كلمة سماحة العلاّمة الغريفي في افتتاح (مهرجان المرتضى الأوَّل) بالسهلة الشَّماليَّة في ليلة ولادة أمير المؤمنين (ع)
هذه الكلمة للعلَّامة السَّيِّد عبد الله الغريفي، قد تمَّ بثُّها عبر الفضاء الافتراضيِّ يوم الخميس (ليلة الجمعة)، بتاريخ: (12 رجب 1442 هـ – الموافق 25 فبراير 2021 م)، وذلك بمناسبة افتتاح (مهرجان المرتضى الأوَّل) في السهلة الشَّماليَّة، في ليلة ولادة أمير المؤمنين (عليه السَّلام)، وقد تمَّ تفريغها من تسجيل مرئيٍّ، وتنسيقها بما يتناسب وعرضها مكتوبةً للقارئ الكريم.
كلمة افتتاحيَّة لمهرجان المرتضى الثَّقافيِّ الأوَّل
أعوذ بالله السَّميع العليم من الشَّيطان الغويِّ الرَّجيم.
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم.
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأفضلُ الصَّلوات على سيِّدِ الأنبياء والمرسلين سيِّدنا، ونبيِّنا، وحبيبنا، وقائدنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ الطَّيِّبين الطَّاهرين.
السَّلام عليكم أيُّها الأحبَّة جميعًا ورحمة الله وبركاته.
وبعد:
مُباركة بذِكرى مولد أمير المؤمنين (عليه السَّلام)
أبارك لكم هذا المهرجان الطَّيِّب في ذِكرى ميلاد أمير المؤمنين (عليه السَّلام) سائلًا المولى سبحانه أنْ يجعلها ذِكرى خيرٍ وبركة على كلِّ المسلمين.
أيُّها الأحبَّة، اسمحوا لي أنْ أَضع بين يدي مهرجانكم الثَّقافيِّ بعض كلمات متواضعة.
أوَّلًا: القيمة الكبرى للمناسبات الدِّينيَّة
أنا – دائمًا – أؤكِّد على ضرورة تطوير (وسائل الإحياء للمناسبات الدِّينيَّة).
تعلمون أيُّها الأحبَّة، أنْ هذه المناسبات الدِّينيَّة لها قِيمة كبرى في مسيرة الأمَّة، وفي مسيرة النَّاس، وفي مسيرة الأجيال.
هذه المناسبات تصنع:
1-وعي الأمَّة.
2-وعي الأجيال.
3-ولاء الأمَّة لقادتها، ولتاريخها، ولأصالتها.
هذه المناسبات ترشِّد سلوك الأجيال، وسلوك الأمَّة، وحَراك الأجيال.
هذه المناسبات لها قيمة كبيرة.
ليست تَرَفًا ثقافيًّا، أو فكريًّا، بل هي جزء من كينونة الأمَّة، ومسيرة الأمَّة، وحياة الأمَّة.
إذن، هذه المناسبات لها قيمة كبرى.
ثانيًا: ضرورة تطوير أساليب إحياء المناسبات
قلت: إنني – دائمًا – أؤكِّد على ضرورة أنْ نطوِّر أساليب الإحياء لهذه المناسبات.
ماذا أعني بتطوير وسائل الإحياء؟
أنْ نطوِّر أساليب ووسائل إحياء هذه المناسبات الدِّينية، وأعني بتطوير الوسائل:
1-تطوير إعلام المناسبات
نحن لدينا إعلام مناسبات نسمِّيه إعلام المناسبات، وهذا الإعلام يحتاج إلى تطوير، واليوم فإنَّ وسائل الإعلام تطوَّرت كثيرًا، ولربما نحن لا زلنا في أساليبنا الإعلاميَّة التَّقليديَّة.
إنَّنا نحتاج إلى أنْ نطوِّر أساليب وسائل إعلامنا المناسباتي.
2-تطوير طُرق الإحياء للمناسبات
ألَّا نجمد على وسيلة واحدة من وسائل الإحياء، فهناك وسائل متعدِّدة – قد أشير إلى بعضها -، فمثل هذه الوسائل تحتاج إلى تطوير، وتحتاج إلى تجديد، وتحتاج إلى تغيير.
3-تطوير لغة الإحياء للمناسبات
إنَّ اللُّغة التي نتحدَّث بها مع النَّاس، ومع الأجيال هذه تحتاج إلى تطوير.
فالعصر بكلِّ تغيُّراته يفرض هذا التَّطوير، وهذا التجديد، وإلَّا لم نستطع أنْ نخاطب أجيال هذا العصر الذين تشكَّلت ذهنيَّاتُهم وفق أساليب جديدة، وأجيال جديدة، وعقل أجيال جديد، وثقافة أجيال جديدة، فهذا كلُّه يحتاج إلى أنْ نحاكي هذا العقل، عقل الأجيال الجديدة.
ممكن لغتنا التَّاريخية القديمة، ولغة آباءنا وأجدادنا قد لا تنفع مع أجيالنا، ومع أبناءنا.
إذن، نحن أمام أجيال تَشَكَّلَ عقلها، وتشكَّلت ثقافتها، وتشكَّل مسارها وفق معطيات جديدة.
إذن، نحن بحاجة للتَّطوير، وبحاجة للتَّجديد، حتَّى نستطيع أنْ نتعاطى، وأنْ نخاطب أجيال هذا العصر الذين تشكَّلت ذهنيَّاتهم وفق أساليب جديدة، وخطاب جديد، ولغة جديدة.
وأنا حينما أقول: نجدِّد الأساليب لا يعني – وأرجو الانتباه – لا يعني أنْ نعطِّل، أو نلغي الأساليب التَّقليديَّة المعروفة، لا!، فهذه الأساليب التَّقليديَّة التَّاريخية استطاعت أنْ تجذِّر عبر التَّاريخ هذه المناسبات في وعي الأجيال، وفي وجدان الأجيال، وفي حركة الأجيال.
إنَّنا أمام تراث تاريخيٍّ كبير، فأنا عندما أقول: إنَّنا بحاجة إلى أنْ نجدِّد ونطوِّر، فلا يعني ذلك أنْ أُلغي وأجمِّد الأساليب التَّاريخية المعروفة، والتي خدمت مسيرتنا بشكل كبير.
نعم، مطلوبٌ في هذه الأساليب التَّقليدية التَّاريخيَّة أنْ تتجدَّد اللُّغة، وأنْ تتجدَّد المضامين، وهذا ما حدث فعلًا لدى بعض روَّاد المنبر الحسينيِّ، وروَّاد الخطاب الدِّينيِّ، ولدى بعض الشُّعراء والرَّواديد، فإنَّ لغة اليوم قد اختلفت عن لغة ما قبل خمسين سنة.
إذن، أنا أحتاج أنْ أجدِّد اللُّغة حتَّى في الأساليب التَّقليديَّة.
وبأنْ أجدِّد المضامين، حيث توجد مضامين جديدة.
إنَّ ما يطرحه خطاب ما قبل خمسين سنة يختلف عن خطاب ما نطرحه اليوم، من حيث اللُّغة، والمضامين، والخطاب.
وهذا ما حدث بالفعل لدى بعض روَّاد المنبر الحسينيِّ، فإنَّ خطاب المنبر الحسينيِّ قد تطوَّر، فقد وُجد رواد كبار في المنبر الحسيني قد طوَّروا الخطاب خطاب المنبر فإنَّ قبل خمسين سنة، أو قبل مائة سنة كان خطاب المنبر الحسيني بشكل، واليوم صار شكلًا آخر، حيث يوجد تجديد، وتطوير.
بعض روَّاد المنبر الحسينيِّ، وبعض روَّاد الخطاب الدِّينيِّ، وبعض الشُّعراء، والرَّواديد قد طوَّروا الكثير.
ثالثًا: بعض طُرق إحياء المناسبات
أيُّها الأحبَّة:
إنَّ إحياء المناسبات الدِّينية يعتمد طُرقًا متعدِّدة، سأشير إلى بعض هذه الطُّرق بشكل إجماليٍّ جدًّا:
الطَّريق الأوَّل – لإحياء المناسبات -: أنْ يعتمد الكلمة المنثورة المكتوبة، أو المرتجلة
الكلمة، والمحاضرة، والخطاب، هذه كلمات منثورة، كما في الاحتفالات، والخطابات الدِّينيَّة، والكلمة المعتمدة لإحياء هذه المناسبات.
الطَّريق الثَّاني: أنْ يعتمد الكلمة المنظومة (الشِّعر)
عن طريق شعراء، ورواديد، فهذا أسلوب نحيي به المناسبات الدِّينيَّة، ونحيي به مفاهيمنا، وخطابنا الدِّينيَّ.
إنَّ الشِّعر له دوره التَّأريخيُّ في إحياء هذه المناسبات، وكذا الرَّدَّات، والمدائح، فهذه كلُّها ضمن الكلمة المنظومة وليست الكلمة المنثورة.
إذن، لدينا خطاب منثور، ولدينا كلمة، ولدينا شعر، وهذا أسلوب من أساليب إحياء المناسبات.
الطَّريق الثَّالث: أنْ يعتمد الرَّسم
وكما تعلمون في إحياء شعائر عاشوراء برز ما يسمى بـ(المَرْسَم الحسينيِّ).
فمن خلال الرَّسم استطعنا أنْ نحافظ على الكثير من معطيات عاشوراء.
إنَّ الرَّسمة تجسِّد مفهومًا، ورؤية، وتاريخًا.
إذن، ابتكرنا أسلوبًا، ومشروعًا، وهو أسلوب الرسم.
الطَّريق الرَّابع – من طُرق إحياء المناسبات -: أنْ يعتمد التَّمثيل، أو ما يسمَّى بـ(المسرح)
إنَّ المسرح يلعب دورًا كبيرًا في إيصال المقاطع التَّاريخيَّة إلى الأجيال، وربما المسرح يملك من القدرة ما لا تملكه الكلمة، والخطاب، والشِّعر!
إنَّ المسرح له دوره، ولذلك فإنَّ المسرح الحسينيَّ والمسرح الذي نقل لنا قصص التَّاريخ، وأحداث التَّاريخ لعب دورًا في صنع أجيال، وإنَّ أجيالنا الجديدة ربما تنشدُّ إلى هذا اللَّون من الوسائل أكثر من الخطاب، وأكثر من المحاضرة، وأكثر من الكلمة، حتَّى أكثر من الشِّعر!
إنَّ المسرح يوظِّف الكلمة.
ويوظِّف الشِّعر.
ويوظِّف اللَّقطة التَّاريخيَّة.
ويوظِّف الحَدَث التَّاريخيَّ.
هذا أسلوب يعتمد التَّمثيل.
الطَّريق الخامس: أنْ يعتمد الصُّورة
برز في مرحلة من المراحل ما يسمى بـ(العَدَسَة الحسينيَّة)، فالصُّورة تمثِّل وسيلة.
فأنا لا أتحدَّث، وإنَّما الصُّوة هي التي تتحدَّث عن تاريخ، وعن أحداث، وعن وقائع.
إذن، هذا أسلوب، وهو ليس الكلمة، وليس الشَّعر، وليس المسرح، وليس المرسم، وإنَّما هو الصُّورة.
إنَّنا نعتمد الصُّورة كوسيلة لإيصال مفاهيم، فهذا ما يُسمَّى بالعدسة الحسينيَّة، أو أيُّ عدسة أخرى تُحاكي قضايا المناسبات.
الطَّريق السَّادس: أنْ يَعتمد فنَّ الخَّطِّ (كما تبنَّى ذلك مؤتمركم المبارك)
إنَّ مؤتمركم وملتقاكم الثَّقافيُّ هذا قد اعتمد هذا الأسلوب، وهو أسلوب الخطِّ.
وسأتناول بعد قليل قيمة هذا الأسلوب.
فهذا أسلوب، فهو ليس صورةً، وليس خطابًا، وليس كلمةً، وإنَّما الخطُّ الجميل الذي ينقل لنا تراثًا.
الطَّريق السَّابع: أنْ يعتمد أيَّ شكل من أشكال الفنِّ النَّظيف الهادف
أقول: الفنُّ النَّظيف!
يوجد فنٌّ ينحرف بذوق الإنسان، وينحرف بمسار الإنسان، وبسلوك الإنسان.
ويوجد فنٌّ راقٍ نظيف يرتقي بمشاعر الإنسان، ويرتقي بوجدان الإنسان، ويرتقي بسلوك الإنسان.
هكذا تتعدَّد (أساليب إحياء المناسبات الدِّينيَّة) ممَّا يوفِّر قُدرة على ربط النَّاس بهذه المناسبات، وخاصَّة الشَّباب.
رابعًا: بعض أسباب عزوف الشَّباب عن مناسباتنا
هناك شكوى من عزوف الشَّباب عن المجالس الحسينيَّة، وعن خطابنا الدِّينيِّ، وبرامجنا الدِّينيَّة.
توجد شكوى – دائمًا -: إنَّ الشَّباب لديهم عزوف عن خطابنا الدِّينيِّ، وعن منبرنا، وعن مجالسنا، وعن محاضراتنا.
وربما هذا العزوف له أسباب.
لماذا شبابنا يعزفون عن حضور المناسبات؟
لا أتحدَّث في ظِلِّ الأزمة الحاضرة، ففيها يعدُّ الحضور الإلكترونيُّ حضورًا أيضًا.
لماذا هذا العزوف لدى شبابنا، وأجيالنا الجديدة، وذهنيَّاتنا الجديدة؟
هذا العزوف له أسباب كثيرة:
السَّبب الأوَّل: إنَّنا لم نطوِّر خطابنا الدِّينيَّ
إنَّ خطابنا الدِّينيَّ يحتاج إلى تطوير.
إنَّ خطاب ما قبل مائة سنة لا يصلح اليوم، فنحتاج إلى خطاب جديد.
وليس معنى ذلك أنَّني لا أحتاج للقرآن الكريم، فالقرآن الكريم خطابه متجدِّد لا ينتهي، كما أنَّ خطاب السُّنَّة، والحديث النَّبويِّ، وحديث الأئمَّة (عليهم السَّلام) هذا خطاب متواصل مع الأجيال.
لكن
لكن اللُّغة التي نتعامل بها مع النَّاس هذه تحتاج أنْ نطوِّرها في الخطاب الدِّينيِّ، فربما سبب العزوف هو لأنَّنا لم نطوِّر خطابنا الدِّينيَّ.
وكما يقول الشَّهيد محمَّد باقر الصَّدر (قدِّس سرُّه): إنَّنا نخاطب أجيالنا بلغة الأجداد، ولذلك ابتعدت أجيالنا، وأبناؤنا، وشبابنا عنَّا.
فهذا السَّبب الأوَّل وهو أنَّ الخطاب الدِّينيَّ لم نطوِّر أساليبه.
السَّبب الثَّاني – في عزوف بعض الشَّباب عن هذه المناسبات -: هو أنَّنا لم نقارب هموم هؤلاء الشَّباب
هؤلاء عندهم هموم، وعندهم مشاكل!
أنا أتحدَّث عن مشاكل أخرى بعيدة كلُّ البُعد عن همومه، فما يجد شيئًا يشدُّه إلى مواقعنا، وإلى خطابنا. بينما حينما أقارب هموم الشَّباب، ومشاكلهم، وقضاياهم حينئذٍ أستطيع أنْ أربطهم بأجوائنا الدِّينيَّة.
السَّبب الثَّالث: إنَّنا لم نطوِّر أساليب الإحياء للمناسبات
إنَّ أساليبنا التَّقليدية من: احتفال، ومجالس، ومدائح، لم نطوِّرها، فأساليب الإحياء تحتاج إلى تطوير.
السَّبب الرَّابع – ربَّما يكون السَّبب -: تأثُّر بعض الشَّباب بالدعاية المضادة
هناك مَن يعمل على إيجاد فجوة بين الشَّباب والمواقع الدِّينية (المساجد، المآتم، البرامج …)
هذه أمور في حاجة إلى معالجات جادَّة، وواعية.
وهذه مسؤوليَّة:
1-علماء حوزة.
2-خطباء منبر.
3-أساتذة وعي، وأساتذة ثقافة.
4-حَمْلة الفِكر الدِّينيِّ.
5-القائمين على شؤون المساجد، والمآتم.
6-القائمين على شؤون الحوزات.
هذه مسؤوليَّة يتحمَّلها الجميع في إيصال خطابنا الدِّينيِّ.
خامسًا: مهرجان المرتضى الثَّقافي الأوَّل
هذا مهرجانكم الطَّيِّب الكريم.
جميل جدًّا هذا الشِّعار الذي طرحه المهرجان الطَّيِّب الكريم.
الشِّعار هو: «الخطُّ الحسن يزيد الحقَّ وضوحًا» (مكاتيب الرسول 1/385، الأحمدي الميانجي)!
أنت تكتب فكرة بخطٍّ متدنٍّ مرتبك لا تشدُّ الوعي والذِّهن إلى الفكرة، بينما تعرض الفكرة بخطٍّ جميل جذَّاب تشدُّ الذِّهن، وتشدُّ النَّفس، وتشدُّ العواطف إلى الفكرة.
والخطُّ لعِبَ دوره في إيصال الفكرة إلى عقلك.
وفي إيصال الفكرة إلى وجدانك.
وفي إيصال الفكرة إلى مشاعرك.
وفي إيصال الفكرة إلى سلوكك.
هو خطٌّ!
هنا خطٌّ، وهنا خطٌّ!
الخطُّ المتدنِّي ينفِّر الإنسان من الفكرة!، ويعرضِّها بشكل مرتَبِك متدنٍّ، بينما الخطُّ الجميل يرتقي بالإنسان، وبمشاعر الإنسان، ووعي الإنسان، ويربطه بالفكرة، ولذلك «الخطُّ الحسن يزيد الحقَّ وضوحًا» (مكاتيب الرسول 1/385، الأحمدي الميانجي).
أحاديث في تجويد الخطِّ، وتحسينه
ونحن نحتفل بذكرى ميلاد أمير المؤمنين (عليه السَّلام) أنقل لكم بعض الكلمات عن أمير المؤمنين (عليه السَّلام) في جودة الخطِّ، وتحسين الخطِّ:
الكلمة الأولى: يقول الإمام عليٌّ (عليه السَّلام): «الخطُّ لسان اليد» (عيون الحكم والمواعظ، الصَّفحة 50، علي بن محمَّد الليثي الواسطي).
«الخطُّ لسانٌّ …»، إنَّني لا أتكلم بيدي، ولا أعمل بيديَ، هي كلمة مكتوبة، فهذا لسان يحمل مفاهيم، ويحمل فكرًا، ويحمل مضامين.
الكلمة الثَّانية: لأمير المؤمنين (عليه السَّلام) فيما قاله لكاتبه عبيد الله بن أبي رافع – كاتب الإمام أمير المؤمنين (عليه السَّلام) -: «ألِقْ دواتك، وأطل جلفة قلمك، وفرِّج بين السُّطور، وقرمط بين الحروف، فإنَّ ذلك أجدر بصباحة الخطِّ» (نهج البلاغة 4/75، خطب الإمام علي (عليه السَّلام)).
«ألِقْ دواتك …»، الدَّواة: يعني مكان جهاز الحِبر التي يَسْتَقي القلم منه مادَّة الكتابة!
«أَلِقْ دواتك، وأطل جلفة قلمك، …».
الجلفة: السِّنان، البِرْية للقلم.
اجعلها طويلة قليلًا حتَّى يصير الخطُّ جميلًا.
لاحظوا كيف أنَّ الإمام (عليه السَّلام) يحاول أنْ يرسم بدقَّة صورةً للخطِّ الجميل.
«…، وأطل جلفة قلمكَ، …»، يعني: سنان القلم، بِرْيَة القلم.
«…، وفرِّج بين السُّطور، …»، يعني: لا تجعل كتابتك سطورًا متزاحِمة، فلا تشدُّ النَّفس حينئذٍ، ولا تشدُّ العين.
اجعل السُّطور واضحة.
اجعل تفريقًا بين السُّطور.
لاحظوا كيف أنَّ الإمام عليًّا (عليه السَّلام) يلتفت للجَنْبَة الجماليَّة في الخطِّ، وفي الكتابة.
«…، وفرِّج بين السُّطور، وقرمط بين الحروف، …».
قرمط: يعني اجعل عندك دقَّة في الكتابة، ولا تستعجل، ولا تجعل كتابتك كتابة مرتجلة سريعة، تأنَّى في الكتابة، حتَّى تخرج الكلمات جميلة واضحة.
«…، وقرمط بين الحروف، …»، اجعل عندك دقَّة في الكتابة.
«…، فإنَّ ذلك أجدر بصباحة الخطِّ، …»، فتعطي بذلك خطًّا جميلًا، رائعًا، لطيفًا.
كلمة ثالثة للإمام يقول (عليه السَّلام): «افتح برية قلمك، واسمك شحمته، وأيمن قطتك يَجِد خطُّك» (ميزان الحكمة 1/752، محمَّد الريشهري).
«بِرية»: يعني لسان القلم.
«افتح برية قلمك، واسمك شحمته، …».
اجعل حبرَك غليظًا قليلًا؛ حتَّى يطلع الخط جميل.
«…، وأيمن قِطتَك، …»، يعني: اجعل برية القلم جميلة.
«… يَجد خطُّك» يصبح خطَّك جميلًا، جيِّدًا.
هذه توجيهات من علي بن أبي طالب لاعتماد الخطِّ وسيلة، وليست مجرَّد فنٍّ تَرَفِيٍّ.
لربما البعض يُصوِّر أنَّ هذه مسألة ترفِيَّة، لا!، فإنَّ هذا هو فنٌّ له دوره، وله هادفيَّته.
قيمة الشِّعار
فشعار مهرجانكم شعار جميل، وفي غاية الأهمِّيَّة: «الخطُّ الحسن يزيد الحقَّ وضوحًا» (مكاتيب الرَّسول 1/385، الأحمدي الميانجي)، وتكمن قيمة هذا الشِّعار في أنَّه:
1-يحمل قيمة تراثيَّة
حيث إنَّكم ستعتمدون مجموعة كلمات مخطوطة بشكل جميل تحمل مفاهيم تراثيَّة من كلمات من القرآن الكريم، وكلمات لرسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، وكلمات لعليِّ بن أبي طالب (عليه السَّلام)، وكلمات لأئمَّتنا (عليهم السَّلام).
إذن، هذا المشروع، وهذا الشِّعار يعطينا انفتاحًا على مساحات تراثيَّة كبيرة.
2-يحمل قيمة إعلاميَّة
إنَّنا هنا نمارس عملًا إعلاميًّا كبيرًا، ليس من خلال الشِّعر، وليس من خلال الكلمة، وليس من خلال المحاضرة، وليس من خلال الرَّسم، وليس من خلال المسرح، بل من خلال الخطِّ.
إنَّنا نحمل مشروعًا إعلاميًّا كبيرًا.
واليوم، فإنَّ لقطات الخطِّ الجميل وحدَها كافية لإيصال الفكرة، ولذلك فأنتم تلاحظون في الصُّحف أنَّ القضايا المهمَّة تُبْرز بعنوان كبير، وبخطِّ واضح، وبخطٍّ جميل!
هذا يربط النَّاس بالفكرة.
ويربط النَّاس بالمفاهيم.
فإلى جانب ربط أجيالنا بالمضمون التُّراثي، والقيمة التُّراثية، فهناك قيمة إعلاميَّة لهذا الشِّعار.
3-يحمل قيمة رساليَّة
هذا ليس ترفًا، بل يوجد هدف من ذلك وهو صنع أجيال، وبناء أجيال، ووعي أجيال، ووجدان أجيال، وسلوك أجيال، وحَراك أمَّة، وصناعة أمَّة، وهذا كله من خلال هذا الأسلوب.
فأبارك لكم هذه (النَّقلة) في تطوير أسلوب الإحياء للمناسبات الدِّينيَّة.
وأتمنَّى لمهرجانكم كلَّ التَّوفيق، والتَّسديد، والنَّجاح.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.