حديث الجمعة 496: خطوةٌ تفتح الأمل
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيِّدِنا، ونبيّنا محمَّدٍ وآلِهِ الهُداةِ الميامين.
وبعد، فمع هذا العنوان:
خطوةٌ تفتح الأمل
اهتمامُ النِّظامِ بصحَّةِ سماحةِ الشَّيخ خُطوةٌ مُوفَّقةٌ، وهذه الخطوةُ تفتحُ الأملَ في مراجعةٍ شاملةٍ لكلِّ أوضاع الوطنِ.
إنَّنا نثمِّنُ، ونقدِّرُ كلَّ الاهتمامِ الَّذي أبداهُ عاهلُ البلادِ (حفظَهُ اللهُ تعالى) في متابعةِ أوضاعِ سماحةِ الشَّيخِ الصِّحيَّةِ، وكذلك متابعة كبارِ المسؤولين.
وهنا نتمنَّى بكلِّ حبٍّ، وبكلِّ ثقة أنْ يكون هذا الاهتمامُ الكبيرُ، وهذه المتابعةُ المشكورةُ منطلقًا جادًّا وفاعلًا؛ لمعالجةِ جميعِ قضايا الوطن، وجميعِ أزماتِه، وأوضَاعِهِ.
وهذا ما يشجِّعنا أنْ نطرَح – وبكلِّ صراحةٍ واثقةٍ – هذه المطالب:
أوَّلًا: أنْ تُصحَّح جميعُ أوضاعِ سماحةِ آيةِ اللهِ الشَّيخ عيسى أحمد قاسم (حفظه الله تعالى).
ثانيًا: أنْ تُنَقَّى جميعُ الأجواءِ الأمنيَّةِ ممَّا يُهيِّئُ الطَّريقَ؛ لمعالجةِ كلِّ الأوضاعِ، وإنهاءِ كلِّ الأَزَماتِ.
ثالثًا: إنهاءُ ملفِ السُّجناء بالطَّريقة التي تحفظ لهذا الوطنِ كلَّ الاستقرار، وكلَّ التَّسامحِ، والمحبَّةِ، والتَّآلف.
رابعًا: إلغاءُ جميع أحكامِ الإعدامات؛ لإنهاء كلِّ التَّوتُّراتِ، وكلِّ التَّأزُّماتِ، وكلِّ الانفلاتات، وكلِّ الانفعالات الضَّارَّة بأوضاع هذا الوطن.
لقد آنَ الأوانُ؛ لنعمل جميعًا؛ من أجلِ أنْ يتعافى الوطن، وأنْ يقوى الوطن، وأنْ يكبر الوطن.
وما أراه في هذا السِّياق التَّوفُّر على المكوِّنات التَّالية:
المكوِّن الأوَّل: تنقية المناخات
المكوِّن الثَّاني: التَّأسيس لحوارٍ جادٍّ
المكوِّن الثَّالث: الاتِّفاق على خارطةِ الطَّريق
ويجب أنْ تمرحل هذه المكوِّنات؛ لكيلا ترتبك المسارات، وتتعثَّر الخَيَارات.
أحاول – هنا – أنْ ألقي ضوءًا على هذه المكوِّنات.
المكوِّن الأوَّل: تنقية المناخات
فما دامتْ المناخاتُ السِّياسيَّةُ والأمنيَّةُ (مُعَكَّرةً)، و(مُلبَّدةً)، فلا يمكن أنْ يتنفَّسَ أيُّ جُهْدٍ في اتِّجاهِ المعالجةِ، لأنَّ المناخاتِ المُتْخَمَةَ بالمعكِّرات لا تسمحُ لأنْ تتحرَّك أيَّةُ محاولةٍ للتَّصحيح، وإذا تحرَّكت، فمصيرها التَّعثُّر، ومآلها الفشل.
ولماذا يجب تنقية المناخات؟
لأنَّه في ظلِّ المناخاتِ المأزومةِ، وفي ظلِّ الأوضاعِ القَلِقَةِ لا يمكن أنْ (تتولَّد الثِّقة) بين الأطرافِ المتخالفة في الرُّؤى، والقناعات.
وما لم نتمكَّن (نظامًا، وشعبًا) من التَّأسيس (لإنتاج الثِّقة)، فالأمور سوف تبقى مُعقَّدةً، وسوف تبقى الشُّكوك هي التي تحكم المواقف، ومتى هيمنت الشُّكوكُ، فإنَّها سوف تجهض كلَّ المبادرات.
مبادرات التَّصحيح في حاجةٍ إلى (تهيئةٍ)، وأهمُ عناصرِ التَّهيئةِ هو (خَلْق الثِّقة) بين النِّظام والشَّعب.
وهنا سؤالُ مهمٌ جدًّا يجب أنْ يُطرح: مَنْ الَّذي يجب أنْ يبدأَ بإنتاج هذه الخطوة (خطوة إنتاج الثِّقة)؟
قد يُقال: إنَّ النِّظام هو الَّذي يجب أنْ يبدأ في تهيئة الأجواء؛ لإنتاج الثِّقة بين النِّظام والشَّعب.
وقد يُقال: إنَّ الشَّارعَ – وبكلِّ قواه الدِّينيَّةِ، والثَّقافيَّةِ، والاجتماعيَّةِ، والسِّياسيَّةِ – هو المعنيُّ أوَّلًا بتوفير المناخات التي تهيِّئ؛ لإنتاج الثِّقة بين النِّظام والشَّعب، وذلك لأنَّ الشَّارع بكلِّ جماهيرِه، ومكوِّناتِه يُشكِّل الأرضيَّة؛ لتحرُّك مشاريع الإصلاح، فبإمكان هذا الشَّارع أنْ يُنجح (مبادرات التَّصحيح)، وبإمكانه أنْ يُجهضَها، وأنْ يُعطِّلها!
ربَّما لكلِّ واحدٍ من هذه الأقوال مبرِّراتُه، ووجاهتُهُ، فكلُّ المواقع، وكلُّ الأطراف لها أدوارُها المؤثِّرةُ، ولها إسهاماتُها الفاعلةُ في إرباكِ (المناخات)، وفي تنقيتِها، وتهيئتِها، وهذا ما يفرض أنْ تتعاون كلُّ المواقع، وكلُّ الأطرافِ في تهيئةِ وتنقيةِ (المناخات) التي تؤسِّس لإنتاجِ (الثِّقة).
ورغم صحَّةِ ووجاهةِ هذا الكلام إلَّا أنَّ أنظمة الحكم بلا إشكال تتحمَّل المسؤوليَّات الأكبر في تنقية المناخاتِ، وإنتاج (الثِّقة بين الأنظمةِ والشُّعوب)!
وواضح جدًّا أنَّ المسارات السِّياسيَّة، والحقوقيَّة، والأمنيَّة تمسك مفاتيحَها، ومساراتِها (الأنظمة) بكلِّ ما تملك مِن قُدُراتٍ، وإمكاناتٍ، وأدواتِ تنفيذ ما لا تملكها المواقع الشَّعبيَّة.
المُطالبة بتنقية المناخات
فما نطلبه – وبكلِّ محبَّةٍ، وثقةٍ – من نظامنا الموقَّر في هذا الوطنِ الحبيب أنْ يبدأ بتنقيةِ المناخات، وبالتَّأسيس لتقوية الثِّقة، فصلاح هذا الوطن، وأمنُ هذا الوطن، ووحدةُ هذا الوطن هو (خيارُنا جميعًا)، و(مسؤوليَّتُنا جميعًا)، و(مشروعنا جميعًا).
ومن أجل (تنقية المناخات) مطلوب أنْ تحدَّد بدقَّةٍ، وصراحةٍ (الأسباب) التي تعكِّر هذه (المناخات السِّياسيَّة، والحقوقيَّة، والأمنيَّة).
وبعد هذا التَّحديد تتَّضح (المسؤوليَّات).
ولا ضرورة في أنْ نترامى (الاتِّهامات)، فيتَّهم النِّظامُ الشارعَ وقِواه بأنَّه مصدر الإرباكاتِ، والتَّوتُّرات، والتَّأزُّمات، ويقابله الشَّارعُ بتحميله كلِّ المسؤوليَّات!
أظنُّ أنَّنا إذا حدَّدنا (نمط الإرباكات)، و(نوع الأزمات) بِكلِّ وضوحٍ وشفافيةٍ، وصراحةٍ، وبكلِّ صدقٍ وثقةٍ ومحبَّةٍ، فسوف نتجاوز الكثير من (الإشكالات)، وسوف تتحدَّد أمامنا (المسؤوليَّات).
ولن نبقى نعيش لغة (التَّقاذُف) التي لن تزيد الأوضاع إلَّا توتُّرًا، وتأزُّمًا، وارتباكًا.
ويجب أنْ يملك كلُّ الأطراف (الجُرْأَة)، والشَّجاعة في الاعتراف بالمسؤوليَّة؛ ممَّا يفرض أنْ يضع الجميعُ (مصلحة الدِّين، والوطن) فوق أيِّ مصلحةٍ بعيدًا عن لغة الغالب والمغلوب!
كلُّ هذا الكلام لا يلغي اعتبار (النِّظام) هو (صاحب المبادرة) في (تنقية المناخات)، وفي (تصفية الأجواء)، وفي (إزالة كلِّ المعكِّرات).
وتبقى مسؤوليَّة الأطراف الأخرى في التَّعاطي مع أيِّ مبادرةٍ صادقةٍ وجادِّةٍ ومخلِصة، وباحثةٍ عن مسارات الإصلاح والتَّغيير.
المكوِّن الثَّاني: التَّأسيسُ لحوارٍ جادٍّ
إذا تنقَّت (المناخات)، وتعزَّرت (الثِّقة)، وتهيأت (الأجواء)، فإنَّ ذلك يُشكِّل (أرضيَّة صالحةٍ)؛ لبدْء (حوار جادٍّ) فيما هي قضايا الوطن، وأزماتُه.
شروط الحوار الجاد
مطلوب في هذا الحوار:
أوَّلًا: أنْ يكون حوارًا ينطلقُ من دوافعَ صادقةٍ، لا أنْ يكون حوارًا استهلاكيًّا
قد تتحرَّك (حوارات سياسيَّة) من منطلقات غير صادقة!
ربَّما تكون بعض أطراف الحوار غير صادقة!
وربَّما تكون جميع أطرافِ الحوار غير صادقة!
هذه النَّمط من الحوارات مكتوب عليه الفشل، وهو إضاعة للوقت، واستهلاك للطَّاقات، وتكريس للأزمات!
الفارق كبير بين حوارٍ مدفوعٍ بشهوة الغَلَبَة والانتصار – وإنْ كان على حسابِ القضايا العادلةِ والمطالبِ الحقَّة -، وحوارِ يَنطلقُ من دوافعَ صادقةٍ تحمل كلَّ الرَّغبة في أنْ تتحقَّق تلك القضايا العادلة، وتلك المطالب الحقَّة.
كيف نمايز بين النَّمطين من الحوار؟
حينما تبرز من الحوار (الأنانيَّاتُ)، و(العصبيَّات)، و(المصالح الذَّاتيَّة)، فهذه مؤشِّراتٌ واضحةٌ على (غياب الدَّوافع الصَّادقة).
وأمَّا إذا تحرَّر الحوارُ من هذه (العناوين السَّيِّئة)، فهذا يؤشِّر إلى (صدق النَّوايا)، و(نظافة الدَّوافع).
وكما مطلوبُ في الحوار أنْ تكون (دوافعُه صادقةً ونظيفةً)، فمطلوبٌ:
ثانيًا: أنْ تكونَ أهدافُ الحوارِ، وغاياتُه جادَّةً
والجِدِّيَّة تعني: (وجود الرَّغبة الحقيقيَّة في تصحيح الأوضاع الخطأ)
وهذا يفرض أنْ تكون (أهداف الحوار واضحة) كلَّ الوضوح.
وهذا يفرض – أيضًا – أنْ يتَّفق المتحاورون على (معايير الصِّحَّة، والخطأ)، وإلَّا فكيف تُحدَّد المواقف الصَّواب، والمواقف الخطأ.
مَكمَن العلاج!
لا يمكن معالجة الأوضاع، والأزمات، والإشكالات السِّياسيَّة، والأمنيَّة، والحقوقيَّة، والتي تعاني منها أغلب الأوطان إلَّا إذا اتَّفقت أطرافُ الحوار على:
1- أهداف وغايات الحوار.
2- معايير الحوار.
3- جدِّيَّة الحوار.
هنا يكون الحوار مؤهَّلًا لأنْ يقارب كلَّ الأوضاع الخطأ، وأنْ يعالج كلَّ الإشكالات، وكلَّ الأَزَمات.
ثالثًا: ومِن شروط الحوار السِّياسيِّ النَّاجح أنْ يتوفَّر المتحاورون على (كَفَاءات الحوار):
1- فيما هي لغة الحوار.
2- وفيما هو أسلوب الحوار.
3- وفيما هي مادَّة الحوار.
فلا يصح أنْ يتصدَّى لأيِّ حوارٍ سياسيٍّ مَنْ لا يملك هذه الكفاءات.
لا يصحُّ أنْ يتصدَّى لأيِّ حوار سياسيٍّ مَنْ لا يملك (لغة الحوار) بكلِّ ضوابطها، ومعاييرها العلميَّة، والأخلاقيَّة.
ولا يصحُّ أنْ يتصدَّى لأيِّ حوار سياسيٍّ مَنْ لا يملك (أسلوب الحوار) بكلِّ ثوابته، وشروطه، ومكوِّناته.
ولا يصحُّ أنْ يتصدَّى لأيِّ حوار سياسيٍّ مَنْ لا يملك (المؤهَّلات العلميَّة للحوار) فيما هي القدرة على قراءةِ الواقع السِّياسيِّ بكلِّ معطياتِهِ، وإشكالاتِهِ، وأزماتِه، وفيما هي القُدرة على تشخيص (العِلاجات)، و(وضع الحلول).
فأيُّ حوار سياسيٍّ يفقد (كفاءاتِ الحوار) يكون حوارًا مُفلِسًا، وفاشلًا، وسيِّئًا، وساقطًا.
المكوِّن الثَّالث: الاتِّفاق على خارطة طريق
فمتى تنقَّتْ المناخات، ومتى تأسَّسَ الحِوارُ الجادُّ، فتبقى الحاجة إلى أنْ يتَّفقَ أطراف الحوار على خارطةِ طريق تحدِّد (المسارات، والخطوات العمليَّة)؛ لمعالجةِ الأوضاعِ، والأزمات.
وكلَّما كانت هذه (الخارطة) مرسومةً بدقَّةٍ، وعناية، وتأنِّ، وقناعة سهَّلتْ حركة (التَّصحيح) لكلِّ الأوضاع المأزومة، وبلا حاجة إلى أثمانٍ باهظةِ ترهق هذا الوطن بكلِّ مكوِّناتِه.
فمتى خلصت النَّوايا، ووُجِدت الإرادات الجادَّة، وبدأ الحوار الصَّادق، فلن تكون الحلول والعِلاجات عسيرة، ولن تكون الخطوات معقَّدة، ولن تكون المساراتُ مرتبِكة.
لا يريد خيرًا لهذا الوطن:
1- مَنْ يُعقِّد (الحلول).
2- ومَن يُربِك (العِلاجات).
3- ومَن يُعطِّل (المبادرات).
4- ومَنْ يؤزِّم (العَلاقات).
5- ومَنْ يوقِظ (التَّوتُّرات).
الحاجة المُلِحَّة للعلاج
ما أحوج الوطن في هذه المرحلة الصَّعبة، والمملوءة بالتَّعقيدات إلى الإسراع في معالجة الأزمات، وإنهاء التَّوتُّرات، وهذا ما يهمُّ كلَّ المخلصين، والأوفياء لهذا الوطن.
الحاجة كبيرة إلى بَلْسَمَة كلِّ الجراحات، وتخفيف كلِّ الآهات، وإزالة كلِّ المؤجِّجات.
لا نريد مَنْ يصب الزَّيت على النَّار؛ لإنتاج الحرائق المدمِّرة!
فالوطن غالٍ وعزيز، ومسؤوليَّتنا جميعًا أنْ نكون حرَّاسًا أمناء لكرامته، ووحدته، وتآلفه، وتسامحه، وأمنه، وسلامه، فالأمل كلُّ الأمل أنْ لا يبقى في هذا الشَّعب مَن يعيش الألم، والقلق، والخوف، والحاجة.
كلُّ الخَيَارات الصَّالحة، والطَّيِّبة ممكنة، وليست عسيرة ما دامت العزائم صادقة، وما دام الرِّفق، والحبُّ، والتَّسامح هو الذي يتحرَّك على هذه الأرض الطَّيِّبة، وليس العنف، والكراهية، والعصبيَّة.
وآخر دعوانا أنْ الحمد لله ربِّ العالمين.