موائد الإيمان (4) طريقة وداع شهر رمضان؛ للظَّفر بإحدى الحُسْنَيَيْنِ!
موائد الإيمان
هي محاضرات للعلَّامة السَّيِّد عبد الله الغريفي، ألقيت في أيَّام السَّبت خلال شهر رمضان المبارك 1439هـ، وقد تمَّ تفريغها من تسجيلات مرئيَّة، وتنسيقها بما يتناسب وعرضها مكتوبة للقارئ الكريم.
(4)
طريقة وداع شهر رمضان؛ للظَّفر بإحدى الحُسْنَيَيْنِ!
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم.
والصَّلاة والسَّلام على سيِّد المرسلين سيِّدنا، وحبيبنا، وقائدنا محمَّد، وعلى آله الطَّيِّبين الطَّاهرين.
السَّلام عليكم أيُّها الأحبَّة جميعًا، ورحمة الله وبركاته.
“بإسناده إلى جابر بن عبد الله الأنصاريِّ، قال: دخلتُ على رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) في آخر جمعة من شهر رمضان، فلمَّا بَصُر بي، قال لي يا جابر، هذا آخر جمعة من شهر رمضان، فوِّدعه، وقل: اللَّهمَّ، لا تجعله آخر العهد من صيامنا إيَّاه، فإنْ جعلته، فاجعلني مرحومًا، ولا تجعلني محرومًا، فإنَّه مَن قال ذلك ظفر بإحدى الحسنيين: إمَّا ببلوغ شهر رمضان من قابل، وإمَّا بغفران الله ورحمته” (وسائل الشِّيعة7/267، الحر العاملي).
التَّنبيه على طريقة وداع الشَّهر الكريم
هذه الرِّواية تُروى عن جابر حينما دخل على النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) في آخر جمعة من شهر رمضان، أي: في الأيَّام الأخيرة منه.
إنَّ النَّبيَّ (صلَّى الله عليه وآله) يُنبِّه جابرًا، ويُنبِّه النَّاس وكلَّ الأمَّة على موعد وداع هذا الشَّهر، فودِّعوه كما استقبلتموه.
ودِّعوه وأنتم تقولون في وداعه – أي: في وداع الشَّهر الكريم -: “اللَّهمَّ، لا تجعله آخر العهد من صيامنا إيَّاه”، ووفقِّنا إلى أنْ ندرك شهر رمضان القادم.
إنَّ الشَّهر المبارك سيرجع، والسَّنَة ستعود، ولكن هل سنكون نحن ممَّن يحظى بشرف اللِّقاء مع الشَّهر القادم، أم لا؟
فأنت تدعو الله تعالى – وأنت في آخر هذا الشَّهر – أنْ لا يحرمك من لقاء شهر رمضان في العام القادم بـ”اللَّهم، لا تجعله آخر العهد من صيامنا إيَّاه”.
إنَّنا صمنا هذا الشَّهر، فنسأل الله سبحانه أنْ لا يجعله آخر صيامٍ لشهر رمضان نصومه، “فإنْ جعلته” – يا ربُّ – آخر صيام لي من شهر رمضان، “فاجعلني مرحومًا، ولا تجعلني محرومًا”.
تفضَّل عليَّ بلطفك، وكرمك، ورحمتك لأنْ أكون من المغفور لهم، ومن المرحومين، ولستُ من المحرومين!
ثمَّ قال (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): “…، فإنَّه مَن قال ذلك”، أي: مَن قال هذا المقطع من الدُّعاء “ظفر بإحدى الحسنيين: إمَّا ببلوغ شهر رمضان من قابل، وإمَّا بغفران الله ورحمته”.
الاستقبال يؤسِّس للوداع!
أيُّها الأحبَّة، إنَّنا في بداية الشَّهر الفضيل، أو حينما نكون على مشارفه كنَّا نطرح على أنفسنا هذا السُّؤال: كيف نستقبلُ شهر الله المبارك؟
أمَّا في نهاية الشَّهر المبارك، فيجدر أنْ نطرح على أنفسنا هذا السُّؤال: كيف نودِّع شهر الله الفضيل؟
إنَّ بين الاستقبال والوداع تجانسًا تامًّا!، فإذا نجحنا في استقبال الشَّهر، فإنَّنا ننجح – إنْ شاء الله تعالى – في توديعه.
وإذا لم يكن استقبالنا للشَّهر ناجحًا، فلربما ينعكس ذلك سلبًا على توديعنا إيَّاه.
أمَّا إذا كان استقبالنا له ناجحًا، فإنَّ ذلك سيُؤسِّس لوداع ناجح، فالاستقبال النَّاجح يوفِّر – يمهِّد – لوداع ناجح.
شروط الاستقبال النَّاجح
إنَّنا نحتاج في الاستقبال النَّاجح إلى بعض الشُّروط؛ لكي نستقبل هذا الشَّهر استقبالًا ناجحًا، وهي:
1- خلوص النِّيَّة.
2- طهارة القلب.
3- الإقلاع عن المعاصي، والذُّنوب.
فعندما تتوافر هذه الشُّروط، من نيَّة صافية خالصة صادقة، وبقلوب نقيَّة، وإقلاع عن الذُّنوب – وتستمرُّ طيلة شهر رمضان المبارك -، فإنَّها – لا شكَّ – ستؤسِّس لوداع ناجح.
معنى الوداع النَّاجح!
ماذا يعني الوداع النَّاجح؟
إنَّنا الآن على مشارف نهاية هذا الشَّهر الفضيل، إذ ما هي إلَّا أيَّام قليلة – وكلُّ لحظة من لحظات هذا الشَّهر هي كبيرة جدًّا – ونودِّع هذا الشَّهر، فما الذي يعنيه الوداع النَّاجح؟
أوَّلًا: الإلحاح بالدُّعاء على طلب العودة
انطلاقًا من هذا الحديث – الآنف الذِّكر – نسأل الله تعالى العوْد إلى هذا الشَّهر الفضيل.
اسألوا الله سبحانه أنْ تعودوا إلى هذا الشَّهر، وألحُّوا في طلب العود في آناء اللَّيل، وأطراف النَّهار في هذه الأيَّام الباقية من الشَّهر الفضيل.
أكثروا من الإلحاح على الله سبحانه وتعالى أنْ يكتبكم من عُوَّاد هذا الشَّهر.
لا شكَّ أنَّ الشَّهر سيعود إلَّا أنَّنا نريد أنْ نكون من عوَّاد الشَّهر، وأنْ نعود ونحن في حال أحسن من هذا الحال، فـ”اللَّهم، لا تجعله آخر العهد من صيامنا إيَّاه”!
أكثروا من هذا المقطع في اللَّحظات الأخيرة من هذا الشَّهر الفضيل.
ثانيًا: الإكثار من طلب الرَّحمة
أكثروا من طلب الرَّحمة، فلربَّما يكون هذا آخر رمضان لنا.
إنَّ الأعمار بيد الله تعالى، ولذا أكثروا في هذه اللَّحظات الأخيرة في الشَّهر الفضيل من طلب الرَّحمة، “فإنْ جعلته، فاجعلني مرحومًا، ولا تجعلني محرومًا”.
ثالثًا: تجديد التَّوبة
ومطلوب – أيضًا – في هذه اللَّحظات الأخيرة من الشَّهر المبارك أنْ نجدِّد التَّوبة.
جدِّدوا التَّوبة، فقد أعلنتم التَّوبة الصَّادقة في بداية الشَّهر الفضيل – إنْ شاء الله تعالى -، ولذا أكِّدوا عليها أيضًا وأنتم في الأيَّام الأخيرة منه.
رابعًا: الإكثار من طلب العفو والرَّحمة
أكثروا من طلب العفو والرَّحمة، وادعوا الله تعالى أنْ يمسح عنكم كلَّ ما صدر من خطايا، وذنوبٍ، ومعاصي.
ما معنى وداع شهر رمضان؟
إنَّا نودِّع شهر رمضان المبارك، فما معنى أنْ نودِّعه؟
أو ما معنى وداعه؟
وهنا أستعرضُ مجموعة نقاط – بشكل سريع -، وهي:
1- حضور شهر رمضان المبارك في كلِّ واقعنا
يجب أنْ يبقى شهر رمضان المبارك حاضرًا في كلِّ واقعنا، فنحن عندما نودِّع شهر رمضان – نودِّع هذا المقطع الزَّماني من التَّاريخ الذي يبدأ بهلال شهر رمضان، وينتهي بهلال شهر شوَّال -، ولكن هل بانتهاء هذا المقطع من الزَّمان ينتهي كلُّ شيئ؟
إنَّنا إذا ودَّعنا شهر رمضان الزَّمان والتَّاريخ، فليس معنى ذلك أنْ نودِّع شهر رمضان المضمون.
إنَّ مضامين الشَّهر لم تنتهِ، وهذا هو المطلوب، وهنا تكمن المسألة الأصعب!
إنَّ العبادات بشكل عام – أحبَّائي – يجب أنْ تبقى مضامينها حاضرة في حياتنا.
أ- استمرار فاعليَّة الصَّلاة
إنَّا نصلِّي يوميًّا خمس فرائض، وقد نضيف إليها نوافل الصَّلاة، فَلِصلاة الصُّبح وقتها المحدَّد وينتهي بانتهاء هذا الوقت، وكذا بقيَّة الصلوات – كصلاة الظُّهر، وصلاة العصر، وصلاة المغرب، وصلاة العشاء، وصلاة اللَّيل، والنَّوافل – كلُّها محدودة بزمن معيَّن، وينتهي، ولكن هل يعني ذلك أنْ تنتهي الصَّلاة في حياتنا؟
أنا صلَّيت صلاة الفجر مع نوافلها – نصف ساعة -، وطلعت الشَّمس، فانتهى وقت الصَّلاة إلَّا أنَّه يجب أنْ يبقى تأثيرها ومضمونها في حياتي.
فهذه قيمة الصَّلاة!
فلا قيمة لصلاةٍ تعيش حاضرة في حياتي لمدَّة ربع ساعة، ثمَّ ينتهي حضورها!!
إنَّ المطلوب هو أنْ تبقى الصَّلاة، وتستمرُّ في حياتي، فالصَّلاة مضامين، وقِيم، وتوجيهات، وعطاء روحيٌّ فكريٌّ ثقافيٌّ اجتماعيٌّ.
إنَّ هذه المضامين يجب أنْ نحرص على أنْ تبقى في حياتنا إلى ما بعد الصَّلاة.
إنَّ هذه الفترة من صلاة الصُّبح إلى صلاة الظُّهر – أي: المقطع من الزَّمن – يجب أنْ لا تكون الصَّلاة غائبة في حياتنا.
إنَّ حضور الصَّلاة يعني حضور المضامين، حضور القِيم، حضور الاستقامة، حضور الطَّاعة، فهذا هو معنى حضور الصَّلاة.
فهل من الصَّحيح أنْ أقف بين يدي الله تعالى لمدَّة عشر دقائق، أو ربع ساعة، وبعد أنْ ينتهي اللِّقاء مع الله سبحانه، فإنَّها تنتهي كلُّ المعطيات؟!!
إنَّ الصَّلاة التي لها قِيمة هي الصَّلاة التي تبقى حاضرةً في حياة الإنسان بأفكارها، مضامينها، وبتوجُّهاتها، وبإرشاداتها.
ب- بقاء تأثير الدُّعاء مستمرًّا
الدُّعاء هو حالة تخاطب مع الله تعالى.
فَبِهِ تتحدَّث مع الله تعالى.
تطلب من الله سبحانه.
فقد يكون الدُّعاء لحظة، خمس دقائق، عشر دقائق، ربع ساعة، أي: له وقت محدَّد وينتهي.
فهل بانتهاء الوقت تنتهي العلاقة مع الدُّعاء؟
إذا كان الأمر كذلك، فهذا الدُّعاء ليس له قيمة!
إنَّ الدُّعاء الذي يحمل قيمة هو الدُّعاء الذي يبقى حاضرًا في حياتي، وفي كلِّ لحظة من لحظات حياتي.
ج- الذِّكر بالتَّعايش مع التَّقوى والاستقامة
قيمة الذِّكر – أيضا – أنْ يكون الإنسان مستقيمًا طائعًا لله تعالى.
إنَّ مثل هذا هو الذِّكر الحقيقيُّ.
جاء في الحديث: “مَن أطاع الله، فقد ذَكَرَ الله وإنْ قلَّت صلاته، وصيامه، وتلاوته.
ومَن عصى الله، فقد نسي الله وإنْ كثرت صلاته، وصيامه، وتلاوته للقرآن” (معاني الأخبار، الصَّفحة399، الشَّيخ الصَّدوق).
فمتى ما أطعتَ ربَّك، فأنت ذاكِرٌ حتَّى لو كنت صامتًا.
فبمجرَّد كونك تعيش التَّقوى، والاستقامة، والطَّاعة فأنتَ في ذِكْر، فـ”مَن أطاع الله، فقد ذَكَرَ الله وإنْ قلَّت صلاته، …”، وعبادته.
لربما تكون عبادتي قليلة إلَّا أنَّني مطيع لله تعالى، فأنت في ذِكر.
“…، ومَن عصى الله، …”، فقد غفل عن ذِكر الله تعالى، “…، فقد نسي الله وإنْ كثرت صلاته، …”، وعبادته، “…، وصيامه، وتلاوته للقرآن”!
لربما تلاته للقرآن كثيرة إلَّا أنَّه غير مستقيم، فمثل هذا غير ذاكرٍ لله تعالى.
إذن، الذِّكر الحقيقيُّ هو الذي يصنع سلوكًا نظيفًا.
وإنَّ الصَّلاة الحقيقيَّة هي التي تصنع سلوكًا نظيفًا.
وإنَّ الدُّعاء الحقيقيَّ هو الذي يصنع سلوكًا نظيفًا.
وإنَّ التِّلاوة الحقيقيَّة للقرآن الكريم هي التي تصنع سلوكًا نظيفًا.
اجلس مع القرآن الكريم، وبين يدي القرآن الكريم – خمس دقائق، عشر دقائق، ربع ساعة، نصف ساعة -، واستمع إلى كلام الله سبحانه وتعالى.
إنَّك في الدُّعاء تتحدَّث أنت مع الله تعالى، بينما في تلاوة القرآن الكريم، فإنَّك – أنت – تستمعُ لحديث الله تبارك وتعالى!
إنَّ الدُّعاء هو حديث العبد إلى ربِّه، بينما التِّلاوة هي حديث الرَّبِّ إلى العبد!
فأنت في تلاوة القرآن الكريم تستمع إلى كلام الله تعالى.
إنَّك تجلس – عند تلاوة القرآن الكريم – بين يدي الله تعالى تستمع إلى حديثه سواء لمدَّة خمس دقائق، أم لعشر دقائق، أم لربع ساعة، أم لنصف ساعة، فهل عندما تنتهي هذه المدَّة الزمنيَّة انتهى حديث الله تعالى مع الإنسان؟!
دع حديث الله تبارك وتعالى حاضرًا في كلِّ لحظة من لحظات حياتك.
استحضر أنَّ الله تعالى يخاطبك بـ:
استقم، أطِعْ.
اتَّقِ الله!
اخْشَ الله!
تجنَّب المعاصي.
هذا خطاب مستمرٌّ، وليس خطابَ لحظاتٍ وقد انتهى!!
إنَّ قيمة التِّلاوة، والصَّلاة، والحجِّ، والزِّيارة تكمن فيما إذا كانت حاضرة في حياتي، وهكذا تكون قيمة الصِّيام.
قد ينتهي زمان الصِّيام، إلَّا أنَّ مضمونه باقٍ، قال تعالى: ﴿… كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (سورة البقرة: الآية183).
2- الصِّيام يصنع التَّقوى
إذا كان الصِّيام هو الذي يصنع التَّقوى، فالتَّقوى – إذنْ – مستمرَّة في حياتي، وأثر الصيام مستمرٌّ لم ينتهِ.
من الصَّحيح أنَّه قد انتهى الشَّهر، وانتهى الزَّمان إلَّا أنَّ مضمون الصِّيام لم ينتهِ، لأنَّ التَّقوى حاضرة، ولأنَّ الورع حاضر، ولأنَّ النَّظافة حاضرة، فإذن الصِّيام حاضر.
ومعنى ذلك أنَّنا لم نكن صائمين شهرًا فقط، بل إنَّنا صائمون في كلِّ حياتنا ما دمنا على تقوى الله تعالى، وعلى طاعة الله سبحانه.
فنحن – والحال هذه – صائمون وإنْ أكلنا، وإنْ شربنا!
إنَّ الصِّيام هو المضمون!
إذا كان الصِّيام الزَّمانيُّ قد انتهى، فإنَّ الهدف الأساس هو:
الصِّيام.
المضمون.
الطَّاعة.
التَّقوى.
فهذه المعاني هي بقاء المضمون.
فنحن حينما نودِّع شهر رمضان الفضيل نودِّع شهر رمضان الزَّمان، ولا نودِّع شهر رمضان المضمون!
إنَّ بعض النَّاس يقولون: إنَّنا نودِّع شهر رمضان الزَّمان والمضمون معًا!
فمنذ أنْ ينتهي شهر رمضان انتهت الطَّاعة معه!!
بمعنى آخر يقولون: نحن قد عقدنا هدنة مع الشَّيطان لمدَّة شهر، وبعد الشَّهر، فَقَد انتهت الهدنةُ، فلْنرجِع للصُّلح مع الشَّيطان!
إنَّ مثل مَن يقول هذا الكلام ليس صائمًا حقيقيًّا!
إنَّ الذي يصوم، ويجعل علاقته مع الله تعالى مؤقَّتة، ومفارقته مع الشَّيطان مؤقَّتة، فمثل هذا الصِّيام لا يُعدُ صيامًا حقيقيًّا.
إنَّ المطلوب هو أنْ نعطي لهذا الشَّهر حضورًا حقيقيًّا.
أنْ نعطي للصِّيام مضمونًا حقيقيًّا، وأنَّ التَّعاطي الحقيقيَّ يعني هو التَّعاطي الرُّوحيُّ، والأخلاقيُّ، والسُّلوكيُّ، والثَّقافيُّ، والاجتماعيُّ.
فهذه هي مجمل موضوع تعاطياتٍ من اللَّازم أنْ نتعاطاها مع الصِّيام.
لربما أنَّ بعض النَّاس يتعاطى مع الصِّيام بشكل فقهيٍّ بحْت.
ما معنى بشكل فقهيٍّ بحت؟
يقول الفقهاء: الصِّيام هو أنْ تنوي صيام يوم غدٍ، وتُمسك عن مجموعة مفطِّرات – واحد، أو اثنين، أو ثلاثة، أو أربعة أو عشرة -.
هذا يُسمَى بالصَّوم الفقهي.
من الصَّحيح أنَّك قد صمت صيامًا فقهيًّا صحيحًا، حيث نَويت الصِّيام، وتجنَّبت المفطرات، ولم تحدِث ما قد يقدح في صحَّة صيامك – وهذا الصِّيام مطلوب، كما الصَّلاة الفقهيَّة، والحج الفقهي مطلوبان وإلَّا أصل العبادة تكون فاسدة – إلَّا أنَّ في الصَّوم مضامين روحيَّة، وأخلاقيَّة، وثقافيَّة، واجتماعيَّة، وسلوكيَّة، فهل حقَّقت هذه المضامين أثناء الصِّيام؟
فمطلوب منِّي أنْ أحقِّق هذه المضامين في حياتي أيضًا.
3- الدَّعوة إلى جلسة محاسبة جادَّة مع النَّفس
ولذلك كلِّه أدعو نفسي، وأدعو إخوتي – ونحن في الأيَّام الأخيرة من الشَّهر الفضيل – أنْ نجلس جلسة محاسبة جادَّة مع النَّفس.
لم تبقَ إلَّا أيَّام، فاجلس من الآن جلسة محاسبة مع نفسك، وانظر، وقيِّم مستوى تعاملك مع شهر رمضان المبارك.
إنَّنا حينما نجلس جلسة المحاسبة – وهذه أيَّامها في الأيَّام الأخيرة من شهر رمضان المبارك – نجلس بيننا وبين أنفسنا مع الله تعالى، لا مع النَّاس، ولا في أوساط، ولا في مجالس.
أجْلِسُ جلسةً مع نفسي في أيِّ مكان سواء في المسجد، أم في البيت، أم في أيِّ مكان، فهذه جلسة محاسبة حصيلة الشَّهر!
ما هي حصيلة شهر رمضان المبارك؟!
فسأخرج – إذا ما جلست جلسة المحاسبة الجادَّة – بواحدة من ثلاث نتائج حينما أدرسُ، وأحاسب، وهي:
النتَّيجة الأولى: الحصيلة صفر – والعياذ بالله تعالى –!
إنَّ الإنسان الذي لم يتوفَّق – تمامًا – في شهر رمضان يرى أنَّ حصيلته صفرًا – وهذا الأمر – قليل في المؤمنين والصَّالحين إنْ شاء الله تعالى، إلَّا أنَّ هذا هو أحد المُحتملات في محاسبة النَّفس.
النَّتيجة الثَّانية: الحصيلة غير الوافرة
لقد حصل الإنسان على مجموعة أرباح إلَّا أنَّها ليست بحجم الموسم!
إنَّ عطاء هذا الموسم كبير إلَّا أنَّ الثَّمرة التي حصدتُها منه لم تكن بالمقدار الذي أطمحُ إليه، وهذه الحالة مثل أنْ يكون إنسان في موسم تجاريٍّ كبير إلَّا أنَّه يخرج منه بربح ضعيف!
النَّتيجة الثَّالثة: الحصيلة الوافرة
لقد واظبتُ في شهر رمضان المبارك على حضور المساجد، وتلاوة القرآن الكريم، والذِّكر، وإقامة صلاة اللَّيل، وقمت على أداء خَدَمات للنَّاس، وقضاء حوائجهم، كما تفقَّهتُ في الدِّين، وتعلَّمتُ، وغير ذلك من الأمور المطلوبة، فالحمد لله تعالى بقدر طاقتي حصَّلت بنسبة ما شيئًا من الرُّبح، وإن كنتُ أسأل الله تعالى المزيد.
هذه هي النَّتائج الثَّلاث، فهل نستطيع أنْ نغيَّرها في الأيَّام القليلة الباقيَّة؟
افترض أنَّ النَّتيجة الأولى – الحصيلة صفر -، فهل أقدرُ على إعادة حساباتي في يومين، أو ثلاثة، وأرفع منسوب درجاتي؟
نعم، تستطيع حتَّى في آخر لحظة من شهر رمضان المبارك!
تستطيع أنْ ترفع منسوب الحسنات، ففي لحظة من اللَّحظات تعود، فتغيِّر باقي الأيَّام!
إنَّ الباقي هي أيَّام، وفي بقيَّة هذه الأيَّام سأستنفر طاعتي، وأعمالي التي تقرِّبني إلى الله تعالى – وهي الأيَّام الأفضل في شهر رمضان المبارك -!
هذه الأيَّام الأخيرة، ولذلك ففي كلِّ ليلة منها عتقاء من النَّار، ويُعتق في ليلة العيد ما يُعتق في كلِّ شهر رمضان!
إذن، عندنا فرصة كبيرة ومُؤاتية لاستدراك ما فات!
ولا زالت الفِرصُ باقية، فلا يقلْ أحد: قد انتهت الفرصة، وقد خسرتها!
إنَّ الفرصة لا زالت موجودة.
إنَّ الفرصة لا زالت موجودة ومتاحة إلى آخر لحظة من الشَّهر، بل حتَّى إلى آخر ليلة منه!
هي متاحة أمام كلِّ واحد منَّا؛ ليُعدِّل في النَّتائج.
وإذا كانت النَّتيجة من النَّوع الثَّاني – وهي النَّتيجة الضَّئيلة جدًّا -، فأستطيع كذلك أنْ أرفع مستوى النِّسبة فيها.
فلا زالت الفرصة أمامي موجودة.
وإذا كانت النَّتيجة من النَّوع الثَّالث – وهي الحصيلة الوافرة ولله الحمد -، فيجب أنْ لا يصيبني غرور، ويأخذني العُجب بأنَّني قد صلَّيتُ كثيرًا في الشَّهر الفضيل، وحضرتُ المساجد، وصلَّيت صلاة اللَّيل!
حذارِ، حذارِ من العجب!
فمِن اللَّازم أنَّ يشعر الواحد منَّا عندما يؤدِّي عبادة ما من داخله بالتَّقصير.
فلا يأخذني الغرور والعجب، فهما خطيران!
الفرق بين الفرح بالطَّاعة والعُجب
وعلى الإنسان أنْ يُفرِّق بين حالتين:
الحالة الأولى: الفرح بالطَّاعة
إنَّ الفرح بأداء الصَّلاة جماعةً، وحضور المسجد، وإقامة صلاة اللَّيل، وتقديم خدمات للنَّاس مطلوب، ولا مشكلة في مثل هذا الفرح، وليس هذا من العجب!
الحالة الثَّانية: العُجب
يوجد بعض النَّاس لا يفرِّقون بين الفرح بالإتيان بالعبادة، وبين العُجب!
إنَّ العُجب لا يلتقي مع الفرح بأداء العبادة طاعةً لله تعالى، حيث العُجب هو أنْ يعتقد الإنسان أنَّه قد أدَّى إلى الله تعالى كلَّ حقِّه!
وانتهيتُ، ولا يريد الله تعالى منِّي بعدها شيئا!
فقد جئت بما عليَّ!!
إنَّ هذا يُعدُّ عُجبًا!!
فالإنسان المؤمن كلَّما أتى بعبادة استشعر التَّقصير بين يدي الله سبحانه وتعالى.
إنَّك – أيُّها الإنسان – بين يدي ربِّك مقصِّرٌ!
إنَّ الأنبياء، وكذا الأوصياء (عليهم السَّلام) يستشعرون التَّقصير بين يدي الله تعالى، فمَن نحنُ، ومَن أنا حتَّى أقول: أنا أدَّيتُ لله تعالى كلَّ حقِّه؟!
لو كانت كلُّ حياتي عبادةً ما أدَّيتُ شُكر نعمة واحدة من نِعم الله تعالى عليَّ!
وأنت حينما أدَّيتَ العبادة أليستَ هي نعمة من الله تعالى، وتحتاج إلى شكر منك؟!
مَن الذي أعطاك الطَّاقة على أنْ تعبد؟، وأنْ تُصلِّي؟، وأنْ تقوم اللَّيل؟، وأنْ تخدم النَّاس؟
هذا كلُّه عطاء ربَّانيٌّ، فالحذر من أنْ يعجب أحدُنا بنفسه!
أمَّا إذا فرح، وامتلأ فرحًا بأنَّه يؤدِّي الطَّاعة، والعبادة، وتوفَّق في شهر رمضان المبارك، فمثل هذا لا يُعُدُّ عُجبًا، ولا مشكلة في مثل هذا الفرح، بل هو مطلوب!، إلَّا أنَّ العُجب خطير حتَّى ورد في الرِّواية: “دخل رجلان المسجد، أحدهما: عابد، والآخر: فاسق، فخرجا من المسجد، والفاسق صدِّيق، والعابد فاسق، وذلك أنَّه يدخل العابد المسجد مدلًا بعبادته يدلُّ بها، فتكون فكرته في ذلك، وتكون فكرة الفاسق في التَّندُّم على فسقه، ويستغفر الله ممَّا صنع من الذُّنوب” (بحار الأنوار69/311، العلَّامة المجلسي).
دخل رجلان المسجد أحدهما عابدٌ، والآخر فاسق، فكيف قد خرج العابد فاسقًا، والفاسق عابدًا؟!!
كيف دخل الرُّجل العابد عابدًا، وخرج فاسقًا؟!
ذلك لأنَّه أصابه الغرور، والعجب!
لربَّما كان يدور في خلده وذهنه: ما شاء الله، ما أكثر حضوري في المساجد!
وما أكثر عبادتي!
لقد أصابه العجب، فخرج على أساس ذلك من المسجد فاسقًا!
بينما دخل الفاسق المسجد، واستشعر النَّدم بين يدي الله تعالى، ولربَّما خاطب نفسه: أنا العبد الفاسق!
أنا العبد العاصي!
فيخرج مثل هذا الرَّجل عبدًا صالحًا!
الحذر كلُّ الحذر من العُجب!
بقيت هذه الفرصة من هذا الشَّهر، فمَنْهِجوها، وبرمجوها.
إنَّها أوقات لا تعوَّض.
إنَّ أوقات هذا الشَّهر الفضيل لا تُعوَّض إطلاقًا، بل كلُّ لحظة من لحظات هذا الشَّهر لا تُعوَّض.
فلا تمر اللَّحظات الأخيرة من هذا الشَّهر، ولا الآنات الأخيرة منه بدون استثمار، واستزادة من الطَّاعات، واستزادة من القُرْب والعشقِ الإلهيَّيْنِ.
نسأل الله تعالى أنْ يوفِّقنا؛ لأداء حقِّ هذا الشَّهر، وأنْ يعيدنا عليه في أحسن حال.
وآخر دعوانا أنْ الحمد لله رب العالمين.
والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فقرة الأسئلة
س.1: يوجد شخص قد منعه الطَّبيب من أنْ يصوم طوال حياته، فهل تسقط عنه الكفَّارة؟
ج.1: إذا صار المكلَّف في وضع صحِّيٍّ يسمح له بالصِّيام، فعليه القضاء، إمَّا إذا تعذَّر عليه القضاء لاستمرار الوضع الصِّحيِّ – أي: بالمرض مثلًا -، فيدفع فديةً، ومقدارها هو كيلو إلَّا ربع، والأحوط مُدَّانِ بأنْ يدفع كيلوًا ونصفًا من الطَّعام عن كلِّ يوم.
وجنس الطَّعام المدفوع فديةً هو: إمَّا تمر، وإمَّا طحين، وإما رزٌّ.
ولا تُدفع مبالغَ مقابل كلِّ يوم، بل يُدفع طعامٌ عن كلِّ يوم بمقدار مُدٍّ، أو مُدَّين على الأحوط – كما قلنا -.
فعلى المكلَّف هذا – الذي أفطر لعذرٍ – أنْ ينتظر، فيرى هل يقدر أنْ يقضي في السَّنة القادمة – ولو احتمالًا – قبل شهر رمضان القادم، فإذا تمكَّن يقضي.
أمَّا إذا كان يعرف أنَّه ستستمرُّ معه الحالة المرضيَّة إلى شهر رمضان القادم، ولن تتحسَّن صحَّته،
ووضعه لا زال على ما هو عليه، وأنَّ مرضه مُزمن، ومن غير المسموح له بالصِّيام، أو عجز
عن القضاء، فحينئذٍ يدفع الفدية.
س.2: ما هي الكلمة التي يوجهها سماحة السيد الغريفي إلى النِّظام في أواخر شهر رمضان؟
ج.2: إنَّ شهر رمضان المبارك شهر التَّسامح، شهر المحبَّة، شهر الرَّحمة، وإذا كان المطلوب من الكنَّاس أنْ يعيش التَّسامح، ويعيش المحبَّة، ويعيش الرَّحمة، فمطلوب ذلك – أيضًا – من المواقع المتقدِّمة في الأمَّة.
مطلوب من القيادات السِّياسيَّة.
مطلوب من الحكَّام.
مطلوب من كلِّ المواقع المتقدِّمة أنْ تكون هي النَّماذج الأرقى في التَّسامح، وفي المحبَّة، وفي الرَّحمة، وفي الرِّفق بالشُّعوب.
إنَّ شهر رمضان المبارك يعلِّمنا الرِّفق!
إنَّ الله سبحانه رفيق يحبُّ الرِّفق، وأفضل فرصة للرِّفق هي فرصة شهر رمضان المبارك، وفرصة الأعياد، فهذه هي الفرصة الأكبر أمام الأنظمة الحاكمة؛ لكي تعبِّر عن رفقها، وعطفها، وكرمها، والتزامها بما للشُّعوب من حقوق.
الشُعوب لها حقوق، والأنظمة لها حقوق، ونحن دائمًا ما نبحث عمَّا يخلق أجواء التَّوافق، وفيما فيه مصالح الأوطان.
الوطن في قلوب الجميع، وفي مشاعر الجميع، وفي عقول الجميع، فدعونا نعطي للوطن حقَّه، ونعطي للمواطنين حقوقهم.
فإذا كان للوطن حقوق، فللمواطن حقوق، وحينها تتوازن الحقوق.
لنجْعل فرصة الصِّيام، وفرصة الأعياد فرصة محاسبة، وإعادة نظر في كلِّ المعطيات.
ولا أقول إنَّ هذا الخطاب موجَّه للنِّظام فحسب، بل لنا جميعًا، فعلينا أنْ نعيد الحسابات.
ومن الطَّبيعيِّ أنْ الأنظمة الحاكمة هي الأَوْلَى في أنْ تعيد كلَّ حساباتها.
وإنَّ على الشَّارع أنْ يعيد كلَّ حساباته.
وإنَّ على القوى السِّياسيَّة أنْ تعيد كلَّ حساباتها.
إذا كُنَّا في شهر رمضان المبارك مطلوبين أنْ نحاسب سلوكنا الشَّخصيَّ، وأنْ نحاسب عبادتنا، وأنْ نحاسب طاعتنا، فكيف بالسُّلوك الذي يتَّصل بوضع الأوطان، وبوضع الشُّعوب؟!
فالخطاب للشُّعوب، والخطاب للأنظمة: أنْ يكون هذا – موسم الصِّيام، وموسم العيد – الفرصةَ الأكبر؛ من أجل أنْ نُعبِّر عن صدق إصرارنا، وحرصنا على سلامة الأوطان.
س.3: مرَّ بنا يوم القدس والذي يحاول البعض إنهاء قضيَّة المسلمين الأولى من خلال التَّثبيط، وبثِّ روح اليأس، وعدم جدوى إحياء هذا اليوم ولو بكلمة، فما هو رأي سماحتكم؟
ج.4: لقد مرَّت جمعة القدس يوم أمس، وجمعة القدس في هذا العام لها خصوصيَّتها!
لقد مرَّ على الاحتلال الصُّهيونيِّ للوطن الفلسطينيِّ ما يقرب من سبعين عامًا إلَّا أنَّه هذا العام قد مرَّ يوم القدس والقدس مغصوبة!!
لذلك يجب على كلِّ المسلمين في العالم أنْ يعيشوا حضورًا حقيقيًّا في التَّعاطي مع قضيَّة القدس، وقضيَّة فلسطين، فهي قضيَّة الأمَّة الأولى.
وهي قضيَّة المسلمين الأولى.
وهي قضيَّة العرب الأولى.
فيوم القدس يذكِّرنا بمسؤوليَّتنا، ومسؤوليَّة الأنظمة، ومسؤوليَّة الشُّعوب، ومسؤوليَّة العلماء، ومسؤوليَّة كلِّ القوى الفكريَّة، والثَّقافيَّة، والسِّياسيَّة تجاه هذه القضيَّة الكبرى من قضايا أمَّتنا.
س.4: هل يجوز إعطاء زكاة الفطرة إلى تارك الصَّلاة؟
ج.4: يستشكل الفقهاء في إعطاء شارب الخمر، وتارك الصَّلاة، والمتجاهر بالفسق من زكاة الفطرة.
وليس معنى ذلك أنْ نبحث – نفتِّش – عن واحدٍ عادل وصالح حتَّى أعطيه الفطرة، بل المطلوب فيه أنْ لا يكون معروفًا بالتَّجاهر بفسقه، وبتجاهره بشرب الخمر، وتجاهره بترك الصَّلاة، وهذا هو معنى الاحتياط بعدم إعطائه من زكاة الفطرة.
س.5: ما حكم من أخَّر زكاة الفطرة إلى اليوم الثَّاني؟
ج.5: إنَّ تأخير إخراج زكاة الفطرة لا يجوز.
نعم، تأخير التَّسليم – أي: تسليم زكاة الفطرة لمستحقِّها – لا مشكلة فيه!
بمعنى: إنَّك في يوم العيد تنوي إخراج زكاة الفطرة، وتعزلها في ظَرف خاصٍّ، وتؤخِّر تسليمها يومًا، أو يومين، أو أسبوعًا إلى أنْ تجد الفقير المناسب، فتعطيها إيَاه، ففي مثل ذلك لا مشكلة، وإنَّما المشكلة في إخراج زكاة الفطرة، فيجب أنْ لا يتأخَّر إخراجها.
فإخراج زكاة الفطرة يجب أنْ يكون في يوم العيد، أو ليلة العيد، – على رأي بعض الفقهاء -، أو في شهر رمضان – على رأي بعض الفقهاء -، وأنْ تجعلها معزولة في ظرف خاصٍّ، وتسلِّمها بعدئذٍ لصندوق، أو لمَن هو مستأمن على إيصالها، أو توصلها إلى فقير.
س.6: ما هي المؤشِّرات التي من خلالها نعرف أنَّنا قد قُبِل منَّا صيامنا، وقيامنا في هذا الشَّهر الفضيل؟
ج.6: توجد الكثير من الرِّوايات التي تؤكِّد أنَّك إذا أردت أنْ تكشف قَبول عبادتك، وقَبول صلاتك، وقَبول حجِّك، وقَبول تلاوتك، فانظر إلى الأثر في حياتك، فإذا رأيت أثرًا للصَّلاة في حياتك، فاعتبرها مقبولة.
وإذا رأيت أثرًا للحجِّ في حياتك، فحجُّك مقبول.
وإذا رأيت أثرًا عمليًّا للتَّقوى، والصَّلاح، والورع، والخُلُق، فعملك مقبول.
إذا رأيت للصِّيام أثرًا في حياتك، فعملك مقبول.
هذا هو معيار القَبول عند الله سبحانه وتعالى.
س.7: هل من بصيص أمل لحلحلة الوضع السِّياسيِّ في البلد؟
ج.7:إنَّنا نعيش الأمل دائمًا.
إنَّ الإنسانَ المؤمن يعيش الأمل مهما تراكمت الضُّغوط، والقضايا، والأزمات.
إنَّ المطلوب منَّا كمؤمنين بالله تعالى أنْ نعيش الأمل، الأمل بالله تعالى.
نعم، يبقى الإنسان يُحرِّك المؤشِّرات على الأرض، فمثل هذا الأمر مطلوب.
لقد قلنا أكثر من مرَّة، وقد وجَّهنا رسائل تحمل الكثير من المحبَّة، والتَّسامح، والأمل في معالجة أزمات هذا الوطن.
لقد أرسلنا الكثير من الرَّسائل عبر الكلمات، وعبر الخطابات التي تُعبِّر عن حسن النَّوايا الموجودة، ونتمنى – ولا زلنا نتمنَّى – أنْ تُقابل هذه الرَّسائل برسائل إيجابيَّة.
ومن خلال الكلمات توجد تأكيدات إلَّا أنَّنا ننتظر الخطوات العمليَّة التي تعبِّر عن وجود عزيمة حقيقيَّة في إصلاح الأوضاع في هذا الوطن الذي نتمَّنى له كلَّ الخير، وكلَّ السَّعادة، وكلَّ الهناء.
ولن يكون لهذا الوطن سعادة، وهناء، واستقرار إلَّا إذا كان كلُّ أبناء هذا الوطن يعيشون السَّعادة،
والاستقرار، والهناء.
س.8:ما هي توجيهاتكم لأصحاب المجالس القرآنيَّة التي تبقى لوقت متأخِّر، بحيث تزاحم وقت المجالس الحسينيَّة في أوقات الإحياء؟
س.8:إنَّ المجالس القرآنيَّة مطلوبة، مؤكَّد عليها – مع دعوتنا إلى تطويرها باستمرار، فنحن ندعو إلى أنْ تُدخل الكثير من التَّعديلات على هذه المجالس القرآنيَّة، وهي بلا شكٍّ ظاهرة طيِّبة ومباركة، وذلك بأن يكون القرآن الكريم حاضرًا في هذه البيوت، وهذه المجالس – إلَّا أنَّه يجب أنْ يكون هناك تنسيق.
بمعنى: إنَّه بقدر ما هنالك للمجالس القرآنيَّة من قيمة، فمجالس الذِّكر، ومجالس لدُّعاء، ومجالس الدَّعوات، ومجالس المحاضرات، والمجالس الحسينيَّة هي أيضًا يجب أنْ يكون لها حضور في هذا الموسم.
ويجب التَّنسيق، أي: أنْ تُحدَّد أوقات المجالس القرآنيَّة، ثمَّ بعد ذلك يكون هناك مجلس جامع في المنطقة.
إنَّني أتصوَّر أنَّ كثيرًا من المجالس القرآنيَّة تنتهي إلَّا أنَّ النَّاس يبقون جالسين، ويرغبون في استمرار المجالس مفتوحةً، لكن لو يُحدَّد سقفٌ زمنيٌّ، ويُعطى للمجلس الحسينيِّ، أو المحاضرات وقتًا؛ حتَّى يقدر الإنسان على التَّوفيق بين حضور المجالس، وبين المشاركة في الفعاليات الدِّينيَّة الأخرى.
س.9:بالنِّسبة لصلاة الجماعة نرى أنَّ أكثر المصلِّين يتهيَّبون من الصَّلاة في الصَّفِ الأوَّل، …
ج.9:إنَّ مصدر التَّهيُّب هذا يرجع إلى أنَّ الصَّفَّ الأوَّل – من المفترض فيه – أنْ يكون الإنسان الواقف فيه مُتْقِنًا صلاته، ووضوءه؛ حتَّى لا يسبِّب خللًا في الاتِّصال.
إنَّ الصُّفوف الأخرى لا توجد فيها مشكلة الاتِّصال كثيرًا، بينما الصَّف الأوَّل – باعتبار أنَّ فيه اتِّصال ببقيَّة المأمومين -، فإذا وُجد شخص لديه خلل في صلاته، أو في طهارته، أو في وضوئه، أو في غسله، فهنا تكمن مشكلة!
فبعض النَّاس يتخوَّف ويخشى من الوقوف في الصَّفِّ الأوَّل، إذ لربما يُشكِّك بالقول – مثلًا -: أنا عندي خلل في وضوئي، أو في صلاتي، فلا يمكنني الوقوف في الصَّفِ الأوَّل!
أمَّا إذا كان الإنسان بنسبة ما مطمئنًّا لوضعه، فلا يخشى شيئًا!
إنَّ أفضل الصُّفوف – في صلاة الجماعة – هي الصُّفوف الأولى، وأنَّ الصَّفَّ الأوَّل هو أفضل ثوابًا، وأكبر أجرًا من الصُّفوف الأخرى، فمن المفترض أنْ يحصل التَّسابق؛ للحصول على موقع في الصَّفِّ الأوَّل خاصَّة مع اطمئناننا الاطمئنان العام بصحَّة وضوئنا، وصحَّة غسلنا.
نعم الإنسان الوسواسيُّ الذي لديه كثير من الإشكالات – ولربما يكون متخوِّفًا كثيرًا –، فهذا حتَّى لو بقي في الصُّفوف الأخيرة، فلا مشكلة في ذلك.
إنَّ الصَّفَّ الأوَّل له فضيلته وثوابه، وكلَّما كان المأموم أقرب إلى الإمام كان هو الأفضل.
إنَّه من المفروض أنْ يتسابق النَّاس إلى الصُّفوف الأولى.
س.10: بالنِّسبة لما يصحُّ السُّجود عليه في حال عدم توفُّر التُّربة الحسينيَّة، هل يجوز لي السُّجود على الورق، أو المحارم الورقيَّة؟
ج.10: إنَّ الشَّرط العامَّ هو السُّجود على الأرض، وما أنبتت من غير المأكول، ومن غير الملبوس.
أي: أنْ تسجدَ على شيئ إمَّا أرض، وإمَّا حجر، وإمَّا على شيئ كالخوص – خوص النَّخيل -، السَّجَّادات من النَّخيل، إلَّا أنَّ أفضل ما يُسجد عليه هو التُّربة الحسينيَّة بلا إشكال.
أما مسألة الورق، فيجوز السُّجود على الورق، وإنْ كان البعض – في المادَّة التي صُنِّع منها ورق المحارم الورقيَّة (الكلينكس) – يستشكل في مادَّة مكوِّناتها، فهل مكوِّناتها مصنوعة من الأرض؟، إلَّا أنَّ عددًا كبيرًا من الفقهاء يجوِّزون السُّجود على هذه المحارم الورقيَّة (الكلينكس)، لأنَّه ورقٌ، والورق يجوز السُّجود عليه.
فما دام يصدق عليه أنَّه ورق، فيصحُّ السُّجود عليه.
س.11: في الأدعية المأثورة – وهي كثير – تتكرَّر عبارة: “اللَّهمَّ، ارزقني حجَّ بيتك الحرام”، فهل من فلسفةٍ خاصَّة تربط موسِمَيْ الحجِّ بالصِّيام؟
ج.11:توجد علاقة كبيرة بين الصِّيام وبين الحجِّ.
بمعنى: إنَّنا إذا لاحظنا، فسنجد أنَّ هناك مجموعة محظورات، ومحرَّمات، وممنوعات على الصَّائم، وكذا إذا هو الحال إذا رأينا الحجَّ، فسنجد مجموعة محظورات، وممنوعات على المُحْرِم.
فتوجد نسبة تشابه بينهما.
ففي الصِّيام هناك نسبة من المحظورات، وكذا في الحجِّ توجد أيضًا.
وفي الصِّيام توجد نسبة فعاليات، وكذا في الحجِّ توجد أيضًا.
ففي شهر رمضان – بشكل عام – توجد صلوات، وتلاوات للقرآن الكريم، وأدعية، ومجموعة عبادات، فهو – شهر رمضان – عبادة يحتضن مجموعة عبادات، وكذا في الحجُّ أيضًا، فهو عبادة ويحتضن مجموعة عبادات، كتلاوة القرآن الكريم، والأدعية.
إنَّ الصِّيام فيه تربية روحيَّة مُكثَّفة.
يوجد فيه وقت طويل للتَّربية الرُّوحيَّة، والإيمانيَّة.
وكذا موسم الحجِّ، فهو موسم مُكثَّف للتَّربية الرُّوحيَّة، والإيمانيَّة أيضًا.
إنَّ موسم الصِّيام ينتهي بعِيدٍ، وكذا موسم الحجِّ ينتهي بعيدٍ أيضًا.
والعيدُ – كما تعلمون – هو تعبير عن فرحة بأداء هذه الفريضة الكبيرة.
إنَّ الصَّائمين يفرحون، لأنَّهم قد أدَّوا صيامهم، وقاموا لله تعالى في الشَّهر الفضيل، وأدَّوا عبادات، فيفرحون بطاعتهم.
هذه هي فلسفة العِيد، وهي الفرحة بطاعة الله تعالى، والفرحة بأداء فريضة من أقدس الفرائض، وكذا الحال بعد انقضاء موسم الحجِّ!
لذلك جاء في الحديث: “كلُّ يوم لا يُعصى الله فيه، فهو عيد”.( ) (نهج البلاغة، الصفحة852، خطب الإمام علي عليه السَّلام).
فالعيد ليس لمَن لبس الجديد، العيد لمَن خاف الوعيد!
إنَّ العيد له فلسفته.
إنَّ فلسفة العيد في شهر رمضان المبارك تكون في نهاية شهر رمضان المبارك، أي: بداية شهر شوَّال.
وهي – أيضًا – فلسفة العِيد في أواخر انقضاء أيَّام أعمال الحجِّ.
فبعد أنْ تنقضي أعمال الحجِّ يفرح الحجَّاج بأداء أعمالهم كما يفرح الصَّائمون بأداء ما عليهم من واجب الصِّيام.
إذنْ، هناك علاقة كبيرة بين الحجِّ والصِّيام، ولذلك جاء التَّأكيد على الحجِّ في الكثير من أدعية شهر رمضان المبارك، وعلى التَّوفيق لإدراكه!
الوصلة:
1.https://www.youtube.com/watch?v=-6rFA7ysd_M
2.https://www.youtube.com/watch?v=StVd-IITcco