كلمة العلَّامة السَّيِّد عبد الله الغريفي، التي أُلقيت ضمن الاحتفال بذكرى ولادة أمير المؤمنين (عليه السَّلام)، عبر الفضاء الإلكتروني
ملاحظة: هذه كلمة للعلَّامة السَّيِّد عبد الله الغريفي، قد أُلقيت ضمن الاحتفال بذكرى ولادة أمير المؤمنين (عليه السَّلام)، عبر الفضاء الإلكتروني، الذي أقامه مكتب العلَّامة السَّيِّد عبد الله الغريفي، وذلك في يوم السَّبت (ليلة الأحد) 12 رجب 1441 هـ، الموافق 7 مارس 2020 م، وقد تمَّ تفريغها من تسجيلات مرئيَّة، وتنسيقها بما يتناسب وعرضها مكتوبة للقارئ الكريم.
أعوذ بالله السَّميع العليم من الشَّيطان الغويِّ الرَّجيم
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، وأفضل الصَّلوات على سيِّد الأنبياء والمرسلين، سيِّدنا، ونبيِّنا، وحبيبنا، وقائدنا، محمَّد وعلى آله الطَّيِّبين الطَّاهرين.
اللَّهمَّ، صلِّ على محمَّد وآل محمَّد.
السَّلام عليكم أيُّها الأحبَّة جميعًا ورحمة الله وبركاته.
الإحياء النَّظريُّ والعمليُّ
تهنئة بالميلاد الأغرِّ
أهنِّئكم بالميلاد الأغرِّ، ميلاد مولانا، وسيِّدنا سيِّد الأوصياء أمير المؤمنين (عليه السَّلام)، وبكلِّ المناسبات الغرَّاء في هذا الشَّهر العظيم.
أحبَّتي الكرام، للظَّرف الاستثنائيِّ الذي يمرُّ به العالم نتيجة انتشار هذا الوباء المرعب، فرض علينا التَّكليف الشَّرعيُّ، من أجل سلامة النَّاس وتعبيرًا عن حضاريَّة هذه المناسبات أنْ نجمِّد مؤقَّتًا الاحتفالات العامَّة وفق الطَّريقة المألوفة، وهذا لا يمنع من التَّفكير في بدائل، وهكذا طرحت فكرة الاحتفال عن طريق الفضاء الإلكترونيِّ، ليس كبديل دائم وإنَّما بديل استثنائيٌّ، ويمكن أنْ يستمرَّ رديفًا للاحتفالات المألوفة، والتي يجب أنْ تستمرَّ كوسائل تعبير؛ من أجل إحياء أمر أهل البيت (عليهم السَّلام).
مِصْدَاقَا الإحياء
فقد ورد عن أئمَّتنا (عليهم السَّلام) أنَّهم قالوا: «أحيوا أمرنا، رحم الله من أحيا أمرنا» (هداية الأمَّة إلى أحكام الأئمَّة (عليهم السَّلام) 5/137، الحر العاملي).
إحياء أمر أهل البيت (عليهم السلام) له مصداقان: مصداق نظريٌّ، ومصداق عملي، وكلا المصداقين مهمَّان جدًّا، وهما مطلوبان.
المصداق الأوَّل – وهو -: المصداق النَّظريُّ
وأعني به التَّعريف بأهل البيت (عليهم السَّلام)، وبسيرتهم، وبتاريخهم، وبعطاءاتهم، وبكلِّ توجيهاتهم، وكلماتهم، وبكلِّ جهاداتهم في خدمة الإسلام.
هذا التَّعريف، هذا الطَّرح نسمِّيه إحياء نظريٌّ.
وهذا الإحياء النَّظريُّ الذي يتمركز حول التَّعريف بشخصيَّات أهل البيت (عليهم السَّلام)، الشَّخصيَّات الإسلاميَّة.
وسائل التَّعريف النَّظريِّ
هذا التَّعريف النَّظريُّ له مجموعة وسائل متعدِّدة، أذكر على سبيل الاختصار والإجمال ثلاث وسائل مهمَّة لهذا المصداق النَّظريِّ، لهذا التَّعريف بسيرة وبتاريخ أهل البيت (عليهم السَّلام).
الوسيلة الأولى: الكتابة، والتَّأليف.
الوسيلة الثَّانية: الحوارات العلميَّة.
الوسيلة الثَّالثة: الخطاب.
أحاول أنْ ألقي بعض الضَّوء على هذه الوسائل؛ لإحياء أمر أهل البيت (عليهم السَّلام) وفق المصداق النَّظريِّ.
نبدأ بالوسيلة الأولى من وسائل إحياء، وتعريف شخصيَّات هذا التَّاريخ الكبير.
الوسيلة الأولى: الكتابة، والتَّأليف
وقد مارس أصحاب الأئمَّة (عليهم السَّلام) من أتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السَّلام) دورًا كبيرًا في التَّعريف بحياة أهل البيت (عليهم السَّلام)، وبتاريخهم، وبكلِّ تراثهم، وكان الأئمَّة (عليهم السَّلام) يحثُّون أتباعهم على الكتابة.
1-قال الإمام الصَّادق (عليه السَّلام) مخاطبًا أصحابه: «اكتبوا، فإنَّكم لا تحفظون حتَّى تكتبوا». (الوافي 1/235، الفيض الكاشاني).
2-وقال (عليه السَّلام): «القلب يتَّكل على الكتابة» (الوافي 1/235، الفيض الكاشاني).
3-وقال الإمام الصَّادق (عليه السَّلام) للمفضل ابن عمر: «اكتب، وبثَّ علمَك في إخوانك، فإنْ متَّ فأورث كتبك بنيك، فإنَّه يأتي على النَّاس زمان هرج لا يأنسون إلَّا بكتبهم» (الوافي 1/236، الفيض الكاشاني).
نشاط الحركة الكتابيَّة
وقد نشطت الحركة الكتابيَّة والتَّدوينيَّة عند أتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السَّلام) في كلِّ المجالات:
1-في مجال الحديث
2-في مجال الفقه
3-في مجال التَّفسير
4- وعلوم القرآن الكريم.
مشاهير المفسِّرين وأئمَّة علم القرآن الكريم
ومشاهير المفسِّرين، وأئمَّة علم القرآن الكريم هم من أتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السَّلام) كـ:
1-عبد الله بن عباس حبر الأمَّة
2-جابر بن عبد الله الأنصاري
3-أُبي بن كعب سيِّد القراء
4-سعيد بن جبير إمام التَّابعين في التَّفسير
5-جابر بن يزيد الجعفي كان إمامًا في التَّفسير
6-أوَّل مَن وضع نقاط المصحف، وأعربه، وحفظه عن التَّحريف هو أبو الأسود الدؤلي من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السَّلام)
7- أوَّل مَن صنَّف في فضائل القرآن الكريم أُبي بن كعب الأنصاري
8-أوَّل مَن صنَّف في أحكام القرآن الكريم محمَّد بن السائب الكلبي من أصحاب الإمامين الباقر والصَّادق (عليهما السَّلام)
9-وأوَّل مَن دَوَّن علم القراءة أبان بن تغلب من أصحاب الإمامين الباقر والصَّادق (عليهما السَّلام)
وهكذا استمرَّت الأقلام التَّابعة لمدرسة أهل البيت (عليهم السَّلام) في تدوين سيرة الأئمَّة (عليهم السَّلام)، ولا يتَّسع المجال إلى أنْ نسرد نماذج من كتابات أصحاب هذه المدرسة منذ عصر الأئمَّة (عليهم السَّلام) وحتَّى عصرنا الحاضر.
إذًا، الوسيلة الأولى من الوسائل التي تعبِّر عن إحياء مدرسة وتراث أهل البيت (عليهم السَّلام) من خلال المصداق النَّظريِّ، الوسيلة الأولى هي الكتابة.
الوسيلة الثَّانية – من وسائل التَّعريف بمدرسة الأئمَّة (عليهم السَّلام)، ومدرسة أهل البيت (عليهم السَّلام)، والتَّعريف بالتَّاريخ الإسلاميِّ الأصيل، الوسيلة الثَّانية -: الحوارات العلميَّة
ولا أريد أنْ أمر بنماذج كثيرة من المؤلَّفات التي شكَّلت نماذج راقية للحوار العلميِّ الإسلاميِّ، أكتفي هنا بذكر كتاب (المراجعات) للسَّيِّد عبد الحسين شرف الدِّين، وهو أروع نموذج للحوار العلميِّ النَّظيف، حوار من خلال رسائل متبادَلة بين السَّيِّد شرف الدِّين أحد كبار فقهاء الشِّيعة، والشَّيخ سليم البشري شيخ الأزهر في مصر، وأحد كبار العلماء.
كتاب (المراجعات) نموذج لحوار علميٍّ هادف اعتمد لغة علميَّة هادفة، واعتمد أسلوبًا موضوعيًّا لإيصال الحقائق، وكان كلا الطَّرفين، الطَّرف الشِّيعي، والطَّرف السُّنِّي استخدما لغة من أرقى أنواع اللُّغات الحواريَّة.
هذا نموذج.
والمكتبة الإسلامية غنيَّة بنماذج لحوارات علميَّة هادفة.
هذا أسلوب من أساليب التَّعريف بمدرسة الأئمَّة (عليهم السَّلام).
الوسيلة الثَّالثة: الخطاب
نأتي للأسلوب الثَّالث، وهو أسلوب الخطاب، أو الخطابة.
الخطابة هو الأسلوب الشَّائع، أو الخطاب هو الأسلوب الشَّائع للتَّعريف بمدرسة أهل البيت (عليهم السَّلام).
عناوين الخطاب
الخطابة، أو الخطاب نصنِّفه إلى مجموعة عناوين:
1-خطاب المنبر الحسينيِّ
2-خطاب المسجد
3-خطاب المناسبات الدِّينية
4- خطاب الملتقيات الثَّقافيَّة
5-خطاب النَّدوات، والمحاضرات
وللخطاب مسارات متعدَّدة.
ضرورة تطوُّر الخطاب
ولا شكَّ هناك ضرورة لأنْ نطوِّر الخطاب في مناسباتنا الدِّينيَّة.
الخطاب في أدواته لا بدَّ أنْ يتطوَّر.
الخطاب في مضامينه، وفي أفكاره، وفي طروحاته لا بد أنْ يتطوَّر.
الخطاب في أسلوبه لا بدَّ أنْ يتطوَّر.
الخطاب في لغته لا بدَّ أنْ يتطوَّر.
ولعلَّ الاحتفال عن طريق الفضاء الإلكترونيِّ نموذجًا لطرح أسلوب جديد في إيصال الاحتفال بهذه المناسبات.
الحديث هنا كلُّه حول المصداق النَّظريِّ لإحياء مدرسة أهل البيت (عليهم السَّلام)، والحديث عن تأريخ أهل البيت (عليهم السَّلام)، هذا الإحياء النَّظريُّ الذي تناولنا مجرَّد نماذج من وسائله.
المصداق الثَّاني: المصداق العمليُّ
ننتقل الآن للإحياء للمصداق العمليِّ.
إحياء أمر أهل البيت (عليهم السَّلام) ليس مجرَّد التَّعريف بتأريخ وتراث ومدرسة أهل البيت (عليهم السَّلام)!
الإحياء الحقيقيُّ لمدرسة أهل البيت (عليهم السَّلام) هو المصداق العمليُّ.
المصداق العمليُّ للإحياء هو التَّمثُّل العمليُّ لمنهج أهل البيت (عليهم السَّلام).
قيمة الارتباط بالمناسبات الدِّينيَّة حينما تتحوَّل هذه المناسبات إلى فعل متحرِّك في حياة الأمَّة، في حياة النَّاس المنتمين لهذه المدرسة.
إذا بقيت المفاهيم مجرَّد مفاهيم تعيش في الذَّاكرة، وفي الذِّهن، ومجرَّد مجموعة أحاسيس تعيش في العاطفة، وفي القلب، فالاحتفال هنا لم يحقِّق الكثير، رغم القيمة الكبيرة للمفاهيم وللثِّقافة، ورغم القيمة الكبيرة للعواطف وللمشاعر وللأحاسيس.
الوعي له قيمة.
الأحاسيس المشاعر لها قيمة كبيرة.
لا نستطيع أنْ نتعاطى إذا كان الوعي هابطًا!
ولا نستطيع أنْ نتعاطى إذا كانت المشاعر جافَّة، وناضِبة.
إذًا، لا بدَّ من صنع الوعي بأعلى مستوياته.
ولا بدَّ من صنع العاطفة في أرقى منسوباتها.
وتبقى القيمة كلُّ القيمة حينما تتحوَّل المفاهيم إلى ممارسات.
وحينما تتحوَّل الأحاسيس إلى سلوك متحرِّك.
إذًا، المصداق العمليُّ – وهو التَّمثل العمليُّ لمنهج أهل البيت (عليهم السَّلام) – هو المصداق الأرقى في التَّعاطي مع هذه المدرسة.
أنقل لكم هذه الرِّواية عن أمير المؤمنين (عليه السَّلام)، ونحن نحتفل بذكرى ميلاده، روي أنَّ أمير المؤمنين (عليه السَّلام) مرَّ على جماعة، فأسرعوا إليه قِيامًا – مرَّ بالطَّريق -، وإذا بجماعة قاموا لأمير المؤمنين (عليه السَّلام) احترامًا وتقديرًا له، فسألهم (عليه السَّلام): «مَن القوم»؟ (بحار الأنوار 75/28، العلَّامة المجلسي).
السُّؤال مِن عليٍّ (عليه السلام) إلى هؤلاء القوم.
الإمام عليٌّ (عليه السَّلام) قد يعلم إلَّا أنَّه يريد أنْ يوصل لهم رسالة.
الإمام عليٌّ (عليه السَّلام) يريد أنْ يوصل لهم مفهومًا، مفهوم الاتِّباع ما هو؟
مفهوم الشِّيعة ماذا يعني؟
فسألهم (عليه السَّلام): من أيِّ قوم أنتم؟
قالوا: من شيعتك يا أمير المؤمنين!
«فقال لهم: خيرًا» (بحار الأنوار 75/28، العلَّامة المجلسي).
شكرهم، ثمَّ قال بعد أنْ ردَّ التَّحيَّة عليهم، وبعد أنْ شكرهم أمير المؤمنين (عليه السَّلام).
«ثمَّ قال: يا هؤلاء، ما لي لا أرى فيكم سمة شيعتنا، وحلية أحبَّتنا» (بحار الأنوار 75/28، العلَّامة المجلسي).
بلغة صريحة لا مجاملة فيها!
الإمام عليٌّ (عليه السَّلام) يريد أنْ يحدِّد منهجًا.
الإمام عليٌّ (عليه السَّلام) صاحب مدرسة.
يريد أنْ يصنع مسارات واعية وأصيلة تعبِّر عن هذا الانتماء الأصيل.
إذًا، لا بدَّ أنْ يصارحهم.
الإمام عليٌّ (عليه السَّلام) يقول:
«يا هؤلاء، ما لي لا أرى فيكم سمة شيعتنا، وحلية أحبَّتنا».
وقبل أنْ نتابع الرِّواية، نحاول أنْ نقرأ هذا الموقف من أمير المؤمنين (عليه السَّلام)!
رواية طويلة وفيها معطيات كبيرة.
وَقْفَة مع هذا المقطع
لنا وقفة هنا مع هذا المقطع من الرِّواية.
النقطة الأولى: عليٌّ (عليه السَّلام) ليس من عبَّاد المواقع والوَجاهات!
لم يكن الإمام عليٌّ من عبَّاد المواقع والوجاهات.
يمكن أحدنا عندما تقوم النَّاس إليه!
عندما تقبِّل النَّاس جبهته.
عندما تقبِّل النَّاس يديه.
ينبهر بهذه المظاهر، ينتفخ داخليًّا، فالنَّاس تحترمني!
النَّاس تقدِّرني!
النَّاس تعطيني موقعًا كبيرًا!
تقوم لي!
تُقبِّلني!
تثني عليَّ في الحديث!
أمَّا الإمام عليٌّ (عليه السَّلام) ليس كذلك.
الإمام عليٌّ (عليه السَّلام) لا تغريه المظاهر!
الإمام عليٌّ (عليه السَّلام) لا تغريه المواقع!
الإمام عليٌّ (عليه السلام) لا تغريه الوجاهات!
هو أكبر من العناوين؛ لأنَّه هو العنوان الكبير!
الإمام عليٌّ (عليه السَّلام) هو عنوان كبير، فكلُّ العناوين تصغر أمام الإمام عليٍّ (عليه السَّلام)!
الإمام عليٌّ (عليه السَّلام) لا يكبر بهذه العناوين، إنَّما يكبر بها أمثالنا من الصِّغار، أمَّا الإمام عليٌّ (عليه السَّلام) الكبير لا يكبر بموقف هنا، وبوجاهة هناك، وبكلمة تقال هنا، وكلمة تقال هناك!
الإمام عليٌّ (عليه السَّلام) أكبر من المواقع؛ لأنَّه الموقع الأكبر، فلم يكن الإمام عليٌّ (عليه السلام) من عبَّاد المواقع والوَجَاهات، لو كان غير الإمام عليٍّ (عليه السَّلام) لَشَكَرَهم بكلِّ كلمات الإطراء والثَّناء؛ لأنَّهم قاموا له، لأنَّهم احترموه بدرجة يراها النَّاس موارد للاحترام والتَّقدير.
الإمام عليٌّ (عليه السَّلام) أكبر من كلِّ هذا.
الإمام عليٌّ (عليه السَّلام) صنع تاريخًا.
الإمام عليٌّ (عليه السَّلام) صنع وجودًا.
ارتبط بالله الكبير، وارتبط برسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، وارتبط بالقرآن الكريم، وارتبط بكلِّ هذه المسيرة الحضاريَّة.
إذًا، الإمام عليٌّ (عليه السَّلام) لا يهتزُّ نفسيًّا، وداخليًّا، ولا تُطربه هذه المواقع.
هذه النقطة الأولى، إذًا لم يكن الإمام عليٌّ (عليه السلام) من عبَّاد المواقع، والوجاهات.
النقطة الثَّانية: الشُّهرة الزَّائفة
النقطة الثَّانية التي نلتقطها من هذا الموقف للإمام عليٍّ (عليه السَّلام) مع هؤلاء الذين قالوا: «من شيعتك»، النقطة الثَّانية الشُّهرة الزَّائفة لا قيمة لها عند الإمام عليٍّ (عليه السَّلام).
هذه مظاهر.
هذه مظاهر زائفة لا قيمة لها.
الاحترامات مطلوبة.
تقييم المواقع مطلوب، لكن في الغالب يطغى على هذه الممارسات الشَّكل!
الشَّكل لا قيمة له عند الإمام عليٍّ (عليه السَّلام).
القيمة للمضمون، القيمة للمعطيات العمليَّة، أمَّا نعطي للمظاهر قيمتها فلا!، ولذلك حتَّى احتفالاتنا حينما يطغى عليها المظهر، ويطغى على المضمون لا قيمة لها.
مطلوب المظاهر النَّظيفة الصَّالحة، مطلوبة في احتفالاتنا، في مناسباتنا، في كلِّ مساراتنا.
المظهر له قيمة، ولكن إذا كان المظهر يحمل مضمونًا كبيرًا، أمَّا أنْ يكون المظهر كبيرًا والمضمون صغيرًا، لا قيمة للمظاهر بدءًا من سلوك الفرد وانتهاءً بسلوك المجتمع.
الفرد حينما يكبر، يتضخَّم، تتضخَّم شخصيَّته، والمضمون الدَّاخليُّ صغير هذا لا قيمة له.
«مَن كان ظاهره أرجح من باطنه خفَّ ميزانه يوم الحساب» (كنز العمَّال 3/674، المتَّقي الهندي)، أنْ يكون الإنسان ظاهره كبيرًا، شكله كبيرًا، عنوانه كبيرًا، لكن المحتوى، لكن المضمون صغير، وضعيف، وحقير!
أيُّ قيمة لهذا المظهر؟
أي قيمة لهذا الخارج؟
ولذلك «مَن كان ظاهره أرجح من باطنه خفَّ ميزانه يوم الحساب،
ومَن كان باطنه أرجح من ظاهره ثقل ميزانه يوم الحساب» (كنز العمَّال 3/674، المتَّقي الهندي).
«إنَّ العبد لينشر له من الثَّناء ما بين المشرق والمغرب …» (كشف الخفاء 1/221، العجلوني)، إعلام، ضجيج (مانشيتات)، ولكن المضمون ضعيف، «إنَّ العبد لينشر له من الثَّناء ما بين المشرق والمغرب وما يزن عند الله جناح بعوضة» (كشف الخفاء 1/221، العجلوني).
القيمة كم هي قيمتك عند الله تعالى، ليس من خلال الضَّجيج، وليس من خلال العناوين الكبيرة.
إذًا، الشُّهرة الزَّائفة في نظر الإمام عليٍّ (عليه السَّلام) شهرة مرفوضة، لا قيمة لها.
هذه النقطة الثَّانية.
النقطة الثَّالثة: الإمام عليٌّ (عليه السَّلام) لم يجاملهم!
لم يجامل هؤلاء، بل كان جريئًا، وكان صريحًا معهم، «ما لي لا أرى فيكم سمة شيعتنا، وحلية أحبتنا» (بحار الأنوار 75/28، العلَّامة المجلسي)؟!
لغة المجاملات مرفوضة عند الإمام عليٍّ (عليه السَّلام).
الإمام عليٌّ (عليه السَّلام) يريد أنْ يرسم منهجًا.
الإمام عليٌّ (عليه السَّلام) يريد أنْ يصنع مسارًا.
الإمام عليٌّ (عليه السَّلام) يريد أنْ يجسِّد مفاهيم دينٍ، ومفاهيمَ إسلام، ومفاهيم قرآن.
لا مجال للمجاملات.
ولا مجال للإطراءات غير الواقعيَّة.
إذًا هنا الإمام عليٌّ (عليه السَّلام) يجب أنْ يكون صريحًا، لأنَّه يريد أنْ يصنع مسارًا، يريد أنْ يحدِّد خطًّا للأمَّة.
إذًا، لا بدَّ أنْ يكون صريحًا، ولا بدَّ أنْ يكون جريئًا، لا يجامل من أجل كلمة الحقِّ، ولا يجامل من أجل أنْ يرسم المسار الصَّحيح، كما آمن به، وكما آمن به الإسلام والقرآن الكريم.
إذًا، الإمام عليٌّ (عليه السَّلام) لم يكن مجاملًا، واجَهَهم بكلمة صريحة واضحة.
صفات شيعتهم (عليهم السَّلام)
بعد هذه الاستنتاجات العاجلة من هذا الموقف نتابع الرِّواية، بعد أنْ واجههم بالحقيقة الصَّادمة «فأمسك القوم حياء» (بحار الأنوار 75/28، العلَّامة المجلسي)!
صدمهم الجواب، كانوا يتوقَّعون ثناءً، كانوا يتوقَّعون مدحًا من الإمام عليٍّ (عليه السَّلام)، ولكنَّ الإمام عليًّا (عليه السَّلام) صدمهم بجواب جعلهم يصمتون حياءً وخجلًا، هنا انبرى أحد أصحابه، أحد أصحاب أمير المؤمنين (عليه السَّلام)، مَن كان معه، «ما سمة شيعتك يا أمير المؤمنين» (بحار الأنوار 75/28، العلَّامة المجلسي)، فبدأ الإمام عليٌّ (عليه السَّلام) يتحدَّث؛ ليرسم المسار، الخطَّ لمنهج أهل البيت (عليهم السَّلام).
هنا القيمة الكبيرة لهذه المناسبات حينما نترسَّم هذا الخطَّ، حينما ننطلق ضمن مسار حدَّده الإمام عليٌّ (عليه السَّلام).
إذًا، هنا الإمام عليٌّ (عليه السَّلام) يتحدَّث عن معالم المسار الذي أسس له رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، وقاده أمير المؤمنين (عليه السَّلام)، وأئمَّة أهل البيت (عليهم السَّلام).
لا يتَّسع المجال إلى أنْ نستوعب كلَّ المقاطع.
هذه الرِّواية تحتاج إلى دراسة تفصيليَّة!
تحتاج إلى وقفات طويلة؛ لنستوعب من خلالها هذه المفاهيم، وكيف نجسِّد هذه المفاهيم، ولكنَّها إطلالة سريعة على عناوين، وليس على تفصيل هذه العناوين.
الإمام عليٌّ (عليه السَّلام) يقول في هذه الرِّواية:
1- «شيعتنا هم العارفون بالله» (بحار الأنوار 75/28، العلَّامة المجلسي)!
الشِّيعة الذين يملكون وعي الإسلام.
شيعة الإمام عليٍّ (عليه السَّلام) هم الذين يملكون وعي القرآن الكريم.
شيعة الإمام عليٍّ (عليه السَّلام) هم الذين يملكون وعي الرِّسالة، وعي هذا الخطِّ، ليسوا أغبياء، ليسوا سُذَّجًا، ليسوا جهلاء.
أئمَّتنا (عليهم السَّلام) يريدون أنْ يرتفعوا بمستوى وعينا، ونحن ننتمي لمدرسة أهل البيت (عليهم السَّلام)، فمن اللَّازم أنْ يرتقي مستوى الوعي عندنا.
يجب أنْ ترتقي مستوى الثَّقافة عندنا، ولذلك قيمة هذه الاحتفالات حينما تصنع وعيًا، حينما تصنع ثقافةً، حينما تصنع فكرًا أصيلًا نابعًا من فكر الرِّسالة، وفكر الإسلام، وفكر القرآن الكريم.
2- «شيعتنا هم العارفون بالله العاملون بأمر الله».
3- لا قيمة لثقافة إذا لم تتحوَّل إلى واقع، إلى سلوك، إلى عمل.
قيمة المفاهيم حينما تترجم خطًّا عمليًّا متحرِّكًا.
قيمة الثَّقافة حينما تتحوَّل إلى برامج عمل.
إذًا، نحن نريد مسيرة، أتباعًا، خطًّا، منهجًا يملك وعي الانتماء، ويملك سلوك الانتماء.
4- «العاملون بأمر الله هم أهل الفضائل» (بحار الأنوار 75/28، العلَّامة المجلسي)!
نماذج راقية للقيم، للصِّدق، للأمانة، للإخلاص، للنُّبل، للعفاف.
هذه قيم أتباع مدرستنا.
هم أصحاب القيم.
هم أصحاب الفضائل.
هم الذي ترتقي مستويات القيم، والفضائل عندهم.
5- هم «أهل الفضائل» (بحار الأنوار 75/28، العلَّامة المجلسي)!
6- «الناطقون بالصواب» (بحار الأنوار 75/28، العلَّامة المجلسي)!
كلامهم حقٌّ.
لا يكذبون.
لا يغتابون.
لا يمارسون التَّزوير.
لا يمارسون الدَّجل.
ألسنتهم نظيفة.
ألسنتهم نقيَّة.
لا يقولون إلَّا الصَّواب.
لا يقولون إلَّا العدل.
لا يقولون إلَّا الطَّهارة.
النَّاطقون بالصَّواب.
7- «مشيهم التَّواضع» (بحار الأنوار 75/28، العلَّامة المجلسي)!
ليسوا متكبِّرين.
لا يعيشون انتفاخ الشَّخصيَّة.
شخصيَّة مملوءة بقيم.
والشَّخصيَّة المملوء بالقِيم، والشَّخصيَّة المملوءة بالمفاهيم تتواضع.
حينما نرى إنسانًا ينتفخ هذا فارغ.
حينما نرى إنسانًا يتعالى هذا إنسان فارغ.
فارغ من المفاهيم.
وفارغ من القِيم.
وفارغ من الفضائل.
حينما يمتلئ الإنسان لا يعيش الضَّجيج حوله، ولا يعيش الانتفاخ.
«مشيهم التواضع»
ليس فقط المشي المادِّي، حينما يتحرَّكون على الأرض يتواضعون.
وحينما يتحدَّثون يتواضعون.
وحينما يتعاملون مع النَّاس يتواضعون.
«مشيهم التَّواضع»
شيمتهم التَّواضع.
حركتهم التَّواضع.
قيمتهم التَّواضع.
«مشيهم التَّواضع»
8- «بخعوا لله تعالى بطاعته» (بحار الأنوار 75/28، العلَّامة المجلسي)!
يملكون درجة عالية من الرَّوحانيَّة.
درجة عالية من الذَّوبان مع الله تعالى.
قلوبهم مشدودة إلى الله تعالى.
أرواحهم مشدودة إلى الله تعالى.
مشاعرهم مشدودة إلى الله تعالى.
وهكذا عاشوا الخشوع.
وهكذا عاشوا النَّقاء الدَّاخليَّ.
صفاء القلوب.
طُهر الأرواح.
نقاء السَّريرة.
كيف ينصنع الخشوع؟
الخشوع حينما يكون القلب نقيًّا.
حينما يكون الضَّمير صافيًا.
حينما تكون المشاعر نظيفة.
هنا يكون الخشوع.
هنا يكون الانقياد الصَّادق لله تعالى.
«بخعوا لله تعالى بطاعته»
انقادوا لأمر الله تعالى.
استجابوا لأمره خشوعًا، تذلُّلًا، انقيادًا، انسيابًا في خطِّ الطَّاعة.
«بخعوا لله تعالى بطاعته»
عباد لله تعالى في كلِّ مسارات حياتهم، هم عباد لله في صلاتهم.
وفي صيامهم.
وفي حجِّهم.
وفي دعائهم.
وفي ذِكْرهم.
وفي تلاوتهم.
وفي كلِّ مسارات حياتهم.
لا يعبدون الله تعالى في صلاتهم وفي ذِكرهم وفي تلاوتهم ويعصون الله تعالى في مسارهم الاجتماعيِّ!، ويعصون الله تعالى في مسارهم الثَّقافيِّ، ويعصون الله تعالى في مسارهم الاقتصاديِّ، ويعصون الله تعالى في مسارهم السِّياسيِّ، هم طاعة لله تعالى في كلِّ مسارات الحياة.
9- «فمضوا غاضِّين أبصارهم عمَّا حرَّم الله عليهم» (بحار الأنوار 75/28، العلَّامة المجلسي)!
هكذا تكون الجوارح عند هؤلاء خاضعة لأوامر الله تعالى.
مستجيبة لتوجيهات الله تعالى.
لا ينظرون نظرة تغضب الله تعالى.
10- «أمَّا اللَّيل، فصافُّون أقدامهم» (بحار الأنوار 75/28، العلَّامة المجلسي)!
من عبَّاد اللَّيل.
يتهجَّدون بالأسحار.
يذوبون مع الله تعالى خشوعًا، وطاعةً، وانقيادًا، وانصهارًا، وعشقًا، وحبًّا في الله تعالى.
«أمَّا اللَّيل، فصافُّون أقدامهم تالون لأجزاء القرآن يرتِّلونه ترتيلًا» (بحار الأنوار 75/28، العلَّامة المجلسي)!
هكذا، واستمرَّ أمير المؤمنين (عليه السَّلام) يتحدَّث عن صفات أتباعه، عن صفات أصحاب مدرسته.
تجسيد مضامين مدرسة أمير المؤمنين (عليه السَّلام)
إذًا، حينما نحتفي بذكرى ميلاد أمير المؤمنين (عليه السَّلام) يجب أنْ نجسِّد مضامين هذه المدرسة.
هذه المناسبات ليست للاستهلاك الخطابيِّ!
حينما يتضخَّم الخطاب، حينما تتضخَّم المظاهر ويبقى المضمون صغيرًا صغيرًا صغيرًا، لا قيمة لهذا الخطاب، ولا قيمة لهذه المظاهر!
القيمة كلُّ القيمة حينما تتحوَّل هذه المظاهر إلى مضامين متحرِّكة.
هذه المناسبات ليست للاستهلاك الخطابيِّ.
وليست لتأجيج الانفعالات.
مطلوب أنْ نصنع العواطف الإيمانيَّة.
مطلوب أنْ نصنع المشاعر الإيمانيَّة، هذا أمر ضروريٌّ، لأنَّ أيَّ ارتباط لا يملك مشاعرَ، ولا يملك أحاسيسَ هو ارتباط جافٌّ، هو ارتباط جامد.
نحن مطلوب منَّا خلال هذه المناسبات أنْ نصنع مشاعر النَّاس الإيمانيَّة، وأنْ نصنع عواطف النَّاس الولائيَّة.
هذا مطلوب جدًّا، ولكنَّ العواطف والمشاعر إذا بقيت جاثمة في القلب، وجاثمة في الدَّاخل، وفي الضَّمير، ولم تتحوَّل حسًّا متحرِّكًا، وحراكًا عمليًّا هذه عواطف بليدة لا قيمة لها.
وليس – إذًا – هذه المناسبات من أجل تأجيج انفعالات، ومن أجل تأجيج عواطف، بل من أجل صنع عواطف، وليس انفعالات منفلتة، وانفعالات بليدة، وليس من أجل الاسترخاء في أحضان التَّاريخ!
نحن لا نستدعي التَّاريخ؛ لنستلذَّ بقصص التَّاريخ، لا!
المسألة ليست كذلك!
حينما نحيي مناسبات أهل البيت (عليهم السَّلام) هي مناسبات في التَّاريخ لكنَّنا يجب أنْ نعطيها حضورًا في واقعنا، لا أنْ يستدعينا التَّاريخ؛ لنبقى مع التَّاريخ.
حينما نبقى مع التَّاريخ، وحينما نسترخي في أحضان التَّاريخ وتموت في داخلنا أحاسيس الحاضر لا قيمة لهذه المناسبات!، قيمتها حينما تتحوَّل حراكًا عمليًّا.
قيمتها حينما تتحوَّل عطاءً.
قيمتها حينما تتحوَّل مدرسة.
إذًا، نحن لا نحتفل بهذه المناسبات من أجل استرخاء بليد غبيٍّ في أحضان التَّاريخ.
مسؤوليَّة المناسبات
أوَّلًا: أنْ تصنع وعي الأجيال
مسؤوليَّة هذه المناسبات – أوَّلًا – أنْ تصنع وعي الأجيال
يوم تفقد هذه المناسبات دورها وعطاءها في صنع وعي الأجيال، وثقافة الأجيال فقدت قيمتها.
القيمة كلُّ القيمة لهذه المناسبات حينما تصنع تنتج وعيًا، وعي الإسلام، وعي القرآن الكريم، وعي الرِّسالة، وعي الدِّين، وعي هذه المدرسة العملاقة مدرسة أهل البيت (عليهم السَّلام).
يوم تستطيع هذه المناسبات أنْ تصنع هذا الوعي، فهي المناسبات المطلوبة، وهي التَّعبير الحقيقيُّ لكلام أهل البيت (عليهم السَّلام): «أحيوا أمرنا، رحم الله من أحيا أمرنا» (هداية الأمَّة إلى أحكام الأئمَّة (عليهم السَّلام) 5/137، الحر العاملي)
إذًا، الوظيفة الأولى لهذه المناسبات أنَّها تصنع وعي الأجيال، الوعي الأصيل، الوعي الحقيقيَّ، الوعي السَّليم.
ثانيًا: أنْ تجذِّر ولاء الأجيال
كما نحتاج أنْ نصنع عقل الأجيال، ووعي الأجيال، وثقافة الأجيال نحن بحاجة أنْ نصنع ولاءهم، عشقهم، ارتباطهم بهذه المدرسة بقدر ما نستطيع أنْ نصنع هذا الولاء، الولاء الحقيقيَّ، الولاء الواعيَ.
إذًا، الثَّقافة بلا ولاء لا قيمة لها، وولاء بلا ثقافة لا قيمة له!
قد نصنع وعي أجيالٍ، ولكن لا نصنع ولاءهم، أيُّ قيمة لهذا الوعي؟
وقد نصنع ولاءً، وعشقًا، وانصهارًا، وحبًّا، وعاطفةً، وأحاسيس ولكن لا نصنع وعيًا، أيُّ قيمة لهذه الأحاسيس؟
أيُّ قيمة لهذه الانفعالات النَّفسيَّة؟
إذًا، وظيفة هذه المناسبات أنْ تصنع وعي الأجيال، هذا أولًا.
وثانيًا وظيفة هذه المناسبات أنَّها تجذِّر ولاء الأجيال، عشق الأجيال، ارتباط الأجيال الرُّوحيِّ، والنَّفسيِّ، والوجدانيِّ بخطّ الأئمَّة (عليهم السَّلام).
ثالثًا: أنْ ترشِّد سلوك الأجيال
هذه القيمة الكبرى، أنْ ترشد سلوك الأجيال.
صنعنا وعي أجيال.
وصنعنا عشق وولاء أجيال.
لكن لم نصنع سلوك أجيال، لم نصنع ممارسات أجيال منسجمة مع خطِّ المدرسة، ماذا صنعنا؟ أيُّ قيمة لفكرٍ يبقى فكرًا؟!
وأيُّ قيمة لعاطفة تبقى عاطفة؟!
القيمة حينما يتحوَّل الفكر إلى سلوك.
القيمة حينما تتحوَّل العاطفة إلى سلوك.
فإذا استطاعت هذه المناسبات أنْ تصنع وعيَ الأجيال، واستطاعت هذه المناسبات أنْ تصنع ولاءَ الأجيال، واستطاعت هذه المناسبات أنْ تصنع سلوك الأجيال، حركة الأجيال، تطبيق الأجيال، فقد استطاعت أنْ تنتج كثيرًا كثيرًا.
رابعًا: أنْ تنشِّط حَراك الأجيال
هذه المناسبات مطلوب منها كما مطلوب منها أنْ تصنع وعي الأجيال.
وكما مطلوب منها أنْ تصنع ولاء الأجيال.
وكما مطلوب منها أنْ ترشِّد سلوك الأجيال، سلوك الأفراد، سلوك الأسر، سلوك الجماعات.
مطلوب منها أنْ تنتج حَراكًا.
ماذا أعني بالحَراك؟
أنْ تنتج طاقات فاعلة تواكب مسيرة الانتماء لهذه المدرسة، دعاة، مبلِّغين، آمرين بمعروف، ناهين عن منكر، هذا حَراك، قد يلتزم الإنسان سلوكيًّا كفرد، وقد يلتزم ضمن أسرته، لكن لا يملك حَراكًا، نشاطًا، عطاءً، لا يتحوَّل إلى مدرسة فكر، ومدرسة ثقافة، ومدرسة عطاء، ومدرسة أمر بمعروف، ومدرسة نهي عن منكر.
هنا مطلوب من هذه المناسبات أنْ تصنع هذا الحَراك عند علماء الأمَّة، عند خطباء الأمَّة، عند مثقَّفي الأمَّة، عند كلِّ فرد في الأمَّة أنْ يكون له دور بحسب قدراته، بحسب إمكاناته، بحسب ما يملك من وعي، وبحسب ما يملك من ثقافة، وبحسب ما يملك من موقع.
هنا حَراك.
هنا نشاط.
هنا أمر بمعروف.
هنا نهي عن منكر.
هنا دعوة إلى الله تعالى.
هذه أربعة أهداف مركزيَّة لهذه المناسبات.
فخطاب هذه المناسبات يجب أنْ يكون حاضرًا في قضايا الأجيال.
خطاب هذه المناسبات يجب أنْ يكون حاضرًا في كلِّ حركة الأجيال.
في كلِّ قضاياهم الفكريَّة، والثَّقافيَّة، والرُّوحيَّة، والأخلاقيَّة، والاجتماعيَّة، والاقتصاديَّة، والسِّياسيَّة.
هنا يكون الخطاب بشرط أنْ تكون المعالجات واعية ورشيدة، وبشرط أنْ تكون هذه المعالجات بعيدة عن التَّطرُّف، وبعيدة عن التَّعصُّب، وبعيدة عن إنتاج الفتن، والصِّراعات، والتَّوتُّرات.
هذه خطوط.
هذه مفاهيم.
هذه ثوابت.
خطابنا ليس خطابًا طائفيًّا.
وخطابنا ليس خطابَ تطرُّف.
وخطاب هذه المناسبات ليس خطابَ عنفٍ، بل هو خطاب سِلم.
خطاب محبَّة.
خطاب تسامح.
يصنع تقاربًا.
لسنا طائفيِّين حينما نتحدَّث في هذه المناسبات.
ولسنا متعصِّبين حينما نطرح مفاهيم أهل البيت (عليهم السَّلام)، ومدرسة أهل البيت (عليهم السَّلام).
نتمنَّى لهذه المناسبات أنْ تمارس دورها الكبير في صناعة الأمَّة، وفي إنتاج أجيال ينتمون إلى هذه المدرسة انتماءً واعيًا صادقًا مخلصًا إنْ شاء الله تعالى.
وآخر دعوانا أنْ الحمد لله ربِّ العالمين.
والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.