حديث الجمعة 582: كيف نبرمج لأبنائنا وبناتنا في زمن الفراغ؟
هذا الحديث للعلَّامة السَّيِّد عبد الله الغريفي، قد أُلقي في تاريخ: (26 شوال 1441 هـ – الموافق: 18 يونيو 2020 م)، وقد تمَّ تفريغه من تسجيل مرئيٍّ، وتنسيقه بما يتناسب وعرضه مكتوبًا للقارئ الكريم.
أعوذ بالله السَّميع العليم من الشَّيطان الغويِّ الرَّجيم
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصَّلوات على سيِّد الأنبياء والمرسلين، سيِّدنا، ونبيِّنا، وحبيبنا، وقائدنا محمَّد وعلى آله الطَّيِّبين الطَّاهرين.
عنوان الحديث في هذا اللِّقاء الطَّيِّب هو:
كيف نبرمج لأبنائنا وبناتنا في زمن الفراغ؟
في الظَّرف العادي كان الحديث عن عطلة صيفيَّة لأبنائنا، وبناتنا، وكيف نبرمج لهذه العطلة.
أمَّا في ظلِّ الظَّرف الرَّاهنِ، فالحديث عن عطلةٍ مفتوحة، وربَّما تطول؛ ممَّا يفرض التَّفكير الجادُّ في وضع برمجة جادَّة لأبنائنا، وبناتنا؛ خشية أنْ يقعوا في مخاطر الفراغ المتسيِّب.
مخاطر الفراغ المتسيِّب
الفراغ إذا تسيَّب له مخاطر مدمرة، ومرعبة، فلا بدَّ من توظيف هذا الفراغ؛ لكيلا يتحوَّل فراغًا متسيِّبًا بكلِّ ما يحمل هذا الفراغ المتسيِّب من آثار مرعبة، وآثار مدمِّرة.
ما هي مخاطر الفراغ المتسيِّب، الفراغ المهمل المتروك غير المبرمج، غير الموظَّف؟
هناك مخاطر كثيرة سأكتفي بذِكر نَمَطين من مخاطر الفراغ المتسيِّب، الفراغ غير الموجَّه، غير الموظَّف، أذكر نمطين من هذه المخاطر:
النَّمط الأوَّل – من مخاطر الفراغ المتسيِّب -: الاستثمار غير المشروع، الاستثمار المحرَّم
ملء الفراغ ملأً محرَّمًا وفق رؤية الدِّين.
يقع الإنسان في توظيفٍ منحرفٍ لهذا الفراغ!
يملأ الفراغ بممارسات محرَّمة!
ببرامج محرَّمة!
وحينما أقول برامج محرَّمة وفق رؤية الدِّين، حيث الدِّين يراها برامج محرَّمة، فقد تكون السِّياسات، وقد تكون الأنظمة تعتبرها برامج مشروعة.
أنا أتحدَّث عن برامج غير مشروعة وفق رؤية الدِّين.
فما معنى الاستثمار المحرَّم للوقت؟
معنى الاستثمار المحرم للوقت هو ملء الوقت بممارسات محرَّمة، عندي مقدار من الوقت ساعة، ساعتين، ثلاث ساعات أعبِّئ، أملأ هذا الوقت بسلوكيَّات، ببرامج، بممارسات محرَّمة!
فإذًا الاستثمار المحرَّم هو أنْ نملأ الوقت، أنْ نوظِّف الوقت توظيفًا محرَّمًا.
اليوم أدوات التَّواصل المتوفِّرة لدى الأبناء والبنات مشحونة ببرامج فاسدة ومحرَّمة!
أدوات التَّواصل الميسَّرة بين يدي الأبناء والبنات توفِّر رصيدًا كبيرًا من البرامج الفاسدة، والبرامج الفاسقة، والبرامج المحرَّمة!
ربَّما برامج تؤسِّس لأفكار عقائديَّة منحرفة.
وربَّما برامج تؤسِّس لمفاهيم ثقافيَّة فاسدة.
وربَّما برامج تؤسِّس لأخلاق هابطة.
وربَّما برامج تؤسِّس لممارسات فاسقة.
وربَّما برامج تؤسِّس لسلوكات إجراميَّة.
ربَّما برامج تؤسِّس للتَّطرُّف، للعنف، للإرهاب.
وهكذا تؤسِّس هذه البرامج لمحاربة الدِّين، والقِيم، والأخلاق.
هذه البرامج تهندِس لها مراكز ومؤسَّسات، مهمَّتها (الإفساد)، و(تدمير الأجيال)، وبذلك يخسر (الأجيال) دنياهم، وآخرتهم.
فالنَّمط الأوَّل من أنماط المُنتجات لوجود الفراغ هو التَّعبئة المحرَّمة.
التَّعبئة الفاسدة.
التَّعبئة المنحرفة.
هذا النَّمط الأوَّل من آثار الفراغ المتسيِّب غير الموجَّه، غير الموظَّف.
النَّمط الثَّاني – من المنتجات الفاسدة للفراغ وعدم توظيف الفراغ -: الاستثمار الضَّائع
ملء الفراغ ملأً استهلاكيًّا.
يوجد استثمار محرَّم فاسد، فاسق!
يوجد استثمار ضائع!
يعني – مثلًا -: واحد يقتل وقت الفراغ في النَّوم!
يقتل هذا الوقت بالنَّوم.
النَّوم مطلوب بنسبة ما لسلامة وراحة الجسد، أمَّا أقتل كلَّ وقتي في النَّوم!
إذًا، أنا استخدمت الفراغ استخدامًا ضائعًا.
هذا الاستخدام استخدام ضائع يقتل الوقت.
يضيِّع الوقت.
يُفقد الوقت قيمته.
خذ من النَّوم ما تحتاج، بنسبة يحتاجها جسدك، تحتاجها حياتك، راحتك، أمَّا أقضي كلَّ وقتي نومًا، في الحديث: «إنَّ الله يبغض العبدَ النَّوَّام، …». (هداية الأمَّة إلى أحكام الأئمَّة 6/20، الحر العاملي).
أو «إنَّ الله (عزَّ وجلَّ) يبغض العبدَ النَّوَّام الفارغ، …». (هداية الأمَّة إلى أحكام الأئمَّة 6/20، الحر العاملي).
هذا أحد منتجات الاستهلاك الضَّائع!
حينما نتحدَّث عن الاستهلاك الضَّائع، ونتحدث عن ملء الفراغ ملءً استهلاكيًّا.
برامج تقتل الوقت بلا مردودات نافعة.
ليس محرَّمًا أنْ يمارس الإنسان أعمالًا ترفيهيَّة مباحة، فالتَّوجيهات الدِّينيَّة تسمح.
حينما نقرأ الرِّوايات، حينما نقرأ الأحاديث.
الأحاديث تدعو لأنْ يبرمج الإنسان وقته.
من جملة فقرات البرمجة جزء للتَّرويح النَّفسيِّ.
التَّرويح النَّفسيُّ هو جزء من البرمجة الدِّينيَّة التي تعطي للإنسان طاقة، وتعطي للإنسان نشاطًا، وتعطي للإنسان حيويَّة.
يخرج للاستجمام.
يمارس بعض التَّرفيهات المباحة، فهذا لا توجد فيه مشكلة.
إذا أنا أجعل جزءًا من وقتي للتَّرفيه هذا مطلوب.
أنْ يخصِّص ضمن برنامجه وقتًا للتَّرفيه النَّفسيِّ، فهذا يعطيه نشاطًا، وحيويَّة، وقدرة على أداء التَّكاليف الواجبة.
شَرْطَا البرنامج التَّرفيهيِّ
نعم، يجب أنْ يتوفَّر في البرنامج التَّرفيهيُّ شرطان:
مسموح لك أنْ تضع فقرات ترفيهيَّة في برنامجك لكن ضمن شَرْطَيْن أَسَاسَين:
الشَّرط الأوَّل: أنْ يكون العمل التَّرفيهيُّ مباحًا من النَّاحية الشَّرعيَّة
أي: لا أَضعُ لي برنامجًا ترفيهيًّا محرَّمًا، فهذا غير مسموح به، أمَّا وضع برنامج ترفيهيٍّ مباح، فلا مشكلة فيه.
هذا الشَّرط الأوَّل.
الشَّرط الثَّاني: ألَّا يؤدِّي إلى التَّفريط بالمسؤوليَّات الأخرى المطلوبة، أو يؤدِّي إلى هدر أوقات طويلة
حينما تتحوَّل الفقرة التَّرفيهيَّة إلى فقرة تأكل الوقت، وتأكل البرامج الأخرى الضَّرورية، فهنا بالعنوان الثَّانويِّ يتحوَّل المباح إلى محرَّم!
الفقرة الترفيهيَّة مباحة مشروعة، لكن أنْ تستهلك كلَّ وقتي، إذًا أَنَا قد جُرتُ على البرامج الأخرى الضَّروريَّة.
إذًا، هنا يتحوَّل العمل المباح إلى عمل محرَّم، لكن بالعنوان الثَّانويِّ!
فلأوضِّح لكم الفكرة من خلال عرض أمثلة.
1- مشاهدة البرامج الرِّياضيَّة غير محرِّم بالعنوان الأوَّليِّ كمطالعتي كرة القدم، أو أيِّ لعبة رياضيَّة أخرى، فمثل هذا لا مشكلة فيه، وليس محرَّمًا أنْ يشاهد الشَّباب الممارسات الرِّياضيَّة.
2- مشاهدة برامج التَّسلية الخالية من المحرَّمات أمر مشروع.
أنْ يتابع الإنسان برنامجًا فكاهيًّا مسليًّا لا يحتوي على فقرات محرَّمة، أو مقاطع محرَّمة، فهذا عمل مشروع لا مشكلة فيه.
ولكن حينما تستهلك هذه المشاهدات أوقاتًا طويلةً؛ ممَّا يؤدِّي إلى التَّفريط بالمسؤوليَّات الأخرى المطلوبة، أو إلى هَدْر أوقات طويلة، فتكتسب (الحرمة) ولكن بالعنوان الثَّانويِّ.
كساعات طويلة مع برامج الإنترنت التَّرفيهيَّة!
مع شاشات التِّلفاز!
مع الألعاب الرِّياضيَّة!
النَّتيجة ما هي؟
1-ضياع الكثير من الوقت.
2- الحرمان من التَّوظيف الهادف الجادِّ.
الخلاصة: يجب الحذر كلُّ الحذرِ من:
1-استثمار الوقت استثمارًا محرَّمًا.
2-استهلاك الوقت استهلاكًا ضائعًا.
التَّأسيس لاستثمار مشروع وهادف للفراغ
إذًا مطلوب أنْ نؤسِّس؛ لاستثمارٍ مشروعٍ وهادف لهذا الفراغ.
المَعْنِيُّون بالمسؤوليَّة
هنا سؤال: مَنْ الذي يتحمَّل مسؤوليَّة هذا التَّأسيس؟
مَن الذي يؤسِّس لهذا الاستثمار الهادف؟
الأبناء أنفسهم، البنات، أولياء الأمور، العلماء، الخطباء؟
نعم، هناك مجموعة مواقع هي مسؤولة عن وضعها البرمجة الهادفة التي تستثمر فراغات الأبناء، والبنات.
أشير إلى مجموعة عناوين تتحمَّل المسؤوليَّة:
أوَّلًا: العلماء، والخطباء، والدُّعاة، والمبلِّغُون، وكلُّ القائمين على البرامج الدِّينيَّة
هؤلاء جميعًا يتحمَّلون مسؤوليَّة هندسة وقت الفراغ، ووضع برامج، خاصَّة عبر وسائل التَّواصل الميسورة في هذا العصر.
وضع برامج تحصِّن الأجيال إيمانيًّا، وثقافيًّا، وروحيًّا، وأخلاقيًّا، وسلوكيًّا.
من خلال:
1-مواجهة كلِّ المؤثِّرات الانحرافيَّة.
2-التَّأسيس لبرامج صالحة، وهادفة.
3-التَّواصل الدَّائم مع أولياء الأمور.
4-التَّوجيهات المستمرَّة للأبناء، والبنات.
إذًا، الموقع الأوَّل المَعنيُّ بهذه البَرْمَجَة، وبهذا التَّوجيه هم العلماء، الخطباء المبلِّغون، القائمون على البرامج الدِّينيَّة.
ثانيًا: أولياءُ الأمورِ (الآباء، والأمهات)
أيضًا يتحمَّلون مسؤوليَّة.
إنَّ أولياء الأمور (الآباء، والأمهات) أيضًا يتحمَّلون مسؤوليَّة كبيرة، فمطلوب من أولياء الأمور:
1-أنْ يكونُوا قدوةً حسنة.
فلا يصحُّ أنْ ينفتح الأب – مثلًا – على برامج غير سليمة ممَّا يؤسِّس لأبنائه، وبناته الانفتاح على البرامج غير المشروعة.
إنَّ الأب إذا وظَّف أوقاته توظيفًا هادفًا جادًّا مشروعًا أعطى قدوةً للأبناء.
فمطلوب من أولياء الأمور أوَّلًا أنْ يكونوا قدوة حسنة.
2-ممارسة الرِّعاية التَّربوية من خلال:
أ- حماية الأبناء، والبنات من البرامج المنحرفة، والاستهلاكيَّة.
متابعة الأبناء فيما ينفتحون عليه من برامج، من خلال توجيهات، وتوصيات، فربَّما لا يستطيع الأب والأمُّ أنْ يراقبا كلَّ لحظة لحظة، وكل وقت وقت، لكن من خلال التَّوجيه، ومن خلال الإرشاد، ومن خلال النُّصح، ينخلق شيئ من التَّحصين.
ب- التَّوجيه إلى الاستثمار الهادف.
ج- التَّعاون مع مواقع التَّوجيه الدِّينيِّ.
التَّواصل بين أولياء الأمور، والعلماء، والموجِّهين، والخطباء، وصنَّاع البرامج الدِّينيَّة، هذا التَّواصل يخلق قدرةً على التَّعاون في تحصين أوقات الأبناء.
الحديث يقول:
•«بادروا أولادكم بالحديث قبل أن يسبقكم إليهم المرجِّئة» ( الكافي 6/47، الشَّيخ الكليني).
يعني: حصِّنوا أبناءكم في مواجهة الأفكار الضَّالة، الأفكار المنحرفة، وهذه الأفكار تتجدَّد في كلِّ زمان، فإذا لم نبادر ولم نحصِّن، فقد جعلنا الأبناء مفتوحين لتسلُّم كلِّ الأفكار الضَّالة، والمنحرفة.
•¬«أدِّبوا أولادَكم على ثلاث خصال: حبِّ نبيِّكم، وحبِّ أهل بيته، وتلاوة القرآن، …» (مسند الإمام علي (عليه السَّلام) 9/270، السيد حسن القبانجي).
•«رُوي عن النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله) أنَّه نَظَر إلى بعض الأطفال، فقال: ويل لأولاد آخر الزَّمان من آبائهم!
فقيل: يا رسول الله، مِن آبائهم المشركين؟
فقال: لا، من آبائهم المؤمنين، لا يعلِّمونهم شيئًا من الفرائض، وإذا تعلَّموا أولادهم منعوهم، ورضوا عنهم بعرض يسير من الدُّنيا، فأنا منهم بريئ، وهم مني بُرَاء» (جامع أحاديث الشِّيعة 21/408، السَّيِّد البروجردي).
إلى آخر الأحاديث التي تؤكِّد أهمِّيَّة رعاية أولياء الأمور.
ثالثًا – الموقع الثَّالث المسؤول عن تحصين هذه الأجيال، وملء الفراغ مَلْئًا مشروعًا -: الدَّولة، ومؤسَّساتها التَّربويَّة
1-تتحمَّل الأنظمة الحاكمة مسؤولية حماية الأجيال من خلال:
أ- مواجهة البرامج المنحرفة، والاستهلاكيَّة.
ب- التَّأسيس لبرامج صالحة، وهادفة.
2-وإنْ كان ممَّا يُؤسَف له أنَّ أكثر الأنظمة الحاكمة تتَّجه سياساتها – لا أقول كل الأنظمة ولكن أقول أكثر الأنظمة، أغلب الأنظمة الحاكمة – تتَّجه سياساتها إلى:
أ- إنتاج أجيال منفصلة عن الدِّين، وقِيم الدِّين.
ب- الاقتصار على البرامج الاستهلاكيَّة التَّرفيهيَّة، والمملوءة بكثير من الفقرات المحرَّمة!
إذًا، هنا موقع ثالث، مسؤولية الدَّولة.
1-مسؤولية العلماء، الخطباء، الموجِّهين.
2-مسؤولية أولياء الأمور.
3-مسؤولية الدَّولة.
رابعًا – تبقى المسؤوليَّة الرَّابعة -: مسؤوليَّة الأبناء، والبنات أنفسهم
الأبناء، والبنات يتحمَّلون المسؤوليَّة الأساس!
العلماء يضعون برامج.
أولياء الأمور يشرفون.
الدَّولة قد تؤسِّس لبرامج مشروعة، أو غير مشروعة.
يبقى الأبناء أنفسهم والبنات إذا لم يمارسوا دور التَّوظيف تصبح كلُّ البرامج لا قيمةَ لها.
إذًا، هنا مسؤوليَّة أبناء، هنا مسؤوليَّة بنات.
ما هي مسؤولية الأبناء، والبنات؟
1-أنْ يبرمجوا أوقاتهم، يضعوا برمجة للأوقات.
الشَّباب، الأبناء، البنات، عندهم فائض من الوقت، وفائض من الطَّاقة.
عندهم ساعات فائضة.
عندهم طاقات فائضة.
مطلوب من الأبناء، ومطلوب من البنات أنْ يوظِّفوا فائض الوقت.
فمثلًا: فإذا كان عندي سبع، أو ثمان، أو تسع ساعات، فائض من الوقت.
فيوجد عندي وقت للنَّوم.
ويوجد وقت للأكل.
ويوجد وقت للرَّاحة.
ومع ذلك هناك فائض من الوقت، خاصَّة في ظلِّ هذا الظَّرف الرَّاهن، فائض من الأوقات، هذا الفائض يجب أنْ يبرمج.
بأنْ يجلس الشَّاب، الشَّابة، الابن، البنت، يضعون على الورق برنامجًا لتوظيف الوقت، من السَّاعة كذا للسَّاعة كذا، أعمل كذا.
توجد برمجة يوميَّة.
توجد برمجة أسبوعيَّة.
توجد برمجة شهريَّة.
فتنظيم الوقت، وبرمجته يُعطي هادفيَّة للحياة، ويُعطي هادفيَّة للوقت.
حينما أبرمج يومي، بفقرات: واحد، اثنين، ثلاثة، أربعة.
أبرمج للشَّهر بكامله.
أبرمج للأسبوع.
هذه برمجة للوقت حتَّى لا يضيع الوقت.
وحتَّى لا ينحرف التَّوظيف.
البرمجة تحمي الإنسان.
البرمجة الجادَّة الهادفة النَّظيفة تحمي الوقت من أنْ يضيع.
وتحمي الوقت من أنْ ينحرف.
قد ينحرف، وقد يضيع، وفي كلا الحالتين الأمر مرفوض، إذا هنا تأتي الضَّرورة للبرمجة.
والبرمجة بالتَّشاور مع أولياء الأمور.
بالتَّشاور مع العلماء، عن الفقرات، ما هي أهم موارد البرمجة؟
على أنِّي أؤكِّد على قيمة المحاسبة ضمن فقرات البرمجة.
ضعوا لكم أيُّها الأبناء، أيُّتها البنات فقرة المحاسبة.
هذه فقرة يوميَّة.
خصِّصوا لكم جزءًا من الوقت تجلسون مع أنفسكم.
تحاسبون أنفسكم.
تحاسبون أوقاتكم.
تحاسبون طاقتكم.
فقرة المحاسبة فقرة قادرة على أنْ تصحِّح الكثير من أوضاع البرمجة، وأوضاع استثمار الوقت.
إذًا، مطلوب من الأبناء، والبنات، أوَّلًا: أنْ يبرمجوا أوقاتهم.
2-أنْ يبرمجوا الطَّاقات.
قلنا: إنَّنا عندنا فائض من الوقت، وفائض من الطَّاقة: الطَّاقة العقليَّة، الطَّاقة النَّفسيَّة، الطَّاقة الجسديَّة، هذه طاقة.
الفائض من الطَّاقة إذا لم يتوظَّف ينحرف، يدمِّر، يُهلِك!، كما أنَّ الوقت الفائض له مردودات خطيرة إذا لم يوظَّف كذلك الفائض من الطَّاقة!
فإذًا، أنْ يبرمجوا الطَّاقات الفائضة الموجودة عندهم.
غياب البرمجة للطَّاقة يؤدِّي إلى ضياع الطَّاقة، هدر طاقة.
عندي طاقة أهدرها هَدرًا استهلاكيًّا، هَدْرًا ضائعًا، أم استخدم الطَّاقة في استخدامات محرَّمة؟
فراغ، أيبقى الفراغ مسجلًا؟
أنت يُسجَّل عليك أنَّك ملأت هذا الوقت بطاعة.
يُسجَّل عليك أنَّك ملأت هذا الوقت بمعصية.
يُسجَّل عليك أنَّك تركت هذا الوقت فراغًا، هذا يُسجَّل!
صناديق يوم القيامة!
ولذلك جاء في بعض الأحاديث ما مضمون الحديث: إنَّ الإنسان يقدَّم له يوم القيامة ثلاثة صناديق،
يوم الحساب، يوم تعرض الأعمال، يقدَّم للإنسان ثلاثة صناديق:
1-صندوق الأعمال الحسنة، صندوق الطَّاعات.
يقدَّم له هذا الصندوق، يُقال له هذه طاعاتك.
هذه أعمالك الحسنة.
هذه خيراتك.
هذا صندوق تقدَّم من خلاله الأعمال، الطَّاعات.
2-يقدَّم له صندوق آخر يقال له هذه معاصيك!
هذه أعمالك المحرَّمة.
هذا ما صدر منك من انحرافات، هذا صندوق.
3-ويقدَّم له صندوق ثالث فارغ يُقال له: هذا الفراغ! كذا قَتَلْت 50 % من أوقاتك فراغ، فيقال كما في الحديث: لا يندم على شيئ كما يندم على هذا الصُّندوق!
كيف قضى نصف عمره فراغ، هنا يندم! (انظر: عدَّة الدَّاعي ونجاح السَّاعي، الصفحة 103، ابن فهد الحلي).
•إذا الحديث يقول: «… اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، …» (الوافي 26/186، الفيض الكاشاني).
ما دمتَ شابًّا تملك طاقة.
تملك وهجًا.
تملك قدرات.
استثمر مرحلة الشَّباب، لأنَّه ستأتي مرحلة تضعف الطَّاقات!
تضعف القُدُرات!
تضعف الإمكانات!
وربما تعجز!
وربما تموت القدرات عندك!
فما دمت في شبابك، وحيويَّتك، وطاقتك استثمر هذه المرحلة، لا تضيِّعها.
ستندم حينما تصل إلى مرحلة يضعف تفكيرك!
تضعف قدراتك الذِّهنيَّة.
تضعف قدراتك النَّفسيَّة.
تضعف قدراتك البدنيَّة، فتتمنى: يا ليت أنا وظَّفت أوقات شبابي، أوقات قدراتي توظيفًا!
•«… اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحَّتك قبل سقمك، …».
أنت صاحٍ.
أنتَ الآن لستَ معلولًا.
لستَ مشلولًا.
ربَّما يأتي على الإنسان وقت يكون مسجًى.
يكون مريضًا.
لا يستطيع أنْ ينشط.
لا يستطيع حتَّى أنْ يعبد الله تعالى.
إذًا، ما دمت في صحَّتك، فاستثمر هذه الصِّحَّة في طاعة الله تعالى.
في ذِكْرِ الله سبحانه.
في الأعمال الصَّالحة، لأنَّك ربما يأتي وقت تموت هذه الصِّحَّة!
تضعف هذه الصِّحَّة، فتتأسَّف، فتقول: يا ليت استخدمتُ أوقات صحَّتي في طاعة الله (عزَّ وجلَّ).
الزَّمن يمضي.
إذًا، «اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحَّتك قبل سقمك، …، فراغك قبل شغلك، …».
ما دمت تملك فراغًا، وضف هذا الفراغ، ربما هذا الفراغ ينتهي وأنت لم تملؤه!
ما دمت تملك فائضًا من الوقت، وفائضًا من الطَّاقة املَأْهُ.
•«…، وفراغك قبل شغلك، …».
•«…، وغناك قبل فقرك،…».
ما دمت تملك قدرةً ماليَّة، وجاهةً، مواقع استثمر هذه القدرات المالية.
استثمر هذه المواقع.
استثمر هذه الإمكانات.
ربما تنتهي هذه القدرات، وتنتهي عند هذه الإمكانات، فتتأسَّف، لماذا لم أوظِّف مالي؟
لماذا لم أوظِّف جاهي؟
لماذا لم أوظِّف قدراتي؟
إذًا، هنا مرحلة، أنت تملك قدرات وظِّفها كما يريد الله تعالى.
•«…، وغناك قبل فقرك، …».
أنت تملك مالًا، يأتي وقت تفقد هذا المال، فلا تستطيع أنْ توظِّف.
•«…، وحياتك قبل موتك، …» (الوافي 26/186، الفيض الكاشاني).
أنت الآن في الحياة تستطيع أنْ تعمل.
تستطيع أنْ تبذل طاقتك في طاعة الله سبحانه.
ينتهي الأجل!
تخرج الرُّوح!
يتوقف كلُّ شيئ.
فاستغل فرصة الحياة قبل أنْ تنتهي هذه الفرصة، فتندم.
•النَّبيُّ (صلَّى الله عليه وآله) يقول: «إنَّ أحبَّ الخلائق إلى الله (عزَّ وجلَّ) شابٌّ حدث السَّنِّ، في صورة حسنة، جعل شبابه، وجماله لله، …» (ميزان الحكمة 2/1401، محمَّد الريشهري).
الشَّاب الطَّائع له موقع عند الله تعالى.
وكلُّ الطَّائعين لهم مواقع عند الله سبحانه.
لكن للشَّاب خصوصيَّة.
الشَّاب إذا كان مطيعًا لله تعالى، فإنَّ هذا يضع له موقعًا كبيرًا كبيرًا جدًّا عند الله سبحانه.
«…، في صورة حسنة، جعل شبابه وجماله لله، وفي طاعته، ذاك الذي يباهي به الرَّحمنُ ملائكتَه، فيقول: هذا عبدي حقًّا» (ميزان الحكمة 2/1401، محمَّد الريشهري).
•ويقول الإمام الباقر (عليه السَّلام): «لو أُتيتُ بشابٍّ من شاب الشِّيعة لا يتفقَّه [في الدِّين] لأدَّبْتُه» (ميزان الحكمة 2/1401، محمَّد الريشهري).
مطلوب أنْ نوظِّف أوقاتنا في التَّفقُّه، في التَّعلُّم.
•وفي كلمة للإمام الصَّادق (عليه السَّلام): «لست أحبُّ أنْ أرى الشَّابَّ منكم إلَّا غاديًا في حالين: إمَّا عالمًا أو متعلِّمًا، فإنْ لم يفعل فرَّط، فإنْ فرَّط ضيِّع – ضيع وقته، ضيع طاقاته، ضيع قدراته –، فإنْ ضيَّع أَثِم، وإنْ أَثِم سكن النَّار والذي بعث محمَّدًا (صلَّى الله عليه وآله) بالحقِّ» (ميزان الحكمة 2/1401، محمَّد الريشهري).
وأختم حديثي بهذه الكلمة لعليٍّ (عليه السَّلام) – هذا المقطع من دعاء عليٍّ (عليه السَّلام) -:
•يا ربّ، «… أسألك بحقِّك، وقدسك، وأعظم صفاتك، وأسمائك أنْ تجعل أوقاتي من اللَّيل، والنَّهار بذِكْرِك معمورةً، وبخدمتك موصولة، …» (ميزان الحكمة 2/966، محمَّد الريشهري).
أنت تستطيع أنْ تملأ الوقت ولو بذِكْر الله تعالى.
الذِّكْر لا يكلِّفك كثيرًا.
الذِّكْر فيما يعنيه في كلِّ مفرداته، وأنواعه.
قد تذكر الله تعالى بلسانك.
قد تذكر الله سبحانه في قلبك.
قد تذكر الله (عزَّ وجلَّ) في عقلك.
تتأمَّل في الكون.
تتأمَّل في الحياة.
تتأمَّل في عظائم خلق الله سبحانه.
وهذا من أعظم الذِّكْر.
إذًا، أنْ نملأ وقتنا بذكر الله تعالى.
وبطاعة الله سبحانه.
هي مسؤوليَّة أبنائنا، وبناتنا.
ومسؤوليَّة القائمين على توجهيهم.
وآخر دعونا أنْ الحمد لله ربِّ العالمين.
والسَّلام عليكم، ورحمة الله وبركاته.