حديث الجمعة 587: السِّياجات التي تحصِّن العلاقة بين الجنسين (الرَّجل، والمرأة) – 3
هذا الحديث للعلَّامة السَّيِّد عبد الله الغريفي، قد أُلقي في تاريخ: (2 ذو الحجَّة 1441 هـ – الموافق: 23 يوليو 2020 م)، وقد تمَّ تفريغه من تسجيل مرئيٍّ، وتنسيقه بما يتناسب وعرضه مكتوبًا للقارئ الكريم.
أعوذ بالله السَّميع العليم من الشَّيطان الغويِّ الرَّجيم
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، وأفضل الصَّلوات على سيِّد الأنبياء والمرسلين، سيِّدنا، ونبيِّنا، وحبيبنا، وقائدنا، محمَّد وعلى آله الطَّيِّبين الطَّاهرين.
السَّلام عليكم أيُّها الأحبَّة جميعًا ورحمة الله وبركاته.
السِّياجات التي تحصِّن العلاقة بين الجنسين (الرَّجل، والمرأة) – 3
لا زال الحديث مستمرًّا حول هذا العنوان: (السِّياجات التي تحصِّن العلاقة بين الجنسين)، بين الرَّجل والمرأة، بين الشَّاب والشَّابة.
وتناول الحديث عنوانين: الستر الشَّرعيَّ، وغضَّ البصر، كلونين من ألوان السِّياجات التي وضعتها الشَّريعة الإسلاميَّة؛ لتحصين العلاقة بين الرَّجل والمرأة.
وفي سياق هذا الحديث عرضت إلى بعض مسائل فقهيَّة، تناولنا المسألة الأولى من هذه المسائل، الآن نتابع الحديث.
السُّؤال الثَّاني: هل أنَّ النَّظرة المحرَّمة من الرَّجل للمرأة تتَّسع إلى جميع بدن المرأة الأجنبيَّة؟
لقد أوضحنا في الحديث الماضي مصطلح المرأة الأجنبيَّة لدى الفقهاء وأنَّه حينما يطلق هذا المصطلح فيُعنى به غير الزَّوجة، وغير المحارم.
فنظرة الرَّجل إلى المرأة الأجنبيَّة هل تتَّسع لكل بدن المرأة، أم لمواقع محدَّدة؟
فإذا كانت النَّظرة، نظرة الرَّجل للمرأة نظرة فيها ريبة، وفيها تلذُّذ فهي محرَّمة لأيِّ موقع من مواقع جسد المرأة سواء: الوجه، أم اليدين، أم بقيَّة البدن.
ما دامت النَّظرة تختزن في داخلها الرِّيبة والتَّلذُّذ فهي محرَّمة بشكل مطلق، فأي موقع من مواقع بدن المرأة محرَّم، وكذلك نظر المرأة للرَّجل إذا كانت نظرة تحمل ريبة وتلذُّذًا، فهي كذلك محرَّمة.
– وقد أوضحنا فيما مضى ما معنى الرِّيبة، وهي الميل النَّفسيُّ للوقوع في الحرام، وأنَّ التَّلذُّذ هو وجود الحوافز الجنسيَّة -.
أمَّا إذا كانت النَّظرة بغير ريبة وتلذُّذ، كالرجل ينظر إلى المرأة نظرة بريئة لا تحمل تلذُّذًا، ولا تحمل ريبة، هنا للفقهاء ثلاثة آراء:
الرَّأي الأوَّل: حرمة النَّظر إلى جميع بدن المرأة الأجنبيَّة حتَّى الوجه والكفَّين.
حتَّى بدون ريبة!
إنَّ أصل النَّظر إلى المرأة، وإلى أيِّ موقع من بدن المرأة وحتَّى إلى الوجه، وحتَّى إلى الكفَّين هذا محرَّم، هذا رأي!
الرَّأي الثَّاني: حرمة النَّظر إلى بدن المرأة الأجنبيَّة باستثناء الوجه والكفِّين.
إذا كانت النَّظرة ليس فيها ريبة إلى بدن المرأة – غير الوجه والكَّفين – فالنَّظر محرَّم بلا إشكال سواء وجدت الرِّيبة أم لم توجد.
وسواء وجد التَّلذُّذ أم لم يوجد.
أمَّا النَّظر إلى الوجه والكفين بلا ريبة، وبلا تلذُّذ فجائز.
إنَّ هذا الرَّأي يستثني الوجه والكَّفين، ويستثني من الرَّجل بعض مواقع أيضًا، وهي ما اعتاد الرَّجل إظهاره، فيجوز للمرأة أنْ تنظر إليه بدون ريبة وتلذُّذ.
الرَّأي الثَّالث: حرمة النَّظر إلى بدن المرأة الأجنبيَّة باستثناء الوجه والكفِّين والقدمين.
الرَّأي الثَّالث يضيف القدمين في الاستثناء، فيجوز النَّظر إلى الوجه، والكفين، والقدمين.
هذه المسألة الثَّانية.
السُّؤال الثَّالث: ما حكم النَّظر إلى صورة المرأة؟
هذه مسألة يمكن أنْ تكون محلَّ ابتلاء كثير.
تارة أنظر إلى المرأة على الطَّبيعة في الخارج.
وتارة أنظر إلى صورة المرأة كالصورة الفوتوغرافيَة، أو الصورة في التِّلفاز، أو الصورة في مواقع التَّواصل.
فهذا نظر إلى صورة وليس إلى الحقيقة.
فهذا النَّظر إلى الصُّورة هل تشمله أحكام النَّظر إلى المرأة بشكل طبيعيٍّ؟
هنا ثلاث حالات – وأرجو الانتباه، لأنَّ هذا محلُّ ابتلاء كثيرٍ، ومحلُّ ابتلاء دائم، حيث إنَّ الإنسان قد يُشاهد تلفازًا، أو يُشاهد مجلَّات، أو يُشاهد مواقع – هنا ثلاث حالات:
الحالة الأولى: ألَّا تكون المرأة معروفة لدى الرَّجل
فيجوز النَّظر إلى تلك الصُّورة حتَّى لو كانت المرأة متبرِّجة وغير ملتزمة بالسِّتر، ما لم يترتَّب على النَّظر مفسدة أخلاقيَّة وسلوكيَّة، فالنَّظر إلى الصُّور النِّسائيَّة المبتذَلَة والتي تعيش التَّبرُّج الفاحش له آثار مدمِّرة وخطيرة على السُّلوك، وعلى الحصانة الأخلاقيَّة.
فمثلًا لو ظهرت امرأة أجنبيَّة على التِّلفاز، لا أعرفها، ولا توجد بيننا أيُّ علاقة.
هنا يجوز لي النَّظر إلى تلك الصُّورة حتَّى لو كانت المرأة متبرِّجة – ليست سافرة فقط بل متبرِّجة – تُظهر أعضاءً من بدنها كالصَّدر، والذِّراعين، والسَّاقين، بل أيَّ شيئ من بدنها.
إنَّ النظر إلى الصورة مادامت المرأة غير معروفة جائز حتى لو كانت المرأة متبرجة، وغير ملتزمة بالستر الشَّرعيِّ ما لم – بهذا الاستثناء – يترتَّب على النَّظر مفسدة أخلاقيَّة وسلوكيَّة.
إنَّ النَّظر إلى امرأة متبرِّجة في التِّلفاز غير معروفة لدى المشاهِد ضمن العنوان الأوَّليِّ جائز، ولا مشكلة فيه!
لكن إذا كان هذا النَّظر يُحفِّز الغريزة، ويسبِّب السقوط في منزلقات أخلاقيَّة وسلوكيَّة صار النَّظر محرَّمًا بهذا العنوان لا بلحاظ النَّظر إلى المرأة المتبرِّجة، ذلك لأنَّ النَّظر يُنتج مفاسد أخلاقيَّة، وينتج ألوانًا من الانحراف.
إذا ترتَّب على هذه النَّظرة مفسدة أخلاقيَّة وسلوكيَّة، فلا يجوز النَّظر إلى صور النِّساء المُبْتَذِلات، والتي تعيش التَّبرُّج الفاحش، وهذا واضح أنَّ له آثار كثيرة مدمِّرة وخطيرة على السلوك وعلى الحصانة الأخلاقيَّة.
فإنَّ الكثير من الانحرافات الأخلاقيَّة السُّلوكيَّة سببها النَّظر إلى النِّساء المتبرجات الفاسقات الماجنات.
فَمَا لم يترتَّب على النَّظر مفسدة أخلاقيَّة وسلوكيَّة فجائز، أمَّا إذا ترتَّب على النَّظر إلى هذه المرأة المتبرِّجة مفاسد أخلاقيَّة وسلوكيَّة، فلا يجوز النَّظر قطعًا.
الحالة الثَّانية: أنْ تكون المرأة معروفة لدى الرَّجل إلَّا أنَّها من المبتذِلات وغير الملتزمات بالسِّتر الشَّرعيِّ.
قد أكون أعرف هذه المرأة شخصيًّا وأنَّها بنت فلان جارنا – مثلًا -، وهي غير ملتزمة شرعًا بضوابط الشَّرع، فهي متبرِّجة، ومبتذلة، فما الحكم في مثل هذه الحالة؟
فهذه أيضًا لا يُحرم النَّظر إلى صورتها بالرغم أنَّها معروفة لديَّ، ولكن لكونها غير ملتزمة وغير منضبطة بالضَّوابط الشَّرعيَّة، فلا يحرم النَّظر إلى صورتها إلَّا – أيضًا هنا استثناء – إذا كان يترتَّب على النَّظر مفسدة مضرَّة بالأخلاق والسُّلوك.
فإذا كنتُ محصِّنًا نفسي عن السُّقوط في المنزلقات، فلا مشكلة في النَّظر إلى صورتها، أمَّا إذا كان يترتَّب على هذا النَّظر مضرَّة بالأخلاق، والسُّلوك – كما هو الغالب في مثل هذه الحالات –، فيكون النظر محرَّمًا.
الحالة الثَّالثة: أن تكون المرأة معروفة لدى الرَّجل وهي من المحتشمات غير المبتذِلات.
مثلًا: امرأة أعرفها تمامًا وهي ملتزمة، ولكن وُجدِت لها صورة شخصَّيَّة، أو ضمن صورة عائليَّة – مثلًا – وهي غير ملتزمة فيها بكامل حجابها، هل يجوز لي النَّظر إلى صورة هذه المرأة المعروفة وغير المبتذلة؟
الجواب: لا يجوز شرعًا النَّظر إلى أيِّ جزء من بدنها باستثناء الوجه والكَّفين – وفق الرَّأي الفقهيِّ الذي يستثني ذلك –
كما أنَّ هناك استثناءً آخر وهو: ما لم يترتَّب على ذلك مفسدة كالتَّلذُّذ، وخوف الوقوع في الحرام.
السُّؤال الرَّابع: هل توجد استثناءات في عدم جواز النَّظر إلى بَدَن المرأة الأجنبيَّة؟
قلنا أنَّ هناك حرمة في تبادل النظر بين الرجل والمرأة، فهل الحرمة مطلقة إلى بدن المرأة غير الوجه والكفين؟
ألا توجد استثناءات؟
الجواب: نعم هناك استثناءات، وسأذكر نموذجين من هذه الاستثناءات.
النَّموذج الأوَّل: في حالات الضَّرورات العلاجيَّة
كما إذا لم تتوفر الكفاءات النِّسائيَّة المؤهَّلة.
ويُقصد بالضَّرورات العلاجيَّة وجود مخاطر صحِّيَّة يُعتدُّ بها عند العقلاء.
فعندما تريد المرأة أنْ تتعالج – فالمطلوب أنْ تُفتِّش عن امرأة طبيبة متخصِّصة، إذ مع وجود مثل هذه الطَّبيبة القادرة على معالجة المرض وبكفاءة، فلا يجوز لها الرُّجوع إلى الرِّجال إذا كان يقتضي علاجها أنْ تكشف عن بعض مواضع بدنها، حيث إنَّ نظر المرأة إلى المرأة لا مشكلة فيه، فلا يجوز الرُّجوع إلى الطَّبيب الرَّجل إلَّا في حالة عدم توفُّر الطَّبيبة المماثلة، وكذلك الرَّجل لا يجوز له الرُّجوع إلى المرأة إلَّا في الحالات الاستثنائيَّة.
فإذا لم تتوفَّر المرأة الكُفْء المؤهَّلة القادرة على العلاج بما يتناسب مع المرض في هذه الحالة للضَّرورة يُلجأ إلى الطَّبيب.
وعند رجوعها للطَّبيب الرجل هناك اشتراطات، ومنها ما إذا كان يمكن العلاج بالنَّظر دون اللَّمس، أو كان بآلة بدون النَّظر المباشر – كما هو مذكور في كتب الفقه -.
إذًا، نستثني من حرمة النَّظر إلى بدن المرأة حالات الضَّرورة العلاجيَّة، كما إذا لم تتوفَّر الكفاءات النِّسائيَّة المؤهَّلة.
ويُقصد بالضَّرورات العلاجيَّة وجود مخاطر صحِّيَّة يُعتدُّ بها عند العقلاء، وليس هو كلُّ ما كانت هناك حاجة ولو بسيطة نسمِّيها ضرورة!
إنَّ الضَّرورة هي التي تؤدِّي إلى خطر في حياة الإنسان إذا لم تلجأ هذه المرأة المريضة إلى الطبيب الكفء.
النَّموذج الثَّاني: عند الرَّغبة في الزَّواج من امرأة معيَّنة
فإنَّه يجوز النَّظر إلى بعض محاسنها كالوجه، والشَّعر، والرَّقبة، والمعصم، بشرط ألَّا يكون مسبوقًا بحالها، وبشرط أنْ يكون قاصدًا الزَّواج منها بالخصوص، لا أنْ يكون قاصدًا مُطلق التَّزويج.
فإذا يوجد شابٌّ يرغب في الزواج من امرأة، فهل يجوز أنْ ينظر إلى بدنها – ولا نتحدَّث هنا عن الوجه والكَّفين – كالنَّظر إلى صدرها، أو مواقع أخرى من بدنها؟
إنَّ الفقهاء هنا في مثل هذه الحالة يجوِّزون النَّظر لكن بشروط، وليس الأمر مطلقًا!
فعندما أريد الزَّواج لا أنظر إلى عشرين امرأة – مثلًا -؛ كي أختار من هذه العشرين واحدةً!
إنَّ الأمر ليس على هذه الطَّريقة، وليس هو مفتوحًا لي بأنْ أنظر لمَن أشاء من النِّساء حتَّى أُشخِّص المرأة المطلوبة!
إنَّ المقصود هو إذا وُجِدت هناك امرأةٌ قد تمَّت كلُّ الموافقات، وكلُّ الحسابات ككونها من نسب شريف، ومتديِّنة، وملتزمة، وكلِّ الصِّفات الأخرى قد توفَّرت إلَّا أنَّه بقي حتَّى أختارها زوجة لي أحتاج أنْ أنظر إلى بعض مواضع من جسدها، أي كأنَّ هناك اختيار لهذه المرأة لكنَّه متوقف على النَّظر إليها.
بخلاف الحالة الأولى، إذ أنَّ النَّظر فيها هو للاختبار واكتشاف المرأة، فأنظر إلى مجموعة نساء، ولا يوجد عندي تشخيص لامرأة منهنَّ للزَّواج بها!
أمَّا الحالة الثَّانية، فهناك تشخيص للمرأة التي أريد الزَّواج منها، والمواصفات مقبولة، والنَّسب مقبول أيضًا، وكذا السُّلوك مقبول إلَّا أنَّه قد بقيت حاجة نفسيَّة في أنْ أرى بعض مواضع من بدنها؛ لأقرِّر.
في هذه الحالة الفقهاء يجوِّزون النَّظر إذا لم تكن لديَّ معلومات مسبقة، أمَّا إذا كانت لديَّ معلومات مسبقة فلا يجوز النَّظر!
كما أنَّه إذا تحقَّقت الغاية من النَّظر مرَّة واحدة، فلا يجوز تَكرار النَّظر.
إذًا، هذا النَّموذج الثَّاني من الحالات الاستثنائيَّة في النَّظر وهو حالة الزَّواج وفق الضَّوابط والشُّروط.
إشكالات تواجه الرُّؤية الإسلاميَّة
بعد هذه المسائل الفقهيَّة توجد هناك إشكالات تواجه الرُّؤية الإسلاميَّة.
لقد تحدَّثنا عن الحجاب الإسلامي، وتحدَّثنا عن نظرة الرجل إلى المرأة، ونظرة المرأة إلى الرَّجل، وتحدَّثنا عن الزَّيِّ المطلوب شرعًا للمرأة.
وهنا يُواجه الرَّاي الإسلاميُّ إشكالات.
يواجه التَّصوُّر الإسلاميُّ حول ستر المرأة وحجاب المرأة، وغض البصر إشكالات.
ومن هذه الإشكاليَّات التي تُطرح: الإسلام حينما قيَّد المرأة فيما تلبس وفيما تتزيَّى، وحينما قيَّد حركتها، وحينما وضع اشتراطات كثيرة في علاقتها بالرَّجل، أليس في ذلك اضطهاد للمرأة وتقييد لحريِّتها، وإلغاء لشخصيَّتها الأنثويَّة، وتعطيل لطاقاتها الإنتاجيَّة، ولدورها الاجتماعيِّ، والثَّقافيِّ، والسِّياسيِّ؟
ثمَّ إنَّ فرض القيود المشدَّدة على لباس المرأة يحفِّز الغريزة الجنسيَّة على الجموح، والاستعار.
وسألخِّص هذه الاعتراضات ضمن ثلاثة إشكالات:
الإشكال الأوَّل: تعطيل طاقة المرأة الإنتاجيَّة
إنَّ القيود الدِّينيَّة على المرأة تُعطِّل طاقاتها الإنتاجيَّة.
عندما وُضِعت القيود والاشتراطات على المرأة لم تعطَ قدرة على الانطلاق في الأعمال الإنتاجيَّة، وهكذا تمَّ تعطيل طاقة إنتاجيَّة كبيرة في المجتمع.
فالإشكال الأوَّل هو أنَّ القيود كالستر، والضَّوابط الأخرى التي وضعها الإسلام للمرأة هي تُعطِّل طاقتها الإنتاجيَّة!
الإشكال الثَّاني: تعطيل حَراك المرأة الاجتماعيِّ، والثَّقافيِّ، والتَّربويِّ، والسِّياسيِّ
إنَّ هذه القيود تُعطِّل حَراكها الاجتماعيِّ، والثَّقافيِّ، والتَّربويِّ، والسِّياسيِّ، فلا تستطيع أنْ تنشط ثقافيًّا، واجتماعيًّا، وتربويًّا، وسياسيًّا، ذلك لأنَّها مسجونة، ومحصورة، ومقيَّدة بحجاب وستر.
الإشكال الثَّالث: تحفيز وزيادة الغريزة الجنسيَّة ضراوة واستعارًا
إنَّ وضع الحواجز والقيود بين الرَّجل والمرأة يريد الغريزة الجنسيَّة ضراوة واستعارًا!
ما معنى ذلك؟
إنَّنا عندما نمنع الإنسان شيئًا يزاد ارتباطه به، ويزداد الهيجان عنده.
أمَّا إذا تركت الأمر مفتوحًا له فستتشبَّع نظراته لفترة ما وستنتهي المشكلة، أما عندما نقيِّد الرَّجل ونقيِّد المرأة، فإنَّ هذا التقييد يزيد الغريزة استعارًا، بينما إطلاق العنان لهذه الغريزة بلا ضوابط سيملأ حاجة الرَّجل، وكذا حاجة المرأة لفترة وسينتهي الأمر.
فإذًا، إنَّ وضع الحواجز والقيود بين الرَّجل والمرأة يزيد الغريزة الجنسيَّة ضراوة واستعارًا، بينما إزالة هذه الحواجز والقيود يروِّض الغريزة نتيجة الاعتياد والإشباع.
مناقشة هذه الإشكالات
كيف نناقش هذه الإشكالات الثَّلاثة؟
سـأبدأ بجزء من الإشكال الأوَّل – حيث شارف الوقت على الانتهاء؛ لأتابع ذلك في الحديث القادم -.
مناقشة الإشكال الأول
هل صحيح – فعلًا – أنَّ الالتزام بالستر الشَّرعيِّ يعطِّل قدرة المرأة الإنتاجيَّة؟
هل أنَّ المرأة إذا تحجَّبت وتستَّرت يتعطَّل دورها الإنتاجيِّ العمليِّ؟
الجواب:
إنَّ الأمر ليس كذلك، وهذا الكلام غير صحيح، لـ:
أوَّلًا: المرأة الملتزمة بحجابها تمارس دورها الإنتاجيَّ
فها هي المرأة الملتزمة بحجابها، وبسترها تمارس دورها الإنتاجيِّ في الكثير من الدُّول، وفي الكثير من المواقع بدون الحاجة إلى التَّخلِّي عن السِّتر الشَّرعيِّ.
وربما هي أكثر قدرة وإنتاجيَّة من الكثير من المتبرِّجات.
إنَّ الواقع يكذِّب ذلك الزَّعم.
إنَّ الملتزمات بالحجاب يُمارسنَ دورًا إنتاجيًّا كبيرًا في كثير من الدُّول الإسلاميَّة، ولم يقف الحجاب حاجزًا بين المرأة وبين دورها الإنتاجيِّ في الكثير من المواقع.
فليس للقدرة الإنتاجيَّة علاقة بالستر وعدمه، وإنَّما له علاقة بقدرة المرأة، وبكفاءة المرأة، وإمكانات المرأة.
ثمَّ ما أكثر المتبرِّجات اللَّائي لا يشكِّلن قدرة إنتاجيَّة!
وربما المرأة الملتزمة بسترها وحجابها هي أكثر قدرة وإنتاجيَّة من الكثير من المتبرِّجات.
ثانيًا: أسباب البطالة واضحة وليس منها الحجاب
إذا كانت هناك (بطالة) في قطاع النِّساء، فهل أنَّ السَّبب هو (الحجاب)؟
فلنفرض وجود بطالة كبيرة في أوساط النِّساء، فهل أنَّ هذه البطالة سببها الحجاب؟
أو أنَّه توجد أسباب أخرى واضحة في الكثير من البلدان؟
ليس السبب الأساس في بطالة المرأة هو حجاب المرأة.
الأمر ليس كذلك، فإنَّ أسباب البطالة في بلداننا معروفة، ومشخَّصة، وليس منها الالتزام بالسِّتر.
فها هي الأعداد الكبيرة من المتبرِّجات عاطلات عن العمل!
بل ولربما المتبرِّجات العاطلات عن العمل هنَّ أكثر من المتحجِّبات!
ثمَّ هل تمَّ استيعاب كلِّ الطَّاقات العاطلة الرِّجاليَّة والنِّسائيَّة، ولم تبقَ إلا مشكلة الملتزمات بالحجاب؟
ثالثًا: الخسارة الاقتصاديَّة أهون من الكوارث الأخلاقيَّة والسُّلوكيَّة
لو سلَّمنا – ونحن لا نسلِّم بذلك – أنَّ الستر الشَّرعيَّ يُعطِّل طاقة المرأة الإنتاجيَّة، فهنا خسارة اقتصاديَّة للمجتمع.
أمَّا التَّخلِّي عن السِّتر الشَّرعيِّ، وإظهار التَّبرُّج والتبذُّل فيؤدِّي إلى كوارث أخلاقيَّة، وليس إلى خسارة!
وربما يؤدِّي إلى جرائم كبرى كما هو حاصل في كثير من البلدان!
فأيُّ الخسارتين أكبر، وأخطر؟
فلو دار الأمر بين الخسارة الاقتصاديَّة والكوارث الكبرى الأخلاقيَّة، والسُّلوكيَّة، لكانت الخسارة الاقتصاديَّة أهون!
وإنَّ كانت حتَّى الخسارة الاقتصاديَّة غير مُسلَّمة أيضًا.
هذا هو الإشكال الأوَّل والجواب عنه.
نتابع الحديث عن بقيَّة الإشكالات في اللِّقاء القادم إنْ شاء الله تعالى.
وآخر دعوانا أنْ الحمد لله ربِّ العالمين.
والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.