حديث الجمعة 544: عقيدة المهديِّ المنتظر (ع) هي عقيدة كلِّ المسلمين –
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيِّدِ الأنبياءِ والمرسلين محمَّدٍ، وعلى آلِهِ الهُداةِ الميامين، وبعد:
ذِكرى الميلاد الأغر للمهديِّ المُنتظر (عجَّل الله فرجه)
فلا زلنا نعيش ذِكْرى الميلاد الأغرِّ لمولانا المهديِّ المنتظر أرواحنا فداه.
إنَّ عقيدة المهديِّ المنتظر (عليه السَّلام) هي عقيدة كلِّ المسلمين، حسبما هو مدوَّن في مصادر الحديث المعتمدة لدى كلِّ المذاهب.
وهذا يفرض أنْ يكون عنوان المهديِّ المنتظر (عليه السَّلام) حاضرًا لدى كلِّ المسلمين بكلِّ انتماءاتِهم المذهبيَّة.
لا أتحدَّث – هنا – عن (الاحتفال بالمولد الأغرِّ للمهديِّ المنتظر عليه السَّلام)، لأنَّ ما تعتقده المذاهبُ الأخرى أنَّ المهديَّ المنتظر (عليه السَّلام) هو شخص سوف ينجبه الغَيْب في آخر الزَّمان، وليس هو (محمَّد بن الحسن العسكريِّ عليهما السَّلام)!
وإنَّما أتحدَّث عن عنوان (المهدي المنتظر عليه السَّلام) المصلح الأكبر في آخر الزَّمان.
الذي سوف ينشر العدل كلَّ العدل في الأرض.
وسوف ينشر السَّلامَ كلَّ السَّلام.
والأمنَ كلَّ الأمن.
والمحبَّة كلَّ المحبَّة.
والتَّسامحَ كلَّ التَّسامح.
والخيرَ كلَّ الخير.
وفي ظلِّ دولته: سوف ينتهي كلُّ الظُّلم، وكلُّ الفسادِ، وكلُّ الشَّرِّ، وكلُّ الضَّلالِ، وكلُّ العبثِ، وكلُّ الدَّمارِ، وكلُّ القتل، وكلُّ العنف، وكلُّ التَّطرُّفِ، وكلُّ الإرهاب، وكلُّ الحروب.
المهديُّ المنتظر (عليه السَّلام) شخص استثنائيٌّ في تاريخ الدُّنيا.
المهديُّ المنتظر (عليه السَّلام) شخص بشَّر به سيِّد الأنبياء الحبيب المصطفى (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم)، حيث قال: «أُبشِّركم بالمهديِّ، يُبعثُ في أمَّتي على اختلافٍ من النَّاسِ، وزلازل، فيملأ الأرضَ قسْطًا وعدلًا كما ملئت جورًا وظلمًا، يرضى عنه ساكنُ السَّماءِ، وساكنُ الأرض، يُقسِّمُ المالَ صِحاحًا.
فقال رجل: ما صِحاحًا؟
قال (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم): بالسَّوية بين النَّاس.
ويملأ الله قلوب أمَّة محمَّد (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم) غنًى، ويَسَعُهم عدلُهُ حتَّى يأمر مناديًا، ينادي، يقول: مَنْ له في مالٍ حاجة؟
فما يقوم من النَّاسِ إلَّا رجل واحد، فيقول: أنا!
فيقول [المهدي]: إئتِ السَّدان – يعني الخازن -، فقل له: إنَّ المهديَّ يأمرك أنْ تعطيني مالًا.
فيقول له [الخازن]: احث حتَّى إذا جعله في حجره، وأبرزه ندم، فيقول: كنتُ أجشع أمَّةِ محمَّد نفسًا، أعجز عمَّا وسعهم.
فيردُّه، فلا يقبل منه.
فيقال له: إنَّا لا نأخذ شيئًا أعطيناه، …». (بحار الأنوار 51/92، العلامة المجلسي).
الازدهار الاقتصاديُّ في عهد المهديِّ (عليه السَّلام)
وهكذا أكَّدت الأخبار المتضافرة أنَّ (الازدهار الاقتصادي) يبلغ ذروته في عصر الإمام المهديِّ (عليه السَّلام)، ويصبح المال وفورًا وفائضًا!
ويُعطَى النَّاس المال بلا عدٍّ، ولا حساب!
أذكر هنا نماذج من الرِّوايات، مثل:
1-ما جاء في صحيح مسلم (4: 2234) قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم): «يكون في آخر أمَّتي خليفه يحثي المال حثيًا، لا يعدُّه عددًا».
أكَّد شرَّاح الحديث أنَّ الخليفة الَّذي يكون في آخر الزَّمان هو (الإمام المهديُّ عليه السَّلام).
2-ما جاء في مسند الإمام أحمد بن حنبل (3: 48)، قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم): «يكون في آخر الزَّمان خليفه يقسِّم المال، ولا يعدُّه».
3-ما جاء في (الفتن) لنعيم بن حمَّاد (98): عن النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم): «يخرج في آخر الزَّمان خليفة يعطي المال بغير عدد».
4-ما جاء في مصنف الصَّنعاني (11: 372)، عن جابر بن عبد الله: «يكون على النَّاس إمام لا يعدُّ لهم الدَّراهم، ولكن يحثو».
الإمام المهديُّ (عليه السَّلام) هو أمل البشريَّة
وهو الَّذي سوف ينهي كلَّ عذاباتِ الإنسان على الأرض.
هذه حتمية إيمانيَّة.
انتصارُ الحقِّ على الباطل.
انتصارُ الهدى على الضَّلال.
انتصارُ الإيمانِ على الكفر.
انتصارُ العدلِ على الظُّلم.
انتصارُ الخيرِ على الشَّرِّ.
انتصارُ العلمِ على الجهل.
انتصارُ الفضيلة على الرَّذيلة.
انتصارُ الرِّفق على العُنف.
انتصارُ الاعتدالِ على التَّطرُّف.
انتصارُ التَّسامح على التَّعصُّب.
انتصارُ الأمنِ على الرُّعب.
انتصارُ السَّلام على الدَّمارِ.
1-﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾. (سورة الصف: الآية 8).
فإذا قامت دولة الإمام المهديِّ (عليه السَّلام) في آخر الزَّمان لا تبقى قوى كبرى غربيَّة، أو شرقيَّة، رأسماليَّة، أو شيوعيَّة، أو عَلْمانيَّة.
الانتصار لكلمة (لا إله إلَّا الله محمَّدٌ رسول الله)
2-في الحديث عن الإمام الصَّادق (عليه السَّلام): «إذا قام القائم لا يبقى أرضٌ إلَّا نُوديَ فيها شهادة أنْ لا إله إلَّا الله، وأنَّ محمَّدًا رسول الله». (بحار الأنوار 52/340، العلَّامة المجلسي).
هنا نطرح هذا التَّساؤل:
إنَّ شخصًا يحمل هذا العنوان الكبير (المهدي المنتظر).
إنَّ شخصًا سوف يغيِّر كلَّ العالم.
إنَّ شخصًا سوف يحكم كلَّ الأرض.
إنَّ شخصًا سوف يُحقِّق أهداف الرِّسالات.
إنَّ شخصًا حشَّدت الأخبار لظهوره.
إنَّ شخصًا اتَّفقت كلمة المسلمين على انتظاره.
إنَّ شخصًا في هذا الحجم، لماذا لا نجد له حضورًا في خطاب المسلمين المعاصر؟!
لماذا لا نجد له حضورًا في إعلام المسلمين؟!
في ثقافة المسلمين؟!
في مناهج المسلمين؟!
صحيح تختلف رؤى المذاهب في تحديد هذا الشَّخص.
هل وُلِد، أم لم يولد؟
هل هو من ذرِّيَّة الإمام الحسن (عليه السَّلام)، أم من ذُرِّيَّة الإمام الحسين (عليه السَّلام)؟
لا مشكلة في ذلك!
فجميع المسلمين بكلِّ مذاهبهم، وفِرقهم – إلَّا مَنْ شذَّ – متَّفقون على أنَّ (المهديَّ المنتظَر عليه السَّلام) من عترة النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلّم)، ومن أهل بيته.
ومن وُلد فاطمة بنت محمَّد (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم).
المهديُّ (عليه السَّلام) من ولد فاطمة (عليه السَّلام)
1-روى الإمام أحمد بن حنبل في مسنده (1: 105/ 647) عن عليٍّ (عليه السَّلام)، قال: «قال رسول (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم): «المهديُّ منَّا أهل البيت».
2-وروى ابن أبي شيبه في مصنَّفه (15: 198) عن عليٍّ (عليه السَّلام)، عن النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم) قال: «لو لم يبقَ من الدَّهر إلَّا يوم لبعث الله رجلًا من أهل بيتي يملأها عدلًا كما ملئت جورًا».
3-وروى الترمذي في السُّنن (7: 9) عن أبي هريره، قال: «لو لم يبقَ من الدُّنيا إلَّا يومًا لطوَّل الله ذلك اليوم حتَّى يلي رجلٌ من أهل بيتي يواطِئ اسمه اسمي».
4-وروى أحمد بن حنبل في مسنده (3: 45): «…، عن أبي سعيد الخدريِّ، قال: قال رسول الله (صلَّى الله عليه والِهِ وسلَّم): «لا تقوم السَّاعة حتَّى تمتلئ الأرض ظلمًا وعدوانًا، ثمَّ يخرج رجلٌ من عترتي، أو من أهل بيتي يملأها قسطًا وعدلًا كما ملئت ظلمًا وجورًا».
5-وروى أبو داود في السُّنن (4: 107) عن أمِّ سَلَمة، قالت: «سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم) يقول: المهديُّ من عترتي من ولد فاطمة».
6-وروى الحاكم النيسابوريُّ في المستدرك (4: 600) عن سعيد المسيب، قال: «سمعت أمَّ سَلَمة تقول: سمعتُ النَّبيَّ (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم) يذكر المهديَّ، فقال: نعم هو حقٌّ، وهو من بني فاطمة».
7-وروى الطُّوسي في الغَيبة (182/ 141) بسنده عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم)، قال: «لا تذهب الدُّنيا حتَّى يلي أمَّتي رجلٌ من أهل بيتي، يُقال له: المهديُّ».
8-وروى الصّدوق في كمال الدِّين (1: 286/ 1) بسنده عن رسول الله (صلَّى الله عليه والِهِ وسلَّم)، قال: «المهدي من ولدي، اسمه اسمي، وكُنيتُه كنيتي، أشبه النَّاسِ بي خَلْقًا وخُلُقًا».
الأخبار تتَّفق على ثلاثة عناوين!
من خلال قراءة هذه المصادر السُّنِّيَّة والشِّيعيَّة نراها تتَّفقُ على ثلاثة عناوين:
العنوان الأوَّل: المهديُّ (عليه السَّلام) من أهل بيت النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم)، ومن عترته، ومن ذرِّيَّته، ومن ولد فاطمة.
العنوان الثَّاني: المهديُّ (عليه السَّلام) يظهر في آخر الزَّمان، أو في نهاية الدُّنيا، أو قبل قيام السَّاعة.
العنوان الثَّالث: المهديُّ (عليه السَّلام) يملأ الأرض عدلًا وقسطًا كما ملئت ظلمًا وجورًا.
فلماذا لا يتلاقى المسلمون في هذا العصر على هذه (العناوين) الثَّلاثة؛ ليعطوا للإمام المهديِّ (عليه السَّلام) حضوره في وعي الأجيال؟!
ضرورة حضور المهديِّ (عليه السَّلام) في ذاكرة الأجيال
قد يقال: وما الضَّرورة في أنْ نعطي للإمام المهديِّ (عليه السَّلام) حضوره في وعي أجيال المسلمين الحاضرة؟، وهو إنَّما سوف يمارس دوره في المستقبل، وربَّما في المستقبل البعيد جدًّا؟
أقول: الضَّرورة واضحة.
إنَّ إعطاء الإمام المهدي (عليه السَّلام) حضورًا في ذَاكرة الأجيال، وفي وعي الأجيال، وفي حركة الأجيال يُمركز في حياتها، وفي كلِّ واقعها مفاهيم العدل، والحقِّ، والخير، والصَّلاح، والحبِّ، والتَّسامح، والاعتدال، والأمن، والسَّلام، والوحدة، والتَّآلف.
هذه المفاهيم وغيرها هي التي تشكِّل الأهداف الكبرى لحركة الإمام المهدي (عليه السَّلام)، وبقدر ما ترتبط الأجيال بقضيه المهدي المنتظر (عليه السَّلام) تتجذَّر علاقتها بهذه العناوين الكبرى، وإلَّا فلماذا هذه الكثافة من الأخبار التي أوصلها البعض إلى (الآلاف)؟!
أليس من أجل (التَّعبئة المستمرَّة)، هذه التَّعبئة المستمرَّة التي تجعل الإمام المهدي (عليه السَّلام) حاضرًا في كلِّ الأَعْصُر.
لا أتحدَّث – هنا – عن (الحضور) وفق المنظور الشِّيعيِّ الذي يرى أنَّ الإمام المهديَّ (عليه السَّلام) حيٌّ، وله حضوره الحقيقيُّ في حركة الأجيال.
أنا أتحدَّث – هنا – عن الحضور الاعتباريِّ المتمركز في الذَّاكرة، والوعي، والحَراك، هذا الحضور لا يفترض الوجود الفصليَّ للإمام (عليه السَّلام).
إذًا، يمكن أنْ يتَّفق المسلمون بكلِّ مذاهبهم على شكل من أشكال حضور الإمام المهديِّ (عليه السَّلام) وفق المساحة التي يتَّفق عليها المسلمون.
شرط الحوارات العلميَّة
ولا مشكلة أنْ تكون هناك (حوارات علميَّة) فيما هي مناطق الاختلاف بشرط عدم الانزلاق إلى مواقع النِّزاع، والصِّراع، والخلاف.
إنَّ تعدُّد الرُّؤى والقناعات يجب أنْ يكون محكومًا للأسس العلميَّة، والموضوعيَّة، لا للمَزَاجَات، والتَّعصُّبات.
حينما تحكم القناعات مَزَاجات، وتعصُّبات تتحوَّل إلى خلافات مُدمِّرة، فمِن الخير أنْ لا نقتحم أيَّ حوارٍ لا تحكمه أسسٌ علميَّة، وموضوعيَّة، لأنَّ هذا اللَّون من الحوار سوف يؤزِّم العلاقات، وسوف يتحوَّل إلى جدَل عقيم، وإلى مِراءٍ سقيم.
•في الكلمة عن أمير المؤمنين (عليه السّلام): «إيَّاكم والمِراء والخصومة، فإنَّهما يمرضانِ القلوب على الإخوانِ، وينبت عليهما النِّفاق». (ميزان الحكمة 4/2892، محمَّد الريشهري).
إذا كان هدف الحوار الجادِّ هو معالجة قضايا الاختلاف الدِّينيِّ، والثَّقافيِّ، والاجتماعيِّ، والسِّياسيِّ، وأيّ اختلاف آخر، فإذا تحوَّل الحِوار مِراءً، فإنَّه سوف يُعمِّق من الاختلاف، وسوف يحوِّله إلى خلاف، وصراع، وربَّما إلى مواجهة، وصِدام.
فالحذر الحذر من أيَّة مجادلات ومراءات توتِّر العلاقات، وتؤزِّم الأجواء، وتدفع إلى خَيَارات ضارَّة بأوضاع الأوطان.
وإذا كانت هناك ضرورة في أنْ تنطلق الحوارات؛ لمعالجة الكثير من الأزمات، فيجب الحرص كلُّ الحرص في أنْ تكون حوارات مُحصَّنة؛ لكيلا تُعمِّق الأَزَمات، وتضرَّ بالعلاقات.
وآخر دعوانا أنْ الحمد لله ربِّ العالمين.