المعارف القرآنيةمحاضرات إسلامية

كلمة العلَّامة السَّيِّد عبد الله الغريفي في مؤتمر القرآن الكريم لجمعيَّة القرآن الكريم

هذه الكلمة للعلَّامة السَّيِّد عبد الله الغريفي قد تمَّ بثُّها يوم الخميس (ليلة الجمعة) عبر الفضاء الافتراضي، بتاريخ: (12 رجب 1442 هـ – الموافق 25 فبراير 2021 م)، وقد ألقيت لجمعيَّة القرآن الكريم في مؤتمرها الرَّابع لنصرة الرَّسول الأعظم (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) حول الصَّلاة في أبعادها المختلفة، وقد تمَّ تفريغها من تسجيل مرئيٍّ، وتنسيقها بما يتناسب وعرضها مكتوبةً للقارئ الكريم.

مؤتمر القرآن الكريم (كلمة لجمعيَّة القرآن الكريم)

أعوذ بالله السَّميع العليم من الشَّيطان الغويِّ الرَّجيم
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأفضلُ الصَّلوات على سيِّدِ الأنبياء والمرسلين سيِّدنا، ونبيِّنا، وحبيبنا، وقائدنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ الطَّيِّبين الطَّاهرين.
السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مباركة بالمُلتقى
أيُّها الأحبَّة، أبارك لكم هذا الملتقى الطَّيِّب في هذه اللَّيالي الطَّيِّبة، وأنتم تعالجون عنوانًا في غاية الأهمِّية، وهو عنوان: (الصَّلاة في أبعادها المختلفة).
ويسعدني أنْ تكون لي هذه المقاربة العاجلة المتواضعة بعنوان:
كيف نعطي للصَّلاة فاعليَّتها الرُّوحيَّة؟
الصَّلاة بلا دَفق روحيٍّ صلاة ميِّتة لا قيمة لها.
الصَّلاة بلا إشعاعات روحيَّة صلاة فاقدة للقِيمة.

1- نقرأ في القرآن الكريم مجموعة عناوين تتحدَّث عن (الصَّلاة)، وعن (المصلِّين)، أحاول في هذه الكلمة أنْ أتناول عنوان: (الصَّلاة الخاشعة)
وكيف نعطي للصَّلاة خشوعها؟
ولماذا ينضب هذا الخشوع؟
إنَّنا حينما نقرأ القرآن الكريم نجد أنَّ القرآن قد تناول الصَّلاة في مجموعة آيات قرآنيَّة، سأشير هنا – بشكل عاجل جدًّا – إلى بعض التَّعبيرات القرآنيَّة التي تتناول الصَّلاة، وسأختار هذه الآيات الثَّلاث:
الآية الأولى، قوله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ (سورة المؤمنون: الآية 1 – 2).
هذا المقطع القرآنيُّ يتحدَّث عن الصَّلاة الخاشعة، ويتحدَّث عن المصلِّين الخاشعين، بقوله: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾.
الآية الثَّانية، قوله تعالى: ﴿… وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلَاةِ قَامُواْ كُسَالَى …﴾ (سورة النِّساء: الآية 142).
هنا المقطع القرآنيُّ يتحدَّث عن نمط آخر من الصَّلاة، وهي الصَّلاة الكسولة، أو عن صلاة الكُسالى، وعن المصلِّين الكُسالى.
الآية الثَّالثة: وهي تجمع بين النَّمطين: ﴿… وَإِنَّهَا …﴾، أي: الصَّلاة ﴿… لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ …﴾ (سورة البقرة: الآية 45).
توجد صلاة كبيرة ثقيلة إلَّا على الخاشعين.

2-كيف نعطي للصَّلاة فاعليَّتها الرُّوحيَّة؟
بمعنى كيف ننتج صلاة خاشعة؟
والسُّؤال هنا: لماذا تصاب الصَّلاة بالجَفاف؟
ولماذا يصاب بعض المصلِّين بالكسل؟
وكيف نعطي للصَّلاة فاعليَّتها الرُّوحيَّة؟
كيف نعطي للصَّلاة دفقها الرُّوحيَّ؟
كيف نعطي للصَّلاة إشراقتها الرُّوحيَّة؟
هذا السُّؤال يفرض علينا أنْ نعالج أسباب الكسل العباديَّ.
لماذا يصاب الإنسان بكسل في عبادته من:
صلاة، وصيام، وذِكْر، وتلاوة، وحجٍّ، وعُمرة، والعبادات بشكل عامٍّ؟
لماذا يصاب الإنسان بالكسل العباديِّ؟
ما هي أسباب الكسل العباديِّ؟
أتناول في هذه الكلمة العاجلة مسارين؛ لمعالجة أسباب الكسل العباديِّ، ولمعالجة أسباب النُّضوب الرُّوحيِّ، والمساران هما:
المسار الأوَّل: المسار العام
ويحاول أنْ يعالج أسباب الجفاف الرُّوحيِّ بشكل عامٍّ.
كيف نعالج ظاهرة الجفاف الرُّوحيِّ بشكل عام؟
المسار الثَّاني: المسار الخاصُّ
ويعالج الكسل الصَّلاتي.

كيف نعالج الكسل الصَّلاتيَّ؟
إذا أخذنا مفردة الصَّلاة، فكيف نعالج الكسل في الصَّلاة؟
المسار الأوَّل – كما قلنا – يتناول عنوانًا عامًّا، وهو: كيف نعالج الكسل الرُّوحيَّ في الصَّلاة، وفي الدُّعاء، وفي الذِّكر، وفي كلِّ أنماط العبادة؟
هذا مسار، أسميناه مسارًا عامًّا.
ويوجد مسار خاصٌّ يتناول الصَّلاة كمفردة، وكيف نعطيها دفقًا؟
وكيف نتخلَّص من الخواء الرُّوحيِّ؟
وكيف نتخلَّص من الكسل الصَّلاتيِّ.
إذن، هنا نحن أمام مسارين.

المسار الأوَّل: المسار العامُّ
نبدأ بالمسار العام، وهو: كيف نعالج الخواء الرُّوحيَّ، والجفاف الرُّوحيَّ بشكل عامٍّ؟
هذا المسار الذي ينطبق على كلِّ أشكال العبادات.

فبشكل موجز جدًّا ولأجل معالجة الجفاف الرُّوحيِّ في مساره العام نحتاج إلى ثلاث خطوات:
الخطوة الأولى: التَّخلُّص من أسباب الجفاف الرُّوحيِّ.
الخطوة الثَّانية: التَّعبئة الرُّوحيَّة.
الخطوة الثَّالثة: التَّحصين الرُّوحيُّ.

هذه ثلاث خطوات متكاملة؛ من أجل أنْ نعالج ظاهرة الجفاف الرُّوحيِّ التي تصيب العبادة، وتصيب كثير من مساحات الإنسان الرُّوحيَّة.
دعوني أوضِّح لكم الفكرة بمثال مادِّي حسيٍّ.
عندما نريد أنْ نزرع أرضًا، وأن نزرع نباتًا، فماذا نحتاج؟
نحتاج أوَّلًا إلى إعداد الأرض، فأنت لا تستطيع أنْ تزرع في أرضٍ سَبخة، إلَّا أنْ تُعِد الأرض.
وبعد أنْ تُعِدَّ الأرض تستطيع حينئذٍ أنْ تزرع البدر، وترعاه، ثمُّ تحصِّن هذا الزَّرع.
ولا شكَّ أنَّ النَّفس، والقلب، والرُّوح كالزَّرع.
فمن أجل أنْ نزرع في داخلنا النَّبض الرُّوحيَّ، والدَّفق الرُّوحيَّ، والإشراق الرُّوحيَّ، والإشعاع الرُّوحيَّ نحتاج إلى أنْ نهيِّئ تُربة النَّفس، ثمَّ نزرع، ثمَّ نَرْعى.
الخطوة الأولى: التخلُّص من أسباب الجفاف الرُّوحي
الخطوة الأولى في معالجة الجفاف الرُّوحيِّ هي أنْ نتخلَّص من أسباب الجفاف.

ما هي أسباب الجفاف؟
لماذا يصاب الإنسان بتكلُّس روحيٍّ؟
لماذا يصاب الإنسان بخمود روحيٍّ؟
لماذا يصاب الإنسان بفشل روحيٍّ؟
هناك أسباب، ولا بدَّ أنْ نضع أيدينا على هذه الأسباب؛ حتَّى نستطيع أنْ ننطلق بالآفاق الرُّوحيَّة في داخلنا.
إنَّ أسباب الجفاف الرُّوحيِّ كثيرة، – ولقد عالجناها في الكثير من الكتابات -، فللجفاف الرُّوحيِّ، والكسل الرُّوحيِّ، والضُّمور الرُّوحيِّ، والخواء الرُّوحيِّ أسباب كثيرة.
وسأشير بشكل عاجل جدًّا إلى بعض أسباب، أو أهم الأسباب التي تسبِّب الجفاف الرُّوحيَّ.
نحن لا نستطيع أنْ نتخلَّص من هذه الأسباب ما لم نتعرَّف عليها.
فكيف تتخلَّص من أسباب الكسل الرُّوحيِّ، والفشل الرُّوحيِّ، والخواء الرُّوحيِّ إذا لم تتعرَّف على أسباب الكسل، وأسباب الفشل، وأسباب النُّضوب.

ما هي الأسباب التي تسبِّب لنا النُّضوب الرُّوحيَّ، والكسل الرُّوحيَّ؟
السَّبب الأوَّل: تلوث القلب
ما لم يتنقَ القلب لا نستطيع أنْ ننطلق بالرُّوح.
القلب هو المنطلق، فكلَّما تلوَّث القلب أصيبت الرُّوح بالنُّضوب، وبالكسل، وبالفشل، وبالضُّمور.
هذا سبب مهمٌّ من أسباب النُّضوب الرُّوحيِّ، وهو تلوُّث القلب.
إذن، إذا كنَّا نريد أنْ نصحِّح الوضع الرُّوحيَّ فنحن بحاجة إلى أن نعمل على القلب أوَّلًا.
كيف ننقِّي القلب؟
كيف ننظِّف القلب؟
كيف نفرِّغ القلب من كلِّ التَّلوُّثات؟
هذا سبب من أسباب النُّضوب الرُّوحيِّ، والتَّلوُّث القلبيِّ.

السَّبب الثَّاني – من أسباب النُّضوب الرُّوحيِّ -: الذُّنوب، والمعاصي
كم هي كارثة على الرُّوح: الكذبة، والغِيبة، والنَّميمة، وممارسة أيِّ عمل مُحرَّم.
هذا يسبِّب نكسةً روحيَّة خطيرة.
ولذلك، فالإنسان الذي يمارس المعاصي لا يجد لذَّة في عبادته، لماذا؟
لأنَّ المعصية تقتل الرَّوحانيَّة.

•الحديث عن الإمام عليٍّ (عليه السَّلام) يقول: «كيف يجد لذَّة العبادة مَن لا يصوم عن الهوى» (ميزان الحكمة 3/1805، محمَّد الريشهري)؟

•قال أمير المؤمنين (عليه السَّلام): «ما جفَّت الدُّموع إلَّا لقسوة القلوب، وما قست القلوب إلَّا لكثرة الذُّنوب» (ميزان الحكمة 3/2611، محمَّد الريشهري).
إذن، الذُّنوب والمعاصي سبب خطير من أسباب النُّضوب الرُّوحيِّ.
السَّبب الثَّالث: الأكل الحرام، أو المشتبه بالحرام
لقمة حرام تلِّوث القلب، وتلوِّث الرُّوح.
لقمة حلال تخلق إشراقة روحيَّة.

•عنه (صلَّى الله عليه وآله): «مَنْ أَكَل الحلال أربعين يومًا نوَّر اللهُ قلبَه، وأجرى ينابيع الحكمة من قلبه» (العلم والحكمة في الكتاب والسُّنَّة، الصَّفحة 151، محمَّد الرَّيشهري).

•«يا عليُّ، من أكل الحرام سود قلبه، وخلف دينه، وضعفت نفسه، وحجب الله دعوته، وقلَّت عبادته، …» (لئالئ الأخبار 1/3، الشَّيح محمَّد نبي التوسيركاني).
إذن، إنَّ أحد وأهم أسباب النُّضوب الرُّوحيِّ: الأكل الحرام.
فعندنا: تلوُّث القلب، وعندنا الذُّنوب والمعاصي، وعندنا الأكل الحرام.
السَّبب الرَّابع: الإسراف في الملذَّات حتَّى لو كانت مباحة
أنْ يُسرِف الإنسان.

•﴿… وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ …﴾ (سورة الأعراف: الآية 31).

•قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): «لا تميتوا القلوب بكثرة الطَّعام، والشَّراب، …» (ميزان الحكمة 1/88، محمَّد الريشهري).
إذن، هذه مجموعة، وإلى جانبها أسباب أخرى.
هذه نسمِّيها أسباب الجفاف الرُّوحيِّ.

إذن، حتَّى نعالج المشكل الرُّوحيَّ نحتاج – أوَّلًا – إلى التَّخلُّص من هذه الأسباب، فما لم نبدأ بتفريغ النَّفس من هذه الأسباب تبقى المحاولات فاشلة، وتبقى المسارات الأخرى كسولة لا تستطيع أنْ تؤدِّي شيئًا.
إذن، لكي تنطلق بروحك في الآفاق الكبيرة، ولكي تتخلَّص من كلِّ أسباب الكسل الرُّوحيِّ، والجفاف الرُّوحيِّ، تخلَّص أوَّلًا من أسباب هذا الجفاف.
هذه بعض الأسباب.

الخطوة الثَّانية – بعد أنْ نتخلَّص من أسباب الجفاف الرُّوحيِّ، نحتاج إلى التَّعبئة -: التَّعبئة الرُّوحيَّة
إذا نظَّفنا النَّفس، ونظَّفنا القلب، ونظَّفنا الرُّوح، فنحتاج الآن إلى الشحن الروحي.
لا شكَّ أنت لا تستطيع أنْ تشحن روحك ما دامت الرُّوح ملوَّثة.
اضرب لك مثالًا بسيطًا: لو أردنا أنْ نملأ كأسًا بماءٍ نقيٍّ نظيفٍ، سنحتاج أوَّلًا إلى أنْ ننظِّف الإناء، فما دام الإناء ملوَّثًا فلا شكَّ سيتلوَّث أيُّ ماءٍ مهما كان نقيًّا، ولذا نظِّف الإناء، ونظِّف الكأس، ثمَّ املأه بالماء النَّقي.
كذلك يجب علينا أنْ ننظِّف الرُّوح، وننظِّف القلب، وننظِّف الدَّاخل، ثمَّ تأتي خطوة الشَّحن، والتَّعبئة، والملء.

نحتاج إلى أنْ نعبِّئ أرواحنا تعبئة روحيَّة.
إنَّ وسائل التَّعبئة كثيرة لا يسع المجال للحديث عنها.
فعندنا وسائل متعدِّدة من خلالها نعبِّئ أرواحنا روحيًّا، ومن هذه الوسائل:
الوسيلة الأولى: الإكثار من ذِكْر الله تعالى
﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ (سورة آل عمران: الآية 191).
إذن، الإكثار من ذكر الله تعالى يشحن النَّفس، ويشحن الرُّوح.
الوسيلة الثَّانية: الإكثار من تلاوة القرآن الكريم
كلُّ هذا بعد التَّنقية وإلَّا لن يكون للإكثار أثر!

إنَّ الإكثار من ذكر الله تعالى، والإكثار من تلاوة القرآن يكون – لهذا – فاعليَّة وأثر منتجين بعد أنْ ننقِّي ونطهِّر الدَّاخل.

الوسيلة الثَّالثة: الإكثار من ذِكر الموت
الوسيلة الرَّابعة: قراءة كتب الأخلاق
الوسيلة الخامسة: حضور دروس الأخلاق
الوسيلة السَّادسة: قراءة سيرة الأولياء والصَّالحين
هذه كلُّها وسائل تعبئة، وكلُّ وسيلة تحتاج إلى إعداد خاصٍّ.
كيف نعطي إكثار الذِّكر فاعليَّته؟
كيف نعطي التِّلاوة القرآنيَّة فاعليَّتها؟
كيف نعطي القراءة الأخلاقيَّة الفاعليَّة؟
كيف نعطي قراءة سيرة الصَّالحين، وهكذا.
إذن، إنَّنا لدينا خطوة ثانية مهمَّة للبناء الرُّوحيِّ، وهي ما نسمِّيه التَّعبئة الرُّوحيَّة، بأنْ ننقِّي الدَّاخل، ونطهِّر الدَّاخل، ثمَّ نبدأ عملية الشَّحن، ثم نبدأ عمليَّة تعبئة.
الخطوة الثَّالثة – في معالجة أسباب الجفاف الرُّوحيِّ -: التَّحصين الرُّوحيُّ
ما نسمِّيه بالتَّحصين الرُّوحيِّ.
إذا نقَّيت داخلك، ونقَّيت قلبك من كلِّ التَّلوُّثات.
وإذا عبَّأت القلب، وعبَّأت الرُّوح، وعبَّأت النَّفس بجرعات كبيرة روحيَّة.
الآن ما هو المطلوب؟
أنْ تحمي هذه التَّعبئة.
أنْ تحمي هذا التَّحصين، وإلَّا قد ينهار! وقد يسقط! وقد يضعف! وقد يفشل!
إذن، نحتاج إلى عمليَّة تحصين، وعمليَّة رعاية، وعمليَّة حِماية.

وسائل التَّحصين الرُّوحيِّ
التَّحصين له وسائل كثيرة مذكورة في كتب الأخلاق:
1-المراقبة، والمحاسبة
وهذا عنوان كبير جدًّا، ويحتاج إلى أنْ نستوعبه استيعابًا كاملًا.
2-مصاحبة الصَّالحين، والأخيار.
3-الأجواء الرُّوحيَّة: أن أكون في أجواء روحيَّة دائمًا.
هذه وسائل تحصين.
إذن، نَقِّ داخلك، ثمَّ عَبِئ روحك، ثمَّ حصِّن روحك.
هذه خطوات نسمِّيها معالجة المسار العام للجفاف الرُّوحيِّ.
فإذن، الصَّلاة حينما نريد أنْ نعطيها دَفْقها الرُّوحيَّ يجب أوَّلًا أنْ نعالج الأسباب العامَّة.
لا يمكن أنْ نتعب على الصَّلاة ونحن مصابون بفشل روحيٍّ، إذ ستأتي جهودنا فاشلة، وضعيفة، وغير مُنتِجة.
إذن، بعد أنْ نخطو الخطوة الأولى، المسار الأوَّل العام، ننتقل الآن إلى المسار الثَّاني.

المسار الثَّاني: معالجة الكسل الصَّلاتي
هنا الحديث عن: كيف نعالج الكسل الصَّلاتي؟
أنا الآن أريد أنْ أعالج صلاتي.
هناك في المسار الأوَّل قد عالجنا الجفاف الرُّوحيَّ بشكل عام، وعالجنا النُّضوب الرُّوحيَّ بشكل عام.
أمَّا هنا فنريد أنْ نتعاطى مع مفردة الصَّلاة، الصَّلاة كمفردة عباديةَّ، فكيف نعالج الكسل الصَّلاتيَّ؟
﴿… وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلَاةِ قَامُواْ كُسَالَى …﴾ (سورة النِّساء: الآية 142).
إذن، هناك كسل في الصَّلاة.
هناك خمود في الصَّلاة.
هناك ركود في الصَّلاة.
هناك ملل.
لا يوجد نشاط صلاتي.
لا يوجد نشاط عباديٌّ.
لا يوجد دفق عباديٌّ.
لماذا؟
وكيف نعالج هذا الكسل الصَّلاتي؟
لا شك أنَّ المعالجة العامَّة ستلقي بظِلالها على المعالجة الخاصَّة، فبقدر ما ننجح في المعالجة العامَّة، سنهيِّئ لنجاح كبير في المعالجة الخاصَّة.
فكيف نعالج الكسل الصَّلاتي؟
كيف نعالج الكسل في تلاوة القرآن الكريم؟
كيف نعالج الكسل في قراءة الأدعية؟
كيف نعالج الكسل في الحجِّ؟
في العمرة؟
في الزِّيارة؟
هذه معالجات خاصَّة.

إذن، كيف نعالج الكسل الصَّلاتي؟
كيف نعالج الكسل في مفردة الصَّلاة؟

خطوات لمعالجة الكسل الصَّلاتيِّ
هنا ثلاث خطوات، وسأوجزها باختصار جدًّا، ولا أحاول أنْ آخذ الكثير من أوقات هذا الملتقى الطَّيِّب الكريم الذي سينطلق إنْ شاء الله في معالجات جادَّة ومهمَّة حول موضوعة الصَّلاة.
إنَّ معالجة الكسل الصَّلاتي له ثلاث خطوات:
خطوة قبل الصَّلاة.
وخطوة أثناء الصَّلاة.
وخطوة بعد الصَّلاة.
توجد ثلاث خطوات متكاملة.
توجد مرحلة قبل الصَّلاة.
وتوجد مرحلة أثناء أداء الصَّلاة.
وتوجد مرحلة بعد الفراغ من الصَّلاة.
تتكامل هذه المراحل الثَّلاث، وكلُّ مرحلة تمارس دورها.
الخطوة الأولى: قبل الصَّلاة
ما هو المطلوب قبل الصَّلاة؟
التَّهيُّؤ الرُّوحيُّ للصَّلاة (الاستعداد وتفريغ القلب).
نحتاج أنْ نتهيَّأ.

أنْ تفرِّغ كلَّ داخلك حتَّى تتفرَّغ للقاء مع الله تعالى.
لربما إنسان يبدأ بالصَّلاة قائلًا: الله أكبر، ولكنَّ قلبه مملوء بالمشاغل، ونفسه مشدودة للكثير من قضايا الدُّنيا، وقضايا الحياة، فهنا لم يتفرَّغ للقاء الله تعالى.
تُحدِّثنا بعض الأحاديث عن الشَّهيد السَّيِّد محمَّد باقر الصَّدر (رضوان الله عليه)، يقول الشَّيخ محمَّد رضا – وهو ملازم للسَّيِّد الصَّدر -، يقول: أحيانًا أرى السَّيِّد يأخِّر الصَّلاة، فيجلس على المصلَّى مُطْرِقًا، وعند الأذان فإنَّ وقت الصَّلاة قد بدأ، ولكنَّ السَّيِّد لا زال جالسًا مطرقًا!

لقد تكرَّرت من السَّيِّد الصَّدر هذه الحالة، فيقول الشَّيخُ: لقد سألت السَّيِّد الصَّدر: لماذا تأخَّر عن القيام بالصَّلاة؟
لماذا تجلس بعض الجلسات، ولا تبادر للقيام للصَّلاة؟ فإنَّ الوقت قد صار، والأذان قد رفع؟
قال: أنا عاهدتُ نفسي ألَّا أصلِّي إلَّا بقلبٍ منفتح كل الانفتاح على الصَّلاة ربَّما أعيش همومًا.
وهموم السَّيِّد الصَّدر هي هموم الإسلام ليس هموم الدُّنيا.
هو يريد أنْ يفرِّغ أيَّ هَمٍّ آخر.
يريد جلسة تَهْيِئة.
أنْ يفرِّغ داخله من كلِّ هموم الدُّنيا حتَّى لو كانت همومًا مشروعة.
وهموم السَّيِّد (رضوان الله عليه) هموم مشروعة، هي هموم الإسلام.
هموم المسلمين.
هموم العمل الإسلاميِّ.
هموم مشروعة.
ومع ذلك يريد السَّيِّد أنْ يفرِّغ نفسه من أيِّ هَمٍّ؛ ليبقى مرتبطًا بالله تعالى في هذه اللَّحظات، مشدودًا إلى الله سبحانه في هذه اللَّحظات، لحظات العبادة.
لحظات القُرب من الله (عزَّ وجلَّ).
لحظات العروج الرُّوحيِّ.
يجب ألَّا ينشغل بشيئ آخر.
ألَّا ينشغل بدروسه.
ألَّا ينشغل بهموم المسلمين العامَّة؛ لتبقى النَّفس مشدودة إلى خالقها، وإلى بارئها، وإلى الله تعالى في هذه اللَّحظات.
هذا نسمِّيه تهيئة، وتفريغَ النَّفس من كلِّ المشاغل؛ لتبقى مشدودة إلى الله سبحانه.
هنا يكمن الاستعداد.
هنا يكمن تفريغ النَّفس.
هنا يكمن تفريغ القلب.
ما لم نتوافر على استعداد ناجح ستبقى محاولات الصَّلاة فاشلة في أنْ ننطلق بالعروج الرُّوحيِّ.
في أنْ ننطلق بالقلب في آفاق الصَّلاة.
إذن، نحتاج إلى خطوة قبل الصَّلاة، وقبل أنْ نكبِّر للصَّلاة.
نحتاج إلى خطوة هي في غاية الأهمِّيَّة؛ من أجل أنْ نعطي الصَّلاة دَفْقها، وروحانيَّتها، وإشراقها، وإشعاعاتها.
هذه خطوة نسمِّيها خطوة التَّهيُّؤ الرُّوحيِّ للصَّلاة.

الخطوة الثَّانية: أثناء الصَّلاة
بدأنا الصَّلاة، فماذا نحتاج من عناصر حتَّى نجعل الصَّلاة صلاةً عروجيَّة؟
الصَّلاة معراج المؤمن، متى تكون الصَّلاة معراج المؤمن؟
متى نصلِّي الصَّلاة العروجيَّة؟
نحتاج إلى:

1-الإخلاص
أخلص إلى الله تعالى كلَّ الإخلاص، فكلَّما ارتقى مستوى الإخلاص يرتقي مستوى الصَّلاة.
الإخلاص سواءً العشق الإلهيُّ، أم حبُّ الله سبحانه، أم الخوف من الله (عزَّ وجلَّ)، أم الطَّمع في ثواب الله سبحانه، أم الحياء من الله تعالى، فهذه كلُّها عناوين للإخلاص.
وهي درجات، يوجد مَن ينطلق بدرجة عالية، وهي درجة الحبِّ المُطلق لله تعالى، أو الحياء المطلق من الله.
البعض يعبد خوفًا من الله تعالى.
البعض يعبد طمعًا في ثواب الله تعالى.
وكلُّها تشكِّل درجات من الإخلاص.
إذن، نعطي الإخلاص للصَّلاة، وتعطينا الصَّلاة إشراقات روحيَّة.
هذا أثناء الصَّلاة.

2-حضور القلب
بقدر ما يكون القلب يصلِّي تكون الصَّلاة تنطلق بالإنسان في مسارات العروج، وحضور القلب، بألَّا يكون القلب غائبًا، وألَّا يكون القلب مشغولًا بدنيا وبحياة الإنسان الخاصَّة، أو العامَّة.

3-تفهُّم المضامين
أنْ أعيش مضامين الصَّلاة.
ماذا تعني كلمة: «الله أكبر»؟
ماذا تعني كلمة: «سبحان ربِّي العظيم»، و«سبحان ربِّي الأعلى»؟
هذه مفردات عناوين في الصَّلاة كيف أَذُوب معها؟
كيف أتعاطى معها؟
كيف أفهمها؟

4-صلاة مودِّع
الحديث يقول: «… إذا صَلَّيت، فَصَلِّ صلاة مودِّع، …» (الدعوات (دعوات الحزين)، الصفحة 40، قطب الدِّين الراوندي).
لعلَّها آخر صلاة!، «…، فَصَلِّ صلاة مودِّع، …».
‹… سُئل بعض الأكابر عن صلاته، فقال: إذا جاءت الصَّلاة، أسبغت الوضوء، وأتيت الموضع الذي أُريد الصَّلاة فيه، فَأَقْعُدُ فيه حتَّى تجتمع جوارحي، ثمَّ أقوم إلى الصَّلاة، فأجعل الكعبة بين حاجبي، والصِّراط تحت قدمي، والجنَّة عن يميني، والنَّار عن شمالي، ومَلك الموت ورائي، وأظنُّها آخر صلاتي، …›! (جامع السَّعادات 3/264، ملا محمَّد مهدي النراقي).

إذن، الخطوة الثَّانية أثناء الصَّلاة نحتاج إلى بعض استعدادات.
الخطوة الثَّالثة: بعد الصلاة
بعد الفراغ:
أ‌- حاسب صلاتك
حاسِب صلاتك، فكم خلقت في داخلي من روحانيَّة؟
كم خلقت الصَّلاة في داخلي من ربَّانيَّة؟
كم استطعت أنْ أعرج أثناء الصَّلاة؟
هذه محاسبات بعد الصَّلاة.
ب‌- استحضر دور الصَّلاة في حياتك
كم هي الصَّلاة قد غيَّرت من سلوكي، ومن ممارساتي؟
كم أعطتني الصَّلاة من صدق، ومن أمانة، ومن طيب من أخلاق؟
هذا الاستحضار الدَّائم بعد الصَّلاة يعطي للصَّلاة شحنها، وقوَّتها.
وأتمنَّى لمؤتمركم أنْ يعالج الكثير من موضوعات الصَّلاة.
إذن، خلاصة الحديث أيُّها الأحبَّة، إننا لكي نعالج جفاف الصَّلاة، وضمور الصَّلاة نحتاج أوَّلًا أنْ نعالج الكسل الرُّوحيَّ، ثمَّ نعالج الكسل الصَّلاتي.

وآخر دعوانا أنْ الحمد لله ربِّ العالمين.
والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

Show More

Related Articles

Back to top button