حديث الجمعة 565: المعركة بين الإنسان والشَّيطان (3)
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأفضلُ الصَّلوات على سيِّدِ الأنبياءِ والمرسلين محمَّدٍ، وعلى آلِهِ الهُداةِ الميامين.
المعركة بين الشَّيطان والإنسان (3)
وبعد فنتابع الآيات من سورة الأعراف وهي تتحدَّث عن (المعركة بين الشَّيطان والإنسان)، المعركة التي بدأها الشَّيطان في مرحلةٍ مبكِّرة حينما رفض السُّجود لآدم، وحينما صدر القرار الإلهي بطرده.
وبعد أن طلب من الله أن يمهله إلى ﴿يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ (الأعراف/14)، فاستجاب الله لطلبه وقال له:
•﴿… فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ * إِلَى يَومِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ﴾ (الحجر/37-38)
هنا سؤال يُطرح؟
لماذا أمهل اللهُ إبليس؟
وقبل أنْ نبحث عن أسباب هذا الإمهال، مطلوبٌ منَّا أنْ نؤمن بحكمة الله تعالى في كلِّ ما يصدر عنه، حتى لو عجزت عقولنا عن معرفة العلل والأسباب، فلا يُسأل عما يفعل.
نقرأ قوله تعالى في سورة الأنبياء/ الآية 23:
•﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾
فالله سبحان هو المالك للكون كلّه بجميع مخلوقاته، المالك المطلق وهو الغني المطلق وهو القادر المطلق وهو المتصرِّف المطلق، فهل يحقُّ لأحد مِن خَلْقِهِ أنْ يُسائله، أو يُحاسبه أو يعترض عليه؟
فليس لأحدٍ أنْ يقول له سبحانه: لِمَ وكيف فله سبحانه أنْ يفعل ما شاء، ويترك ما يشاء، وكيف يشاء.
أمَّا خلقه جميعًا، مهما بلغوا من القوَّة والكثرة والخبرة فهم عبيده تعالى، وخاضعون لقوَّته وإرادته وأوامره ونواهيه، ولذلك فهم مسؤولون أمامه فيما يفعلون وفيما يتركون.
وإذا كان الله سبحانه لا يُسأل عما يفعل وعمَّا يترك، فهذا لا يعني أنَّه لا يحق للإنسان أنْ يتساءل باحثًا عن الحكمة فيما يأمر تعالى، وفيما ينهى، والفارق كبير بين التساؤل الباحث عن الحكمة والمساءلة والاعتراض.
ليس لنا أن نسائل الله تعالى أو نحاسبه على تحريم الخمر والزِّنا والرِّبا وغيرها من المحرَّمات.
ولكن لنا أنْ نتساءل عن الحكمة وراء هذه المحرَّمات، فربَّما توصَّلنا إلى اكتشاف شيئ من حِكَمِ هذه التشريعات، وربَّما عجزت عقولنا عن اكتشاف ذلك.
نعود للتساؤل المطروح؟
•لماذا أمهل اللهُ سبحانَه إبليس؟
قال بعض المفسِّرين: “إنَّ الله سبحانه منح إبليس هذه الفرصة المنشودة جزاءً لعبادته التاريخيَّة عندما كان في مجتمع الملائكة كما لو كان أحدهم”.
وقد تقدَّم القول في كلمة سابقة وحسب ما جاء في نهج البلاغة أنَّ إبليس “عَبَدَ الله ستَّة آلاف سنة، لا يُدرى من سِنِيِّ الدُّنيا أم من سِنِيِّ الآخرة”. (نهج البلاغة 2/139، خطبة 192)
ففي مقابل هذه العبادة الطويلة طلب إبليس من الله تعالى أنْ يعطيه عمرًا طويلًا في هذه الدُّنيا، وكانت العدالة الإلهية تقتضي قبول هذا الطلب.
هذا قول في تفسير سبب إمهال إبليس.
والقول الآخر: أنَّ هذا الإمهال لإبليس هو (ابتلاء للإنسان واختبار لإرادته).
فالإنسان دائمًا بين خيارين:
خيار الهدى، وخيار الضَّلال.
خيار الخير، وخيار الشَّر.
خيار الحقِّ، وخيار الباطل.
خيار الطَّاعة، وخيار المعصية.
فالشَّيطان يحرِّك الإنسان في اتِّجاه خيارات الضَّلال والشَّر والباطل والمعصية.
بينما نداءات الله تعالى تحرِّك الإنسان في اتِّجاه خيارات الهدى والخير والحق والطاعة.
ففي داخل الإنسان تصطرع نداءات الله سبحانه وإملاءات الشَّيطان.
وهنا الابتلاء، وهنا الامتحان.
فالشَّيطان يحاصر الانسان مستخدمًا حبائله ووسائله وإغراءاتِه.
•﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾ (الأعراف/16 -17)
•﴿لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾.
صِراط الله المستقيم: الطريق الذي يُمثِّل دين الله، أحكام الله، هدي الله، مبادئ الله.
في هذا الطريق يقعُد الشَّيطان، يترصَّد كلَّ السَّائرين عليه، لينحرف بهم ذات اليمين أو ذات الشِّمال، لينزلق بهم إلى طرق الضَّلال، وطرق الباطل، وطرق الفساد.
طريق الله واحدة، وطرق الشَّيطان كثيرة ومتعدِّدة.
•﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (الأنعام/153)
الطريق إلى الله وإلى رضوان الله طريق واحد هو الصِّراط المستقيم ولا طريق سواه.
هذا إذا كان الهدف هو الله سبحانه.
أمَّا إذا كان الهدف هو الشَّيطان فهناك آلاف الطُّرق والسُّبل، وكلها طرقٌ ملتوية، وسبل منحرفة.
فمن أراد الله وأراد رضوان الله فليُثبِّت أقدامه على طريق الله، الصِّراط المستقيم، وحذارِ حذارِ أنْ ينخدع بغوايات الشَّيطان وضلالاته فتزلّ أقدامه، فينحرف، ويهوي إلى النَّار، فمن استقام على صراط الله في الدُّنيا كان من الناجين على صراط الآخرة.
•قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) متحدِّثًا عن صِراط الآخرة: «إنَّ على جهنَّم جسرًا أدقَّ من الشَّعر وأحدَّ من السَّيف».
(ميزان الحكمة 6/250، الرَّيشهري، ح10629)
•وقال (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) يُصنِّف العابرين على الصِّراط في يوم القيامة: «والنَّاس عليه [يعني صِراط الآخرة] كالبرقِ، وكطرفةِ العين، وكأجاوِدِ الخيل، والرِّكاب، وشدًّا على الأقدام، فناج مُسلِّم، ومَخْدُوشٌ مُرسَلٌ، ومطروحٌ فيها [يعني في النّار]». (ميزان الحكمة 6/252، الرَّيشهري، ح10637)
•وقال الإمام الصَّادق (عليه السَّلام): «النَّاسُ يمُرون على الصِّراطِ طبقات: …
فمنهم مَنْ يمرُّ مثلَ البرق
ومنهم مَنْ يمرُّ مثلَ عَدْوِ الفرس
ومنهم مَنْ يمرُّ حَبْوًا
ومنهم من يمر مشيًا
ومنهم مَنْ يمرُّ متعلقًا، قد تأخذ النَّارُ منه شيئًا، وتترك شيئًا».
(أمالي الصَّدوق، ص ٢٤٢، ح 257/ 5)
ما الأعمال التي تجعل الإنسان يمرُّ على الصِّراط كالبرق الخاطف؟ أو يمرُّ على الصِّراط آمنًا؟
نقرأ بعض الأحاديث:
•قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «للمصلِّي عليَّ نور على الصِّراط يوم القيامة، ومَنْ كان على الصِّراط من أهل النُّور لم يكن من أهل النَّار».
(النور المبين، سيد حسين طالب، ص ١٣٠)
•وقال (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «أكثروا الصَّلاة عليَّ، فإنَّ الصَّلاة عليَّ نورٌ في القبر، ونورٌ على الصِّراطِ، ونورٌ في الجنَّة». (بحار الأنوار 79/66، المجلسي، ح8)
•وقال (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «مَنْ حافظ على الجماعة [يعني صلاة الجماعة] حيث ما كان مرَّ على الصِّراط كالبرق اللَّامع في أوَّل زمرة مع السَّابقين، ووجهه أضوأ من القمر ليلة البدر…». (جامع أحاديث الشِّيعة 6/391، البروجردي، ح 5382)
•في حديثٍ لأمير المؤمنين (عليه السَّلام) ذكر ثواب صلاة اللَّيل فقال: «مَنْ صلَّى سُبع ليلةٍ خرج من قبره يوم يبعث ووجهه كالقمر ليلة البدر حتى يمرّ على الصِّراط مع الآمنين». (ثواب الأعمال، الصَّدوق، ص٤٣)
•جاء في حديث عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ذاكرًا ثواب قراءة القرآن: «يا سلمان عليك بقراءة القرآن فإنَّ قراءتَه كفارة للذُّنوب، وستر من النَّار، وأمانٌ من العذاب»
– إلى أنْ قال (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)-: وإنَّ المؤمن إذا قرأ القرآن نظر الله إليه بالرحمة، …، وأعطاه بكلِّ حرفٍ نورًا على الصِّراط». (بحار الأنوار 89/17، المجلسي، ح18)
•قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «إذا كان يوم القيامة أنبت الله لطائفة من أمَّتي أجنحة فيطيرون من قبورهم إلى الجنان يسرعون فيها، ويتنعَّمون كيف شاؤوا، فتقول لهم الملائكة: هل رأيتم الحساب؟
فيقولون: ما رأينا حسابًا.
فيقولون: هل جزتم الصِّراط؟
فيقولون: ما رأينا صراطًا.
فيقولون: هل رأيتم جهنَّم؟
فيقولون: ما رأينا شيئًا.
فتقول الملائكة: مِن أمَّةِ مَنْ أنتم؟
فيقولون: من أمَّةِ محمد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)
فيقولون: نشدناكم الله حدِّثونا ما كانت أعمالكم في الدُّنيا؟
فيقولون: خصلتان كانتا فينا فبلَّغَنا الله تعالى هذه المنزلة بفضل رحمته.
فيقولون: وما هما؟
فيقولون: كنَّا إذا خلونا نستحي أنْ نعصيه، ونرضى باليسير ممَّا قسم لنا،
فتقول الملائكة: حقٌّ لكم هذا». (بحار الأنوار 100/25، المجلسي، ح31)
•قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «حبِّي وحبِّ أهل بيتي نافع في سبع مواطن أهوالهن عظيمة، عند الوفاة، وفي القبر، وعند النشور، وعند الكتاب، وعند الحساب، وعند الصِّراط، وعند الميزان». (الخصال، ص 360، الصَّدوق)
قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «أبلغوني حاجةَ مَنْ لا يستطيع إبلاغي حاجتَهُ، فإنَّ مَنْ أبلغ سلطانًا حاجةَ مَنْ لا يستطيع إبلاغَها ثبَّتَ اللهُ قدميه على الصِّراطِ يوم القيامة». (بحار الأنوار 74/163، المجلسي، ح184)
•وقال الإمام الصَّادق (عليه السَّلام): «مَنْ كانَ وَصَلَ لأخيةِ بشفاعةٍ في دفع مغرم أو جرِّ مغنم ثبَّت الله (عزَّوجلّ)َ قدميه يوم تزلُّ فيه الأقدام». (أمالي الطوسي، ص99)
•قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «…، ومَنْ أقرض أخاه المسلم كان له بكلِّ درهم أقرضه وزن جبل أحد وجبال رضوى وطور سيناء حسنات، فإن رفق به في طلبه يعبر به على الصِّراط كالبرق الخاطف اللَّامع بغير حساب ولا عذاب». (ثواب الأعمال، الصَّدوق، ص٢٨٩)
•وقال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «مَنْ كسا مؤمنًا كسَاهُ الله ألف حلَّة وقضى له ألف حاجة، …، – إلى أنْ قال – وكتب له براءةً من النَّار، وجوازًا على الصِّراط».
•قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «مَنْ قام على مريض يومًا وليلة بعثه الله تعالى مع إبراهيم الخليل (عليه السَّلام)، فجاز على الصِّراط كالبرق اللَّامع…». (ثواب الأعمال، الصَّدوق، ص٢٨٩)
•في الخطبة الرَّمضانية قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «أيّها النَّاسُ: مَنْ حسَّنَ منكم في هذا الشَّهر خُلُقَه كان له جواز على الصِّراط يوم تزلُّ فيه الأقدام». (عيون أخبار الرِّضا (ع) 2/266، الصَّدوق)
•وقال الإمام الرِّضا (عليه السَّلام): «ومَنْ أعان فيه [يعني في شهر رمضان] مؤمنًا أعانه الله تعالى على الجواز على الصِّراط يوم تزلُّ فيه الأقدام». (فضائل الأشهر الثلاثة، الصَّدوق ، ص 97، ح 82)
•قال رسول الله (صلّى الله عليه واله وسلّم): قال موسى [عليه السَّلام]: «إلهي أريد الجواز على الصِّراط.
قال [الله]: ذلك لمن تصدَّق بصدقةٍ ليلة القدر». (وسائل الشِّيعة 8/20، الحر العاملي ح8)
•قال الإمام الباقر (عليه السَّلام): «مَنْ أحيا ليلة ثلاثة وعشرين من شهر رمضان – وذكر الإمام ألوانًا من الجزاء إلى أنْ قال: ويُعطى كتابه بيمينه، ويكتب له براءة من النَّار، وجواز على الصِّراط – إلى آخر الحديث -».(فضائل الأشهر الثلاثة، الصَّدوق ، ص 138، ح 148)
قال الإمام الرِّضا (عليه السَّلام): «مَنْ قال في كلِّ يوم من شعبان سبعين مرة: (أستغفر الله وأسأله التوبة) كتب الله له براءة من النَّار وجوازًا على الصِّراط…». (بحار الأنوار 94/90، المجلسي، ب58، ح2)
فمن خلال هذه المنظومة من الأحاديث تعرَّفنا على مجموعة أعمالٍ وطاعاتٍ توفِّر للإنسان (جوازًا على الصِّراط يوم القيامة بكلِّ أمنٍ وأمان).
من هذه الأعمال والطَّاعات والقربات:
(1) حبُّ النبيِّ (صلَّى الله عليه واله وسلَّم) وحبُّ أهلِ بيتِهِ (عليهم السَّلام).
(2) الإكثار من الصَّلاة على النبيِّ (صلّى الله عليه واله وسلّم) وعلى آله (عليهم السَّلام)
(3) المحافظة على صلاة الجماعة.
(4) المواظبة على صلاة الليل.
(5) قراءة القرآن.
(6) الحياء من الله في الخفاء (كنَّا إذا خلونا نستحي أن نعصيه).
(7) الرِّضا باليسير ممَّا قسم الله (ونرضى باليسير ممَّا قسم الله لنا).
(8) الوساطات الخيّرة في قضاء حوائج النَّاس.
(9) الرِّفق في طلب الدُّيون.
(10) مَنْ كسا مؤمنًا.
(11) خدمة المرضى.
(12) «مَنْ حسَّن منكم في هذا الشَّهر – شهر رمضان – خلقه».
(13) مَنْ أعان في شهر رمضان مؤمنًا
(14) الصَّدقة في ليلة القدر.
(15) إحياء ليلة القدر (ليلة ثلاثة وعشرين من شهر رمضان).
(16) مَنْ قال في كلِّ يوم من شعبان سبعين مرة: (أستغفر الله وأسأله التَّوبة).