نصائح وتوجيهات حول إحياء ليلة القدر والعشر الأواخر
السُّؤال: ونحن نقترب من ليلة القدر، ما هي نصائحكم، وتوجيهاتكم؟
وما هي الأعمال المختصرة؛ لإحياء ليلة القدر في العشر الأواخر؟
الجواب: إنَّ ليلة القدر، أو العشر الأواخر من شهر رمضان، هي خلاصة هذا الشَّهر، فعندما تبدأ ليالي القدر، وتبدأ العشر الأواخر – وهي خلاصة الشَّهر المبارك – على الإنسان أنْ يعيد حساباته من جديد، فيمكن أنَّه قد فرَّط في العشرة الأولى، ويمكن أنَّه قد فرَّط في العَشَرَة الثَّانية، فالفرصة لازالت موجودة أمامه، فأمامه ليالي القدر – وهي خلاصة الشَّهر المبارك -، وأمامه العشر الأواخر، والتي يغفر فيها ما يغفر للنَّاس طِيلة الشَّهر.
إذًا، أمامنا فرصة كبيرة جدًّا، ليالي القدر، والعشر الأواخر.
عوامل التَّوفيق لفيوضات ليلة القدر والعشر الأواخر
1-تصفية النِّيَّة، وتنقية القلب
لا بد من إعادة حساباتنا مع تصفية النِّيَّة، «…، اسألوا الله بنيَّات صادقة، …» (الأمالي، الصَّفحة 154، الشَّيخ الصَّدوق)، فلنعد حساباتنا مع النِّيَّة، فيمكن أنَّنا لم نتمكَّن – خلال هذه العشرين يومًا التي مضت من شهر رمضان – من أنْ نصفِّي نيَّتنا تمامًا، فالآن لنتعبْ من جديد، فلنصفِّ النِّيَّة، وننقِّ القلب.
هناك أمران مهمَّان أساسان للتَّوفيق لفيوضات هذه اللَّيالي الكريمة: تصفية النِّية، ونقاء القلب.
إذا لم نستطع أنْ نصفِّي النِّيَّة، وننقِّي القلب، لن نحصل على الفيوضات الرَّبَّانيَّة.
2-تجنُّب المعاصي
وكذلك الحذر الحذر من المعاصي، فيوضات وبَرَكات الشَّهر، وبَرَكات هذه اللِّيالي لا يحصل عليها الإنسان إذا مارس معاصيَ، فتجنُّب المعاصي هو أمر أساس، ومهمٌّ جدًّا؛ للحصول على الفيوضات الرَّبَّانيَّة في هذا الشَّهر.
3-تجنُّب أكل الحرام
اتركوا بطونكم طاهرةً، واحذروا أيَّ شبهة، ولا أقول: لا تأكلوا عند النَّاس، وإنْ شاء الله ما بِيد النَّاس كلُّه حلال، إلَّا أنْ نعلم عِلْمًا قاطعًا بوجود أكل غير مشروع، وأكل غير حلال، فهنا يجب على الإنسان أنْ يتجنَّبه، لأنَّ طهارة البَطن هي إحدى الوسائل للتَّوفيق للفيوضات الرَّبَّانيَّة.
4-التَّصالح
إذا كان بينك وبين أحد إخوانك بغضاء، أو شحناء، أو خلاف، فحاول أنْ تُصفِّيه قبل هذه اللَّيالي، (انظروهما حتى يصطلحا)، في ليلة القدر لا يغفر للمتخاصِمِين، ويأتي النِّداء (انظروهما) لا تعطوهما ثوابًا، اتركوا الثَّواب مجمَّدًا حتَّى يصطلحا، فإذا لم يصطلحا، فلن يعطوا الثَّواب.
ففتِّش إنْ كان بينك وبين أحد خلاف، وخاصَّة أنَّ خلافاتنا هي خلافات دنيا، وليست خلافات مبادئ.
فهناك خلافات مبادئ، مثلًا: يوجد إنسان ضالٌّ، أو إنسان منحرف، أو إنسان محارب لله تعالى، فهنا يكون الخلاف خلافًا مبدئيًّا.
وهناك خلافات دنيويَّة، على مال، أو على أمور هنا، أو هناك.
فهذه الأمور تحتاج إلى تصفية قبل هذه اللَّيالي.
بَرْمَجَة ليالي القدر
المطلوب أنْ نبرمج، ونمنهج ليالى القدر، والعشر الأواخر.
كيف نقضي ليالي القدر؟
وكيف نقضي العشر الأواخر؟
هل فقط عبادات؟
وهل فقط صلاة؟
وهل فقط تلاوة القرآن الكريم؟
هذه مفردة مهمَّة من مفردات إحياء ليلة القدر، وهي الاجتهاد في العبادة كالصَّلاة، وتلاوة القرآن الكريم، والدُّعاء، والذِّكْر، والإكثار من الصَّلاة على محمَّد وآل محمَّد، وهذا أمر مطلوب جدًّا، وهو عمل برنامج عباديٌّ مكثَّف.
لكن توجد برامج أخرى لا تقل عن العبادة – إنْ لم تَفُقْ العبادة كخدمة النَّاس، وقضايا النَّاس، ومساعدة النَّاس -، فهذه لا تقل عن العبادة إنْ لم تَفُقْها في الثَّواب، مثلًا: أنْ تقضي حاجة مؤمن، أو حاجة مريض.
أنْ تساعد إنسانًا محتاجًا، أو أسرةً محتاجةً.
فهذه الأمور لا تقلُّ عن الصلَّاة، ولا تقلُّ عن أدعية ليالي القدر، ولا تقل عن تلاوة القرآن الكريم، إنْ لم تكن تفوق الأعمال العباديَّة العامَّة.
إذًا، ضع ضمن برنامجك في العشر الأواخر، وفي ليالي القدر قضاء حوائج النَّاس، والتَّواصل الاجتماعيَّ مع النَّاس.
ومن أهم برامج ليالي القدر، وبرامج العشر الأواخر، التَّفقُّه في الدِّين، فهذا أفضل عمل، حتَّى أفضل من قراءة الأدعية الطِّوال، فمثلًا ربع ساعة أَجلسُ أتفقَّه، وأقرأ في كتاب دينيٍّ، أو أحضر محاضرة دينيَّة، أتثقَّف دينيًّا هو أفضل أعمال ليالي القدر، هذا ما يقوله العلماء، والفقهاء: تدارس العلم أفضل أعمال ليلة القدر!
قد يقول شخص: هل يعني هذا أنْ أترك قراءة الأدعية الطَّويلة، والمطلوبة؟
الجواب: لا، يمكنك ممارستها، ولكن يوجد عندك متَّسع من الوقت، فأعطِ نفسَك جزءًا من الوقت؛ لتثقيف نفسك ثقافة دينيَّة من خلال قراءة كتاب، أو من خلال الاستماع إلى شريط.
المهمُّ أنْ تحدِّد وقتًا، وتقصد فيه أنَّك تمارس عملًا تتقرَّب فيه إلى الله تعالى في ليلة القدر، وليس لقضاء الوقت فقط، فمثلًا عندما أفتح شريطًا أقول: أنا أقصد باستماعي لهذا الشَّريط أنْ أتقرَّب إلى الله تعالى في هذه اللَّيلة بأنْ أَتثقَّف دينيًّا.
ومثلًا عندما آتي لقراءة كتاب فقهيٍّ، أو عقائديٍّ، أقول: أقصد من قراءتي لهذا الكتاب أنَّني في هذه اللَّيلة أتقرَّب إلى الله بقراءة كتاب دينيٍّ، أحضر درسًا دينيٍّا، أحضر محاضرةً دينيَّة، بنيَّة التَّقرب إلى الله تعالى في ليلة القدر.
إذًا، التَّزوُّد العلميُّ، والتَّزوُّد الثَّقافيُّ، والتَّزوُّد الدِّينيُّ والفقهيُّ من أفضل الأعمال في ليالي القدر. أنْ أمارس أيَّ عمل يخدم الدِّين، مثلًا: أساعد مشروعًا دينيًّا.
أساعد مشروعًا قرآنيًّا.
أساعد مشروعًا تعليميًّا.
أساعده بالمال.
أساعده بالجاه.
أساعده بالكلمة.
وقد يقول البعض: إذا لم أكن أمارس نشاطًا، وليست عندي القدرة على أنْ أمارس نشاطًا دينيًّا، ولستُ عالمًا حتَّى ألقي محاضرات، ولست مقرئًا حتَّى أعلِّم النَّاس القرآن الكريم، ولكنَّك تقدر على أن تشارك العالم، وتشارك المقرئ، وتشارك المؤسَّسات القرآنيَّة بمال، كأن تدفع مالًا لمشروع قرآنيٍّ، فبذلك تصير شريكًا.
إنكَّ عندما تدفع مالًا لمشروع قرآنيٍّ، فقد صرت شريكًا!
إنَّك عندما تدفع مالًا لمشروع دينيٍّ تربويٍّ، فقد صرت شريكًا!
وقد أكون لا مال لي، ولكن عندي جاه، فيجب أنْ أوظِّف جاهي.
وقد أكون لا مال لي، ولاجاه لي أيضًا، ولكن عندي لسان أقول به كلمة الحقِّ.
أيُّها الجماعة، ابعثوا بأولادكم؛ ليتعلَّموا، ودعوهم يرتادون المسجد للتعليم.
عندي كلمة، وعندي قدرة على أنْ أقول كلمة، فهذا نوع من الجهاد.
إنَّ تنشيط العمل الدِّينيِّ يعدُّ نوعًا من الجهاد في سبيل الله تعالى.
فهذه كلُّها أعمال!
ولذلك أقول: برمجوا هذه اللَّيالي المتبقِّية – وخاصَّة ليالي القدر الشَّريفة -.
برمجوا أوقاتكم، فهذه البرمجة تعطيكم مستويات عالية من الحسنات، ومن الدَّرجات.
فلربما يقضي الواحد منَّا كلَّ ليلة القدر ولكن في الأدعية، وفي قراءة القرآن الكريم فحسب!
سيحصل على ثواب من الله تعالى، وسيعطيه إلَّا أنَّه يُحرم من مساحات من الثَّواب كبيرة، ولذا برمج، وهندس.
فإذًا، أوَّل الأمور هي: هيِّئ نفسك.
هيِّئ عقلك.
هيِّئ قلبك.
صَفِّ خلافاتك.
برمج أوقاتك.
فبذلك قد أعددت نفسَك إعدادًا حقيقيًّا لليالي القدر، وللعشر الأواخر من شهر رمضان المبارك فإذن أول هيئ نفسك، هيئ عقلك، هيئ قلبك، صفِ خلافاتك، برمج أوقاتك، تكون قد أعددت نفسك إعدادًا حقيقيًا لليالي القدر وللعشر الأواخر من شهر رمضان.
الوصلة: