حديث الجمعةشهر ذي الحجة

حديث الجمعة 588 : مراسيم العيد في ظِلِّ جائحة الكورونا! – وكيف تتملَّأ قلوب النَّاس بالفرحة، والأنس وهم غارقون في المآسي؟

هذا الحديث للعلَّامة السَّيِّد عبد الله الغريفي، قد أُلقي في تاريخ: (9 ذو الحجَّة 1441 هـ – الموافق: 30 يوليو 2020 م)، وقد تمَّ تفريغه من تسجيل مرئيٍّ، وتنسيقه بما يتناسب وعرضه مكتوبًا للقارئ الكريم.

أعوذ بالله السَّميع العليم من الشَّيطان الغويِّ الرَّجيم

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، وأفضل الصَّلوات على سيِّد الأنبياء والمرسلين، سيِّدنا، ونبيِّنا، وحبيبنا، وقائدنا، محمَّد وعلى آله الطَّيِّبين الطَّاهرين.
السَّلام عليكم أيُّها الأحبَّة ورحمة الله وبركاته.

مراسيم العيد في ظِلِّ جائحة الكورونا!

العنوان الذي كان الحديث مستمرًّا حوله هو (بعض السِّياجات حول العلاقة بين الرَّجل والمرأة)، وسأتوقَّف بعض الوقت عن الاستمرار في هذا العنوان، لأنَّ اللَّيلة تصادف عيد الأضحى المبارك.

فالحديث سوف يتناول: (مراسيم العيد في ظل جائحة الكورونا).

تهنئة بعيد الأضحى المبارك
أهنِّئكم بعيد الأضحى المبارك متمنِّيًا لكلِّ المسلمين الخير، والهناء، والصِّحَّة، والمحبَّة.

كيف نتعامل مع مراسيم العيد في ظلِّ هذه الجائحة العالميَّة؟

إذا كانت الظُّروفُ الرَّاهنةُ بسبب انتشار هذا الوباء تفرضُ تعطيلَ عددٍ من مراسيم العيد خاصَّة: (مجالس العيد)، و(الزِّيارات)، و(المصافحات).

إذا كانت هذه المظاهر مُعطَّلةً شكلًا ومظهرًا، فإنَّ روحَ هذه المراسيم يجب أنْ تبقى.
مظاهر العيد، ومراسيم العيد لها مظاهر، ولها شكل، ولها مضمون، ولها هدف.
الشَّكل قد يتعطَّل، أنْ نتصافح، فهذا التَّصافح شكل قد يتعطَّل.
أنْ نتزاور، وأنْ نعقد مجالس، هذه مظاهر، وهذه أشكال للمراسيم.
فإذا كانت هذه المظاهر مُعطَّلةً شَكلًا ومظهرًا، فإنَّ روحَ هذه المراسيم يجب أنْ تبقى.

بقاء روح المراسيم
ماذا أعني بروح المراسيم؟
الهدف الأسمى من مراسيم العيد هو (أنْ تتلاقى القلوب) لا أنْ تتلاقى الأبدان.
تلاقي الأبدان وسيلة؛ من أجل أنْ تتلاقى القلوب.
فقيمة تلاقي الأبدان بمقدار ما يحقِّق من تلاقي القلوب.
والهدف الأسمى من مراسيم العيد هو أنْ تتصافح الأرواح لا أنْ تتصافح الأيدي.
مطلوب أنْ تتلاقى الأيدي، وأنْ تتصافح لكن من أجل أنْ تتصافح القلوب والأرواح.
فقيمة تصافح الأيدي بمقدار ما يحقِّق من تصافح الأرواح.

أوَّلًا: التَّزاور
إنَّنا عندما نقرأ في الرِّوايات نجد تأكيدات مشدَّدة على التَّزاور.
فالزِّيارات مؤكَّد على استحبابها في منظور الدِّين بأنْ نتزاور، ونتلاقى.
•في الكلمة عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): «مَن زار أخاه المؤمن إلى منزله لا حاجة منه إليه، كُتب من زوَّار الله، وكان حقيقًا على الله أنْ يكرم زائره» (ميزان الحكمة 2/1192، محمَّد الريشهري).
زيارة خالصة مملوءة بالحبِّ، الحبِّ لله تعالى، ومن أجل الله سبحانه، لا من أجل أهداف دنيا، ولا من أجل أغراض.
هذه زيارة تحمل مضمونًا كبيرًا عند الله تعالى.
وفي المنظور الدِّينيِّ هذه الزِّيارة لها قيمة كبيرة.
•حديث آخر عنه (صلَّى الله عليه وآله): «مَن زار أخاه في بيتِهِ قال الله (عزَّ وجلَّ) له: أنت ضيفي وزائري، وعليَّ قِراكَ، وقد أوجبتُ لك الجنَّة بحبِّك إيَّاه» (ميزان الحكمة 2/1192، محمَّد الريشهري).
هناك حُبٌّ ربَّانيٌّ، وحُبٌّ في الله تعالى.
إذًا المضمون الحقيقيُّ للزِّيارة هو حبُّ الله تعالى، هذا الذي دفعك إلى أنْ تقوم بزيارة أخيك المؤمن.
•الإمام الصَّادق (عليه السَّلام) يقول: «مَنْ زار أخاه في اللهِ قال الله (عزَّ وجلَّ): إيَّاي زرتَ، وثوابُك عليَّ، ولست أرضى لك ثوابًا إلَّا الجنَّة» (ميزان الحكمة 2/1192، محمَّد الريشهري).
وكما شدَّدت الرِّوايات الشَّريفة على التَّزاور، والتَّواصل، فإنَّها حذَّرتْ وشدَّدت عن (التَّقاطع، والتَّهاجر).
•الحديث عن الرَّسول (صلَّى الله عليه وآله): «لا تقاطعوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، ولا تحاسدوا، وكونوا عباد الله إخوانًا، ولا يحلُّ لمسلم أنْ يهجر أخاه فوق ثلاث» (ميزان الحكمة 4/3437، محمَّد الريشهري).
•وقال (صلَّى الله عليه وآله): «أيَّما مسلِمَيْنِ تهاجرَا، فمكثا ثلاثًا لا يصطلحان إلَّا كانا خارجين من الإسلام، ولم يكن بنيهما ولاية فأيُّهما سبق إلى كلام أخيه كان السَّابق إلى الجنَّة يوم الحساب» (ميزان الحكمة 4/3437، محمَّد الريشهري).
هذه روايات، وهذه أحاديث تؤكِّد على قيمة الزِّيارة، وتحذِّر من التَّقاطع والتَّدابر.
لماذا هذا التَّأكيد على (التَّزاور)؟
ولماذا هذا التَّحذير من التَّقاطع؟
لا لمجرَّد أنْ تتلاقى أبدان.
ولا لمجرَّد أنْ تتلاقى عواطف، وكلمات.
مطلوب جدًّا أنْ تتلافى الأبدان.
ومطلوب جدًّا أنْ تتلاقى العواطف، والكلمات.
ولكن الهدف الأسمى والأكبر أنْ (تتلاقى القلوب).
أنْ تتلاقى العقول.
هذا الهدف حينما نتزاور.
الهدف أنْ تتلاقى العقول، وأنْ تتلاقى القلوب.
أنْ يكون في هذا التَّلاقي إحياء لأمر الدِّين.
•كما في الحديث عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): «الزِّيارة تنبت المودَّة» (ميزان الحكمة 2/1193، محمَّد الريشهري).
تخلق قلوبًا متحابَّة، متصافية، نقيَّة.
•وقال أمير المؤمنين (عليه السَّلام): «لقاء أهل الخير عمارة القلب» (ميزان الحكمة 2/1193، محمَّد الريشهري).
•وقال الإمام الصَّادق (عليه السَّلام): «تزاوروا، فإنَّ في زيارتكم إحياء لقلوبكم، وذِكْرًا لأحاديثنا، وأحاديثنا تعطف بعضكم على بعض، فإنْ أخذتم بها رشدتم ونجوتم، وإنْ تركتموها ضللتم وهلكتم، فخذوا بها وأنا بنجاتكم زعيم» (ميزان الحكمة 2/1193، محمَّد الريشهري).
إذًا، الهدف المركزيُّ للتَّزاور هو (إنتاج المحبَّة)، و(تبادل الرُّؤى)، و(التَّزوُّد بالقِيم الخيِّرة).
فإذا تعذَّرت اللِّقاءات المباشرة، فإنَّ اللقاءات عبر (أدوات التَّواصل)، والمتوفِّرة اليوم تحقِّق نفس الهدف.
الهدف هو أنْ تتلاقى القلوب، فيمكن عبر أي وسيلة أنْ نؤسِّس للقاءات القلوب.
فاللِّقاءات عبر (أدوات التَّواصل)، والمتوفِّرة اليوم تحقِّق نفس الهدف، فوظِّفوا هذه الأدوات لتواصُلات، ليس لـ(دردشات) عادية.
وليس لمجاملات كاذبة.
بل لتواصُلات تنتج محبَّة ومودَّة.
وتنمِّي وعيًا وثقافة.
وتصنع طهرًا ونقاء.
وحذارِ حذارِ أنْ تكون هذه اللِّقاءات الفضائيَّة لقاءات فارغة، و(دردشات)، ومجاملات، وتبادلات استهلاكيَّة.
حذارِ حذارِ أنْ تكون هذه اللِّقاءات الفضائيَّة لقاءات فارغة، ولقاءات منافقة.
تلتقي الكلمات والقلوب متباغضة ومتدابرة!
نقرأ في بعض الرِّوايات التَّحذير من هذا النَّمط من اللَّقاءات.
•الحديث يقول: «إذا … لبس النَّاس جلود الضَّأن على قلوب الذِّئاب، …» ( بحار الأنوار 52/193، العلامة المجلسي).
مظهره حمل وديع جميل هادئ، لكن يحمل في قلبه غِلًّا وحقدًا وحسدًا، فأي قيمة لهذا اللِّقاء؟!
أنْ يلبس جلد الضَّأن، ويحتضن في داخله قلب ذئب!
•«…، وقلوبهم أنتن من الجيف، وأمر من الصَّبر، …» ( بحار الأنوار 52/193، العلامة المجلسي).
هذه لقاءات مرفوضة.
•«… كلامهم أحلى من العسل، وقلوبهم أمرّ من الحنظل، …» ( بحار الأنوار 52/264، العلامة المجلسي).
كلمات جميلة مهذَّبة تعبِّر عن حُبٍّ، عن عشق، لكن القلوب تغلِي، القلوب متحاسدة!
•عن أمير المؤمنين (عليه السَّلام): «…، ويكون أهل ذلك الزمان لهم وجوه جميلة وضمائر
ردية من رآهم أعجبوه ومن عاملهم ظلموه، …» (إلزام النَّاصب 2/161، الشَّيخ علي اليزدي الحائري).
أيُّها الأحبَّة، هل نستطيع أنْ نحوِّل العيد إلى فرصة؛ من أجل:
تنقية القلوب.
وتلاقي القلوب.
وتزاور القلوب.
فلنفرض أنَّ ظاهرة (الكورونا) منعت من التَّزاور، منعت من التَّصافح، منعت من التَّقارب، لكن لا تستطيع أنْ تمنع القلوب من أنْ تتقارب.
لا تستطيع أنْ تمنع الأرواح من أنْ تتزاور، هذه أكبر من كلِّ الأوبئة.
فمطلوب أنْ نحوِّل العيد إلى فرصة من أجل تنقية القلوب، وتلاقي القلوب، وتزاور القلوب.
كيف تنتقي القلوب؟
وكيف تتلاقى القلوب؟
وكيف تتزاور القلوب؟
ما معنى أنْ تتلاقى القلوب؟
ما معنى أنْ تتزاور القلوب، أن تتنقى القلوب؟
أنْ نفرِّغها من أيِّ غشٍّ وضَغينة.
أنْ نفرِّغها من الحسد.
أنْ نملأها بالصَّفاء، والنَّقاء.
أنْ نملأها بالحبِّ في الله تعالى.
فلا أعظم، ولا أسمى من الحبِّ في الله تعالى.
•الكلمة عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): «أفضل الأعمال الحبُّ في الله، والبغض في الله تعالى» (ميزان الحكمة 1/514، محمَّد الريشهري).
•في كلمة أخرى له (صلَّى الله عليه وآله): «إنَّ أوثق أو عرى الإسلام أنْ تحبَّ في الله وتبغض في الله» (ميزان الحكمة 1/514، محمَّد الريشهري).
•وفي الكلمة عن أمير المؤمنين (عليه السَّلام): «إنَّ أفضل الدِّين الحبُّ في الله، والبغض في الله، والأخذ في الله، والبكاء في الله» (ميزان الحكمة 1/514، محمَّد الريشهري).
•في الكلمة عن الإمام الصَّادق (عليه السَّلام): «إنَّ المتحابِّين في اللهِ يوم القيامة على منابر من نور، قد أضاء نورُ أجسادِهم ونورُ منابرِهم كلَّ شيئ، حتَّى يُعرفوا به، فيقال: هؤلاءِ المتحابُّون في الله» (ميزان الحكمة 1/514، محمَّد الريشهري).
هذا الحديث عن الزِّيارة، نستطيع أنْ نحوِّل الزِّيارة المباشرة والتي هدفها المركزيُّ أنْ تتزاور القلوب، وتتلاقى الأرواح.
أنْ نحوِّلها إلى زيارات قلبيَّة، وزيارات روحيَّة، هذه مسألة الزِّيارة.

ثانيًا: التَّصافح
مسألة المصافحة، أيضًا من مراسيم العيد.
المصافحة من أهم مراسيم العيد، وثوابها كبير جدًّا كما ذَكَرَت الرِّوايات.
•في الكلمة عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): «إذا التقيتم، فتلاقوا بالتَّسليم والتَّصافح، وإذا تفرَّقتم، فتفرقوا بالاستغفار» (ميزان الحكمة 2/1616، محمَّد الريشهري).
•في الكلمة عن أمير المؤمنين (عليه السَّلام): «إذا لقيتم إخوانكم فتصافحوا، وأَظهروا لهم البشاشة والبِشر، تتفرَّقوا وما عليكم من الأوزار قد ذَهَب» (ميزان الحكمة 2/1616، محمَّد الريشهري).
•الحديث عن الإمام الباقر (عليه السَّلام): «إنَّ المؤمن إذا صافح المؤمن تفرَّقا من غير ذَنْب» (ميزان الحكمة 2/1616، محمَّد الريشهري).
هذه مصافحة لها قيمتها، لكن المصافحة ليست شَكْلًا!
ليست مجرَّد أنْ تلتقي كفٌّ بكفٍّ، ويد بيد!
إذا كانت شَكْلًا، إذا كانت مجرَّد مظهر لا قيمة لها.
القيمة الكبرى للمصافحة حينما تتحوَّل إلى (مصافحة أرواح)، و(مصافحة قلوب) لا مجرَّد مصافحة أيدٍ.
فإذا كانت ظروف الوباء قد عطَّلت (التَّصافح بالأيدي)، فإنَّ تصافح القلوب، وتصافح الأرواح لا يمكن أنْ يتعطَّل!
الجائحة عطَّلت أنْ تلتقي الأكفُّ، وتلتقي الأيدي، ولكن أنْ تتصافح القلوب، وأنْ تتصافح الأرواح لا يمكن لجائحة ولا غير جائحة أنْ تعطِّلها، إلَّا أنْ تتعطَّل القلوب نفسها!
إذا عطَّلنا القلوب، وعطلنا الحبَّ، وعطلنا الصَّفاء تتعطَّل لقاءات القلوب.

ما معنى تصافح القلوب؟
وما معنى تصافح الأرواح؟
حينما تتحرَّر الأرواح من تلوُّثات الدُّنيا، وحينما تتحرَّر القلوب من الشَّوائب، والكدورات، وترتبط بالله تعالى، فمِن الطَّبيعيِّ جدًّا أنْ تتعانق هذه الأرواح، وأنْ تتعاشق هذه القلوب.
قلبٌ يحمل حبَّ الله تعالى لا بدَّ أن يلتقي مع قلبٍ آخر يحمل حبَّ الله تعالى.
قلبٌ يحمل الصَّفاء والنَّقاء لا بدَّ أنْ يلتقي بقلبٍ يحمل الصَّفاء والنَّقاء.
فمن الطَّبيعيِّ جدًّا أنْ تتعانق هذه الأرواح، وأنْ تتعاشق هذه القلوب؛ لأنَّها أرواحٌ ربَّانيَّة، ولأنَّها قلوب ربَّانيَّة.
إذا تحوَّلت الأرواح إلى أرواح ربَّانيَّة، وتحولت القلوب إلى قلوب ربَّانيَّة، فإنَّها تتلاقى، وتتعانق، وتتعاشق.

أيُّها الأحبَّة، لنتدرَّب ونحن نعيش أيَّام العيد على تصافح الأرواح والقلوب بَدَلًا من تصافح الأيدي!
تعطَّلت المصافحات بالأيدي، فلندرِّب أنفسنا كيف تتصافح القلوب، وكيف تتصافح الأرواح.
لنتدرَّب ونحن نعيش أيَّام العيد على تصافح الأرواح والقلوب بَدَلًا من تصافح الأيدي.
ولنتدرَّب على تعانق الأرواح والقلوب بَدَلًا من تعانق الأبدان.

المسألة ليست سهلة، فيها الكثير من الصُّعوبة.
ليس صعبًا أنْ تضع يدَك في يد أخيك؛ لتصافحه، المسألة سهلة جدًّا.

ليس صعبًا أنْ تضع يدك في يد أخيك؛ لتصافحه.
ليس صعبًا أنْ يلتقي كتفك بكتف أخيك؛ لتعانقه.
ولكن أنْ تتلاقى القلوب.
ولكن أنْ تتلاقى الأرواح.
ففي غاية الصُّعوبة.
أيُّها الأحبَّة:
قيمة العيد (1)
بمقدار ما نستطيع أنْ نحوِّله إلى (موسم بناء روحيٍّ وإيمانيٍّ وأخلاقيٍّ)، هذه قيمة العيد، إذا تحوَّل إلى موسم بناء، بناء روح، بناء إيمان، بناء أخلاق، كان موسمًا ناجحًا.
أنْ نحوِّله إلى (موسم بناء روحيٍّ وإيمانيٍّ وأخلاقي).

لماذا أكَّدتْ الرِّوايات على قيمة (الذِّكْر) في الأعياد؟
عندما نقرأ الروايات، وعندما نقرأ الأحاديث نراها تؤكِّد على أنْ نمارس الذِّكر في أيَّام العيد.
•في الكلمة عنه (صلَّى الله عليه وآله): «زيِّنوا أعيادَكم بالتَّكبير» (ميزان الحكمة 3/2198، محمَّد الريشهري).

أكثروا من التَّكبير في الأعياد، زِينة الأعياد التَّكبير، ذِكر الله تعالى، «زيِّنوا أعيادَكم بالتَّكبير».

•في كلمة أخرى له (صلَّى الله عليه وآله): «زيِّنوا العيدين بالتَّهليل، والتَّكبير، والتَّحميد، والتَّقديس» (ميزان الحكمة 3/2198، محمَّد الريشهري).

لماذا؟
لماذا هذا التَّأكيد على الذِّكر، والتَّهليل، والتَّكبير، والتَّحميد، والتَّقديس في أيَّام العيد؟
فهذا الذِّكر يصبغ الأعياد بالصِّبغة الرَّبانيَّة، وبالصِّبغة الإيمانيَّة، وبالصِّبغة الرُّوحيَّة، وبالصِّبغة الأخلاقيَّة، وبالصِّبغة العباديَّة.
هذه قيمة العيد حينما ينصبغ انصباغًا إيمانيًّا، روحيًّا، تقوائيًّا.
القيمة تكون للعيد.
ليست القِيمة في المظاهر.
ليست القِيمة في الشَّكليَّات.
القِيمة في المضمون الرُّوحيِّ للعيد.
القِيمة في المضمون الأخلاقيِّ للعيد.

وقيمة العيد (2)
بمقدار ما يُؤسَّس للتَّكافل الاجتماعيِّ، هذه أهم أهداف العيد المركزيِّ التَّكافل الاجتماعيُّ.
قيمة العيد بمقدار ما يؤسَّس للتَّكافل الاجتماعيِّ وهو أمرٌ مشدَّدٌ عليه في الآياتِ، والرِّوايات.
لا عمل أعظم من تفقُّد أوضاع البائسين، والفقراء، والمحتاجين، وخاصَّة في الظُّروف الاستثنائيَّة والتي تضغط على الكثيرين، وربَّما هم من المتعفِّفين الذين لا تسمح لهم مقاماتهم أنْ يَظهروا بمظهر الفقر والحاجة.
هناك مَن يعيشون العوز والحاجة ولكنَّهم لا يتظاهرون بذلك.
العيد هو الفرصة لأنْ نجسِّد روح التَّكافل.
•الحديث عنه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «… مَنْ فرَّج عن أخيه كُرْبةً من كرب الدُّنيا نظر الله إليه برحمته، فنال بها الجنَّة، وفرَّج الله عنه كُرَبه في الدُّنيا والآخرة» (بحار الأنوار 73/369، العلامة المجلسي).
•و«سُئل رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): أيُّ الأعمالِ أحبُّ إلى الله (عزَّ وجلَّ)؟
قال: اتِّباع سرور المسلم.
قيل: يا رسول الله، وما اتِّباع سرور المسلم؟
قال: شَبْع جوعته، وتنفيس كربته، وقضاء دينه» (ميزان الحكمة 1/507، محمَّد الريشهري).
•وقال الإمام الباقر (عليه السَّلام): «مِن حقِّ المؤمن على أخيه أنْ يشبع جوعته، ويواري عورته، ويفرِّج عنه كربته، ويقضي دينه، فإذا مات خلفه في أهله وولده» (ميزان الحكمة 1/664، محمَّد الريشهري).
•وقال الإمام الصَّادق (عليه السَّلام): «أيَّما مؤمنٍ أوصل إلى أخيه المؤمن معروفًا، فقد أوصله إلى رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)» (ميزان الحكمة 1/49، محمَّد الريشهري).
ويكفي أنْ نقرأ قوله تعالى:
•﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ﴾ (سورة الماعون: الآية 1).
مَنْ هذا الذّي يكذِّب بالدِّين؟
•﴿فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ﴾ (سورة الماعون: الآية 2).
يدفعه بعنف وقسوة دون أنْ يتحسَّس حاجاته، وآلامه.
•﴿وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴾ (سورة الماعون: الآية 3).
لا يتحسَّس حرمان البائسين، والفقراء، والمحرومين.
ثمَّ تختم الآية:
•﴿وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ﴾ (سورة الماعون: الآية 7).
وهو المعونة التي تفرضها حاجات المحتاجين.
فكونوا سبَّاقين إلى تفقُّد أوضاع الذين فرضت عليهم الظُّروف الرَّاهنة أنْ يكونوا في موضع حاجة، ربَّما في الأوضاع الطَّبيعيَّة هم ليسوا في حاجة، ولكن هذه الظُّروف جعلتهم في موضع الحاجة، وقد لا يستطيعون لمواقعهم ولمكاناتهم الاجتماعيَّة أنْ يعبِّروا عن (احتياجاتهم).

وأخيرًا:
قيمة العيد (3)
بمقدار ما يرفع من مآسي المسلمين.
العيد يدخل الفرحة على قلوب النَّاس.
يملأ قلوب النَّاس بالفرحة، وبالرِّضا، وبالأنس.

وكيف تتملَّأ قلوب النَّاس بالفرحة، والأنس وهم غارقون في المآسي؟

إذًا، حتَّى نحوِّل الفرحة إلى فرحة حقيقيَّة نحاول أنْ نحوِّل العيد إلى فرصة من خلالها نرفع المآسي.

قيمة العيد بمقدار ما يرفع من مآسي المسلمين.
المآسي المعيشيَّة.
المآسي الاجتماعيَّة.
المآسي الأخلاقيَّة.
المآسي الاقتصاديَّة.
المآسي السِّياسيَّة.
المآسي الأمنيَّة.

من طُرُق رفع المآسي
وحينما ندعو إلى رفع مآسي المسلمين، فإنَّنا ندعو إلى اعتماد (الأدوات المشروعة) للإصلاح، وبناء الأوطان، والابتعاد كلَّ الابتعاد عن الأساليب التي (تؤزِّم)، والأساليب التي (تُرْبِك)، والأساليب التي (تؤجِّج الصَّراعات).
معالجة أزمات المسلمين تحتاج إلى:
1-حكمة، وعقل، ورشد.
2-لغة نظيفة، ومهذَّبة.
3-أساليب بصيرة.

ومن الضَّروري أنْ تتعاون كلُّ المواقع؛ لمعالجة أزمات الأوطان، فآلام الأوطان هي آلام كلِّ المواقع.

وحينما تتلاقى هذه الآلام بصدقٍ، ومحبَّة، وتسامح، وتعاونٍ، وتواصلٍ، وتحاور:
تكون الأوطان بخير.
وتكون الأنظمة بخير.
وتكون الشُّعوب بخير.

الأعياد فرصة كبيرة
الأعياد فرصة كبيرة لزرع الخير، ونشر الحبِّ، والتَّعاون على البِرِّ، والصَّلاح، والتَّقوى.
وآخر دعوانا أنْ الحمد لله ربِّ العالمين.
والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

Show More

Related Articles

Back to top button