حديث الجمعةشهر جمادى الأولى

حديث الجمعية 532: الزّهراءُ والحوراءُ (عليهما السَّلام) تُمثِّلانِ القُدوةَ والأُسوةَ الحسنةَ لأجيالنا النِّسائيَّة

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيِّدِ الأنبياءِ والمرسلين محمَّدٍ، وعلى آلِهِ الهُداةِ الميامين.

وبعد فمع هذا العنوان:
الزّهراءُ والحوراءُ (عليهما السَّلام) تُمثِّلانِ القُدوةَ والأُسوةَ الحسنةَ لأجيالنا النِّسائيَّة

تعريف القدوة والأسوة
ماذا تعني مفردةُ (القُدوة)، أو (الأُسوة)؟
تعني: (المَثلَ، والنموذج الذي يُقتَدى ويُحتَذى به).

ومن خلال هذا المَثلِ والنَّموذج ِتتشكَّل (شخصيَّةُ) الإنسان المقتدِي.
فإنْ كان المَثلُ والنَّموذج (صالحًا) تشكَّلتْ شخصيَّةُ الإنسانِ المقتدِي (تشكُّلًا صالحًا).

وإنْ كانَ المَثلُ والنَّموذجُ (فاسدًا) تشكَّلتْ شخصيَّةُ الإنسانِ المقتدِي (تشكُّلًا فاسدًا).

نموذجَا القدوة، أو الأسوة
ومن هنا يمكن تقسيم (القدوة، أو الأسوة) إلى نموذجين:

النَّموذج الأوَّل: القُدوةُ الحسنةُ، أو القُدوة الصَّالحة.

النَّموذج الثَّاني: القُدوة السَّيِّئة، أو القدوة الفاسدة.

نقرأ في القرآن قوله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا﴾. (سورة الأحزاب: الآية 21).

فالنَّبيُّ الأكرم (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم) هو (النَّموذج الأرقى) لكلِّ البشريَّة في: صفاتِه، وكمالاتِهِ الفكريَّةِ، والرُّوحيَّةِ، والأخلاقيَّةِ، والسُّلوكيَّةِ، والرِّساليَّة، والجهاديَّةِ.
لهذا وجَّه الله سبحانه المسلمين أنْ يعتبروا شخصيَّة النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم) هي الأساس لكلِّ سلوكهم الإيمانيِّ، والرُّوحيِّ، والأخلاقيِّ، والسُّلوكيِّ، والجهاديِّ.

ونقرأ في القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ …﴾. (سورة الممتحنة: الآية 4).

هنا يطرح النَّصُّ القرآنيُّ (نبيَّ الله إبراهيم والذين آمنوا معه) نموذجًا صالحًا، وقدوة حسنةً حينما قالوا لقومهم المشركين: ﴿… إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ …﴾. (سورة الممتحنة: الآية 4).

إنَّ خطَّ التَّوحيد، وخطَّ الكفر والشِّرك والوثنيَّة لا يلتقيان، فالإيمان بالله تعالى هو شعار الأنبياء (عليهم السَّلام)، وأتباعِ الأنبياء.

كما أنَّ الشِّرك باللهِ تعالى هو شعار أعداءِ الأنبياء.

وهذان الشِّعاران بينهما مفاصلة كاملة.
وإذا كان النَّصَّان القرآنيَّانِ المتقدِّمانِ يتحدَّثان عن (الأسوة الحسنة)، فهنا نصٌّ يتحدَّث عن (الأسوة السَّيِّئة)، قوله تعالى متحدِّثًا عن المترفين: ﴿وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ﴾. (سورة الزخرف: الآية 23).

المُترَفُونَ: الغارفون في التَّرَفِ، والثَّراء، والأموال، وأصحاب المواقع، والوَجاهات، والامتيازات الاجتماعيَّة، والسِّياسيَّة.
هؤلاء هم الذين يتصدُّون لمحاربة الأنبياء (عليهم السَّلام)، ودعاةِ الإصلاح، لأنَّهم يخشون على مصالحهم، وأنانيَّاتهم، وامتيازاتهم، وثرواتهم اللَّامشروعة!

والمنطق الذي يعتمده هؤلاء المُتْرَفُون، وأصحاب الامتيازات أنّهم يُمثِّلون الامتداد لآبائهم، وأسلافهم، فهؤلاء الآباء، والأسلاف هم قدوتُهم، هكذا يصنع التَّقليد الأعمى، وهكذا تضع الأهواء الزَّائفة، وهكذا يصنع الاقتداء السَّيِّئ.

الزَّهراء والحوراء (عليهما السَّلام) قدوة للجميع

بعد هذا التَّمهيد في تعريف مصطلح (القدوة، والأسوة) نعود إلى عنوان الحديث في هذه اللَّيلة، وهو: (الزَّهراءُ والحوراء عليهما السَّلام تمثِّلان القدوة والأسوة الحَسَنة).

ورغم أنَّ الصِّدِّيقةَ الزَّهراءَ، وزينبَ الحوراءَ (عليهما السَّلام) تمثِّلانِ (القُدوةَ والأُسوةَ الحسنةَ) للرِّجالِ والنِّساءِ، إلَّا أنَّ ما أحاول تناولُهُ في حديثي – اللَّيلة – هو مسؤوليَّة أجيالِنا النِّسائيَّة في الاقتداء بالصِّدِّيقة الزَّهراء، وزينب الحوراء (عليهما السَّلام).

مكوِّنات تمثِّل الاقتداء الحقيقيِّ

ولكي تتشكَّل أجيالُنا النِّسائيَّة في خُطى الزَّهراءِ والحوراءِ (عليهما السَّلام) مطلوبٌ منها أنْ تتوفَّر على مجموعة مكوِّنات تمثِّل (الاقتداء الحقيقيَّ).
وإلَّا كان الاقتداء (ادعاءً زائفًا).
وإلَّا كان التَّمثُّل (شعارًا فارغًا).

أنا – هنا – لا أتحدَّث عن مساحاتٍ من (نساء هذه الأمَّة) أعلنت (المفاصلة) بينها وبين انتمائها الإسلاميِّ، واختارت أنْ تشكِّل (هُويَّتها الثَّقافيَّة، والسُّلوكيَّة) وفق (معايير وافدة، ومستغرَبَة) ومتناقضة مع (معايير الدِّين، وقِيمه، ورُؤاه، ومبادئه).

هذه المساحة من نساء الأمَّة وإنْ كانت غير معنيَّة بحديثي هنا، إلَّا أنَّها مَخَاطبة أنْ تمارس (مراجعة) جادَّه، فيما هو (خيار المفاصلة)، فلا خلاص لنساء هذه الأمَّة إلَّا بالعودة إلى (قِيم الدِّين)، وإلى (أحكام الشَّرع)، وإنَّ كلَّ (الخَيَارات البديلة) هي خيارات فاشلة لن تقود إلَّا إلى المزيد من (الأزمات)، و(التَّعقيدات)، و(الإرهاقات)، و(الإحباطات).

نعم، هذه الخَيَارات البديلة تعطي للمرأة (حرِّيَّة الانفلات) من (ضوابط الدِّين).

إلَّا أنَّ هذه الحرِّيَّة لها (منتجاتها المدمِّرة) ليس على المرأة فقط، بل على كلِّ الواقع الأسريِّ، والاجتماعيِّ، والحياتيِّ.

انظروا ما تعانيه (مجتمعات المسلمين) من مفاسد لا أخلاقيَّة نتيجة (التَّرويج الهادف) لثقافة (الجنس الفاحش)، وثقافة (الدَّعارة)، وعبر مختلف الوسائل والأدوات والتي أصبحت ميسورة لدى الجميع، حتَّى غزتْ البيوت، وأصبحت تهدِّد الأُسر!

إذًا هذه المساحة من نساء الأمَّة وإنْ لم تكن معنيَّة بحديثي، إلَّا أنَّها لا تخرج عن اهتمامات الخطاب الدِّينيِّ، وكلِّ خطاب يحمل همَّ الإصلاح، والتَّغيير، وبناء مجتمعات المسلمين، فأيُّ مساحة من مساحات هذ الأمَّة تمثِّل مَفْصَلًا لا يصحُّ إهماله، والتَّفريط فيه.

وبعد هذا الاستدراك أعود للحديث عن بعض (المكوِّنات) التي تمثِّل (الاقتداء الحقيقيَّ) بالصِّدِّيقة الزَّهراء، وبزينب الحوراء (عليهما السَّلام).

المكوِّن الأوَّل: المكوِّن العقيديُّ
لكي تتمثَّل أجيالنا النِّسائيَّه خُطى الزَّهراء، وخطى الحوراء (عليهما السَّلام) مطلوب منها أنْ تمتلك (مستوًى عقيديًّا صُلبًا)، فالزَّهراء والحوراء (عليهما السَّلام) تمثِّلان (قمَّةً عقيديَّة شامخة)، هذه القمَّة صنعتها يد الرِّسالة، ويد الإمامة.

وبمقدار ما يرتقي المستوى العقيديُّ لدى أجيالنا النِّسائيَّة يرتقي مستوى الاقتداء بالزَّهراء وبالحوراء (عليهما السَّلام).

القيمة كلُّ القيمة ليس في أنْ نمجِّد هذه القِمم الإيمانيَّة الشَّامخة، هذا مطلوبٌ؛ من أجل أنْ تتجذَّر هذه المواقع في وعي أجيالنا، وفي وجدان أجيالنا، إلَّا أنَّ القيمة كلَّ القيمة حينما نصوغ من خلال التَّعاطي مع هذه القِمم الإيمانيَّة كلَّ واقعنا العقيديِّ، وكلَّ واقعنا الثَّقافيِّ، وكلَّ واقعنا الرُّوحيِّ، والأخلاقيِّ، والسُّلوكيِّ، والاجتماعيِّ، والسِّياسيِّ.

ويمثِّل المرتكز العقيديُّ الأساس في بناء هُويَّتنا الإيمانيَّة.

فكم استطاعت أجيالنا النِّسائيَّة أنْ تصوغ واقعها العقيديَّ من خلال الاقتداء بالصِّديقة الزَّهراء (عليها السَّلام) ومن خلال الاقتداء بالسّيدة الحوراء (عليها السَّلام)؟

أنْ تكون أجيالنا النِّسائيَّة أجيالًا فاطميَّة، أو أجيالًا زينبيَّة.
يجب أنْ تكون (أجيالًا عقائديَّة) تتحدَّى كلَّ (الإشكالات، والتَّشكيكات، والانزلاقات) التي يزدحم بها هذا العصر.

الفاطميَّاتُ، والزَّينبيَّات مواقع صمود في مواجهة كلِّ (الاهتزازات العقيديَّة) التي يروِّج لها العابثون بعقائد هذه الأمَّة، والمروِّجون للشُّبهات، والضَّلالات.

وهذا يفرض أنْ يتوفَّر هذا الجيل النِّسائيُّ المنتمي إلى الزَّهراء والحوراء (عليهما السَّلام) على درجة عالية جدًّا من (الوعي الإيمانيِّ) بكلِّ ما يحمله هذا الوعي من (مكوِّنات أصيلة، وفاعلة).

المكوِّن الثَّاني – من مكوِّنات الاقتداء بالزَّهراء والحوراء (عليهما السَّلام) -: المكوِّن الرُّوحيَّ والعباديُّ
الزَّهراء (عليها السَّلام) تمثِّل قمَّة في الرَّوحانيَّة والعبادة، وكذلك الحوراء (عليها السَّلام) هي قمَّة روحانيَّة، وعباديَّة.

هذه شهادة رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) لابنته الصِّدِّيقة الزَّهراء (عليها السَّلام)، حيث قال: «…، إنَّ ابنتي فاطمة ملأ الله قلبَها، وجوارحَها إيمانًا إلى مشاشها، فتفرَّغت لطاعة الله (عزَّ وجل)، …».(دلائل الإمامة، الصَّفحة 139، محمَّد بن جرير الطَّبري – الشِّيعي).

وأخبر (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) عن عبادتها أنَّها «…، متى قامت في محرابها بين يدي ربِّها (جلَّ جلاله) زهر نورُها لملائكة السَّماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض، ويقول الله (عزَّ وجلَّ) لملائكتِهِ: يا ملائكتي، انظروا إلى أَمَتِي فاطمة سيِّدة إِمَائي قائمة بين يديَّ ترتعدُ فرائصها من خِيفتي، وقد أقبلت بقلبها على عبادتي، …». (الأمالي، الصَّفحة 175، الشَّيخ الصَّدوق).

وأمَّا الحوراء زينب (عليها السَّلام)، فحسبها من عبادتها، وروحانيَّتها أنَّ الإمام الحسين (عليه السَّلام) قال لها في يوم عاشوراء: «أختاه، اذكريني في صلاة اللَّيل».

وحسبها من عبادتِها، وروحانيَّتِها أنَّها في ليلة الحادي عشر من المحرَّم، اللَّيلة التي احتضنت بين حناياها مأساة عاشوراء، وتراكمت على قلب الحوراء (عليها السَّلام) صور الفاجعة: جَسَدٌ مقدَّس ممزَّق الأوصال، ضحايا مضرَّجين بالدِّماء، أشلاء متناثرة، خِيام تلتهما النِّيران، يتامى صارخات!

في زحمة هذه المشاهد الموجعة، وفي هذه اللَّيلة – ليلة المأساة العظمى – لم تترك الحوراء زينب (عليها السَّلام) وِرْدَها من صلاة اللَّيل، إلَّا أنَّ الفاجعة ما تركت لها إلَّا أنْ تصلِّي من جلوس!
هذه عبادة، وروحانيَّة الزَّهراء (عليها السَّلام).

وهذه عبادة، وروحانيَّة الحوراء (عليها السَّلام).

فيا أيَّتها السَّائراتُ في خطى الزَّهراء والحوراء (عليها السَّلام) مطلوبٌ منكنَّ جدًّا أنْ تَرتقين بمستويات العبادة، والرَّوحانيَّة، هذا هو معنى الاقتداء، وهذا هو معنى التَّمثُّل، وبقدر ما يكون الارتقاء العباديُّ، والرَّوحانيُّ يكون الاقتداء الأصدق، ويكون التَّمثُّل الأنقى.

ولا يُحصِّن (المسارات) شيئُ كما تُحصِّنها (العبادة)، وكما تُحصِّنها (الرَّوحانيَّة).

وهل كلُّ (الانزلاقات المدمِّرة) في هذا العصر إلَّا نتيجة غياب الدَّور العباديِّ في حياة النَّاس، ونتيجة (الجفاف الرُّوحيِّ) في كلِّ واقعهم.

المكوِّن الثَّالث – من مكوِّنات الاقتداء بالزَّهراء والحوراء (عليهما السَّلام) -: المكوِّن السُّلوكيُّ والأخلاقيُّ
فالزَّهراء والحوراء (عليهما السَّلام) مَثَّلتا (القمَّة) في الالتزام، والاستقامة، والطُّهر، والنَّقاء، والعفَّة، والخُلق، كيف لا وهما (عليهما السَّلام) رَبِيبَتا بيت الرِّسالةِ، وبيت الإمامة.

فالنِّساء السَّائرات في خطى الزَّهراء والحوراء (عليهما السَّلام) (نماذج خيِّرة) في التَّقوى، والورع، والطَّاعة لله تعالى، و(مُثُل عليا) في القِيم، والنَّقاء، والطَّهارة.

لَسْنَ فاطميَّات، ولَسْنَ زينبيَّات مَنْ لا يتخلَّقنَ بأخلاق ِالزَّهراء، وبأخلاق الحوراء (عليهما السَّلام)، ومَنْ لا يحملنْ التَّقوى، والاستقامة، ومَنْ لا يُمثلِّن نظافة القلب، وطهارة الوجدان، ونقاوة السُّلوك.

هنا المفارقة الكبيرة بين نموذجين: نموذجٍ يحمل عنوان الزَّهراء والحوراء (عليهما السَّلام)، ونموذج يتنافى مع هذا العنوان، وحينما أتحدَّث عن عنوان الزَّهراء والحوراء (عليهما السَّلام) لا أتحدَّث عن عنوانٍ مذهبيٍّ، أو طائفيٍّ.
فالزَّهراء والحوراء (عليهما السَّلام) ليستا لطائفة أو مذهب، بل هما لكلِّ المسلمين، فكلُّ مَنْ تترسمنَ خطى الزَّهراء والحوراء (عليهما السَّلام) من نساء هذه الأمَّة – مهما كان الانتماء المذهبيُّ، أو الطَّائفيُّ – فهنَّ فاطميَّات، وزينبيَّات، وإنْ لم يَكُنَّ (شيعيَّات)!
ومَنْ لا تترسَّمن خُطى الزَّهراء والحوراء (عليهما السَّلام) فهنَّ غير فاطميَّات، وغير زينبيَّات وإنْ كُنَّ شيعيَّات!

المكوِّن الرَّابع – من مكوِّنات الاقتداء بالزَّهراء والحوراء (عليهما السَّلام) -: المكوِّن الرِّساليُّ

والرِّساليَّة، تعني: (توظيف القُدُرات الفكريَّة، والنَّفسيَّة، والعمليَّة في خدمة الرِّسالة).

وأعني بالرِّسالة هنا: (الإسلام).
فكم أعطت الزَّهراء (عليها السَّلام) من جهدها الفكريِّ، والنَّفسيِّ، والسُّلوكيِّ في خدمة هذا الإسلام العظيم، وفي خدمة هذه الأمَّة المنتمية إلى الإسلام.

وكذلك كم أعطت الحوراء (عليها السَّلام)، وكفاها أنَّها شاركت أخاها الحسين (عليه السَّلام) في نهضته العظمى!

فنهج الزَّهراء، ونهج الحوراء (عليهما السَّلام) هو نهج الجهاد؛ من أجل دين الله تعالى، لا من أجل دنيا، ولا من أجل مصالح، وأهواء، وشهوات.

ولا من أجل عنف، وإرهاب، وتطرُّف.
نهج الزَّهراء، ونهج الحوراء (عليهما السَّلام) هو (نهج إصلاح، وبناء): إصلاح كلِّ الواقع الفاسد، وبناء واقع سليم، ومجتمع نظيف، وأُمَّة صالحة.

المترسِّمون نهج الزَّهراء، ونهج الحوراء (عليهما السَّلام) من رجالٍ، ونساءٍ هم حَمَلةُ رسالةٍ، ودُعاةُ هداية، وحُماة أوطانٍ، وصُنَّاع محبَّة وتسامحٍ، ورُعَاة وحدةٍ وتآلفٍ، وعُشَّاقُ أمنٍ وسلام.

فأيُّ انحياز عن هذا المسار هو انحياز عن خطِّ الزَّهراء، وخطِّ الحوراء (عليهما السَّلام)، وخطِّ الله، وخطِّ الاستقامة.
•﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾. (سورة الأنعام: الآية 153).

فإذا كان الهدف هو (الله)، فإنَّ هناك طريقًا واحدًا يوصل إلى هذا الهدف، وهو (الصِّراط المستقيم)
•﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ …﴾. (سورة الأنعام: الآية 153).
وإذا كان الهدف هو (الشَّيطان) فالطُّرق كثيرة، طرق الأهواء، والشَّهوات، والأطماع، وكلُّها طُرق ملتوية، وضالَّة، ومنحرفة تبعد الإنسان عن الصِّراط المستقيم.

•﴿… فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾. (سورة الأنعام: الآية 153).

إنَّ التَّأكيد على اتِّباع (الصِّراط المستقيم)، وتجنُّب الطُّرق الشَّيطانية المنحرفة هو ما أوصى به الله سبحانه، ولا تتحقَّق (التَّقوى) إلَّا من خلال هذا الالتزام.

•﴿… ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾. (سورة الأنعام: الآية 153).

نداء إلى خطباء المنبر

وهنا وفي ختام كلمتي أوجِّه نداءً إلى خطباء المنبر أنْ يُوظّفُوا (مناسبة الزَّهراء)، و(مناسبة الحوراء) (عليهما السَّلام) في نشر الوعي حول قضايا المرأة، خاصَّة في زحمة التَّجاذُبات الخطيرة التي تحاول أنْ تنحرف بهُويَّة المرأة، وبمساراتها العقيديَّة، والثَّقافيَّة، والأخلاقيَّة، والاجتماعيَّة، وبكلِّ المسارات الحياتيَّة.

فإنَّ أغنى مناسبة للتَّعاطي مع قضايا المرأة هي (مناسبة الصِّدِّيقة الزَّهراء)، و(مناسبة السَّيِّدة الحوراء) (عليهما السَّلام).

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.

Show More

Related Articles

Back to top button