حديث الجامعة 517: منهجان لقراءة حياة الأئمَّة (عليهم السَّلام) – مسؤوليَّة الخطاب الدِّينيِّ في كلِّ عصر
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيِّدِ الأنبياءِ والمرسلين محمَّدٍ، وعلى آلِهِ الهُداةِ الميامين، وبعد:
ونحن نعيش ذِكرى شهادةِ الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السَّلام) أحاول أنْ أتناول بعض عناوين:
* منهجان لقراءة حياة الأئمَّة (عليهم السَّلام)
يذكر الشَّهيد السَّيِّد محَّمد باقر الصَّدر (قدس سرُّه) أنَّ هناك منهجين لقراءة حياة الأئمَّة من أهل البيت (عليهم السَّلام) (انظر: المجموعة الكاملة لمؤلَّفات السَّيِّد محمَّد باقر الصَّدر (أهل البيت تنوع أدوار ووحدة هدف، 13 – دور الأئمَّة عليهم السَّلام)11/141):
المنهج الأوَّل: القراءة التَّجزيئيَّة
ويعتمد القراءة التَّجزيئيَّة، بمعنى: دراسة كلِّ إمامٍ بصورة مستقلَّة، وهذه الدِّراسة التَّجزيئيَّة ضروريَّة؛ كونها توفِّر لنا المادَّة التَّفصيليَّة في حياة كلِّ واحد من أئمَّة أهل البيت (عليهم السَّلام)، كما أنَّ هذه الدِّراسة التَّجزيئيَّة تمكِّننا من إنجاز الدِّراسة الشُّموليَّة.
المنهج الثَّاني: القراءة الشُّموليَّة
ويعتمد القراءة الشُّموليَّة، وهي قراءة تنظر إلى الأئمَّة (عليهم السَّلام) ككلٍّ مترابط، وتدرس هذا الكلَّ، وتحاول أنْ تكشف ملامحه العامَّة، وأهدافه المشتركة.
في كتابه: (أهل البيت تنوُّعُ أدوارٍ وَوحْدَةُ هدف)، وقد مارس الشَّهيد الصَّدر فيه (القراءة الشُّموليَّة).
إنَّ القراءة التَّجزيئيَّة ربَّما توحِي بوجود تناقض في حياة الأئمَّة (عليهم السَّلام)، إلَّا أنَّ هذا يمثِّل (تنوعًا في الأدوار)، وليس تناقضًا، فـ:
1- الإمام أمير المؤمنين (عليه السَّلام) قد مارس في حياتِهِ دَوْرَين متمايزَيْن:
الدَّور الأوَّل: دور المسالَمَة
في مرحلةٍ كانت مصلحة الرِّسالة تفرضُ ذلك.
الدَّور الثَّاني: دور التَّصدِّي، والمواجهة
حينما تحرَّكت عوامل جديدة في السَّاحة فَرَضَت هذا اللَّون من التَّصدِّي.
2- الإمام الحسن المجتبى (عليه السَّلام) قد مارس (دوس المصالَحَة) في مرحلةٍ كانت ظروفها الموضوعيَّة تَفْرُض هذا الموقف.
3- الإمام الحسين (عليه السَّلام) قد مارس (دور المواجهة، والتَّصدِّي) حينما لم يكن هناك خيار آخر؛ لمواجهة حال الخطر الذي يهدِّد الرِّسالة.
4- الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السَّلام) قد مارس (دور التَّرشيد الرُّوحيِّ والأخلاقيِّ)، حيث فَرَضَت المرحلة بملابساتِها الفكريَّة، والأخلاقيَّة، والاجتماعيَّة، والسِّياسيَّة انتهاج هذا النَّمط التَّرشيديِّ.
5- الإمامان الباقر، والصَّادق (عليهما السَّلام) كان لهما (دور علميٌّ متميِّز) في مرحلةٍ وفَّرت ظروفها الاجتماعيَّة، والسِّياسيَّة، والثَّقافيَّة لهذين الإمامين (عليهما السَّلام) إمكانات التَّحرُّك العلميِّ، والثَّقافيِّ.
6- وقد مارسَ بقيَّة الأئمَّة من أهلِ البيت (عليهم السَّلام) أدوارهم المتنوِّعة حسب الظُّروف والمناخات المتحرِّكة في عصورهم.
وهنا نخلص إلى أنَّ أسباب التَّنوُّع في أدوار الأئمَّة من أهل البيت (عليهم السَّلام) تتمثَّل فيما يلي:
أ- اختلاف الظُّروف الموضوعيَّة المتحرِّكة في عصر كلِّ إمام
فإذا درسنا الظُّروف المتحرِّكة في عصر أمير المؤمنين (عليه السَّلام) نجدها مغايرة عن الظُّروف التي تحرَّكت في عصر الإمام الحسن (عليه السَّلام)، وهكذا حينما نقرأ الظُّروف التي عاصرها الإمام الحسين (عليه السَّلام) نراها مغايره لظروف أبيه أمير المؤمنين (عليه السَّلام)، ولظروف أخيه الإمام الحسن (عليه السَّلام)، وهكذا نجد كلَّ إمام يعاصر ظروفًا مغايرة لما عاصره الأئمَّة الآخرون (عليهم السَّلام) ممَّا فرض تغيُّرا وتنوُّعًا في الأساليب المعتمدة لدى كلِّ إمام من أئمَّة أهل (عليهم السَّلام) بما يتلاءم وظروفه الخاصَّة.
ب- اختلاف الأوضاع التي تعيشها الأمَّة
فالأمَّة في كلِّ عصر لها أوضاعها الخاصَّة، ففي مرحلةٍ قد تصاب الأمَّة بتكلُّس الإرادة، وانهيار المواقف، وفي مرحلة تسقط الأمَّة في منزلقات الفساد، والتَّميُّع، وضياع القِيم والأخلاق، وفي مرحلة يسيطر على الأمَّة الجهل، والتَّخلُّف الفكريُّ، والثَّقافيُّ، وفي مرحلة تنتشر مبادئ الضَّلال، والكفر، والارتداد، والزَّندقة، ممَّا يهدِّد الإسلام في وجوده، وأهدافه، فمن الطَّبيعيِّ أنْ تختلف أساليب الدَّعوة لدى الأئمَّة، وفق هذه الاختلافات التي تعيشها الأمَّة، ووفق الحاجات التي يَفرضها كلُّ زمان، ومكان.
ج- اختلاف الأهداف المحدَّدة لكلِّ مرحلة
فالمرحلة التي عاصرها أمير المؤمنين (عليه السَّلام) لها أهدافها الخاصَّة.
والمرحلة التي عاصرها الإمام الحسن المجتبى (عليه السَّلام) لها أهدافها.
والمرحلة التي عاصرها الإمام الحسين (عليه السَّلام) لها أهدافها.
وهكذا لكلِّ إمام مرحلته التي تحمل أهدافها الخاصة.
وانطلاقًا من هذه الاختلافات المتعدِّدة، جاءت أساليب وأدوار الأئمَّة (عليهم السَّلام) متنوِّعة ومتعدِّدة.
* تفسيرات خطأ في قراءات الأساليب
وفي ضوء ما تقدَّم يتَّضح لنا خطأ الكثير من التَّفسيرات التي حاولت أنْ تقرأ (الاختلافات في أساليب الأئمَّة عليهم السَّلام).
ومن هذه التَّفسيرات الخطأ أذكرُ هذه النَّماذج:
النَّموذج الأوَّل: الاختلاف في القناعة، والرُّؤية، والاجتهاد!
visit
ويتَّجه إلى أنَّ الاختلاف في الأساليب لدى الأئمَّة من أهل البيت (عليهم السَّلام) ناشِئ من الاختلاف في القناعة، والرُّؤية، والاجتهاد.
هذا التَّفسير مرفوض جدًّا، فالأئمَّة (عليهم السَّلام) لا ينطلقون من (رؤى اجتهاديَّة)!، وإنَّما من رؤى معصومة.
1- في الحديث النَّبوىِّ: “الحسن والحسين إمامان قاما، أو قعدا”. (روضة الواعظين، الصفحة 156، الفتال النيسابوري).
2- وفي الحديث النَّبوىِّ: “إنَّما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح مَنْ دخلها نجا، ومَنْ تخلَّف عنها غرق”. ( بحار الأنوار 23/ 120/ ح41، المجلسي).
ثمَّ إنَّ هذا التَّفسير لم يقرأ الواقع في حياة الأئمَّة (عليهم السَّلام)!
النَّموذج الثَّاني: الاختلاف في القدرات والكفاءات!
ويتَّجه إلى أنَّ الاختلاف في أساليب الأئمَّة (عليهم السَّلام) ناشِئ من (الاختلاف في القُدُرَات والكفاءات)!
فالإمام الحسين (عليه السَّلام) صَالَحَ، لأنَّه لا يملك كفاءات عسكريَّة!
والإمام الحسين (عليه السَّلام) حَارَب، لأنَّه يملك كفاءات عسكريَّة!
والإمام السَّجَّاد (عليه السَّلام) كفاءاته روحيَّة!
والإمام الباقر، والإمام الصَّادق (عليهما السَّلام) كفاءاتهما علميَّة!
وهكذا بقيَّة الأئمَّة (عليهم السَّلام)!
هذا التَّفسير خطأ جدًّا فالأئمة (عليه السَّلام) جميعًا مؤهَّلون بأعلى درجات التَّأهيل؛ لمواجهة كلِّ المواقف في حركة الرِّسالة، وفي أوضاع الأمَّة، لهذا قد أكَّدت الرِّوايات الصّادرة عن النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم) على التَّمسُّك في كلِّ الأحوال بـ: “إنِّي تارك فيكم الثِّقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، ما إنْ تمسكتم بهما لن تضلُّوا بعدي أبدًا، وإنَّهما لن يفترقا حتَّى يَرِدَا عليَّ الحوض”. (في ظل أصول الإسلام، الصفحة86، الشيخ جعفر السبحاني).
النَّموذج الثَّالث: الاختلاف في المَزَاجات النَّفسيَّة!
ويتَّجه إلى أنَّ الاختلاف في أساليب الأئمَّة من أهل البيت (عليهم السَّلام) ناشِئ من (الاختلاف في المَزَاجات النَّفسيَّة)!
فالإمام الحسن (عليه السَّلام) قد سَالَمَ، لأنَّه يملك مزاجًا مُسالِمًا!
والإمام الحسين (عليه السَّلام) قد ثار، لأنَّه يملك مَزاجًا ثوريًّا!
والإمام السَّجَّاد (عليه السَّلام) قد مارس أسلوب الدُّعاء والعبادة، لأنَّه يملك مزاجًا روحيًّا!
والإمام الباقر (عليه السَّلام) قد مارس أسلوبًا علميًّا، لأنَّه يملك مزاجًا ثقافيًّا!
وهكذا الإمام الصَّادق (عليه السَّلام)، وكذلك بقيَّة الأئمَّة (عليهم السَّلام) لكلٍّ مزاجه الخاصُّ الذي يحدِّد أسلوبه في العمل!
هذا التَّفسير مرفوض جدًّا، وخطأ كلُّ الخطأ، فالأئمَّة (عليهم السَّلام) من أهل البيت معصومون، لا تحكم مواقفهم (حالات مزاجيَّة، وانفعاليَّة).
ثمَّ إنَّ هذه القراءة لمواقف الأئمَّة من أهل البيت (عليهم السَّلام) قراءة غير واعية، وقراءة متجنِّية.
هذه بعض نماذج من قراءاتٍ خطأ، ومرفوضة.
* أسباب التَّنوُّع في الأساليب لدى الأئمَّة (عليهم السَّلام)
فالاختلاف، والتَّنوُّع في الأساليب لدى الأئمَّة (عليهم السَّلام) محكوم لعوامل، وأسباب موضوعيَّة تتلخَّص في:
1- اختلاف الظُّروف الموضوعيَّة التي عاصرها الأئمَّة (عليهم السَّلام).
2- اختلاف أوضاع الأمَّة.
3- اختلاف الأهداف المحدَّدة لكلِّ مرحلة.
* الأدوار المشتركة
إذا كان هناك (تعدُّد في الأساليب لدى الأئمَّة عليهم السَّلام) حسبما تفرضه ضرورات كلِّ مرحلة، فهناك (أدوار مشتركة) تتحرَّك في كلِّ المراحل.
وينظِّم هذه الأدوار المشتركة هدف مركزيٌّ هو: (مصلحة الرِّسالة، وحماية مسيرتها، والحِفاظ على صيغتها الأصيلة).
فالأئمَّة من أهل البيت (عليهم السَّلام) – وفي كلِّ مراحلهم – يحملون هذا الهدف المركزيَّ.
فالإمام أمير المؤمنين (عليه السَّلام) في مُسَالَمَتِهِ، وفي تَصَدِّيه، ومواجهته كان يحمل (مصلحة الرِّسالة، وحماية مسيرتها) هدفًا مركزيًّا.
والإمام الحسن المجتبى (عليه السَّلام) في صلحِهِ كان يحمل (مصلحة الرِّسالة، وحماية مسيرتها) هدفًا مركزيًّا.
والإمام الحسين (عليه السَّلام) في ثورته كان يحمل (مصلحة الرِّسالة، وحماية مسيرتها) هدفًا مركزيًّا.
والإمام السَّجَّاد (عليه السَّلام) في تَهَجُّداتِهِ، وأدعيته كان يحمل (مصلحة الرِّسالة، وحماية مسيرتها) هدفًا مركزيًّا.
والإمامان الباقر، والصَّادق (عليهما السَّلام) في عطائهما العلميِّ، والثَّقافيِّ كانا يحملان (مصلحة الرِّسالة، وحماية مسيرتها) هدفًا مركزيًّا.
وهكذا بقيَّة الأئمَّة من أهل البيت (عليهم السَّلام).
* نمطان من الأدوار للأئمَّة (عليهم السَّلام) في الحياة
فالخلاصة أنَّ في حياة الأئمَّة من أهل البيت (عليهم السَّلام) نمطين من الأدوار:
النَّمط الأوَّل: الأدوار المتنوِّعة
حسب خصوصيَّات المراحل المختلفة التي عاصرها الأئمَّة من أهل البيت (عليهم السَّلام) ممَّا أنتج تنوُّعًا، وتعدُّدًا في الأساليب، والأدوار.
النَّمط الثَّاني: الأدوار المشتركة
ويحكمها هدف مركزيٌّ هو: (مصلحة الرِّسالة، وحماية مسيرتها).
وهذا الهدف المركزيُّ يفرض مجموعة أدوار مشتركه تتمثَّل فيما يلي:
1- حراسة العقيدة، ومفاهيم الدِّين
وكان للأئمَّة (عليهم السَّلام) مواقف واضحة، وجريئة في مواجهة (التَّيَّارات الفكريَّة) التي تشكِّل خطرًا على العقيدة الإسلاميَّة، وعلى مفاهيم الدِّين، كـ:
أ- تيَّار الإلحاد، والزَّندقة
ب- تيَّار الغلوِّ
ج- تيَّار التَّجسيم، والتَّشبيه
د- تيَّار الجَبْر، والتَّفويض
هـ- تيَّار الإرجاء
وغيرها من التَّيَّارات التي تهدِّد (العقيدة الإسلاميَّة الأصيلة).
2- حراسة القِيم، والأخلاق
كان للأئمَّة (عليهم السَّلام) دورهم الكبير في حراسة وحماية قِيم الدِّين، وأخلاقه، ومُثُله العُليا وقد مارسوا ذلك من خلال (المواعظ، والإرشادات)، ومن خلال (الأدعية، والابتهالات).
والصَّحيفة السَّجَّاديَّة نموذج راقٍ جدًّا في هذا المجال.
يقول الشَّهيد السَّيِّد محمَّد باقر الصَّدر متحدِّثًا عن الصَّحيفة السَّجَّاديَّة: “…، قد استطاع الإمام علي بن الحسين بما أُوتِي من هذه المواهب أنْ ينشر من خلال الدُّعاء جوًّا روحيًّا في المجتمع الإسلاميِّ، يساهم في تثبيت الإنسان المسلم عندما تعصف به المغريات، وشدِّه إلى ربِّه حينما تجرُّه الأرض إليها، وتأكيد ما نشأ عليه من قِيم روحيَّةٍ؛ لكي يظلَّ أمينًا عليها في عصر الغِنى والثَّروة، كما كان أمينًا عليها وهو يشدُّ حجر المجاعة على بطنه!
وقد جاء في سيرة الإمام [السَّجَّاد عليه السَّلام] أنَّه كان يخطب النَّاسَ في كلِّ جمعة، ويَعِظُهم، ويزهِّدهم في الدُّنيا، ويرغِّبهم في أعمالِ الآخرة، ويقرع أسماعهم بتلك القِطع الفنِّيَّة من ألوانِ الدُّعاء، والحمد، والثَّناء التي تمثِّل العبوديَّة المخلصة لله سبحانه وحدَه لا شريك له.
وهكذا نعرف أنَّ الصَّحيفة السَّجَّاديَّة تعبِّر عن عمل اجتماعيٍّ عظيم كان ضرورةُ المرحلة تفرضه على الإمام (عليه السَّلام)، إضافة إلى كونها تراثًا ربَّانيًّا فريدًا يظلُّ على مرِّ الدُّهور مصدر عطاءِ، ومشعل هداية، ومدرسة أخلاق وتهذيب، وتظلُّ الإنسانيَّة بحاجة إلى هذا التُّراث المحمَّديِّ العلويِّ، وتزداد حاجة كلَّما ازداد الشَّيطان إغراءً، والدُّنيا فِتنة، …”.
(الصحيفة السَّجادية الكاملة، الصفحة14، تقديم: الشَّهيد الصَّدر).
3- حراسة المَسار التَّشريعىِّ
كان للأئمَّة من أهل البيت (عليهم السَّلام) دور كبير مشترك في حماية مصادر التَّشريع الأصيلة كالرُّجوع إلى القرآن الكريم، وإلى السُّنَّة الشَّريفة والمتمثِّلة فيما صدر عن النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) من أقوال، وأفعال، وتقريرات، وينتظِم في السُّنة الشَّريفة ما صدر عن الأئمَّة من أهل البيت (عليهم السَّلام).
وفي سياق الحِفاظ على المسار التَّشريعيِّ الأصيل تصدَّى الأئمَّة (عليهم السَّلام) لكلِّ الصِّيغ الاستنباطيَّة التي تشكِّل حالات طارئة كالقياس، والاستحسان، وتفسير القرآن الكريم بالرَّأي.
* مسؤوليَّة الخطاب الدِّينيِّ في كلِّ عصر
مطلوبٌ من هذا الخطاب:
أوَّلًا: أنْ يملك رؤية موضوعيَّة بكلِّ الأوضاع المتحرِّكة في السَّاحة، ومطلوب في هذه الرُّؤية أنْ تكون رشيدة، وواعية، وبصيرة، لأنَّ أيَّ خَلَل في هذه الرُّؤية، وفي هذه القراءة له منتجاتُه المدمِّرة، وآثاره المرعبة.
ثانيًا: أنْ يقرأ الإمكانات، والقُدُرات بعيدًا عن المزاجيَّة، وعن كلِّ الانفعالات؛ لكيلا يكون الخطاب متطرِّفًا، ومتشدِّدًا، ومؤزِّمًا.
ثالثًا: أنْ تكون أهدافُ المرحلةِ واضحةً وواقعيَّةً خَشية أنْ يكون الخطاب طوبائيًّا، ومنفلِتًا، وبعيدًا عن ضرورات المرحلة.
رابعًا: أنْ تتنوَّع فعاليات الخطاب وفق ضرورات المرحلة، فقد يمارس الخطاب طرحًا ثقافيًّا، وروحيًّا، وتربويًّا بحتًا.
وقد يمارس طرحًا اجتماعيًّا.
وقد يمارس طرحًا سياسيًّا.
وحينما يمارس الخطاب الدِّينيُّ طرحًا سياسيًّا ينبغي ألَّا يزجَّ نفسه في المُنْزَلَقَات، والمُعْتَرَكات، والصِّراعات، وتبقى الضَّرورة أنْ يقول:
الكلمة النَّاصحة.
والكلمة المصلِحة.
والكلمة المعتدلة.
والكلمة الدَّاعية الى المحبَّة، والوحدة، والتَّسامح.
والكلمة التي تريد الخير للأوطان، والشُّعوب.
والخلاصة: أنْ يقول الخطاب الكلمة الصَّريحة الحكيمة، الرَّشيدة، النَّظيفة، الجادَّة، اللَّيِّنة.
وآخر دعونا أنْ الحمد لله ربِّ العالمين.