الكلمة الرابعة: الغِيبة والنَّميمة سُلوكان مُدمِّران
هذه الكلمة للعلَّامة السَّيِّد عبد الله الغريفي، قد تمَّ بثُّها في يوم الثُّلاثاء بتاريخ: (17 رجب 1442 هـ – الموافق 2 مارس 2021 م)، وقد تمَّ تفريغها من تسجيل مرئيٍّ، وتنسيقها بما يتناسب وعرضها مكتوبةً للقارئ الكريم.
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأفضلُ الصَّلوات على سيِّدِ الأنبياء والمرسلين سيِّدنا، ونبيِّنا، وحبيبنا، وقائدنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ الطَّيِّبين الطَّاهرين.
السَّلام عليكم أيُّها الأحبَّة جميعًا ورحمة الله وبركاته.
عنوان الحديث: الغِيبة والنَّميمة سُلوكان مُدمِّران
1-التَّماسك الاجتماعيُّ من أهم أهداف الدِّين الكبرى
الدِّين فيه أهداف كبرى، وفيه أهداف تفصيليَّة، ومن الأهداف الكبرى المركزيَّة للدِّين – كلُّ الأديان، وعلى رأسها الدِّين الإسلاميُّ -، من الأهداف الكبرى في الدِّين التَّماسك الاجتماعيُّ، بصُنع لُحمة اجتماعيَّة، وصنع علاقات اجتماعيَّة.
الإسلام يحارب التَّفتُّت الاجتماعيَّ.
يحارب الصِّراعات إذا كانت على غير حقٍّ.
فالتَّماسك الاجتماعيُّ من أهداف الدِّين الكبرى.
ولذلك:
أ- أكَّد الإسلام على التَّراحم، والمحبَّة، والأخوَّة
هذه تمتِّن، وتصلِّب العلاقات الاجتماعيَّة، – أي: التَّراحم، المحبَّة، الأخوة -.
ب- أكَّد الإسلام على التَّكافل
أنْ نعيش هموم الآخرين.
أنْ نعيش آلام الآخرين.
أنْ نساعد الآخرين حينما يقعوا في المآزق، والورطات.
ج- التَّعاون بين النَّاس
كلُّ هذا يُمتِّن، ويصنع التَّماسك.
د- التَّزاور
مَن زار مؤمنًا، فكأنَّما زار الله!
مَن زار مؤمنًا تتحات الذُّنوب عنه، بالتَّواصل، والزِّيارة.
ه- إفشاء السَّلام
هذه كلُّها عناوين تُمتِّن، وتمسِّك، وتقوِّي التَّواصل الاجتماعيِّ، والتَّماسك الاجتماعيِّ.
2-الممارسات التي تدمِّر التَّماسك الاجتماعيَّ
هناك أعمال تُدمِّر التَّماسك الاجتماعيَّ، وتمزِّق التَّواصل الاجتماعيَّ، ومن هذه الممارسات التي تدمِّر التَّماسك الاجتماعيَّ: الغِيبَة، والنَّميمة.
الغِيبة والنَّميمة صفتان، خُلُقَان يدمِّران تدميرًا رهيبًا أيَّ تماسك اجتماعيٍّ، أيَّ تواصل، أيَّ تحابٍّ، أيَّ تلاقٍ.
أوَّلًا: الغِيبة
كنظرة عاجلة جدًّا عنها في هذه الكلمة القصيرة.
ماذا تعني الغِيبة؟
قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): «ذِكرك أخاك بما يكره» (الوافي 26/198، الفيض الكاشاني) في غِيبته.
في غِيبته تتحدَّث عنه بما يكره!
1- ذكرك أخاك بما هو فيه: غِيبة
قد يقول إنسان: أنا تحدَّثت عنه بشيئ هو فيه.
فنقول: لأنَّه فيه، فهو غِيبة.
2- ذكرك أخاك بما ليس فيه: بُهتان
أمَّا إذا لم يكن فيه، فهذا بهتان، وهو أكبر من الغِيبة!
أخوك صارِحْه، تحدَّث معه مباشرة، لا تتحدَّث عنه في الخفاء.
فالغِيبة هي أنْ تذكر أخاك بما يكره في غِيبته.
والبهتان أنْ تذكره بما ليس فيه.
إنَّ الرِّوايات الشَّريفة، والآيات الكريمة، قد حذرا تحذيرًا شديدًا من الغِيبة.
أ-الغِيبة أشدُّ من الزِّنا
ورد في الرِّوايات: «… الغِيبة أشدُّ من الزِّنا …» (الوافي 26/198، الفيض الكاشاني).
كم هي عقوبة الزِّنا عظيمة!
إنَّ الرِّوايات تقول: «الغِيبة أشدُّ من الزِّنا» في عقوباتها، وفي مآلاتها المدمِّرة.
ب-الغِيبة أخطر من الرِّبا
ما أكثر ما حذَّر القرآن الكريم من الرِّبا تحذيرًا شديدًا، ولذا فهي أخطر من الرِّبا.
ج-«الغِيبة آية المنافق» (عيون الحكم والمواعظ، الصَّفحة 31، علي بن محمَّد الليثي الواسطي).
صفة المنافق الغِيبة.
د-في الأحاديث: «… ملعون ملعون مَن اغتاب أخاه» (بحار الأنوار 71/237، العلامة المجلسي).
ه-صوَّر القرآن الكريم المغتاب (بمن يأكل لحم أخيه ميتًا)
﴿… وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ …﴾ (سورة الحجرات: الآية 12).
إنَّه تصوير مرعب!
تصوير مخيف!
و-الغِيبة تُحرق الطَّاعات!
الإنسان المسلم يُصلِّي، ويصوم، ويتعبَّد، ويقرأ القرآن الكريم، ويعمل الخيرات، فتتشكَّل لديه حسنات، ولكن تأتي الغِيبة، فتُحرق هذه الحَسَنَات.
•«… لا تُرسلوا عليها نارًا، فتحرقوها» (الإمام الصَّادق (عليه السَّلام) 2/19، الشَّيخ محمَّد حسن المظفَّر).
•«الغِيبة تأكل الحسنات كما تأكل النَّار الحَطب» (مصباح الشريعة ومفتاح الحقيقة، الصفحة 205، المنسوب للإمام الصَّادق عليه السَّلام).
استثناءات الغِيبة!
هناك استثناءات لها – أي: للغِيبة – مذكورة في كتب الفقه – مثلًا -:
1-في باب التَّظلُّم
فيتحدَّث المظلوم عن الظَّالم، ولكن ليس بشكل مُطلق في كلِّ المجالس يذهب ويتحدَّث، وإنَّما يكون ذلك عند مَن يرى أنَّه يمكن أنْ يأخذ له حقَّه فقط.
2-في باب النُّصح
كمَن يستشيرني في زواج، فمن باب النُّصح أُبيّن له الحقيقة.
3-من أجل ردع المنكر
4-في مواجهة المتجاهِر بالفسق
هذه استثناءات للغِيبة.
ثانيًا: النَّميمة
من الأخلاق المدمِّرة – أيضًا – في إفساد العلاقات: النَّميمة، بحيث أنقل كلامًا من هنا إلى هنا حتَّى أمزِّق العلاقة، وحتَّى أُوتِّر العلاقة بين القلوب.
•﴿هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ﴾ (سورة القلم: الآية 11 – 13).
الزَّنيم: ولد الزِّنا.
•﴿وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ﴾ (سورة الهمزة: الآية 1).
•«لا يدخل الجنَّة نمَّام» (بحار الأنوار 72/268، العلامة المجلسي).
•«…، إنَّ أبغضكم إلى الله المشاؤونَ بالنَّميمة، المفرِّقون بين الأحبَّة، …» (المحجة البيضاء في تهذيب الإحياء 5/275، الفيض الكاشاني).
•في الحديث: «ألا أنبِّئكم بشراركم؟
قالوا: بلى يا رسول الله.
قال: المشَّاؤون بالنَّميمة، المفرِّقون بين الأحبَّة، الباغون للبراء المعايب» (الكافي 2/369، الشَّيخ الكليني).
شرار الخُلُق، هذا الذي يمزق العلاقات الاجتماعيَّة.
هذا الذي يوتر القلوب بعضها على بعض.
هذه التي تخلق الشَّحناء في داخل النُّفوس.
هذه من أخطر خلق الله تعالى، ومن أخبث خلق الله سبحانه.
فالغِيبة، والنَّميمة مخلوقان يُدمِّران العلاقات الاجتماعيَّة، ولذا جاء التَّحذير الشَّديد من هاتين الصَّفتين الذَّميمتين.
وآخر دعوانا أنْ الحمد لله ربِّ العالمين.
والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.