حديث الجمعة 574: كلمتان في مواجهة الوباء المُرعب – في ذِكرى ولادةِ الإمامِ المُنْتَظَر (ع) أرواحنا فداه.
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
مواجهة الوباء المُرعب
وذِكرى ولادة الإمام المُنتَظَر (عليه السَّلام)
الحمد للهِ ربِّ العالمين، وأفضل الصَّلوات على سيِّد الأنبياء والمرسلين محمَّدٍ وعلى آله الهُداة الميامين.
السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاتِه.
أتناول في هذا اللِّقاء عنوانين:
العنوان الأوَّل: كلمتان في مواجهة الوباء المُرعب
العنوان الثَّاني: في ذِكرى ولادةِ الإمامِ المُنْتَظَر (عليه السَّلام) أرواحنا فداه.
العنوان الأوَّل: كلمتان في مواجهةِ الوَباءِ المُرعب
الكلمة الأولى: تثمين الجهود
مطلوبٌ بكلِّ تأكيدٍ أنْ نُثمِّنَ أيَّ جُهدٍ يُبذلُ من أجلِ حمايةِ النَّاسِ في مواجهةِ هذا الوَباء الَّذي بات يُهدِّد حياة البشر.
1-تثمين جُهد الدَّولة
أ-حماية الوطن من الوباء
وهنا أثمِّن جُهْدَ الدَّولةِ بكلِّ إجراءاتِها الجادَّة، آمُلًا أنْ تستمرَّ هذه الإجراءات، وأنْ توظَّف كلُّ (الإمكانات)؛ من أجل حماية هذا الوطن.
ب- التَّعجيل بعودة العالقين
وأكِّرر التَّأكيد على ضرورة التَّعجيل بعودة العالقين.
وكنتُ قد أرسلت في الجمعة الماضية نداءً إلى الجِهات الرَّسميَّة، وجاءني التَّطمين بأنَّ الدَّولة تسعى جادَّة؛ لإنهاء هذا الموضوع.
نسأل الله تعالى أنْ يسهِّل لأبناء هذا الوطن العودة سالمين، وأنْ يحفظ جميع المسلمين، وكلَّ العالم من هذا الوباء الخطير.
2-تثمين جُهد الطَّواقم الطِّبيَّة
كما وأثمِّنُ جُهْدَ (الطَّواقم الطِّبِّيَّة، والصِّحِّيَّة)، وهي تعمل جادَّةً ومُخلِصةً ومتحمِّلةً كلَّ العناءِ من أجل ِحمايةِ النَّاسِ وسلامتِهم، ومُخلصةً كلَّ الإخلاصِ ومُضحِّيةً كلَّ التَّضحية، لا تعرف كَلَلًا ولا مَلَلًا، ولا نَوْمًا ولا راحةً، فجزاهم الله تعالى كلَّ الجزاء.
فهذا العمل جهادٌ كبيرٌ له قيمتُه الكبرى عند الله سبحانه، وله ثوابُهُ الكبيرُ في يوم الحساب.
ج-تثمين الجهود الشَّعبيَّة
وأثمِّن – ثالثًا – كلَّ جُهْدٍ شعبيٍّ سواء أكان جهدًا صحِّيًّا، أم جهدًا اجتماعيًّا، أم جُهدًا ماليًّا، أم جُهْدًا ثقافيًّا، أم جهدًا تبليغيًّا، ففي مثل هذه الأزمات مطلوبٌ أنْ تستنفر كلُّ الطَّاقاتِ، والقُدُراتِ، والإمكاناتِ، ولا يجوزُ اذِّخارُ شيئٍ منها.
أفضل القُرُبات خدمة النَّاس
إنَّ خدمةَ النَّاسِ، وقضاءَ حوائجهِم – خاصَّة في مثل هذه الأزمات الاستثنائيَّة – هو عملٌ من أفضلِ (القُرُبات إلى اللهِ تعالى)، وله جزاؤه العظيم العظيم.
1-في الحديث عن الإمام الصَّادق (عليه السَّلام): «أوحى اللهُ (عزَّ وجلَّ) إلى داوُد (عليه السَّلام): إنَّ العَبد من عبادي ليأتيني بالحسنةِ، فأدخله الجنَّة.
قال: يا ربِّ، وما تلك الحَسَنة؟
قال: يُفرِّجُ عن مؤمنٍ كربَته ولو بتمرة.
قال داوُد (عليه السَّلام): حقُّ لمَن عرفَكَ أنْ لا يقطع رجاءَه منك». (عيون أخبار الرِّضا عليه السَّلام 1/279، الشَّيخ الصَّدوق).
2-في الكلمة عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «مَنْ أغاث أخاه المسلم حتَّى يُخرجَهُ مِن هَمٍّ، وكُربةٍ، وورطةٍ كتب الله له عشر حسنات، ورفع له عشر درجات، وأعطاه ثوابَ عتقِ عشر نَسَمات، ودَفَع عنه عشر نقماتٍ، وأعدَّ له يومَ القيامةِ عشر شفاعات». (ثواب الأعمال، الصَّفحة 148، الشَّيخ الصَّدوق).
الكلمة الثَّانية: الوَعيُ السَّلاحُ الأقوى في مواجهةِ هذا الوباء
لا سلاح أقوى من سلاحِ الوعي، الوعي بكلِّ أنواعِه:
1-الوعي الصِّحيُّ.
2-الوعي الاجتماعيُّ.
3-الوعي الاقتصاديُّ.
نتاج الوعي الدِّينيُّ
وقبل كلِّ شيئ الوعي الدِّينيُّ، فهو الَّذي ينتح كلَّ أنواع الوعي الأخرى.
الدِّين يصنع وعينا الصِّحيَّ، والوقائيَّ.
والدِّينُ يصنع وعينا الاجتماعيَّ، ووعينا الاقتصاديَّ.
ويصنع كلَّ أنواع الوعي في حياتنا.
امتلاك أقصى درجات الوعي
أيُّها الأحبَّة، في مثل هذه الظُّروف الاستثنائيَّة الحاجة كبيرة جدًّا أنْ يملك النَّاس أقصى درجات الوعي والتي تفرض (درجاتٍ عاليةً من الالتزام بالتَّوجيهات الدِّينيَّة، والرَّسميَّة، والصِّحيَّة، والاجتماعيَّة)، وإنَّ أيَّ تهاونٍ في هذا الالتزام سوف يُعرِّضُ حياةَ الأفراد، وحياةَ الأُسَر، وحياةَ المناطقِ، وحياةَ كلِّ النَّاسِ إلى الأخطارِ المُرعبةِ والمدمِّرةِ.
صناعة الوعي
ولا يكفي أنْ تمارسَ (وعيَك الشَّخصيَّ)، بل المطلوب أنْ تصنع الوعي عند الآخرين:
1-اصنع الوعي لدى أسرتك، وأولادك.
2-اصنع الوعي لدى جيرانِك.
3-اصنعْ الوعيَ لدى أصدقائك.
4-اصنعْ الوعيَ لدى جميع مَن يصل إليهم صوتُك.
معتمدًا كلَّ الوسائل المُمكنة؛ لتنشيط هذا الوعي.
خلق الوعي جهاد
فالعمل على خَلْق الوعي الصِّحيِّ، وخاصَّة في مثل هذه الأَزَمات هو (جهادٌ)
وخلق الوعي الاجتماعيِّ هو جهاد.
وخلق الوعي الاقتصاديِّ هو جهاد.
وخلق أيِّ وعي يصلح أوضاع النَّاس هو جهادٌ.
وإذا أردنا أنْ نستخدم المصطلح القرآنيَّ، فقد ورد استعمال مصطلح (البصيرة)، و(البصائر).
والبصيرة هي التي تقود الإنسان إلى (المسارات الصَّحيحة) في كلِّ المجالات:
مجالات الدِّين.
ومجالات الحياة الأخرى الفرديَّة، والأسريَّة، والاجتماعيَّة، والاقتصاديَّة، والسِّياسيَّة.
ومن أهم هذه المجالات، المجالات الصِّحيَّة.
ولذلك أكَّدت نصوصُ الدِّين على (النَّظافة)؛ من أجل حماية (الأوضاع الصِّحيَّة).
1-في الكلمة عن النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «تنظَّفوا بكلِّ ما استطعتم، فإنَّ الله تعالى بَنَى الإسلام على النَّظافة، ولن يدخل الجنَّة إلَّا كلُّ نظيف». (ميزان الحكمة 4/3303، محمَّد الرَّيشهري).
2-وفي الحديث: «النَّظافة من الإيمان». (مستدرك سفينة البحار 6/605، الشَّيخ علي النمازي الشاهرودي).
3-وعنه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «بئس العبد القاذورة». (ميزان الحكمة 4/3302، محمَّد الرَّيشهري).
4-وعنه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «لا تبيتُوا القُمامة في بيوتكم، وأخرجوها نهارًا، فإنَّها مقعد الشَّيطان». (ميزان الحكمة 4/3302، محمَّد الرَّيشهري).
5-في الكلمة عن الإمام الصَّادق (عليه السَّلام): «غسل الإناء، وكنس الفناء مجلبة للرِّزق». (وسائل الشيعة 5/318، الحر العاملي).
6-وعن الإمام الرِّضا (عليه السَّلام): «من أخلاق الأنبياء التَّنظُّف». (الكافي 5/567، الكليني).
الوعي الصِّحيُّ سلاح في وجه الوباء
أيُّها الأحبَّة، إنَّ الوعي الصِّحيَّ هو سلاحنا في مواجهة هذا الوباء.
ومن أجل إنتاج (الممارسات الصِّحيَّة الواعية) مطلوب (التَّعاون، والتَّكاتف) وخاصَّة في مثل هذه الأزمات:
1-التَّعاون الرَّسميُّ الشَّعبيُّ.
2-التَّعاون الاجتماعيُّ.
3-التَّعاون المعيشيُّ.
4-التَّعاون الصِّحيُّ، والطِّبيُّ.
الضَّرورة ترشد إلى التَّلاحم والتَّعاون
هنا الضَّرورة كلُّ الضَّرورة لهذا التَّعاون بكلِّ أشكاله؛ لكي ننتصر على هذا الوباء.
ولا مجال في مثل هذه الظُّروف إلى الخلافات، والصِّراعات، والحساسيَّات.
ولا مجال في مثل هذه الظُّروف إلى الانتماءات، والطَّائفيَّات، والمَذْهَبِيَات.
ولا مجال في مثل هذه الظُّروف للأنانيَّات، والعصبيَّات، وتصفية الحسابات.
العنوان الثَّاني: الإمام المُنْتَظَر (عليه السَّلام) عقيدة البشر
في ذِكرى وَلادةِ الإمام المُنْتظَر أرواحنا فداه (انتظار المصلح في آخر الزَّمان) عقيدة يؤمن بها كلُّ البشر منذ العصور القديمة، وحتَّى يومنا هذا.
منذ أنْ هبط (آدم أبو البشر) إلى الأرض بدأ تاريخ هذا الإنسان.
وتعاقب على تاريخ البشرية (أنبياء) وفراعنة.
الأنبياء (عليهم السَّلام) وعددهم (124 ألف نبيٍّ) كانوا يدعُون إلى عبادة الله تعالى الواحد الأحد.
والفراعنة كانوا يَدعُون إلى عبادة (الطَّاغوت).
وهكذا كانت المعركة عبر التَّاريخ بين (خطِّ الأنبياء عليهم السَّلام)، و(خطِّ الفراعنة) بين (عبادة الله تعالى)، و(عبادة الطَّاغوت).
وهنا مسألة شغلت ولا زالت تشغل بال (المفكِّرين، والفلاسفة) هذه المسألة هي الإجابة عن هذا السُّؤال؟
ما آخر أشواط العالم، هل هي (حكومة الأنبياء)، أم (حكومة الفراعنة)؟
حينما نقرأ (مُدوَّنات الأمم)، و(مدوَّنات الأديان)، و(مدوَّنات الفلاسفة) نجد أنَّها مجمعة على أنَّ نهاية مسار البشريَّة هو (انتصار دولة العدل)، وانتهاء (دولة الظُّلم) على يد شخصيَّة مؤهَّلة، وقادرة على أنْ تحكم العالم.
هنا اختلفت الرُّؤى، والنَّظريَّات، وتعدَّدت الأقوال، والكلمات.
ولا أريد أنْ أتناول هذه الاختلاف والتَّعدُّد بكلِّ تفاصيله، فهو مدوَّن في الكتب والمؤلَّفات.
وإنَّما أكتفي بالإشارة إلى جانب من هذا الاختلاف، والتَّعدُّد.
1- أهل الكتاب من اليهود والنَّصارى يعتقدون بعودة (نبي الله عيسى بن مريم عليه السَّلام) وهو المُنْتَظَر؛ لإقامة دولة العدل في آخر الزَّمان.
هكذا تقول النسخ الموجودة بين أيديهم من (التَّوراة، والإنجيل).
وهي نُسخ كما نعتقد طالها التَّغيير، والتَّحريف.
2- (أمم وأديان كثيرة: الزَّرادشتيُّون، الهنود، المجوس، البوذيُّون، المغول، قدامى المصريِّين، وغيرهم من الملل والأديان) يحاول كلٌّ من هذه الأمم والأديان أنْ (تُنَسِّبَ) المصلح في آخر الزَّمان إليها.
3- تصريحات الفلاسفة
أ- يقول الفيلسوف الإنجليزيُّ الشَّهير (براتراند راسل): ‹إنَّ العالم في انتظار مُصلحٍ يُوحِّد العالمَ تحت عَلَمٍ واحدٍ، وشعار واحد›.
مَنْ هو هذا المصلح الذي يُوحِّد العالم تحت عَلَم واحدٍ، وشعار واحد؟
لم يسمِّه (برتراند راسل)!
ب- ويقول الفيلسوف (آينشتان) صاحب (النَّظريَّة النِّسبيَّة): ‹إنَّ اليومَ الَّذي يَسُودُ العالمَ كُلَّهُ الصُّلح والصَّفاء، ويكون النَّاسُ متحابِّين متآخين ليس ببعيد›!
هنا يتحدَّث (آينشتان) عن دولة العدل في آخر الزَّمان، ولم يعطِ مزيدًا من التَّفصيلات، ولا شكَّ أنَّ هذه الدَّولة سوف يقودها (مصلح) مؤهَّل بأعلى مستويات التَّأهيل.
مَنْ هو هذا المصلح لا يحدِّده لنا (آينشتان)؟
ج- الفيلسوف الإنجليزي الشَّهير (برناردشو) بشَّر في كتابه (الإنسان والسُّوبرمان) بمجيئ (المصلح) الَّذي سوف يغيِّر العالم.
•يُقرأ كتاب (برناردشو) للأستاذ عبَّاس محمود العقاد.
4-المسلمون بكلِّ مذاهبهم إلَّا مَنْ شذَّ يعتقدون بظهور (الإمام المهدي عليه السَّلام من آل رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، ومِن وِلد فاطمة عليها السَّلام)، والَّذي سوف يملأ الأرضَ قسطًا وعدلاً كما ملئت ظلمًا وجورًا.
ورغم أنَّ ابن خلدون يُشكِّك في أحاديث المهديِّ (عليه السَّلام) إلَّا أنَّه يعترف بأنَّ هذه القضيَّة مشهورة عند المسلمين.
قال في مقدمته المعروفة: ‹اعلم أنَّ في المشهور بين الكافَّة من أهل الإسلام على ممرِّ الأعصار أنَّه لا بدَّ في آخر الزَّمان من ظهور رجل من أهل البيت يؤيِّد الدِّين، ويظهر العدل، ويتَّبعه المسلمون، ويستولي على الممالك الإسلاميَّة، ويُسمَّى بالمهدي، ويكون خروج الدَّجال، وما بعده من أشراط السَّاعة الثَّابتة في الصَّحيح على أثره، وأنَّ عيسى ينزل من بعده، فيقتل الدَّجال، أو ينزل معه، فيساعده على قتله، ويأتمُّ بالمهديِّ في صلاته، …›.( )(تاريخ ابن خلدون 1/311، ابن خلدون).
نلاحظ في هذا الكلام أنَّ ابن خلدون لا يملك إلَّا أنْ يعترف بأنَّ قضيَّة المهديَّ من القضايا المشهورة عند جميع المسلمين في كلِّ الأزمنة والعصور.
وبعد ذلك يسردُ ابن خلدون أسماء عدد من أكابر العلماء، والحفَّاظ، ورجال الحديث الَّذين دوَّنوا (أحاديث المهديِّ) مسندةً إلى جماعة من الصَّحابة.
يقول ابن خلدون: ‹…، إنَّ جماعة من الأئمَّة خرَّجوا أحاديث المهديِّ، منهم: التِّرمذي، وأبو داود، والبزَّاز، وابن ماجه، والحاكم، والطَّبرانيُّ، وأبو يعلى الموصلي، وأسندوها إلى جماعة من الصَّحابة، مثل: علي، وابن عبَّاس، وابن عمر، وطلحة، وابن مسعود، وأبي هريرة، وأنس، وأبي سعيد الخدري، وأمِّ حبيبة، وأمِّ سلمة، وثوبان، وقرَّة ابن إياس، وعلي الهلالي، وعبد الله بن الحارث، …›.( )(تاريخ ابن خلدون 1/311، ابن خلدون).
قضيَّة الإمام المهديِّ (عليه السَّلام) قضيَّة إسلاميَّة عامَّة
أخلص من هذا الكلام: إنَّ قضيَّة الإمام المهديِّ (عليه السَّلام) في خطِّها العامِّ هي قضيَّة إسلاميَّة عامَّة يؤمن بها جميع مذاهب المسلمين.
نعم، هناك اختلاف في بعض (التَّفصيلات)، وهذا لا يضرُّ بصحَّة أصل القضيَّة.
جميع المسلمين إلَّا مَنْ شذَّ يتَّفقون على ظهور (المهديِّ عليه السَّلام في آخر الزَّمان).
والجميع يتَّفقون أنَّ المهدي (عليه السَّلام) من أهل البيت (عليهم السَّلام).
وأنَّه (عليه السَّلام) من ذرِّيَّة النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم).
وأنَّه (عليه السَّلام) من وُلد فاطمة بنت رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم).
هذا القدر من الاتِّفاق يكفي؛ للتَّدليل على أنَّ (مسألة الإمام المهديِّ عليه السَّلام) من المسلَّمات الإسلاميَّة، كما أكَّدت ذلك الرِّوايات الشَّريفة المتواترة والمدوَّنة في مصادر الحديث المعتمدة عند المسلمين.
ويخطِئ مَنْ يحاول أنْ (يُمَذْهِب) هذه القضيَّة.
نعم، في بعض التَّفاصيل هناك اختلاف، فالأغلبيَّة من علماء السُّنَّة يعتقدون أنَّ (المهديَّ عليه السَّلام) شخص من ذرِّيَّة النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، يُولد في آخر الزَّمان، وتتوفَّر له الظُّروف التي تمكِّنه من القيام بإصلاح العالم.
أمَّا الشِّيعة الإماميَّة – ومعهم عددٌ ليس قليلًا من علماء المذاهب الأخرى – يؤمنون بأنَّ (المهدي المُنْتَظَر عليه السَّلام) هو (الإمام الثَّاني عشر من أئمَّة أهل البيت عليهم السَّلام)، وهو (محمَّد بن الحسن العسكريِّ عليه السَّلام)، والمولود في النِّصف من شعبان سنة 255 هجريَّة، وكانت له غَيْبَتَان:
غَيْبة صغرى: وامتدت من سنة 260 هـ إلى سنة 328 هــ، أو 329 هـ.
وغَيْبة كبرى: وبدأت سنة 328هـ، أو 329هـ، ولا زالت مستمرَّة حتَّى يأذن الله تعالى للمهديِّ (عليه السَّلام) بالظُّهور، فيملأ الأرض عدلًا وقسطًا كما مُلِئت ظُلمًا وجورًا.
ولست هنا في صدد الحديث عن (الأدلَّة) التي اعتمدتها (الرُّؤية القائلة بالولادة والغَيْبة)، وربَّما أتناولها في حديث آخر.
ما أخلص إليه في هذا الحديث: إنَّ (عقيدة الإمام المهديَّ المُنْتَظَر عليه السَّلام) في خطِّها العام عقيدة إسلاميَّة، تناولها علماء المسلمين بكلِّ مذاهبهم بالبحث والدِّراسة، وألِّفت فيها الكتب قديمًا وحديثًا ممَّا لا يدع مجالًا لأيِّ شكٍّ، أو تحفُّظ.
ويبقى الاختلاف في التَّفاصيل متروك للدِّراسات العلميَّة الجادَّة والموضوعيَّة، وليس إلى (المهاتَرات والمقاذَفات)، فهذا أمرٌ ضارٌّ بوحدة المسلمين، وتقاربهم خاصَّة في هذا العصر التي تفرض فيه الضَّرورة المزيد من التَّآلف، والتَّقارب ممَّا يُعطى للمسلمين عزَّتهم، وقوَّتهم، وحضورهم في كلِّ الواقع العالميِّ.