حديث الجمعة 557: قراءةٌ في حياة الأئمَّة من أهل البيت عليهم السَّلام

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأفضلُ الصَّلوات على سيِّدِ الأنبياءِ والمرسلين محمَّدٍ وعلى آلِهِ الهُداةِ الميامين.
وبعد:

قراءةٌ في حياة الأئمَّة من أهل البيت عليهم السَّلام

فنتابع الكلمة (قراءة في حياة الأئمَّة من أهل البيت عليهم السَّلام)، وهذه القراءة ليست من أجل (الترف الثَّقافي)، وإنَّما هي (ضرورة إيمانيَّة)، فلا يمكن أن نفهم الإسلام فهمًا أصيلًا إذا لم نقرأ حياة الأئمَّة من أهل البت (عليهم السَّلام) قراءة صائبة لا تنزع إلى الإفراط أو التفريط.

فالولاء لأهل البيت (عليهم السَّلام) عنصر أساس في مكوِّنات العقيدة، ومقوِّمات الإيمان، فالتَّفريط به يحدث خللًا في البُنية العقيديَّة والإيمانيَّة.
ولذلك جاءت النُّصوصُ الإسلاميَّة واضحة وصريحة في تأصيل (مبدأ الولاء لأهل البيت عليهم السَّلام).
•قال تعالى في سورة الشُّورى/ الآية 23:
﴿… قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى …﴾.

وقد تضافرت الرِّوايات على نزول هذه الآية في قرابة الرَّسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم).
اقرأوا كتب التفسير بكلِّ انتماءاتها المذهبيَّة فهي تؤكِّد نزول هذه الآية في (عليٍّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السَّلام)، ويمكن تطبيقها على بقيَّة الأئمَّة (عليهم السَّلام).
اقرأوا:
-تفسير السِّيوطي
-وتفسير الزَّمخشري
-ومجمع الزَّوائد للهيثمي
-ومستدرك الحاكم للنِّيسابوري
-والصَّواعق المحرقة لابن حجر
-والتَّلخيص للذَّهبي
-وأنوار التَّنزيل للبيضاوي
-والبحر المحيط لابن حيَّان
-والجامع للقرطبي
وغيرها من المصادر المعتمدة عند المسلمين.

•وجاء في حديث دوَّنته الكثير من المصادر أنَّ النبيَّ (صلَّى اللع عليه وآله وسلَّم) قال: «مَنْ ماتَ على حبِّ آل محمَّد مات شهيدًا.
ألا ومَنْ ماتَ على حبِّ آل محمَّد مات مغفورًا له.
ألا ومَنْ ماتَ على حبِّ آل محمَّد مات تائبًا.
ألا ومَنْ ماتَ على حبِّ آل محمَّد ماتَ مؤمنًا مستكمل الإيمان.

ألا ومَنْ ماتَ على حبِّ آل محمَّد بشَّره ملك الموت بالجنَّة ثمَّ منكر ونكير.
ألا ومَنْ ماتَ على حبِّ آل محمَّد يُزفُّ إلى الجنَّة كما تُزفُّ العروس إلى بيت زوجها.
ألا ومَنْ ماتَ على حبِّ آل محمَّد (صلَّى الله عليه وآله) فتح له في قبره بابان إلى الجنَّة,
ألا ومَنْ ماتَ على حبِّ آل محمَّد جعل الله قبره مزار ملائكة الرَّحمة.

ألا ومَنْ ماتَ على حبِّ آل محمَّد مات على السُّنة والجماعة.
ألا ومَنْ ماتَ على بُغض آل محمَّد جاء يوم القيامة مكتوبٌ بين عينيه: آيسٌ من رحمة الله.
ألا ومَنْ ماتَ على بُغض آل محمَّد مات كافرًا.
ألا ومَنْ ماتَ على بُغض آل محمَّد لم يشم رائحة الجنَّة». (بحار الأنوار 23/233 -المجلسي)
ذكر هذا الحديث:
-الزَّمخشري في الكشَّاف
-والشَّبلنجي في نور الأبصار
-والنَّبهاني في الشَّرف المؤبَّد
-والخوارزمي في المناقب
-والرَّازي في التفسير الكبير
وغيرهم كثير.

في ضوء ما جاء من نصوص تؤكِّد (مبدأ الولاء لأهل البيت عليهم السَّلام) نستنتج مجموعة دلالات، منها:
الدلالة الأولى: إنَّ الولاء لأهل البيت (عليهم السَّلام) يُشكِّل مرتكزًا أساسًا لعمق الولاء للرسالة، ولعمق الانتماء إلى الإسلام.

الدلالة الثَّانية: الولاء لأهل البيت (عليهم السَّلام) ضمانة لحماية مسار الرِّسالة، وضمانة لوحد الأمَّة.
وهذا ما أكَّده حديث الثقلين، وهو قوله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم):
«إنِّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلُّوا بعدي أبدًا، وإنَّهما لن يفترقا حتَّى يردا عليَّ الحوض».
وهذا ما أكَّده حديث السَّفينة، وهو قوله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم):
«مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلَّف عنها غرق». (أمالي الطوسي، ص90، ح88/57)
وهذا ما أكَّده حديث الأمان، وهو قوله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم):
«النُّجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لأمَّتي من الاختلاف». (المستدرك 3/148، الحاكم النيسابوري)
وقد مارس الأئمَّة من أهل البيت (عليهم السَّلام) دورهم الكبير في الحفاظ على المسار الأصيل للرِّسالة، وفي الحفاظ على هويَّة الأمَّة.

وفي هذا السِّياق يأتي دورهم في الحفاظ على البُنية الرُّوحيَّة والأخلاقيَّة والسُّلوكيَّة، وكما تقدَّم القول أنَّ الأئمَّة (عليهم السَّلام) اعتمدوا من أجل (تسييج الأمَّة روحيًّا وأخلاقيًّا وسلوكيًّا) ثلاث وسائل: (القدوة، الموعظة، الدُّعاء).ٍ
تحدَّثت الكلمةُ في الجمعة الماضية عن مسألة (القدوة)، وتتحدَّث الكلمة هنا عن (الموعظة).
في مجال الترشيد الرُّوحي والأخلاقي والسُّلوكي صاغ الأئمَّة من أهل البيت (عليهم السَّلام) مجموعة كبيرة من (المواعظ والوصايا والتوجيهات التربويَّة)، والتي أدَّت دورًا ملحوظًا في تحصين الأمَّة ضدَّ حالات التميُّع والذَّوبان والضُّمور.

في تلك المرحلة من التاريخ حدث اهتزاز كبير أصاب قِيَم الأمَّة وأخلاقيَّاتها، وانتشر الفساد والتميُّع، وراجت الممارسات المتمرِّدة على الدِّين، ولذلك أساب لستُ الآن في صدد الحديث عنها، فانتشار الفساد في كلِّ زمان له أسبابُه ومنتجاتُه ومحركاتُه، فالغزو اللاأخلاقي الذي يقتحم بلدان المسلمين، ومشاريع التدمير لقِيَم الأمَّة والتي يهندس لها في داخل مجتمعات المسلمين، وسياسات التميُّع المرعبة، وغياب (المُحصِّنات) و(المُسيِّجات) الرُّوحيَّة والأخلاقيَّة كلُّ ذلك أنتج وضعًا مُرعبًا مسخ (هوية الأمَّة).

هذا ما حدث في تلك المرحلة من التاريخ، ولا يزال يتكرَّر في كلِّ المراحل.
ونحن هنا نتحدَّث عن تلك المرحلة التي عاصرها الأئمَّة من أهل البيت (عليهم السَّلام)، حيث مارسوا أدوارهم الكبيرة في مواجهة كلِّ مشاريع التميُّع، ومارسوا جهادًا متميِّزًا في الدِّفاع عن قيم الإسلام.
وهذا ما نقرأه في حياة كلِّ الأئمَّة، وإنْ تنوعت الأدوار والأساليب والخيارات.
(مواعظهم وكلماتهم) كان لها دورها الفاعل في تحصين الأمَّة روحيًّا وأخلاقيًّا وسلوكيًّا.

خصائص الصِّيغة الوعظيَّة عند الأئمَّة (عليهم السَّلام)
والصِّيغة الوعظيَّة عند الأئمَّة من أهل البيت (عليهم السَّلام) تملك مجموعة خصائص:

الخاصيَّة الأولى: المصداقيَّة
وتعني المصداقيَّة (التَّوافق بين الكلمة الواعظة والواقع المتجسِّد)، فهُم عليهم السَّلام (وُعَّاظ متَّعظون).
ينقسم الوُعَّاظ إلى:
أ‌-وعَّاظ غير متَّعظين.
ب‌- وعَّاظ متَّعظين
الوُعَّاظ غير المتَّعظين هم الذين يقولون ما لا يفعلون.
وهذا النَّمط من الوعَّاظ تحدَّث عنهم القرآن الكريم بقوله:
•﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ، كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾. (الصَّف: الآيتان: 1/2)

كما تحدَّثت عنه الرِّوايات:
•ففي الكلمة عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم):
«يطَّلع قومٌ من أهلِ الجنَّة على قوم من أهلِ النَّار فيقولون: ما أدخلكم النَّار وقد دخلنا الجنَّة لفضل تأديبكم وتعليمكم؟
فيقولون: إنَّا كنَّا نأمر بالخير ولا نفعله». (بحار الأنوار ٧٤/ 78، المجلسي)

•وفي كلمة أخرى له (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم):
«رأيت ليلة أُسرِيَ بي إلى السَّماء قومًا تُقرَض شفاهُهم بمقاريض من نار ثمَّ ترمى.
فقلتُ: يا جبرئيل مَنْ هؤلاء؟
فقال: خطباء أمَّتِكَ يأمرون النَّاس بالبرِّ وينسون أنفسَهم وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون». (وسائل الشيعة 16/ 151، الحر العاملي، ح ( 21218 ) 11)
والواعظ الذي لا يكون مصداقًا للموعظة لا تأثير لموعظته، ولا قيمة لإرشاداته.
أمَّا الوُعَّاظ المتَّعظون، فهم صُنَّاع الصَّلاح والتَّقوى، وهم أنوار الهداية.
•في الكلمة عن أمير المؤمنين (عليه السَّلام):
«أيُّها النَّاس استصبحوا من شُعْلةِ مصباحِ واعظٍ متَّعظ، وامتاحوا من صفو عينٍ قد روَّقت من الكدر». (بحار الأنوار 34/ 237، المجلسي)
(اسصبحوا): استضيئوا.
ولكن ليس من أيِّ شُعلة، وليس من أيِّ مصباح.
استضيئوا واستنيروا من (شُعلة مصباح واعظٍ متَّعظ)
هذه الشُعلة هي شعلة هداية وخير وصلاح.
(وامتاحوا): أي اغرفوا، استسقوا.
ولكن ليس من كلِّ عين، فربما كانت العين كدرة، وغير صافية.
نعم اغترفوا واستسقوا من العين الصافية، من العين النقيَّة الخالية من كلِّ كدر.

•وفي كلمة أخرى لأمير المؤمنين (عليه السَّلام):
«استصبحوا من شُعلة واعظٍ متَّعظٍ، واقبلوا نصيحةَ ناصحٍ متيقِّظ، وقفوا عند ما أفادكم من التعليم». (عيون الحكم والمواعظ، ص92، الواسطي)

•وفي كلمة للإمام الصادق (عليه السَّلام):
«إنَّ العالم إذا لم يعمل بعلمِهِ زلَّت موعظته عن القلوب كما يزل المطر عن الصَّفا». [الجبل الأملس] (الكافي 1/92، الكليني، باب استعمال العلم، ح3)
وإذا كنَّا نتحدَّث عن (وُعَّاظ) في حجم الأئمَّة من أهل البيت (عليهم السَّلام) فنحن أمام (أرقى مصاديق) جسَّدوا قيم الإسلام وتعاليم الشَّريعة، لذلك كانت (مواعظهم) أصدق المواعظ، وكانت (كلماتهم) أنقى الكلمات بعد كلمات الله عزَّ وجلَّ، وكلماتِ رسولِهِ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم).
لا شكَّ أنَّ أبلغ المواعظ هي مواعظ الله سبحانه.
•قال أمير المؤمنين (عليه السَّلام):
«انتفعوا ببيان الله، واتَّعظوا بمواعظ الله، واقبلوا نصيحة الله». (نهج البلاغة ص 251، خ 176)
•وقال الإمام الصَّادق (عليه السَّلام):
«أصدق القول، وأبلغ الموعظة، وأحسن القصص كتاب الله». (ميزان الحكمة 13/ 259، الريشهري)
وبعد مواعظ الله، تأتي مواعظ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، وهو أرقى نموذج في تاريخ البشريَّة وهو سيِّد الأنبياء والمرسلين، فمواعظه أرقى المواعظ بعد مواعظ الله تعالى.
وبعد مواعظ الله تعالى، ومواعظ رسولِهِ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، تأتي مواعظ الأنبياء ومواعظ الأئمَّة من أهل البيت (عليهم السَّلام)، ثمَّ مواعظ الأخيار والصَّالحين.

كيف يجب أن نتعاطى مع المواعظ؟
أولًا: مطلوب أن نبحث عن المواعظ من خلال:
‌أ-قراءة مواعظ القرآن الكريم، ومواعظ النبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، ومواعظ أهل البيت (عليهم السَّلام)، ومواعظ العلماء الصَّالحين.
‌ب-حضور مجالس الوعظ والإرشاد الرُّوحي والأخلاقي والسُّلوكي.
‌ج-طلب الموعظة من الصُّلحاء والأخيار.
فما أكثر ما يأتي أحد المسلمين إلى النبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ويقول: عظني يا رسول الله.
أو يأتي أحدهم إلى الإمام فيقول: عظني يا ابن رسول الله.

•دخل رجل على رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وقال: عظني يا رسول الله.
فقال له الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «إذا كنت في صلاتك فصلِّ صلاة مودِّع». (ميزان الحكمة 4/ 824، الريشهري، باب 3407 . [ 4118 ] طلب الموعظة)
•جاء رجل إلى الإمام الحسين (عليه السَّلام) فقال له: أنا رجلٌ عاص، ولا أصبر على المعصية فعظني موعظة.
فقال له الإمام الحسين (عليه السَّلام): «افعل خمسة أشياء وأذنب ما شئت،
فأوَّل ذلك: لا تأكل رزق الله وأذنب ما شئت
والثَّاني: اخرج من ولاية الله وأذنب ما شئت
والثَّالث: اطلب موضعًا لا يراك الله وأذنب ما شئت
والرَّابع: إذا جاء ملك الموت ليقبض روحك فادفعه عن نفسك وأذنب ما شئت
والخامس: إذا أدخلك مالك في النَّار فلا تدخل في النَّار وأذنب ما شئت». (ميزان الحكمة 4/ 834، الريشهري، [ 4127 ] مواعظ الإمام الحسين (عليه السَّلام))

ثانيًا: ومطلوب أيضًا أن نتدبَّر في الموعظة.
لا يكفي أن نقرأ الموعظة، أو نسمع الموعظة، أو نطلب الموعظة، لا يكفي ذلك بل يجب أن تدخل الموعظة في عقولنا، في وعينا.
إذا لم نفهم الموعظة فهمًا بصيرًا، لم تكن الموعظة قادرة أن ترشد سلوكنا، وربَّما انحرفت بنا.
كثيرون يستمعون مواعظ ويفهمونها فهمًا خاطئًا فتزل بهم الأقدام وينحرف بهم المسار.
•جاء في الكلمة عن أمير المؤمنين (عليه السَّلام):
«قصم ظهري اثنان: عالم متهتِّك، وجاهل متنسِّك». (الدرر النجفية 2/61، المحقق البحراني)

ثالثًا: أن ندخل الموعظة في قلوبنا.
أن نستمع الموعظة أمر مهم جدًا.
أن نفهم الموعظة أمر مهم جدًا.
وهنا أمر ثالث في غاية الأهمِّية.
(أن ندخل الموعظة في قلوبنا).
كثيرون يستمعون المواعظ، ويفهمونها فهمًا كبيرًا، ولكن هذه المواعظ لا تدخل في قلوبهم، ولذلك لا يكون لها أي تأثير، إنَّ تأثير المواعظ حينما تتحوَّل نبضًا في القلوب، ومشاعر في الوجدان، حينما يكون الإنسان عاشقًا للمواعظ، وهذا الذي يعطيها الوهج والحرارة والفاعليَّة.

رابعًا: القيمة كلُّ القيمة للمواعظ حينما تتحوَّل واقعًا متحركًا، حينما تتحول سلوكًا وفعلًا وعملًا.
•قال الله تعالى في سورة الزُّمر، الآية 18:
﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ﴾.
هؤلاء يملكون كلَّ الوعي فيميِّزون بين القول الطيِّب والقول الخبيث، والكلام الحسن والكلام السَّيِّئ.
واذا كانوا بين خيارين: الحسن والأحسن اختاروا الأحسن ﴿فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ﴾.
إذا هم يستمعون المواعظ الطيِّبة لا من أجل التَّرف الفكري، ولا من أجل الاستهلاك الثَّقافي، وإنَّما من أجل الممارسة والتطبيق، وبناء السُّلوك، وصناعة الإنسان الصَّالح.
وإذا تحوَّلت المواعظ واقعًا في سلوك الفرد، يجب أن تتحوَّل طاقة متحرِّكة فاعلة في سلوك المجتمع.
إذا كنت أنت أيُّها الفرد قد صنعت منك المواعظُ (إنسانًا تقيًّا)، (إنسانًا صالحًا)، (إنسانًا نظيفًا)، فيجب أن تحرِّك (التَّقوى) في حياة النَّاس، وأن تحرِّك الصَّلاح، وأن تحرِّك النَّظافة في كلِّ الواقع حولك.
لأنَّ التَّقوى لا تقبل أن تنحجز في داخل الفرد، وكذلك الصَّلاح، والنَّظافة.

التَّقوى ليست عنوانًا فرديًّا، بل هي عنوان يتَّسع لكلِّ الواقع الاجتماعي، ليست تقوى حقيقيَّة تلك التي لا تملك قدرة الحركة والامتداد، وقدرة التأثير والتغيير.