن الكريم يدعونا أنْ نتقارب، ونتحاور.
ونداء النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) يدعونا أنْ نتقارب، ونتحاور.
ونداء أهل البيت (عليهم السلام) يدعونا أنْ نتقارب، ونتحاور.
ونداء الصَّحابة يدعونا أنْ نتقارب، ونتحاور.
بينما نداء الشَّيطان يدعونا أنْ نتخالف، ونتحارب.
ونداء العصبيَّات يدعونا أنْ نتخالف، ونتحارب.
ونداء أعداءِ أمَّتنا يدعونا أنْ نتخالف، ونتحارب.
ونداء الجهل يدعونا أنْ نتخالف، ونتحارب.
فما أحوج الأمَّة بكلِّ انتماءاتها – وفي هذه الظُّروف الصَّعبة والمعقَّدة، وأمام التَّحديات المرهقة – أنْ تنفتح على لغة الحوار والتَّفاهم، وعلى خطاب التَّآلف، والتَّقارب.
وربما يرى البعض أنَّ التَّعقيدات الصَّعبة جدًّا التي تفرض هيمنتها على كلِّ واقع المسلمين أكبر من الخطابات النَّاعمة الحالمة، وأكبر من التَّمنِّيات المسترخية.
نسلِّم بوجود هذه التَّعقيدات الصَّعبة جدًّا.
ولكن يجب أنْ نؤمن بالإرادة التي يصنعها الإيمان.
ويجب أنْ نستحضر دائمًا في ذاكرتنا، وفي كلِّ واقعنا نداءات القرآن الكريم:
•﴿… إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ …﴾ (سورة الرَّعد: الآية 11).
•﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ …﴾ (سورة آل عمران: الآية 103).
•﴿… وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ …﴾ (سورة الأنفال: الآية 46).
•﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ (سورة الأنبياء: الآية 92).
•﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾ (سورة المؤمنون: الآية 52).

السُّؤال الثَّالث: هل يمكن أنْ نوظِّف هاتين المناسبتين؛ لتنشيط حركة الإصلاح – في واقع أمَّتنا بكلِّ انتماءاتها، وأوطانها، وشعوبها – الإصلاح الثَّقافيِّ، والإصلاح الاجتماعيِّ، والإصلاح الأخلاقيِّ، والإصلاح الاقتصاديِّ، والإصلاح السِّياسيِّ، وبقيَّة أشكال الإصلاح؟
البعثة النَّبويَّة تمثِّل ولادة الرِّسالة التي جاءت؛ لإصلاح العالم.
والإسراء والمعراج أكَّدا عالميَّة هذا المشروع الإصلاحيِّ.
إسلامنا يملك كلَّ مقومِّات الإصلاح.
فلسنا في حاجة أنْ نستجدي مشاريع الإصلاح من الغرب، أو الشَّرق.
فكم هو مؤلم جدًّا أنَّ أمَّةً تملك (القرآن الكريم)، وتملك (البعثة النَّبويَّة)، وتملك (الإسراء والمعراج) تستجدي مقومِّات وجودها من هنا أو هناك!
والأسوأ من هذا أنَّ أمَّة القرآن الكريم، وأمَّة البعثة النَّبويَّة، وأمَّة الإسراء والمعراج أصبحت لقمة سائغة تتداعى عليها كلُّ الأمم!
في الحديث عن النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، قال: «يوشك أنْ تَدَاعى عليكم الأمم من كلِّ أفق كما تداعى الأَكَلة على قصعتها!
قال: قلنا: يا رسول الله، أَمِن قلَّة بنا يومئذٍ؟
قال: أنتم يومئذٍ كثير، ولكن تكونون غثاء كغثاء السَّيل، …» (مسند أحمد 5/278، الإمام أحمد بن حنبل).
لماذا هكذا أصبح المسلمون؟
لأنَّهم أضاعوا (الأصالة)، ومتى ما عادوا إلى (أصالتهم)، فسوف تتشكَّل (هُويَّتهم)، وسوف يكون لهم (حضورهم) على كلِّ المستويات الثَّقافيَّة، والاقتصاديَّة، والسِّياسيَّة، والأمنيَّة.
كلمة أخيرة: دلالات لقاء آية الله العظمى السَّيد السِّيستاني (دام ظلُّه) مع الحبر الأعظم بابا الفاتيكان
لقاء المرجع الشِّيعي الأعلى في العراق آية الله العظمى السَّيِّد السِّيستاني (دام ظِلُّه) مع الحبر الأعظم بابا الفاتيكان يحمل مجموعة دلالات كبيرة.
الدَّلالة الأولى: لا عقدة من أيِّ لقاء إسلاميٍّ مسيحيٍّ ما دام ذلك اللِّقاء، أو هذا اللَّقاء يَخدمُ أهداف البشريَّة، ويحقق الخير للأوطان والشُّعوب، وما دام فيه خلاصٌ للمستضعفين والمعذَّبين في الأرض، وما دام يكرِّس المحبَّة والتَّسامح بين الأديان، أمَّا إذا كان الأمر عكس ذلك، فالتَّحفُّظ قائم على أيِّ لقاء، أو تقارب.
الدَّلالة الثَّانية: استطاع هذا اللِّقاء أنْ يوصل رسالة صريحة كلَّ الصَّراحة إلى بابا الفاتيكان بأهم هموم هذه الأمَّة، بكلِّ انتماءاتها، وطوائفها، ومذاهبها، وقوميَّاتها، هذه الهموم التي تتمركز في طلب السَّلام، والأمن، والإصلاح، والمحبَّة، والتَّسامح، والعدل، والازدهار، والرَّفاه، والاطمئنان، وفي نبذ الظُّلم، والقهر، والفقر، والاضطهاد الدِّينيِّ والفكريِّ، وكَبْت الحرِّيَّات الأساس، وغياب العدالة الاجتماعيَّة.
الدَّلالة الثَّالثة: الحوار الإسلاميُّ المسيحيُّ مطلوبٌ لا من أجل أنْ تتغيَّر قناعاتُ الانتماء إلى هذا الدِّين أو ذلك الدِّين، فهذه القناعات محكومة لمجموعة اعتباراتٍ يصعبُ الاقتراب منها، وهي متروكة للدِّراسات العلميَّة المتخصِّصة.
الحوار الإسلامي المسيحي مطلوب:
أوَّلًا: لمعالجة قضايا العلاقة بين الأديان والتي أصابها الكثير من التَّوتُّرات.
ثانيًا: لمعالجة قضايا الأزمات التي أنتجها التَّطرُّف الدِّينيُّ.
ثالثًا: لمواجهة التَّحدِّيات الكبرى التي باتت تقلق الإنسانيَّة في هذا العصر من خلال توظيف دور الإيمان بالله تعالى، وبرسالاته، وبقيم الدِّين.
الدَّلالة الرَّابعة: استطاع هذا اللِّقاء أنْ يضع الحبر الأعظم بابا الفاتيكان أمام نموذج المرجعيَّة الإسلاميَّة الشِّيعيَّة في وعيها، وبصيرتها، وروحانيَّتها، وتواضعها، وانفتاحها على قضايا العصر، وهموم العالم، وتطلُّعات الشُّعوب.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.
والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

Show More

Related Articles

Back to top button