حديث الجمعة 492: خصلتانِ ليس فوقَهما شيئ! – استثمار ذِكرى المولد النَّبويِّ للتَّقارب والتَّسامح
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيِّدِ الأنبياءِ والمرسلينَ، محمَّدٍ وآلِهِ الهُداةِ الميامين، وبعد:
خصلتانِ ليس فوقَهما شيئ!
فقد جاءَ في الكلمةِ عن إمامِنا الحسنِ العسكريِّ (عليه السَّلام) قولُهُ: “خصلتانِ ليس فوقَهما شيئ: الإيمانُ باللهِ، ونفعُ الإخوانِ” (مستدرك الوسائل12/391، ميرزا حسين النُّوري الطَّبرسي).
بلا إشكالٍ أنَّ (الإيمانَ باللهِ) هو (قِمَّة الخصالِ)، وهذا أمرٌ في غايةِ الوضوح.
إلَّا أنَّهُ من الملفتِ جدًّا في كلمةِ الإمامِ الحسنِ العسكريِّ (عليه السَّلام) أنَّها جعلتْ “نَفْعَ الإِخوانِ” في موازاةِ ومساواةِ “الإيمان باللهِ”!
فكم هي قيمةُ هذه الخصلة في منظورِ الدِّينِ بحيث ارتقت إلى مستوى “الإيمان الله”.
وهنا أتناول أكثر من عنوان:
العنوانُ الأوَّل: نظافة الدَّوافع
لكي يرتقي (نفعُ النّاسِ) إلى مستوى “الإيمان بالله” يشترط أنْ تكون (الدَّوافعُ والأهدافُ) نظيفةً وصادقةً.
كثيرون يُقدِّمونَ للنَّاسِ (نَفْعًا)، (عطاءً)، (عَوْنًا)، إلَّا أنَّ الدَّوافِعَ، والأهدافَ غير نظيفة؛ ربَّما لأغراضِ ذاتيَّةٍ، أو لمصالح نفعيَّةٍ!
ربَّما طمعًا في الشُّهرة!
ربَّما رغبةً في شراءِ ضمائر!
ربَّما من أجل سرقةِ قناعاتٍ، وتوجُّهاتٍ!
ربَّما للتَّرْويج لأفكارٍ، وخَيَاراتٍ.
ربَّما من أجل المساومات، والإغراءات، …، ربَّما، …، وربَّما، …، وربَّما، …!
إذًا، هذا (العطاء) ليس (حبًّا) في العطاء!
ليس (حبًّا) في الخير!
ليس (حبًّا) في النَّفع!
الفارقُ كبيرٌ جدًّا بين مَنْ يُعطي حُبًّا في العطاء، ويصنعُ الخيرَ حُبًّا في الخير، ويبذل المعروف حُبًّا في البذل، ويقول الكلمة الصَّالحة حبًّا في الصَّلاح، وينشر الهدى حُبًّا في الهدى، ويرأف بالبؤساء، والمحرومين حُبًّا في الرَّأفة، ويرحم كلَّ المستضعفين حبًّا في الرَّحمة.
الفارقٌ كبيرٌ، وكبيرٌ بين هذا، وآخر يمارس كذلك لا حبًّا في العطاء، ولا حبًّا في البذْل، ولا حبًّا في الصَّلاح، ولا حبًّا في الهدى، ولا حبًّا في الصَّلاح، ولا حبًّا في الهدى، ولا حبًّا في الرَّأفة، ولا حبًّا في الرَّحمة.
هذا الأخير حينما تسقط مصالحُهُ، وحينما تتعثَّر أهدافه الذَّاتيَّة، والنَّفعيَّة، وحينما تفشل رهاناتُه، وتتعطَّل خَياراته، فإنَّه يكفُر بالقِيمِ والمُثُلِ، والبذلِ والعطاء!
أمَّا النَّموذج الأوَّل، فتبقى القِيم الكبيرة هي التي تحرِّكُهُ، وهي التي تدفع في داخلِهِ عزِيمةَ العطاءِ والبذلِ، وهي التي تقوِّي إرادتَهُ، وإصرارَهُ، على ممارسة الخير في كلِّ مساحاته، وإنْ اهتزَّتْ كلُّ مصالحه الذَّاتيَّة، وأهدافه الشَّخصيَّة.
والنَّموذجان لهما تطبيقاتٌ واضحة في كلِّ السَّاحاتِ الدِّينيَّةِ، والسِّياسيَّةِ، والاجتماعيَّة.
ففي السَّاحة الدِّينيَّة يتحرَّك النَّموذجان، النَّموذج الأوَّل بكلِّ تجسُّداتِهِ الخيِّرة والصَّالحة في البذل والعطاء، والنَّفع.
فهنا مَنْ يُقدِّمُ نفعًا علميًّا، وثقافيًّا؟!
وهنا مَنْ يُقدِّمُ نفعًا تربويًّا، وأخلاقيًّا، وسلوكيًّا؟!
وهنا مَنْ يُقدِّمُ نفعًا اجتماعيًّا؟!
وهنا مَنْ يُقدِّمُ نفعًا مادِّيًّا، واقتصاديًّا؟!
كلُّ الذي يقدِّمه هذا النَّموذج في السَّاحة الدِّينيَّة هو استجابة لأوامره سبحانه، وطعمًا في عطاءاتِه، وليس بدوافع الرِّياء، والسُّمعةِ، والشُّهرة، وليس بدوافع أغراض الدُّنيا.
نعم، في السَّاحة الدِّينيَّة (النَّموذج الآخر) حيث تتحرَّك المصالح الذَّاتيَّة، والأغراض الشَّخصيَّة، فباسم الدِّين، وقِيمَ الدِّين، وأهداف الدِّين يعبث بعضُ العابثين، ويُرائي بعض المرائين، ويتاجر بعضُ المتاجرين، فيعلِّمونَ، ويثقِّفونَ؛ من أجل أغراض الدُّنيا، ويُرشِدُونَ ويُوعظون، ولا يسترشدون ولا يتَّعظون، ويبذلون ما يبذلون رغبةً في السُّمعة والشُّهرة!
هذا النَّمط من حَمَلة الدِّين يُشكِّلون كلَّ الخطر على الدِّينِ، وأحكامِ الدِّين، وقِيمِ الدِّين، وسمعةِ الدِّين.
وأمَّا إذا توجَّهنا إلى السَّاحة السِّياسيَّة، ففيها يبرز النَّموذجان كذلك.
النَّموذج الصَّالح، وهو الذي يمارس السِّياسة بدوافع نظيفة، وأهداف شريفة، وغايات نبيلة، ويقدِّم كلَّ العطاء السِّياسيِّ لا من أجل أغراضٍ نفعيَّةٍ، ولا من أجل مصالح ذاتيَّة، ولا من أجل المتاجرة بالشِّعارات السِّياسيَّة.
هذا النَّمط من حَمَلةِ السِّياسة يملك كلَّ الصِّدق، والأمانة، والنَّظافة، ويحمل الحبَّ كلَّ الحبِّ للنَّاس كلِّ النَّاس، والشَّعبَ كلِّ الشَّعب، لا يمايز بين مكوِّن ومكوِّن، وطائفة وطائفة، ومذهب ومذهب.
هذا النَّمط من السَّاسة حكَّامًا كانوا، أو جماعاتٍ وأحزابًا يشكِّلون بناة أوطانٍ، وصنَّاع شعوب، وحماة أمنٍ وسلام، ودعاة عدلٍ وصلاح.
والنَّموذج الآخر من حَمَلَة السِّياسة هو النَّموذج السَّيِّئ، فيما هي أهدافُهُ وغاياتُهُ، وفيما هي منطلقاتُهُ ودوافعُهُ، وفيما هي أدواتُه ووسائِلُهُ.
هذا النَّموذج لا يبحث إلَّا عن مصالحه، ولو كان ذلك على حساب الأوطان والشُّعوب، ولا يفتِّش إلَّا عن أغراضه ومكاسبِهِ وإنْ ضاعت كلُّ القِيم والمُثل.
أوطانُنا وشعوبنا في حاجة إلى (النَّموذج الأوَّل)، فهو الذي ينتج الخير كلَّ الخير للأوطان والشُّعوب، وينتج الأمن كلَّ الأمن، والسَّلام كلَّ السَّلام، والحبَّ كلَّ الحبِّ، والتَّسامحَ كلَّ التَّسامح، والتَّآلف كلَّ التَّآلف.
وهكذا إذا صلح النَّموذج الدِّينيُّ، والنَّموذج السِّياسيُّ صلحت الأوطان، والشُّعوب، وإذا فسدا فسدت الأوطان والشُّعوب!
وكلَّما تجذَّرت (الدَّوافع النَّظيفة الصَّادقة) في داخل الإنسان كانت أعمالُهُ كبيرة عند الله تعالى، وأمَّا إذا كانت الدَّوافعُ غيرَ نظيفةٍ، وغيرَ صادقةٍ، فلا قِيمة لها عند الله مهما كَبُرتْ في نظر النَّاس، وكان صاحبها من الخاسرين في ميزانِ الآخرة، وإنْ حَظِي بكلِّ الثَّناء في معايير البشر.
هذا النَّمط من النَّاس هم الَّذين يعبِّر عنهم القرآن الكريم بالمرائِين:
1- ﴿يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلًا …﴾ (سورة النِّساء: الآية142).
2- وفي نصٍّ آخر: ﴿… كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ …﴾ (سورة البقرة: الآية264).
3- وجاء في الحديث عن الإمام الصَّادق (عليه السّلام) تفسيرًا لقوله تعالى: ﴿… فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ (سورة الكهف: الآية110) قال: “الرَّجل يعملُ شيئًا من الثَّوابِ لا يطلبُ به وجَه اللهِ، إنَّما يَطلِبُ تزكيةَ النَّاسِ، يشتهي أنْ يسمع به النَّاس، فهذا الذي أشرك بعبادةِ ربِّه” (روضة المتقين في شرح مَن لا يحضره الفقيه12/141، محمَّد تقي المجلسي الأوَّل).
4- وجاء في الحديث عن النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم) أنَّه قال: “أوَّلُ ما يُسألُ يومَ القيامةِ ثلاثة: رجلٌ آتاهُ اللهُ العِلْمَ، فيقول الله تعالى: ما صنعتَ فيما عَلِمتَ؟
فيقول: يا ربِّ، أقومُ بهِ آناءَ اللَّيلِ، والنَّهار.
فيقول الله (عزَّ وجلَّ): كذبتَ!
وتقول الملائكةُ: كذبتَ، بل أردتَ أنْ يُقال، فلانٌ عالمٌ، ألَا فقد قيل ذلك.
ورجلٌ آتاهُ الله مالًا، فيقول الله تعالى: قد أنعمتُ عليك، فماذا صنعتَ؟
فيقول: يا ربِّ، كنتُ أتصدَّقُ به آناء اللَّيلِ، والنَّهار.
فيقول اللهُ (عزَّ وجلَّ): كذبتَ.
وتقول الملائكةُ: كذبت، أردتَ أنْ يُقال: فلانٌ جوادٌ، ألَا فقد قِيْلَ ذلك.
ورجلٌ قُتِلَ في سبيلِ اللهِ، فيقول الله تعالى: ما صنعتَ؟
فيقول: أمرت بالجهاد، فقاتلتُ في سبيلكَ حتَّى قُتلت.
فيقول اللهُ (عزَّ وجلَّ): كذبتَ!
وتقول الملائكةُ: كذبت، بل أردتَ أنْ يُقال: شجاع، ألَا فقد قيل ذلك” (المحجة البيضاء في تهذيب الإحياء8/126، الفيض الكاشاني).
انتهى الحديث.
أيُّها الأحبَّة، أنْ تنطلق أعمالُ الخير والبرِّ، والتي تنفع النَّاس، وتخدم الأوطان أمرٌ مطلوبٌ جدًّا ومن كلِّ المواقع الدِّينيَّةِ، والاجتماعيَّة، والاقتصاديَّة، والسِّياسيَّة، إلَّا أنَّ هذه الأعمال لكي تحقِّق أهدافَها الكبيرة، وغاياتها الشَّريفة يجب أنْ تكون (الدَّوافع) كبيرةً وشريفةً ونظيفة، وإلَّا تحوَّلت (عناوين) للدَّعاياتِ الكاذبةِ، والأغراضِ المشبوهةِ، وتحوَّلت (أدوات) ابتزاز، وخداع، ومتاجرة بالشِّعارات، وما أكثر هذه الشِّعارات في أسواقِ الابتزاز الدِّينيِّ، والاجتماعيِّ، والسِّياسيِّ، وخاصَّة في عصرنا الحاضر!
العنوان الثَّاني: نفع الإخوان
وأذكر فيه باختصار شديد بعض روايات تتحدَّث عن (قضاء الحوائج)، و(تقديم الخَدَمات للنَّاس)، وهي (تطبيقات) لعنوان (نفع الإخوان) الذي جاء في حديث الإمام العسكريِّ (عليه السَّلام).
1- “سُئل النَّبيُّ (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم): مَنْ أحبُّ النَّاسِ إلى اللهِ؟
قال (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلم): أنفعُ النَّاسِ للنَّاس”. (الكافي2/164، الشيخ الكليني).
لم يقل الحديث: (أكثرهم صلاةً، أو صيامًا، أو حجًّا، أو تلاوةً، أو ذِكْرًا، …)!، وإنَّما قال: “أنفعُ النَّاسِ للنَّاس”.
نعم، يشترط أنْ يكون هذا (النَّفع) بدوافع صادقة ونظيفة، وهنا يأتي (دور العبادة) في إنتاج الصِّدقِ، والنَّظافة.
وحينما يقول الحديث: “أنفعُ النَّاسِ للنَّاس”، فقد أطلق (عنوانَ النَّفع)؛ ليتَّسع لكلِّ المساحات الثَّقافيَّة، والتَّربويَّة، والاجتماعيَّة، والاقتصاديَّة، والسِّياسيَّة، وإلى بقيَّة مساحات الحياة، ما دام العمل يُشكِّل (خدمةً)، و(نفعًا) للنَّاس، وللمجتمعات، وللأوطانِ، وللشُّعوب، ولكلِّ البشر.
2- قال الَّنبيُّ (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم): “مَنْ سعى لمريضٍ في حاجةٍ، قضاها أو لم يقضها خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمُّه.
قال رجلٌ من الأنصار: بأبي أنت وأمِّي يا رسول الله، فإنْ كانَ المريض من أهلِ بيته، أو ليس أعظم أجرًا إذا سعى في حاجة أهلِ بيته؟
قال (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلم): نعم” (بحار الأنوار78/217، العلَّامة المجلسي).
نحن نقرأ في ثواب الصَّلاة، والصِّيام، والحجِّ أنَّها تطهِّر الإنسانَ من الذُّنوبِ حتَّى يعود كيوم ولدته أمُّه.
وهنا يضع هذا الحديث (السَّعي في قضاء حاجة مريض) في مستوى الصَّلاة، والصِّيام، والحجِّ.
وتأمَّلوا في الحديث أنْ أعطى للسَّاعي في حاجة مريض هذا (الأجر الكبير) حتَّى لو لم يتمكَّن هذا السَّعي من إنجاز مهمَّته في قضاء حاجة المريض.
والسَّعي لمريض في حاجة عنوان كبير له تطبيقاتٌ كثيرة، ومن أهم هذه التَّطبيقات:
أ- معالجة المريض.
ب- مساعدته ماليًا؛ من أجل العلاج.
ج- القيام بأيِّ وساطة، أو تسهيل؛ من أجل علاجه.
3- قال الإمام الباقر (عليه السَّلام): “لإنْ أعولَ أهل َبيتٍ من المسلمين: أسُدُّ جوعتَهُمْ، وأكسو عورتَهُمْ، فأكفُّ وجوهَهُمْ عن النَّاسِ أحبُّ إليَّ من أنْ أحُجَّ حجَّةً وحجَّةً [وحجَّة]، ومثلَها، ومثلَها -حتّى بلغ عشرًا -، ومثلَهَا، ومثلَها حتَّى بَلَغَ السَّبعين”. (الكافي2/195، الشَّيخ الكليني).
كم هي عناءات الحجِّ كبيرة جدًّا، وكم هي ثواباته عظيمة جدًّا!
فالحاجُّ:
إمَّا يعتق من النَّار.
وإمَّا يخرج من ذنوبِهِ كيوم ولدتْهُ أمُّهُ.
وإمَّا يحفظ في أهله، وماله.
هذا عطاءُ حجَّةٍ واحدةٍ.
أمَّا كفالة أسرة محتاجةٍ من أسر المسلمين، فالثَّواب – بحسب هذا الحديث- يفوق، وليس مجرَّد يساوي (سبعين حجَّة)!
كم هي (الاهتمامات الاجتماعيَّة) تُشكِّل أهدافًا كبيرة جدًّا في منظور الدِّين، حتَّى أنَّها ترتقي إلى (مستوى العبادات)، بل تفوق، ما دامت تشكِّل استجابة صادقةً لأوامر الله تعالى، وما دامت تعبِّر عن رغبَةٍ حقيقيَّةٍ في تقديم (النَّفع) لعباد الله (عزَّ وجلَّ).
4- “عن ميمون بن مهران، قال: كنت جالسًا عند الحسن بن عليٍّ (عليهما السَّلام)، فأتاه رجلٌ، فقال له: يا ابن رسول الله، إنَّ فلانًا له عليَّ مالٌ، ويريد أن يحبسني!
فقال (عليه السَّلام): واللهِ، ما عندي مالٌ، فأقضي عنك.
قال: فكلِّمه.
قال [ميمون]: فلبس (عليه السَّلام) نعلَهُ.
فقلت له: يا ابن رسولَ اللهِ، أنسيتَ اعتكافك؟!
فقال (عليه السَّلام): لم أنْسَ، ولكنِّي سمعتُ أبي (عليه السَّلام) يُحدِّثُ عن رسولِ اللهِ (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم) أنَّه قال: مَنْ سَعَى في حاجةِ أخيهِ، فكأنّما عَبَدَ اللهَ (عزَّ وجلَّ) تِسْعَةَ آلاف سَنَةٍ، صائمًا نهارَهَ، قائمًا ليله” (وسائل الشيعة10/550، الحر العاملي).
5- قال الإمام الصَّادقُ (عليه السَّلام): “تنافَسُوا في المعروفِ لإخوانِكم، وكونُوا من أهلِهِ، فإنَّ للجنَّة بابًا يقال له: المعروف، لا يدخُلُه إلَّا مَنْ اصطنع المعروفَ في الحياةِ الدُّنيا، فإنَّ العبد ليمشي في حاجةِ أخيه المؤمنِ، فيوكِّلُ الله (عزَّ وجلَّ) به مَلَكين، واحدًا عن يمينِهِ، وآخر عن شمالِهِ يستغفرانِ له ربَّهُ، ويدعوانِ بقضاءِ حاجتِهِ.
ثمَّ قال (عليه السَّلام): واللهِ، لرسول اللهِ (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم) أسرُّ بقضاءِ حاجةِ المؤمن إذا وصلت إليه من صاحب الحاجة”. (الكافي2/195، الشَّيخ الكليني).
استثمار ذِكرى المولد النَّبويِّ للتَّقارب والتَّسامح
وأخيرًا: أُذكِّر المؤمنين بأنَّ الأسبوع القادم هو أسبوع المولد النَّبويِّ، ومولد الإمام الصَّادق (عليه السَّلام).
فالمطلوب أنْ نعطي هذه المناسبة اهتمامًا استثنائيًّا، وحضورًا فاعلًا بما تحمله من قيمة إيمانيَّة، وروحيَّة، فيجب أنْ تكون الاحتفالات جادَّة، وهادفة، ومنطلقًا لخلق روح المحبَّة والتَّسامح بين أبناء هذا الوطن، والابتعاد بهذه المناسبات عن كلِّ ما يثير الخلافات، والعصبيَّات، وإنتاج التَّطرُّف والعنف، فلا مناسبة أغنى من هذه المناسبة في ترسيخ الوحدة، والتَّقارب، والاعتدال، والتَّسامح.
هنا أطالب علماء الدِّين، وحَمَلَة الخطاب الدِّينيِّ، وكلَّ المشاركين في هذه المناسبة أنْ يكونوا بمستوى أهدافها الرِّساليَّة الكبيرة.
وكذلك المطلوب من الجمهور أنْ يعيشوا عطاءات هذه الذِّكرى في كلِّ أوضاعهم الفكريَّة، والرُّوحيَّة، والسُّلوكيَّة، والاجتماعيَّة.
تقبل الله أعمال الجميع.
وأعاد الله الذِّكرى على المسلمين وهم في عزَّة، ووحدة، ووئام.
وآخر دعوانا أنْ الحمد لله ربِّ العالمين.