حديث الجمعةشهر ربيع الأول

حديث الجمعة 523: من وصايا الإمام الحسن العسكريِّ (عليه السَّلام)

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيِّدِ الأنبياءِ والمرسلين محمَّدٍ، وعلى آلِهِ الهُداةِ الميامين.
وبعد:
فتتناول الكلمةُ هذا العنوان:
من وصايا الإمام الحسن العسكريِّ (عليه السَّلام)
نلتقي اللَّيلةَ بذِكرى شهادةِ الإمام الحسنِ العسكريِّ (عليه السَّلام)، الإمام الحادي عشر من أئمَّة أهلِ البيت (صلوات الله عليهم).
* قيمة اللِّقاء
وقِيمة هذا اللِّقاءِ بمقدارِ ما يتوفَّرُ على العناصر التَّالية:
العنصر الأوَّل: أنْ يكون لقاءً وجدانيًّا.
العنصر الثَّاني: أنْ يكون لقاءً واعيًا.
العنصر الثَّالث: أنْ يكون لقاءً فاعلًا.
إنَّ غياب أحد هذه العناصر يفقد اللِّقاء مع هذه المناسبات قيمَته الحقيقيَّة.
العنصر الأوَّل: أنْ يكونَ لقاءً وجدانيًّا
بمعنى: أنْ ننفتح على هذه المناسبة بقلوبنا، وأرواحنا، لا بمجرَّد الكلمات، والمظاهر.
رُبَّما يكون اللِّقاءُ مع هذه المناسباتِ يحمل كمًّا كبيرًا من الضَّجيج، وكمًّا كبيرًا من الانفعالات.
وربَّما يكون اللِّقاءُ مع هذه المناسبات يحمل مظاهر فرحٍ كبيرة، أو مظاهرَ حزنٍ كبيرة.
إلَّا أنَّ القلوبَ، والأرواحَ غير حاضرة.
إنَّ حضورَ القلوبِ، والأرواحِ يعني الانصهار، والذَّوبان مع هذه المناسبات.
امتحنُوا لقاءاتِكم مع هذه المناسبات بمقدار ما تحملون في قلوبِكم، وأرواحِكم من عشقٍ حقيقيٍّ، ومن ذوبان صادق، ومن إخلاصٍ نقيٍّ.
هنا تتفاوت درجاتُ الإِحياء لهذه المناسبات ارتفاعًا، وانخفاضًا.
كما هي درجات المصلِّين.
وكما هي درجات الصَّائمين.
وكما هي درجات كلِّ العابدين.
وكما هي درجات كلِّ الطَّائعين لله تعالى، وكلِّ العاملين في طريق الخير.
أيُّها الأحبَّة، وأنتم تُحيون هذه المناسبات الرَّبَّانيَّة كونوا المخلصين للهِ تعالى كلَّ الإخلاص.
وكونوا الذَّائبين كلَّ الذَّوبان.
وكونُوا المنصهرين كلَّ الانصهار.
العنصر الثَّاني: أنْ يكون لقاءً واعيًا
بمقدار ما يحتاج اللِّقاء مع هذه المناسبات إلى إخلاصٍ، وصدقٍ، وتفاعلٍ، وانصهارٍ، وذوبان، وعشق، فإنَّه يحتاج إلى وعي، ورشدٍ.
التَّفاعل الوجدانيُّ يمنح اللِّقاء حرارةً!
والوعي يمنح اللِّقاء بصيرة!
فلا قِيمةَ للقاءٍ لا يملك حرارةً.
ولا قِيمةَ للقاءٍ لا يملكُ بصيرةً.
وهكذا حينما تتزاوج البصيرة، والحرارة يحمل ُاللِّقاءُ مع هذه المناسبات قِيمتَه الكبيرة.
فلا قِيمةَ لِلقاءٍ متكلِّسٍ، راكدٍ، فاترٍ.
ولا قِيمةَ للقاءٍ ساذج، غبيٍّ، متخلِّفٍ.
كثيرونَ يعيشون هذه المناسبات بطريقة فاترة جدًّا، وبطريقةٍ غير صادقةٍ، وغير مخلصةٍ.
وكثيرون يعيشون هذه المناسبات بطريقة ساذجةٍ، ومتخلِّفةٍ، وغير واعيةٍ.
أيُّها الأحبَّة، حينما تحيون هذه المناسبات كونوا عُشَّاقًا صادقين.
وكونوا حَمَلةَ وعيٍ، وبصيرة.
العنصر الثَّالث: أنْ يكون لقاء فاعلًا
لا قِيمةَ لعواطف لا تتحوَّل إلى عمل.
ولا قِيمةَ لوعي لا يتحوَّل إلى ممارسة.
ربَّما نملك مخزونًا كبيرًا من العواطف الطَّيِّبة.
وربَّما نملك مخزونًا كبيرًا من الأفكار الواعية.
إلَّا أنَّ هذه العواطف تبقى متكلِّسة!
وأنَّ هذه الأفكارَ تبقى معطَّلة!
فأيُّ قِيمةٍ لعواطفَ متكلِّسةٍ؟!
وأيُّ قِيمةٍ لأفكار معطَّلةٍ؟!
وإنْ كانت العواطفُ في ذروةِ الفَوَرَان!
وإن كانت الأفكارُ في قمَّة الرُّشد!
ما قِيمة أنْ نعشق التَّقوى كلَّ العشق، وأنْ نفهم التَّقوى كلَّ الفهم، ثمَّ لا نكون المتَّقين في سلوكنا، وفي ممارساتنا.
صحيح الممارسة في حاجة إلى أمرين أساسين:
الأمر الأوَّل: الإخلاص، والصِّدق.
الأمر الثَّاني: الوعي، والبصيرة.
فممارسة لا تملك إخلاصًا، وصدقًا مرفوضة في معايير الدِّين مهما كان حجمُها كبيرًا.
وممارسة لا تملك وعيًا، وبصيرة مهدَّدة بالتِّيْه، والانحراف، والانزلاق، والخطأ.
ومثال آخر: ما قِيمة أنْ نعشق القرآن الكريم كلَّ العشق، وأنْ نفهم القرآن الكريم كلَّ الفهم، ثمَّ لا نكون العاملين بالقرآن الكريم!
1- في الحديث: “مَا آمن بالقرآن مَن استحلَّ محارمه”. (عيون الحكم والمواعظ، الصَّفحة482، علي بن محمد الليثي الواسطي).
2- وفي حديث آخر: “أنت تقرأ القرآن ما نهاك، فإذا لم ينهك، فلستَ تقرأه”. (ميزان الحكمة3/2529، محمَّد الريشهري).
3- وفي حديث ثالث: “رُبَّ تالٍ للقرآن والقرآن يلعنه”. (مستدرك الوسائل4/249، ميرزا حسين النوري الطبرسي).
مثال ثالث: قِيمة أنْ نحبَّ النَّبيَّ (صلَّى الله عليه والِهِ وسلَّم)، وأهلَ بيته (عليهم السَّلام).
وقِيمة أنْ نملك وعيًا بهذا الحبِّ.
أنْ نكون مُقتدين، ومتمثِّلين.
1- قال أمير المؤمنين (عليه السَّلام): “…، مَنْ أحبَّنا، فليعمل بعملنا، ويستعنْ بالورع، …”. (الخصال، الصَّفحة614، الشَّيخ الصَّدوق).
2- قال الإمام الباقر (عليه السَّلام): “يا جابر: أيكتفي مَن انتحل التَّشيُّع أنْ يقول بحبِّنا أهل البيت؟
فَوَ اللهِ ما شيعتنا إلَّا مَنْ اتقَّى الله، وأطاعه، …، مَنْ كان للهِ مطيعًا، فهو لنا وليٌّ.
ومَنْ كان للهِ عاصيًا، فهو لنا عدوٌّ، …”. (الوافي4/173، الفيض الكاشاني).
3- وقال الإمام الصَّادق (عليه السَّلام): “ليس مِن شيعتِنا مَنْ وافقنا بلسانِهِ، وخالفنا في أعمالنا وآثارنا!
ولكن شيعتنا مَنْ وافقنا بلسانِه، وقلبِهِ، واتَّبع آثارَنا، وعمل بأعمالِنا، أولئك شيعتنا”. (وسائل الشِّيعة15/247، الحر العاملي).
* شَذرات من وصايا الإمامِ الحسنِ العسكري (عليه السَّلام)
هذه بعض وصايا إمامنا الحسن العسكريِّ (عليه السَّلام) موجَّهة إلى شيعتِه، وأتباعِهِ، والمنتمين إلى مدرسته.
أَذْكُر – هنا – مقاطع من هذه الوصايا:
أوَّلًا: “أوصيكم بتقوى الله، …” (تحف العقول عن آل الرسول، الصَّفحة487، ابن شعبة الحراني):
سُئِل الإمام الصَّادق (عليه السَّلام) عن تفسير التَّقوى؟
فقال (عليه السَّلام): “أنْ لا يفقدك الله حيثُ أمرَكَ، وأنْ لا يَراكَ حيثُ نهاك”. (عدَّة الداعي ونجاح الساعي، الصَّفحة285، ابن فهد الحلي،).
أمرك الله تعالى بالصَّلاة والصِّيام، والحجِّ، فيجب أنْ لا يفقدك مُصلِّيًا، صائمًا، حاجًّا.
أمرك الله تعالى بأداء الزَّكاة، فيجب أنْ لا يفقدَك مُزكِّيًا.
أمرَكَ الله تعالى بِبِرِّ الوالدين، فيجب أنْ لا يفقدك بارًّا بوالديك.
أمرَكَ الله تعالى بِصلةِ الأرحامِ، فيجب أنْ لا يفقدك واصلًا لرحمكَ.
أمرَكَ الله تعالى بمساعدة الفقراء، والمساكين، فيجب أنْ لا يفقدك مساعدًا للفقراء، والمساكين.
أمرَكَ الله تعالى بقضاءِ حوائج المحتاجين، فيجب أنْ لا يفقدك قاضيًا لحوائج المحتاجين.
أمرَكَ اللهُ تعالى أنْ تكون صادقًا، وأمينًا، ونظيفًا في كلِّ أخلاقِكَ، فيجب أنْ لا يفقدك في كلِّ مواقع الصِّدقِ، والأمانةِ، والأخلاقِ.
أمرَكَ الله تعالى أنْ تكون آمرًا بالمعروف، وناهيًا عن المنكر، وداعيًا إلى الله تعالى، ومجاهدًا في سبيلهِ، فيجب أنْ لا يفقدك في مواقع الأمر بالمعروفِ، والنَّهي عن المنكر، وفي مواقع الدَّعوةِ إلى الله تعالى، وفي مواقع الجهاد في سبيله.
وهكذا في كلِّ المساحات التي أمرك الله تعالى أنْ تكون حاضرًا فيها، فيجب أنْ لا يفقدك فيها، وإلَّا ما كنتَ مُتَّقِيًا.
وفي المقابل: نهاكم الله تعالى عن أنْ تفرِّطوا في أداء الواجبات، فيجب أنْ لا يراكم في مواقع التَّفريط في أداء الواجبات.
ونهاكم الله تعالى عن ارتكاب المحرَّمات، فيجب أنْ لا يراكم في مواقع ارتكاب المحرَّمات.
نهاكم الله تعالى أنْ تغتابوا، فيجب أنْ لا يراكم في مواقع الغِيْبَة.
نهاكم الله تعالى أنْ تمارسوا البُهتان، فيجب أنْ لا يراكم تمارسوا البهتان.
نهاكم الله تعالى أنْ تكذبوا، فيجب أنْ لا يراكم تمارسوا الكذب.
نهاكم الله تعالى أنْ تنافقوا، فيجب أنْ لا يراكم تمارسوا النِّفاق.
نهاكم الله تعالى أنْ تظلموا أحدًا من العباد، فيجب أنْ لا يراكم ظالمين للعباد.
نهاكم الله تعالى أنْ تفسِدوا في الأرض، فيجب أنْ لا يراكم مفسدين في الأرض.
وهكذا في كلِّ المساحات التي نهاكم الله تعالى أنْ تتواجدوا فيها، فيجب أنْ لا يراكم في هذه المساحات، وإلَّا ما كنتم من المتَّقِين.
ثانيًا: “والوَرعِ في دينِكُمْ” (تحف العقول عن آل الرسول، الصَّفحة487، ابن شعبة الحراني)
في تفسير كلمة (الوَرَعِ) نقرأ هذه الكلمات:
1- قال أمير المؤمنين (عليه السَّلام): “أصل الورع تجنُّب الآثام، والتَّنزُّه عن الحرام”. (ميزان الحكمة4/3510، محمَّد الريشهري).
2- وقال (عليه السَّلام): “الورعُ اجتنابٌ”. (ميزان الحكمة4/3510، محمَّد الريشهري).
يعني: اجتناب المعاصي، والذُّنوب.
3- وقال (عليه السَّلام): “إنّما الورعُ التَّطهُّر عن المعاصي”. (ميزان الحكمة4/3510، محمَّد الريشهري).
4- وسئل الإمام الصَّادق (عليه السَّلام) عن الوَرَعِ من النَّاسِ، فقال: “الذي يتورَّع عن محارمِ اللهِ (عزَّ وجلَّ)”. (ميزان الحكمة4/3511، محمَّد الريشهري).
في ضوء هذه التَّفسيرات يتضح أنَّ مفردة (الورع) أخصُّ من مفردة (التَّقوى).
فالتَّقوى فعلٌ الطَّاعات، وتجنُّب المعاصي.
والورع تجنُّب المعاصي، والمحرَّمات.
فيكون ذِكر (الورع) بعد (التَّقوى) في وصيَّة الإمام الحسن العسكريِّ (عليه السَّلام)، حيث قال “أوصيكم بتقوى اللهِ، والورعِ في دينكم”( )(تحف العقول عن آل الرسول، الصَّفحة487، ابن شعبة الحراني) هو تذكير بأهمِّيَّة (اتِّقاء المعاصي، والذُّنوب).
* الآثار الخطيرة لارتكاب المعاصي والذُّنوب
فإنَّ ارتكاب المعاصي، والذُّنوب له آثار خطيرة:
الأثر الأوَّل: الكسل العباديُّ
1- ﴿… وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى …﴾. (سورة النساء: الآية142).
2- جاء في الحديث عن أمير المؤمنين (عليه السَّلام): “ما جفَّت الدموعُ إلَّا لقسوةِ القلوب.
وما قست القلوب إلَّا لكثرة الذُّنوب”. (ميزان الحكمة1/285، محمَّد الريشهري).
الأثر الثَّاني: الحرمان من صلاةِ اللَّيل!
من أعظم التَّوفيقات الرَّبَّانيَّة أنْ يحظى العبد بشرف اللِّقاء مع الله تعالى في جوف اللَّيل، وقد أثنى القرآن كثيرًا عن (المتهجِّدين بالأسحار).
1- ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾. (سورة السَّجدة: الآية16-17).
هذه الفيوضات الرَّبَّانيَّة يُحرم منها العُصاة، والمذنبون.
2- جاء رجلٌ إلى أمير المؤمنين (عليه السَّلام)، فقال: إنِّي حُرِمت قيام اللَّيل!
فأجابه أمير المؤمنين (عليه السَّلام): “أنت رجلٌ قد قيَّدتَكَ ذنوبُك”. (ميزان الحكمة2/1655، محمَّد الريشهري).
الأثر الثَّالث: المعاصي تحرق الطَّاعات، وتمنع قَبول الأعمال
1- ﴿… إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾. (سورة المائدة: الآية27).
2- “الغِيبة حرام على كلِّ مسلم، وإنَّها لتأكل الحَسَنَات كما تأكل النَّار الحطب”. (المحجَّة البيضاء في تهذيب الإحياء5/255، الفيض الكاشاني).
3- عن أبي جعفر (عليه السَّلام)، قال: قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): مَن قال: سبحان الله، غرس الله له شجرة في الجنَّة.
ومَن قال: الحمد لله، غرست له شجرة.
ومَن قال: لا إله إلا الله غرس [الله] له شجرة.
ومَن قال: الله أكبر غرس الله له شجرة في الجنَّة.
فقال رجل من قريش: يا رسول الله، إنَّ الشَّجر لنا في الجنَّة كثير.
فقال: نعم، ولكن إيَّاكم أنْ ترسلوا عليها نارًا، فتحرقوها، وذلك أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) يقول: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم)”. (أعلام الدِّين في صفات المؤمنين، الصفحة359، الحسن بن محمَّد الديلمي).
واستمرَّ الإمام الحسن العسكريُّ (عليه السَّلام) في توجيه وصاياه، وهي مهمَّة جدًّا لا يتَّسع المجال – هنا – لذِكْرِهَا.
* علاقة الشِّيعة ببقيَّة المذاهب
أكتفي – هنا – بذِكْر هذا المقطع، وهو في غاية الأهمية والخطورة.
إنَّه يتناول (علاقة الشِّيعة ببقيَّة مذاهب المسلمين)
قال (عليه السَّلام) موجهًا الشِّيعة:
ثالثًا: “صَـلُّوا في عشائرهم”. (تحف العقول عن آل الرسول، الصَّفحة487، ابن شعبة الحراني)
وحتَّى الآن لم ترتقِ أوضاع المسلمين إلى هذا المستوى من (توجيهات الإمام العسكريِّ عليه السَّلام)، حيث أراد للمسلمين بكلِّ انتماءاتهم المذهبيَّة أن ْينصهروا في مساجدهم، وعباداتهم، وصلواتهم.
رابعًا: “واشهدوا جنائزهم” (تحف العقول عن آل الرسول، الصَّفحة487، ابن شعبة الحراني)
هكذا أراد الإمام الحسن العسكريُّ (عليه السَّلام) لكلِّ المسلمين مهما تنوَّعت، وتعدَّدت انتماءاتهم المذهبيَّة أنْ تتوحَّد مشاعرُهم، وعواطفُهم، وأحاسيسُهم، فيعيشون الأحزان المشتركة، ويعيشون الأفراح، والمباهِج المشتركة.
وما يؤسف له أنَّ المسلمين في هذا العصر قد تمزَّقت مشاعرهم، وتشتَّت أحاسيسُهم، وتفرَّقت مشاعرهم، وتفرَّقت قلوبُهم، فأصبح البعض من هذا المذهب، أو ذاك يتلذَّذ بعذَابات آخرين من غير مذهبه، ويفرح حينما يتألَّمون، ويضحك حينما يبكون، فأيُّ أوضاع بئِيسة يعيشها المسلمون في هذا الزَّمان؟!
خامسًا: “وعودوا مرضاهم” (تحف العقول عن آل الرسول، الصَّفحة487، ابن شعبة الحراني)
فالأوجاع مشتركة، والمعاناة مشتركة، والمآسي مشتركة.
هنا يحاول الإمام العسكريُّ (عليه السَّلام) أنْ يزرع (الرَّحمة، والمحبَّة، والتَّسامح) في كلِّ القلوب، ليس بين أبناء المذهب الواحد، بل بين المسلمين بكلِّ مذاهبهم، وانتماءاتهم.
يقول الإمام العسكريُّ (عليه السَّلام) لشيعته، وأتباعه: إنَّ مرضى مذاهب المسلمين هم مرضاكم.
وأوجاعهم هي أوجاعكم.
وآلامهم هي آلامكم.
فعودوا مرضاهم كما تعودون مرضاكم.
سادسًا: “وأدُّوْا حقوقهم” (تحف العقول عن آل الرسول، الصَّفحة487، ابن شعبة الحراني)
للمسلم – مهما كان انتماؤه المذهبيُّ – حقوق على أخيه المسلم من هذا المذْهب، أو ذاك.
ومهما يكون انتمائي المذهبيُّ، فإنَّ لأخي المسلم من أيِّ مذهب كان حقوقًا عليَّ.
إنَّها حقوق المسلم على أخيه المسلم.
مسؤوليَّتنا جميعًا كمسلمين – وإنْ تعدَّدتْ انتماءاتُنا المذهبيَّة – أنْ يؤدِّي بعضُنا لبعضٍ كلَّ ما له من حقوق فَرَضها الإسلام.
أنْ يُحبَّ بعضُنا بعضًا.
أنْ نتبادل الاحترام.
أنْ نتواسَى بالأموال، والقُدُرات.
أنْ نتشارك الأفراح، والأحزان.
أنْ نوِّحد صفوفنا في كلِّ المواقفِ.
أنْ نتناصح.
أنْ نتعاون على البِرِّ، والتَّقوى.
أنْ ندافع عن المظلومين.
أنْ نكون يدًا واحدة ضدَّ كلِّ مَنْ يريد سوءًا، وشرًّا، وكيدًا بالمسلمين، وبأوطان المسلمين، وبمقدَّسات المسلمين.
وأخيرًا أؤكِّد: إنَّ إنتاج هذه المعطيات في واقع المسلمين هي (مسؤوليَّة الخطابِ الدِّينيِّ) مهما كان انتماؤه المذهبيُّ.
الخطر كلُّ الخطر حينما يتحوَّل هذا الخطاب إلى خطابٍ يمارسُ شحنًا طائفيًّا، ومذهبيًّا، ويكرِّس الصِّراعات، والخلافات.
ليس خطابًا دينيًّا الخطابُ الَّذي يمزِّق (وحدة الأمَّة).
وليس خطابًا دينيًّا الخطابُ الَّذي يمارس تطرُّفًا، وإرهابًا.
وليس خطابًا دينيًّا الخطابُ الَّذي يكرِّس (العصبيَّاتِ، والكراهيَّاتِ) بين المسلمين.
وليس خطابًا دينيًّا الخطابُ الَّذي يزوِّرُ (وعي الشُّعوب).
إنَّ خطاب الدِّين الحقِّ يقول: ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ …﴾. (سورة آل عمران: الآية103).
وآخر دعوانا أنْ الحمد لله ربِّ العالمين.

Show More

Related Articles

Back to top button