كلمة سماحة العلاّمة الغريفي بمناسبة مولد السِّبط الزَّكيِّ (عليه السَّلام)
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
مولد السِّبط الزَّكيِّ (عليه السَّلام)
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيِّد الأنبياء والمرسلين محمَّدٍ وعلى آلِهِ الهداة الميامين.
السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تهنئة بميلاد السِّبط الحسن المجتبى (عليه السَّلام)
أهنِّئكم بميلاد السِّبطِ الحسنِ المجتبى (عليه السَّلام)، آملًا أنْ تكون الذِّكرى مصدرَ يُمْنٍ، وخيرٍ، وهناء، وأنْ تشملَ فيوضاتُها المباركة – بإذن الله تعالى – جميعَ البشريَّة في زمنٍ تأزَّمت فيه أوضاع العالم بسبب هذا الوَباء الذي ملأ حياةَ النَّاسِ رُعبًا، وقلقًا، واضطرابًا، وارتباكًا، فما أحوج هذا العالم إلى أنْ تغمرَه بعضُ نفحاتٍ ربَّانيَّة، وبعضُ رَشَحاتٍ إلهيَّة.
توسُّل في ظِلال المولد المُبارك
وفي ذِكْرى السِّبط المجتبى الكثير الكثير من النَّفحاتِ، والكثير الكثير من البركات.
كيف وهو سبطُ الحبيب المصطفى (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم).
وهو وأخوه الإمام الحسين (عليهما السَّلام) سيِّدا شباب أهل الجنَّة.
فتوسلًا بجدِّه المصطفى (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم)، وبأبيه المرتضى (عليه السَّلام)، وأمِّه الصِّدِّيقة الزَّهراء (عليها السَّلام)، وبه وبأخيه الحسين (عليهما السَّلام) ترتفع الأيدي ضارعةً إلى الله تعالى أنْ يرتفع هذا الوَباءُ، وهذا البلاءُ، وكلُّ المكاره والأسواء.
اعتماد وسائل اللُّجوء الله تعالى
•قال تعالى في (سورة المائدة: الآية 35): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ …﴾.
والوسيلة عنوانٌ يتَّسعُ لكلِّ عملٍ، أو شيئ يؤدِّي إلى التَّقرُّب إلى الله سبحانه وتعالى، وأهم الوسائل:
الإيمان بالله تعالى، وبنبيِّه (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم).
والجهاد في سبيل الله.
والعبادات كالصَّلاة، والزَّكاة، والصَّوم، والحجِّ، وصِلَة الأرحام.
والإنفاق في سبيل الله تعالى.
والقَسَم على الله بمقام الأنبياء، والأئمَّة (عليهم السَّلام)، والصَّالحين (رضي الله عنهم) داخل في المفهوم الواسع لكلمة (التَّوسُّل).
[يُقْرَأ: تفسير الأمثل للشَّيخ ناصر مكارم الشِّيرازي]
وفي أوضاع مُرعبة، كما هي الأوضاع الرَّاهنة الضَّرورة ملحَّة في اعتماد كلِّ وسائل اللُّجوء إلى الله تعالى من أدعيةٍ، وصلواتٍ، وأعمال صالحة، والقَسَم على الله تعالى بشأن أنبيائه، وأوليائه، وعباده الصَّالحين.
وهذا لا يعني إطلاقًا التَّخلِّي عن اعتماد (الإجراءات العمليَّة) التي تفرضها ضرورات الوقاية من هذا الوباء الخطير، بل يعتبر هذا (التَّخلِّي) مخالفة صارخة لتوجيهات الدِّين.
فالحَذَر الحذر من أيِّ تجاوز للتَّوجيهات، والإرشادات التي تفرضها (تعاليم الوقاية)، وتفرضها (حماية أرواح النَّاس).
بعض النَّاسِ يعتبر هذا التَّجاوز شطارة!
إنَّه ليس شطارة.
إنَّه يضعنا أمام محاذير صعبة، وأخطار كبيرة.
من وحي ذِكرى ميلاد الإمام الحسن المجتبى (عليه السَّلام)
بعد هذه المقدمة القصيرة أنطلق من وحي ذِكرى (ميلاد الإمام الحسن المجتبى عليه السَّلام)؛ لأتناول بعض كلماته (عليه السَّلام) والتي نحاول من خلالها أنْ نستلهم شيئًا من فيوضاتِه الرَّبَّانيَّة، ما يملأ حياتنا هدىً ونورًا، وصلاحًا وتقوى.
أتناول كلمتين من كلماتِه (عليه السَّلام).
الكلمة الأولى: أحقُّ النَّاس بالقرآن الكريم
من كلماته النورانيَّة قوله:
«…، وإنَّ أحقَّ النَّاس بالقرآن مَن عمل به وإنْ لم يحفظه، وأبعدهم منه مَن لم يعمل به، وإنْ كان يقرؤه»( ) (إرشاد القلوب 1/79، الحسن بن محمد الديلمي).
في هذه الكلمة الرَّبَّانيَّة يحدِّد الإمام الحسن (عليه السَّلام) طبيعة العلاقة مع القرآن الكريم في روحِها، وعمقِها، وحقيقتها، هذه العلاقة لا تتشكَّل من خلالِ مستوى الحفظ والقراءة، وإنَّما من خلال الالتزام بتعاليم القرآن الكريم، وتوجيهاتِه، وإرشاداتِه، هذا هو البعد الأساس في العلاقة مع القرآن الكريم.
وهذا لا يعني أنَّ الأبعاد الأخرى غير مهمَّة!
أبعاد العلاقة مع القرآن الكريم
العلاقة مع القرآن الكريم تتشكَّل من مجموعة أبعاد:
البعد الأوَّل: المواظبة على تلاوة القرآن الكريم
فقد حثَّ القرآن الكريم على التِّلاوة في الكثير من آياتِه:
1-﴿… وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ …﴾( )(سورة النمل: الآية 91 – 92).
2-﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ﴾( ) (سورة فاطر: الآية 29).
3-﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ …﴾( ) (سورة البقرة: الآية 121).
وكذلك الرِّوايات على أهمِّية التِّلاوة القرآنيَّة:
1-سئل النَّبيُّ (صلَّى الله عليه وآله): «أيُّ الأعمال أفضل عند الله؟
قال: قراءة القرآن، وأنت( ) تموت ولسانك رطب من ذِكْر الله تعالى»( ) (مستدرك الوسائل 4/259، ميرزا حسين النوري).
2-وقال (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «أفضل عبادة أمَّتي قراءة القرآن نظرًا»( ) (الجامع الصَّغير 1/195، جلال الدين السيوطي).
3-«عن النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله) قال: إنَّ القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد.
قيل: يا رسول الله، وما جلاؤها؟
قال: قراءة القرآن، وِذكْر الموت»( ) (مستدرك الوسائل 2/104، ميرزا حسين النوري الطبرسي).
كما حذَّرت النُّصوص من هجران القرآن الكريم، فالقرآن الكريم المهجور يشكو إلى الله تعالى.
البعد الثَّاني: الانصهار الوجدانيُّ مع القرآن الكريم
أنْ نستشعر عظمة القرآن الكريم، وقداسته، وهَيْبته، ورهبته.
إنَّه كلام الله تعالى.
1-﴿لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللهِ …﴾( ) (سورة الحشر: الآية 21).
2-﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ …﴾( ) (سورة الحديد: الآية 16).
البعد الثَّالث: التَّدبُّر القرآنيُّ
1-﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾( ) (سورة محمد: الآية 24)
2-قال النَّبىُّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «لا خير في عبادة لا فقه فيها، ولا خير في قراءة لا تدبُّر فيها»( )(لئالي الأخبار3/392، محمد نبي بن أحمد التويسركاني).
ومعنى التَّدبُّر: أنْ ننفتح بعقولنا على القرآن الكريم من خلال التَّأمُّل، والتَّفكُّر في معاني آياته.
البعد الرَّابع: التَّمثُّل القرآنيُّ (التَّطبيق، والتَّجسيد)
وهذا البعد هو البعد الأهم في العلاقة مع القرآن الكريم، فلا قيمة لكلِّ الأبعاد إذا لم نتوفَّر على (العمل، والالتزام بأوامر القرآن الكريم، ونواهيه).
وهذا ما عَناه الإمام الحسن (عليه السَّلام) في كلمته حيث قال: «…، وإنَّ أحقَّ النَّاس بالقرآن مَن عمل به وإنْ لم يحفظه، وأبعدهم منه مَن لم يعمل به، وإنْ كان يقرؤه»( ) (إرشاد القلوب 1/79، الحسن بن محمد الديلمي).
الكلمة الثَّانية: تحديد معنى السِّياسة
من كلمات الإمام الحسن المجتبى (عليه السَّلام) قوله وهو يُحدِّد معنى (السِّياسة):
«هي:
1-أنْ ترعى حقوق الله.
2-و – أنْ ترعى – حقوق الأحياء.
3-و – أنْ ترعى -( ) حقوق الأموات»( ) (الرَّوائع المختارة من خطب الإمام الحسن (عليه السَّلام)، الصفحة 118، السيد مصطفى الموسوي).
ما معنى رعاية حقوق الله تعالى؟
يقول الإمامُ الحسنُ المجتبى (عليه السَّلام): «…، فأمَّا حقوق الله، فأداء ما طلب، والاجتناب عمَّا نهى، …»( ) (الرَّوائع المختارة من خطب الإمام الحسن (عليه السَّلام)، الصفحة 118، السيد مصطفى الموسوي).
فالسِّياسة الحقَّة هي التي تضع الإنسان في خطِّ الطَّاعة لله تعالى، وفي خطِّ الالتزام، والاستقامة، والانضباط.
يقابلها السِّياسة الزَّائفة، وهي التي تضع الإنسان في خطِّ التَّمرُّد على الله تعالى، وفي خطِّ الانحراف، والتِّيه، والضَّلال، والعبث، والفساد.
إنَّ من صميم وظائف السِّياسة – في منظور الإمام الحسن (عليه السَّلام) -:
حماية حقوق الله تعالى من خلال حماية أحكام شريعته.
وحماية تعاليم دينه.
وحماية القِيم التي أمر بها.
وحماية الأخلاق التي دعا إليها.
ولا فرق في ذلك بين سياسة الفرد، وسياسة الجماعة، وسياسة الدَّولة.
وحينما تنحرف السِّياسة عن منهج الله تعالى، وحينما تنشر السِّياسة الفساد في الأرض، وحينما تعبث السِّياسة بالقِيم، فتلك هي السِّياسة المرفوضة.
وتلك هي السِّياسة الفاشلة.
وكلمة الإمام الحسن (عليه السَّلام) – هنا – تملك عمقًا كبيرًا، حيث تؤسِّس لمفهوم شامل للسِّياسة، فهي في مضمونها الأصيل، وفي أهدافها الكبرى ترتبط كلَّ الارتباط بقِيم الدِّين، وأحكامِهِ، وتعاليمه.
فعمق السِّياسة، وروحُها (الطَّاعة لله تعالى، ورعاية حقوقه)، وحينما يغيب هذا الهدف الكبير تفقد السِّياسة عمقها، وروحها، ومضمونها.
ما معنى رعاية حقوق الأحياء؟
يقول الإمام الحسن المجتبى (عليه السَّلام): «…، وأمَّا حقوق الأحياء، فهي أنْ تقوم بواجبك نحو إخوانك، ولا تتأخَّر عن خدمة أمَّتك، وأنْ تُخلص لولي الأمر ما أخلص لأمَّته، وأنْ ترفع عقيرتك في وجهه إذا ما حاد عن الطَّريق السَّويِّ، …»( ) (الرَّوائع المختارة من خطب الإمام الحسن (عليه السَّلام)، الصفحة 118، السيد مصطفى الموسوي).
هنا حدَّد الإمام الحسن المجتبى (عليه السَّلام) مجموعة حقوق:
الحقُّ الأوَّل: القيام بواجب الخدمةِ للإخوان
قِيمة السِّياسة بمقدار ما تضع الإنسان في خطِّ العطاء، والبَذْل، والإيثار، بما يفرضه هذا الخطُّ من تعاون، وتكافل.
ليست القِيمة كم تملك من مال؟!
القيمة كلُّ القيمة كم تبذل من هذا المال في خدمة النَّاس، وفي خدمة الحياة؟
ليست القيمة كم تملك من علم، وثقافة، القيمة كلُّ القيمة كم تبذل من هذا العلم، وهذه الثَّقافة في خدمة النَّاس، وفي خدمة الحياة؟
ليست القيمة كم تملك من جاهٍ، من موقع القيمة كلُّ القيمة كم تبذل من هذا الجاه، ومن هذا الموقع في خدمة النَّاس، وفي خدمة الحياة.
كثيرون يملكون مالًا، وثراءً.
وكثيرون يملكون علمًا، وثقافة.
وكثيرون يملكون مواقع، ووجاهات إلَّا أنَّهم لا يعطون، ولا يبذلون، ولا يخدمون، فأيَّة قيمة لهذا الذي يملكون.
وتزداد الحاجة إلى العطاء، وتزداد الحاجة إلى البذل حينما تضغط الأوضاع على النَّاس.
حينما تتأزَّم الظُّروف.
حينما تقسو الحياة.
كما هي الأوضاع الرَّاهنة.
كما هي الظُّروف التي تحاصر النَّاس.
وكما هي الضُّغوطات بكلِّ إرهاقاتها، وأتعابها، وأثقالها.
1-في الحديث عن الإمام الصَّادق (عليه السَّلام): «أيَّما رجل أتاه رجل مسلم في حاجة ويقدر على قضائها، فمنعه إيَّاها عيَّره الله يوم القيامة تعييرًا شديدًا!، وقال له: أتاك أخوك في حاجة قد جعلت قضاءها في يديك، فمنعته إيَّاها زهدًا منك في ثوابها؟، وعزَّتي، وجلالي لا أنظر إليك في حاجة معذَّبًا كنتَ، أو مغفورًا لك»( ) ( وسائل الشيعة 16/389، الحر العاملي).
2-وفي المقابل يقول الحديث عن الإمام الباقر (عليه السَّلام): «مَن مشى في حاجة أخيه المسلم أظلَّه الله بخمسة وسبعين ألف ملك، ولم يرفع قدمًا إلَّا كتب الله له حسنة، وحطَّ عنه بها سيِّئة، ويرفع له بها درجة، فإذا فرغ من حاجته كتب الله (عزَّ وجلَّ) له بها أجر حاجٍّ ومعتمر»( ) (الكافي 2/197، الشيخ الكليني).
الحقُّ الثَّاني: القيام بواجب الخدمة للأمَّةِ بشكل عام
إذا كان الإمام الحسن (عليه السَّلام) فيما تقدَّم تحدَّث عن حقِّ الأفراد، فهنا يتحدَّث عن حقِّ الأمَّة ككيان له (هُويَّته)، و(هيبتُه)، و(ضروراته).
فمطلوب من الإنسان أنْ يُوظِّف كلَّ قُدُراته المادِّيَّة، والعلميَّة، والثَّقافيَّة، والاجتماعيَّة، والنَّفسيَّة، والعمليَّة في خدمة هذا الكيان.
الأمَّة ككيان لها أهدافها، ولها همومها، ولها ضروراتها، ولها قضاياها الكبرى.
فكما هي مسؤوليتنا أنْ نخدم حاجات الأفراد، مسؤوليتنا أنْ نخدم حاجات الأمَّة.
وأنْ ندافع عن قضاياها.
من هذه الحاجات، والقضايا (الحفاظ على وحدة الأمَّة)، فخائن لدينه ولأمَّته مَنْ يزرع (الفتن)، و(الخلافات)، و(الصِّراعات) التي تفتِّت وحدة الأمَّة، وتمزِّق (كيانها).
ومن هذه الحاجات، والقضايا (الحفاظ على أمن الأمَّة).
فخائن لدينه، ولأمَّته مَن يزرع (الرُّعب)، و(التَّطرُّف)، و(العنف)، و(الإرهاب).
ومن هذه القضايا والحاجات (الحفاظ على قوَّة الأمَّة، وعزَّتها، وكرامتها).
فخائن لدينه، ولأمَّتِهِ مَنْ يُسقط هذه القوَّة، ويعبث بهذه العزَّة، والكرامة.
الحقُّ الثَّالث: الإخلاص لولي الأمر ما أخلص لأمَّته
هنا يتحدَّث الإمام الحسن المجتبى (عليه السَّلام) عن مسألة في غاية الخُطورة والحساسيَّة، إنَّها (مسألة العلاقة بين الحاكم والمحكوم).
فكلَّما توطَّدت، وتأسَّست هذه العلاقة بشكل سليم كان ذلك سببًا في (الكيان الأقوى) للأمم، وللشُّعوب، وللأوطان.
وأمَّا إذا كان هذا التَّأسيس لهذه العلاقة (هشًّا)، و(مرتبكًا)، و(خطأً)، فالمردودات خطيرة جدًّا على الأمم، والشُّعوب، والأمم.
ضابطة تأسيس العلاقة بين الحاكم والمحكوم
والإمام الحسن (عليه السَّلام) يضع (ضابطة) لتَّأسيس العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وهذه الضَّابطة في غاية الأهمِّيَّة، وفي غاية الخطورة.
وهذه الضَّابطة تتشكَّل من (ركنين أساسين).
الرُّكن الأوَّل: إخلاصُ ولي الأمر للأمَّة
وما معنى أنْ يخلص ولي الأمر للأمَّة؟
1-أنْ يعيش هموم وآلام أمَّتِهِ.
2-أنْ يكون صادقًا كلَّ الصِّدق مع أمَّته.
3-أنْ يتوفَّر على كلِّ حقوقها، وضروراتها.
4-أنْ يسعى دائمًا لحمايتها، والدِّفاع عن كرامتها، وعزَّتها، وحرِّيَّتها.
الرُّكن الثَّاني: إخلاص الأمَّة لولي الأمر ما أخلص لأمَّته
فوليُّ الأمر الذي يخلص لأمَّته كلَّ الإخلاص، ويصدق مع أمَّته كلَّ الصِّدق جديرٌ أنْ تبادله أمَّتُه إخلاصًا بإخلاصٍ، وحبًّا بحبٍّ، وولاءً بولاء.
أمَّا ولي الأمر الذي لا يكون كذلك، فمسؤوليَّة الأمَّة أنْ تنصحه.
أنْ ترفع صوتها بكلِّ عقلٍ، وحكمة مطالبة بحقوقها.
وأنْ لا تنزع إلى العنف، والتَّطرُّف، وإلى كلِّ ما يربك أوضاع الأوطان، ويؤزم حياة النَّاس، وهكذا تتكامل العلاقة بين ولي الأمر والأمَّة، أو بحسب لغة العصر بين الحاكم والشَّعب.
ما معنى رعاية حقوق الأموات؟
المقطع الأخير من حديث الإمام الحسن المجتبى (عليه السَّلام) يتناول (الرِّعاية لحقوق الأموات)
وذَكَر الإمام (عليه السَّلام) حقَّين:
الحقُّ الأوَّل: «…، أنْ تذكر خيراتهم، …»( )(الرَّوائع المختارة من خطب الإمام الحسن (عليه السَّلام)، الصفحة 118، السيد مصطفى الموسوي).
فحقُّ أمواتنا أنْ يكونوا في ذَاكرتنا، وفي وجداننا، وأنْ لا ننسى المساحات الخيِّرة في حياتهم، فالوفاء لهؤلاء الأموات أنْ نحمل لهم ذِكْرًا حَسَنًا ما وسعنا ذلك.
إنَّ إبراز المساحات المشرِقة في حياة أمواتنا تعطي دفعًا للأجيال، وتواصل الأجيال مع أسلافهم الصَّالحين له معطيات كبيرة.
الحقُّ الثَّاني: أنْ «…، وتتغاضى عن مساوئهم، فإنَّ لهم ربًّا يحاسبهم»( ) (الرَّوائع المختارة من خطب الإمام الحسن (عليه السَّلام)، الصفحة 118، السيد مصطفى الموسوي).
لا تخلو حياة أيِّ إنسان – إلَّا المعصوم – من مساوئ، ومن سلبيَّات، ومن نقاط ضعف وما داموا قد رحلوا عن هذا الدُّنيا، فلا داعي أنْ ننبش هذه المساحات، بل نوكلها إلى الله تعالى، فربَّما عفا، وربَّما عاقب.
يستثنى (أولئك) الذين يشكِّلون (عناوين كبرى) للفساد في الأرض، فهؤلاء – وحسب منهج القرآن الكريم – مطلوب أنْ يبقوا (عناوين اعتبار).
وآخر دعوانا أنْ الحمد لله ربِّ العالمين.