حديث الجمعة 580: توديع شهر رمضان المبارك، واستقبال العيد
بسم الله الرحمن الرحيم
توديع شهر رمضان المبارك، واستقبال العيد
الحمد لله ربِّ العالمين، وأفضل الصَّلوات على سيِّد الأنبياء والمرسلين محمَّد وآله الهُداة الميامين.
وبعد:
أيُّها الأحبَّة، السَّلام عليكم، ورحمة الله وبركاته.
في الحديث: «عن جابر بن عبد الله الأنصاريِّ، قالَ: دخلت عَلى رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) في آخر جمعة مِن شَهر رَمَضان، فلمَّا بصر بي، قالَ لي: يا جابر، هذه آخر جمعة مِن شَهر رَمَضان، فودِّعه، وَقُلْ: اللَّهُمَّ، لا تَجْعَلُهُ آخِرَ العَهْدِ مِنْ صِيامِنا إِيَّاهُ، فَإِنْ جَعَلْتَهُ فَاجْعَلْنِي مَرْحُومًا، وَلا تَجْعَلْنِي مَحْرُومًا.
فإنَّه مَن قالَ ذلِكَ ظفر بإحدى الحُسْنَيَيْن: إمَّا ببلوغ شَهر رَمَضان مَن قابل.
وإمَّا بغفران الله ورحمته» (مفاتيح الجنان، الصَّفحة 374، القمِّي).
التَّجانس بين استقبال شهر رمضان ووداعه
في بداية الشَّهر الفضيل نطرح على أنفسنا هذا السُّؤال: كيف نستقبل شهر الله؟
وفي نهاية الشَّهر الفضيل مطلوب أنْ نطرح على أنفسنا هذا السُّؤال: كيف نودع شهر الله الفضيل؟
وبين الاستقبال والوداع يجب أنْ يكون هناك تجانس تام، فالاستقبال النَّاجح يوفِّر لوداع ناجح.
شروط الاستقبال النَّاجح
الاستقبال النَّاجح يحتاج إلى:
1-خلوص نيَّة.
2-طهارة قلب.
3-إقلاع عن المعاصي، والذُّنوب.
فإذا استطعنا أنْ نتوفَّر على هذه الشُّروط حتَّى نهاية الشَّهر، فسوف نتوفَّر على تعاطٍ ناجحٍ مع الشَّهر الفضيل، وبالتَّالي سوف نتوفَّر على وداع ناجح للشَّهر الفضيل.
مطلوب – أيُّها الأحبَّة – ونحن على مشارف النِّهاية من هذا الشَّهر الفضيل أنْ نمارس (تقويمًا) لمستويات التَّعاطي مع هذا الموسم العظيم، فيما يعنيه هذا التَّعاطي من أرباح كبيرة أو صغيرة!
ما حصيلة هذا الشَّهر الفضيل في حياتنا؟
فلنطرح على أنفسنا هذا السُّؤال: ما حصيلة هذا الشَّهر في حياتنا؟
وحينما أتحدَّث عن (الحصيلة) أتحدَّث عن:
1-العطاءات الإيمانيَّة
2-العطاءات الرُّوحيَّة
3-العطاءات الأخلاقيَّة
4-العطاءات السُّلوكيَّة
5-العطاءات الثَّقافيَّة
6-العطاءات الاجتماعيَّة
7-العطاءات الرِّساليَّة
وبقيَّة العطاءات.
مستويات حصيلة العطاءات
ويمكن أنْ أضع ثلاثة مستويات لهذه الحصيلة:
المستوى الأوَّل: المستوى المنخفض
المستوى الثَّاني: المستوى المتوسِّط
المستوى الثَّالث:المستوى المرتفع
فإذا كانت الحصيلة هي (المستوى الأوَّل)، فيجب ألَّا أَسقط في الإحباط، فأمامي الفرصة الأخيرة، فرصة الأيَّام الأخيرة، (وفرصة ليلة القدر)، ففيها يغفر الله تعالى بعدد ما غفر طيلة الشَّهر الفضيل.
فوقفة جريئة مع النَّفس تغيِّر المعادلة، ولعلَّه في لحظة عودة إلى الله تعالى صادقة يتحوَّل الإنسان من شيطان إلى وليٍّ من أولياء الله سبحانه.
نعم، الفرصة لا زالت أمامنا نحن المقصرِّين!
إنَّها (ليلة العيد)!
فلنتوفَّر على (إرادة قويَّة)، و(نيِّة صادقة) في أنْ نتمرَّد على واقعنا السَّيِّئ.
لنصنع واقعًا جديدًا يؤهِّلنا أنْ نحظى بجوائز الرَّحمن في يوم العيد، يوم الجوائز، وحتَّى أولئك الذين كان لهم بعضُ نصيب من طاعة وأعمال في هذه الشَّهر الفضيل، وحتَّى أولئك الذين ارتفع مستوى أدائهم للطَّاعات والأعمال أقول حتَّى هؤلاء وهؤلاء هم في حاجة للاستزادة فيما بقي من أيَّام هذا الشَّهر.
والحذر كلُّ الحذر من الغفلة، والكسل، فربَّما أُصيب العبد بانتكاسةٍ في وقت من الأوقات، حتَّى لو كان ممَّن حَظَوا بتوفيقات فيما سبق من أيَّام، فحراسة هذه التَّوفيقات، والاستزادة منها أمر مطلوب جدًّا.
فالشَّيطان يتربَّص بالإنسان، خاصَّة في هذه الأوقات المملوءة بالفيوضات؛ لينقضَّ عليه متى ما وجد ثغرة!
ومتى ما وجد غفلة!
ومتى ما وجد بعض عجب!
كيف نودِّع الشَّهر الفضيل؟
النَّبيُّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) في حديث جابر بن عبد الله الأنصاريِّ – المتقدِّم – حدَّد لنا كيف ندعو الله تعالى ونحن نودِّع الشَّهر الفضيل.
في هذا الدُّعاء ذَكَرَ النَّبيُّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) مقطعين:
المقطع الأوَّل: «… اللَّهُمَّ، لا تَجْعَلُهُ آخِرَ العَهْدِ مِنْ صِيامِنا إِيَّاهُ …» (مفاتيح الجنان، الصَّفحة 374، القمِّي).
هنا نسأله تعالى ألَّا يجعل صيامنا هذا آخر صيام، وشهر رمضان هذا آخر شهر في حياتنا.
إنَّه الطَّلب من الله سبحانه أنْ يكتبنا ممَّن يحظَون بشرف اللِّقاء مع شهر الصِّيام فيما يأتي من الأعوام، وإنَّه طلبٌ يحمل كلَّ العشق لشهر الله تعالى، فإذا كنَّا نودِّعه فهو وداع العاشقين، والذين يحملون كلَّ الحبِّ، وكلَّ الشَّوق أنْ يكون لهم لقاء فيما يأتي من السِّنيين.
اقرأوا دعاء الإمام زين العابدين (عليه السَّلام) في وداع شهر رمضان وهو أحد أدعية الصَّحيفة السَّجَّاديَّة ، إنَّه دعاء يحمل مضامين عالية، وأنفاسًا نورانيَّة، وإشراقات ربَّانيَّة، كيف وهو من كلمات سيِّد السَّاجدين، زين العابدين (عليه السَّلام). (راجع الصَّحيفة السَّجَّاديَّة، الصَّفحة 292، الإمام زين العابدين عليه السَّلام)
المقطع الثَّاني: «…، فَإِنْ جَعَلْتَهُ – يعني: آخر العهد من صيامنا إيَّاه – فَاجْعَلْنِي مَرْحُومًا، وَلا تَجْعَلْنِي مَحْرُومًا، …» (مفاتيح الجنان، الصَّفحة 374، القمِّي).
في هذا المقطع من الدُّعاء تخاطب الرَّبَّ العظيم الرَّحيم المتفضِّل قائلًا: (يا ربِّ، إنْ كنتَ قدَّرت أنْ ينتهي عمري دون أنْ أدرك شهر رمضان القادم، وأنْ يكون هذا آخر شهر رمضان صُمتُه، فأملي، ورجائي، وتضرُّعي إليك يا ربِّ أنْ يكون صيامي فيه مقبولًا، وذَنْبِي مغفورًا، اجعلني يا ربِّ من المرحومين الفائزين بعطاءاتك، وفيوضاتك في هذا الشَّهر الفضيل، ولا تجعلني من المحرومين الخاسرين).
ثمَّ يقول النَّبيُّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) – في آخر الحديث الذي رواه جابر بن عبد الله الأنصاري: «…، فإنَّه مَن قالَ ذلِكَ – الدُّعاء المتقدِّم بمقطعيه – ظفر بإحدى الحُسْنَيَيْن: إمَّا ببلوغ شَهر رَمَضان مَن قابل.
وإمَّا بغفران الله ورحمته» (مفاتيح الجنان، الصَّفحة 374، القمِّي).
فالدُّعاء يحمل أحد مطلبين:
المطلب الأوَّل: إدراك شهر رمضان القادم.
المطلب الثَّاني: المغفرة، والرُّضوان.
فإنْ تحقَّق المطلب الأوَّل، فهو ظفر عظيم.
وإنْ تحقَّق المطلب الثَّاني، فهو الآخر ظفر عظيم.
كيف نتعاطى مع عيد الفطر؟
هناك ألوان متعدِّدة للتَّعاطي مع الأعياد:
اللُّون الأوَّل: الانحراف بأهداف العيد
لون ينحرف بأهداف العيد انحرافًا كبيرًا، حيث ينفلت السُّلوك، ويتحوَّل هذا اليوم يومَ عَبَث، ولهو، وفسق، وفجور!
هكذا يتحوَّل الفرح إلى فرح شيطانيٍّ!
وإذا قلتَ لهم: لماذا هذا الانفلات؟
ولماذا هذا الانزلاق؟
قالوا: إنَّه يوم العيد!
وكأنَّ يوم العيد يوم التَّمرُّد، والعصيان!
وربَّما يحاول البعض أنْ يدعم هذا الانفلات ببعض روايات مكذوبة لا أساس لها من الصِّحَّة!
وهكذا يتفرَّغ العيد من أهدافه الكبرى، ومضامينه الغنيَّة بالعطاء، والدُّروس، والعِبَر، والقِيَم الرُّوحيَّة، والأخلاقيَّة.
اللَّون الثَّاني: الفهم البليد السَّاذج للعيد
وهناك لون آخر من التَّعاطي مع العيد.
هذا اللَّون الذي يَفْهم العيد فهمًا بليدًا!
ويفهم فرحة العيد فهمًا ساذجًا!
هذا الفهم لا يتجاوز بعض المظاهر، والممارسات كارتداء الملابس الجديدة، والتَّلذُّذ بالمآكل، والمشارب، هذا ليس مرفوضًا، ولكن أنْ يختصر العيد في ثوب جديد، وفي لذَّة بَطْن هذا تفريغ كبير لمضامين وأهداف العيد.
ربما يقبل من الأطفال أنْ يعيشوا العيد ثوبًا جديدًا، وبعض حلويات، ومأكولات، وعيديات، أنْ يفهم الأطفال العيد في هذه المساحات أمرٌ طبيعيٌّ جدًّا، ولا يطلب منهم أكثر من ذلك، وهذا ما يتناسب مع العقل الطُّفوليِّ، وإنْ كان من المطلوب أنْ نزرع في أذهان هؤلاء الأطفال بعض معاني وأهداف العيد بالمستوى الذي تستوعبه أذهانهم الصَّغيرة.
أمَّا الكبار، فليس مقبولًا منهم أنْ يهبطوا في فهم العيد إلى مستوى فهم الأطفال وإنْ كنَّا لا نرفض أنْ يعطى العيد بعض مظاهر مباحة تخرج به عن المألوف في حياة النَّاس، فهذا له تأثيراته النَّفسيَّة، فالخروج عن المألوفات اليوميَّة يغيِّر الكثير من المَزَاجات، وأوضاع النَّفس.
اللُّون الثَّالث: إعطاء المضامين الكبرى، والأهداف العُليا، والمعطيات الفاعلة
يبقى الفهم الثَّالث للعيد وهو الذي يُعطي للعيد (مضامينه الكبرى)، و(أهدافه العليا)، و(معطياته الفاعلة)، وهذا الفهم للعيد عبَّرت عنه مجموعة أحاديث، وروايات.
فمطلوب أنْ يتكرَّس هذا الفهم في أذهاننا.
ومطلوب أنْ يتجسَّد هذا الفهم في ممارستنا.
فلا قيمة لفهم لا يتحوَّل إلى سلوك، وإلى ممارسات.
وبقدر ما يقوي هذا التَّجسُّد يكون التَّعاطي مع العيد أصدق، وأعمق، وأوعى.
عناوين الفهم الأصيل للعيد
ويمكن أنْ نوجز هذا الفهم الأصيل للعيد في مجموعة عناوين:
العنوان الأوَّل: العيد يشكِّل ولادة إيمانيَّة جديدة
فبعد موسم ضيافة ربَّانيَّة استمرَّ شهرًا يولد الإنسان المؤمن ولادة جديدة، حيث يُصفَّى من الذُّنوب والمعاصي، ويتحرَّر من كلِّ التَّلوُّثات، ويتنقَّى من كلِّ الشوائب، وهكذا يعود مولودًا جديدًا يحملُّ روحًا جديدة، وسلوكًا جديدًا، ولذلك صحَّ أنْ يكون مولودًا جديدًا، وإنسانًا جديدًا.
•في الحديث عن النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «مَن صام رمضان، وختمه بصدقة – يعني: زكاة الفطرة -، وغدا إلى المصلَّى بغسل رجع مغفورًا له» (ثواب الأعمال، الصَّفحة 77، الصَّدوق).
العنوان الثَّاني: العيد يوم الانتصار على الشَّيطان، والهوى، والمعاصي، والذُّنوب
فمن خلال (دورة تدريبيَّة في مواجهة الشَّيطان، والهوى، والمنزلقات) والتي استمرَّت شهرًا كاملًا، فمِن حقِّ الإنسان أنْ يفرح بهذا الانتصار الكبير، فلا أكبر من الانتصار على الشَّيطان، ولا أعظم من جهاد النَّفس!
1-عن الإمام الصَّادق (عليه السلام): «إنَّ النَّبيَّ (صلَّى الله عليه وآله) بعث بسريَّة، فلمَّا رجعوا، قال: مَرحبًا بقوم قضوا الجهاد الأصغر، وبقي الجهاد الأكبر.
قيل: يا رسول الله، وما الجهاد الأكبر؟
قال: جهاد النَّفس» (ميزان الحكمة 1/453، الريشهري).
2-وقال الإمام الباقر (عليه السَّلام): «لا فضيلة كالجهاد، ولا جهاد كمجاهدة الهوى» (ميزان الحكمة 1/453، الريشهري).
فشهر من المجاهدة للنَّفس، وشهر من الصَّوم عن (المعاصي، والذُّنوب) يشكِّل انتصارًا كبيرًا على الشَّيطان، وعلى النَّفس، وعلى الهوى.
فيوم العيد هو يوم الفرحة بهذا الانتصار!
3-في الكلمة عن أمير المؤمنين (عليه السَّلام): «إنَّما هو عيد لمَن قبل الله صيامه، وشكر قيامه، وكلُّ يوم لا نعصي الله فيه، فهو يوم عيد» (ميزان الحكمة 3/2196، الريشهري).
4-وقيل: ‹ليس العيد لمَن لبس الجديد، وإنَّما العيد لمَن آمن بالوعيد، …› (جامع الأنوار، الصَّفحة 401، البندنيجي).
العنوان الثَّالث: العيد يوم الجوائز الكبرى
الجوائز تشكِّل عناوين تكريم وتقدير فيما هي (جهود الإنسان)، وفيما هي (نجاحاته)، وكم لهذه الجوائز من تأثيرات كبيرة جدًّا على النَّفس!
وكم لها من معطيات في الدَّفع نحو المزيد من العطاء، والمزيد من النَّجاح.
الصَّائمون هم ضيوف الله تعالى.
ومزيدًا من التَّكريم الإلهيِّ لهؤلاء الضُّيوف خصِّص لهم (يوم العيد)؛ ليكون يوم تكريم توزَّع فيه (الجوائز) على الصَّائمين.
•قال الإمام الباقر (عليه السَّلام): «كان رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) يقول: إذا كان أوَّل يوم من شوَّال نادى منادٍ: يا أيُّها المؤمنون، اغدوا إلى جوائزكم.
ثمَّ قال – عليه السَّلام -: يا جابر، جوائز الله ليست كجوائز هؤلاء الملوك!
ثمَّ قال: هو يوم الجوائز» (مَن لا يحضره الفقيه 1/511، الصَّدوق).
جوائز الله سبحانه في يوم العيد ليست جوائز مادِّيَّة، بل هي أعظم وأعظم!
إنَّها جوائز معنويَّة متمثِّلة في قَبول الأعمال، والطَّاعات.
مراسم العيد
لعيد الفطر مجموعة مراسيم، وأعمال، وآداب، ومستحبَّات تحمل مضامين كبيرة جدًّا.
أشير – هنا – بإيجاز إلى أهمِّ هذه المراسيم:
المرسوم الأوَّل: إخراج زكاة الفطرة
وأداء هذا التَّكليف له هدفان:
الهدف الأوَّل (الهدف الرُّوحيُّ)، ويتمثَّل في: تزكية النَّفس، وتطهيرها.
الهدف الثَّاني (الهدف الاجتماعيُّ)، ويتمثَّل في: الرَّحمة، والعطف، والمواساة، وتحسُّس آلام البائسين، والمحرومين.
ضرورة التَّعجيل بإخراج زكاة الفطرة
وقد نبَّهت في حديث متقدِّم على ضرورة التَّعجيل بإخراج زكاة الفطرة قبل يوم العيد نظرًا للظُّروف الاستثنائيَّة التي تمرُّ بها الأُسَر الفقيرة، وممَّا يسهِّل لهذه الأُسَر بعض التَّهيُّؤ لاستقبال العيد، وممَّا يدخل الفرحة على أطفالهم، فربما جاء العيد وأطفال هذه الأُسَر تتكسَّر الدموع في عيونهم؛ لأنَّهم يجدون الأطفال يلبسون الجديد وهم مَحرُومون من ذلك، فأدخلوا الفرحة على هذه القلوب المكسورة.
المرسوم الثَّاني: الغُسْل
وهو من المستحبَّات المؤكَّدة في يوم العيد.
والغسل له مضمونه الرُّوحيُّ الكبير، فهو طهارة للرُّوح.
وطهارة السُّلوك.
وثوابه كبير جدًّا.
•في الحديث عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) أنَّه قال: «مَن صام شهر رمضان، وخَتَمَه بصدقة، وغدا إلى المصلَّى بغسل رجع مغفورًا له» (وسائل الشِّيعة 9/319، الحر العاملي).
المرسوم الثَّالث: صلاة العيد
إحدى شعائر العيد المهمَّة جدًّا بما تعبِّر عنه من قيمة في بناء مظهر العزَّة، والقوَّة، والكرامة، وبما تحمله في خطبتها من دورة ثقافيٍّ، وتربويٍّ، واجتماعيٍّ.
فخطاب العيد يلامس قضايا المسلمين، وهمومهم في كلِّ المساحات، وعلى مختلف الأصعدة.
نعم، في هذا العام – ونظرًا للأوضاع الرَّاهنة الاستثنائيَّة – لن تكون هناك صلوات عيد عامَّة، ويمكن للأفراد أنْ يقيموا هذه الصَّلاة في بيوتهم.
تبقى ضرورة أنْ تبث خطابات العيد عبر أدوات التَّواصل الاجتماعيِّ؛ لتبقى ثقافة العيد مستمرَّة.
المرسوم الرَّابع: الإكثار من ذِكر الله تعالى
•رُوي عن النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) أنَّه قال: «زيِّنوا أعيادكم بالتَّكبير» (ميزان الحكمة 3/2198، الريشهري).
فيوم العيد يوم ذِكْر، وطاعة، وليس يوم غفلة، وانفلات!
وكما تقدَّم أنَّ بعض النَّاس يحوِّلون العيد إلى يوم عبثٍ، ولهوٍ محرَّمين، ولهذا يُفقدوا هذا اليوم مضمونه الرُّوحيَّ، والإيمانيَّ.
فالإكثار من ذِكر الله تعلى وخاصَّة (التَّكبير) يُعطي للعيد وهجه الرُّوحيَّ، والعباديَّ.
وقد وردت بعض الصِّيغ المحدَّدة للتَّكبير في أيَّام.
وكما ذَكَرَ الفقهاء: يُستحبُّ التَّكبير في الفطر بعد أربع صلوات:
أولاها: صلاة المغرب من ليلة الفطر.
والثَّانية: صلاة العشاء من ليلة الفطر.
والثَّالثة: صلاة الصُّبح من يوم الفطر.
والرَّابعة: صلاة العيد.
وصيغة التَّكبير أنْ يقول: «الله أكبر، الله أكبر.
لا إله إلَّا الله، والله أكبر.
ولله الحمد.
الله أكبر على ما هدانا، والحمد لله على ما أبلانا» (الخصال، الصَّفحة 609، الصَّدوق).
المرسوم الخامس: تبادل التَّهاني، والتَّبريكات
من مراسيم العيد أنْ يتبادل المسلمون التَّهاني، والتَّبريكات، وهكذا يتكرَّس في هذه المناسبة شعار الحبِّ.
وشعار الأُخوَّة.
وشعار الأمن، والسَّلام.
وشعار التَّسامح، والاعتدال.
وما أحوج عالمنا المعاصر – والذي ازدحمت فيه شعارات الكراهية، والفرقة، والرُّعب، والعنف، والتَّطرُّف – إلى شعارات الحبِّ، والسَّلام، والتَّسامح، والاعتدال.
وحينما نتحدَّث عن (مراسيم التَّهاني، والتَّبريكات) لا نتحدَّث عن (كلمات) لا تحمل عمقًا في داخل القلوب وإلَّا كانت (مجاملات جافَّة) لا تستطيع أنْ تلامس القلوب، والأرواح، والأسوأ من ذلك حينما تكون الكلمات (منافقة)، فتصبح مصداقًا لبعض ما ورد في الرِّوايات:
1-عن أمير المؤمنين عليٌّ (عليه السَّلام): «…، ولبسوا جلود الضَّأن على قلوب الذِّئاب» (كمال الدّين، الصَّفحة 526، الصَّدوق).
2-وعن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): «…، كلامهم أحلى من العسل، وقلوبهم أمرُّ من الحنظل، …» (بحار الأنوار 52/264، المجلسي).
3-عن أمير المؤمنين عليٌّ (عليه السَّلام): «…، وجوه جميلة، وضمائر رديَّة، …» (إلزام الناصب في إثبات الحجَّة القائم 2/161، الحائري).
المطلوب من العيد
مطلوب من العيد أنْ:
ينقِّي القلوب.
ويصفي الأرواح.
ويطهِّر الضَّمائر حينها تكون الكلمات نقيَّة كلَّ النَّقاء، وصادقةً كلَّ الصِّدق، وطاهرة كلَّ الطُّهر.
وإذا كانت ظروف الوباء في هذا العصر قد عطَّلت بعض مراسيم العيد كالتَّصافح، والزِّيارات، فما لدينا من (أدوات تواصل) قادرة أنْ تحتفظ بأجواء العلاقات.
فمطلوب أنْ نستثمرها أفضل استثمار.
وأنْ نوظِّفها أحسن توظيف.
وأنْ نكرِّس من خلالها المضامين، والأهداف الكبرى للعيد، لا أنْ نستخدمها للاستهلاك والتَّرف، وإضاعة الوقت.
وآخر دعوانا أنْ الحمد لله رب والعالمين.