حديث الجمعة 480: فضل الصلاة على محمد وآل محمد – الباطل أصناف، والحقُّ أصناف
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيِّدِ الأنبياءِ والمرسلينَ محمَّدٍ، وعلى آلِهِ الهُداةِ الميامين.
وبعد: فنتابع الأحاديث التي تتكلَّم عن أصناف من النَّاسِ يظلُّهم الله تعالى يوم القيامةِ في ظلِّ عرشِهِ يوم لا ظلَّ إلَّا ظلُّه:
تقدَّم الحديث والذي تناول سبعة أصناف من هؤلاء الذين يظلُّهم الله في ظلِّ عرشه:
1- إمام عادل.
2- شابُّ نشأ في عبادة الله تعالى.
3- رجل قلبه متعلِّق بالمسجد إذا خرج منه حتَّى يعود إليه.
4- رجِلان كانا في طاعةِ اللهِ (عزَّ وجلَّ)، فاجتمعا في ذلك وتفرَّقا.
5- رجل ذَكَر الله خاليًا، ففاضت عيناه.
6- رجلٌ دعته امرأةٌ ذاتُ حسب وجمال، فقال: إنِّي أخاف الله.
7- رجل تصدَّق بصدقةٍ، فأخفاها حتَّى لا تعلم شمالُهُ ما يتصدَّق بيمينه.
الحديث الثَّاني: “روي عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): إنَّه مَنْ صلَّى عليه وآلِهِ مرَّةً واحدةً خلق الله له يوم القيامة نورًا فوق رأسه، ونورًا عن يمينه، وآخر عن يساره، ومن تحته، ونورًا في جميع أعضائه، وإنْ أكثر الصَّلاة عليه وآلِهِ كان يوم القيامة تحت العرش”.
هذا الحديث يذكر أثرين مهمَّين للصَّلاة على النَّبيِّ وآلِهِ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم):
الأثر الأوَّل: إنَّها تتحوَّل نورًا في عالم الآخرة.
الأثر الثَّاني: أنْ يكون صاحبها من الَّذين يظلُّهم الله تعالى في ظلِّ عرشِهِ يوم لا ظلَّ إلَّا ظلُّه.
ولا غرابة أنْ تتحوَّل بعض الأعمالِ نورًا في عالم الآخرة.
اقرأوا في القرآن الكريم قول الله تعالى في سورة الحديد: ﴿يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ (سورة الحديد: الآية12).
فمن علامات المؤمنين والمؤمنات في المحشر أنَّ نورًا يُميِّزهم!
هكذا تتجسَّد الأعمال من ذلك اليوم، نورًا ظاهرًا يتحرَّك أمامَ هؤلاء المؤمنين والمؤمنات، وكذلك من جميع جوانبهم.
فمصدر هذا النُّور هو الإيمان والأعمال الصَّالحة، ويختلف هذا النُّور باختلاف درجات الإيمان، ومستويات الأعمال الصَّالحة، فكلَّما ارتقت درجات الإيمان، ومستويات الأعمال كان النُّور أقوى، وقد يتدَّنى النُّور، فلا يكاد يضيئ موضع الأقدام!
ففي الحديث: “يقسَّم النُّور بين النَّاس يوم القيامة على قدْرِ إيمانهم، …” (بحار الأنوار7/208، العلامة المجلسي).
ثمَّ تَعْرِض الآيات مشهدًا آخر للمنافقين والمنافقات في ذلك اليوم الرَّهيب، وهم يصرخون ويستغيثون، ملتمسين من المؤمنين شيئًا من النَّور: ﴿يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ …﴾ (سورة الحديد: الآية 13).
أي: أعطونا شُعْلةً من نورِكم!
وقيل في معنى: ﴿… انظُرُونَا …﴾:
1- انظروا إلينا؛ لكي نستفيد من نور وجوهكم.
2- انظروا إلينا نظر عطف، فنحن في أسوء الأحوال.
3- انتظرونا حتَّى نصل إليكم؛ ليشملنا بعض نوركم.
فماذا يكون جوابُ المؤمنين؟
﴿… قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا …﴾ (سورة الحديد: الآية 13).
كان بإمكانكم أنْ تحصلوا على هذا النَّور من خلال الدُّنيا التي تركتموها وراءكم، فما آمنتم، وما أطعتم الله، فاليوم لا نصيب لكم من هذا النُّور!
وكيف يُحسَمُ هذا الحوار بين المؤمنين والمنافقين؟
﴿… فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ﴾ (سورة الحديد: الآية 13).
هكذا يتمُّ الفصل بين المؤمنين والمنافقين بهذا السُّوْر، فيكون المؤمنون في داخل السُّوْر، حيث الرَّحمة الإلهيَّة، والفيض الرَّبَّاني، والنَّعيم الوافر.
أمَّا المنافقون، ففي خارج السُّوْر، حيث العذاب، والشَّقاء والحِرمان، والذُّلُّ والهوان، واللَّعنة الإلهيَّة.
لماذا وضع الباب في هذا السُّوْر؟
لكي ينظر المنافقون ما يحظى به المؤمنون من النَّعيم، والفيض الإلهيِّ، فتزداد حسرتهم، ويشتدَّ عذابهم.
ويبدو أنَّ الحوار بين المنافقين والمؤمنين لا ينتهي إلى هنا، فيتوجَّه المنافقون بخطابهم إلى المؤمنين: ﴿يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ …﴾ (سورة الحديد: الآية14).
ألم نكن جميعًا في الدُّنيا، نسكن في الوطن الواحد، والمدينة الواحدة، والقرية الواحدة، والبيت الواحد، والوظيفة الواحدة.
فما الذي حَدَثَ، حتى تفرَّقْنا اليوم، وتمايزنا، واختلفت أحوالنا وأحوالكم، ومصيرنا ومصيركم، وتمَّ التَّفاصل بيننا، فذهبتم إلى النَّعيم، وتركتمونا نقاسي العذاب الشَّديد؟!
فيأتي الجوابُ من المؤمنين المنعَّمْين: ﴿… قَالُوا بَلَى …﴾ (سورة الحديد: الآية14).
نعم كنَّا معًا في الدُّنيا فيما هي أوطانُنا، وفيما هي مساكننا، وفيما هي أسرنا، وفيما هي مواقعنا ووظائفنا، وربَّما كنتم أوفر حظًّا منَّا في مَلَاذِّ الدُّنيا، وشؤون الحياة.
أسباب التَّمايز يوم القيامة
أمَّا لماذا تمايزنا اليوم؟، فللأسباب التَّالية: ﴿… وَلَكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاء أَمْرُ اللهِ وَغَرَّكُم بِاللهِ الْغَرُورُ﴾ (سورة الحديد: الآية14).
هذه هي الأسباب التي مايزت بيننا في هذا اليوم، يوم الحساب:
السَّبب الأوَّل: ﴿… فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ …﴾
عشتم (الفتنة) في حياتِكم الدُّنيا، هذه الفتنة التي خدعتكم، وأغوتكم، وزيَّنت لكم الكفر، والضَّلال، والانحراف، وقادتكم إلى التِّيه، والعبث، والفساد.
السَّببُ الثَّاني: ﴿… وَتَرَبَّصْتُمْ …﴾
مارستم كلَّ المكائِد ضدَّ المؤمنين، وأوقعتم بهم كلَّ أشكالِ الظُّلم، والعناء، والمِحن، والشَّدائد، والويلات.
السَّبب الثَّالث: ﴿… وَارْتَبْتُمْ …﴾
ما كنتم تحملون إيمانًا صادقًا بالله تعالى، وبأنبيائه (عليهم السَّلام)، وبالمعاد، والحساب، بل كنتم تعيشون الشَّكَّ، والارتياب، والتِّيه، والضَّلال.
السَّبب الرَّابع: ﴿… وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ …﴾
عشتم مخدوعين بأماني الدُّنيا، وأحلامِها، وزخارِفها، وبهارجِها، فتجبَّرتم، وبطشتم، وعبثتم، وغرقتم في الأهواءِ والشَّهوات، ﴿… حَتَّى جَاء أَمْرُ اللهِ …﴾ وهو الموت الذي كنتم غافلين عنه!، وحينها تنهار كلُّ أماني الدُّنيا وأحلامها، وتبقى الحَسرةُ، والنَّدامة، والخسران، والحرمان.
السَّبب الخامس: ﴿… وَغَرَّكُم بِاللهِ الْغَرُورُ …﴾
كنتم عِبادًا للشَّيطان، فأنساكم ذِكْر الله تعالى، وزيَّن لكم الدُّنيا، وأيقظ في داخلكم كلَّ غرائز الشَّرِّ، وكلَّ الشَّهوات الفاسقة، وكلَّ الأفكار الضَّالة، وقادكم إلى كلِّ المنزلقات، والمتاهات، والمنكرات! هكذا وقعتم في حبائل الشَّيطان، وخِدَعه، وحبائكِهِ، وأشراكِهِ.
وأخيرًا صدر في حقِّهم القرار الإلهيُّ الحاسم: ﴿فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ (سورة الحديد: الآية15).
فلا خلاص في الآخرة للمنافقين والكافرين بأيِّ ثمنٍ، فالمصير هو النَّار، وما أسوأَهُ من مصير!
نعود إلى الحديث الذي بدأنا به، حيث ذَكَر مُعْطَيَيْنِ من معطيات الصَّلاة على النَّبيِّ وآلِهِ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم):
المُعطى الأول: تشكِّل هذه الصَّلاة نورًا في يوم القيامة يملأ جوانب العبد “خلق الله له يوم القيامة نورًا فوق رأسه، ونورًا عن يمينه، وآخر عن يساره، ومن تحته، ونورًا في جميع أعضائه”.
المُعطى الثاني: يكون هذا العبد حينما يُكثر الصَّلاة على النَّبيِّ وآلِهِ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) يوم القيامة في ظلِّ عرش الله تعالى يوم لا ظلَّ إلَّا ظلُّه، وهو مقام لا يحظى به إلَّا بعضُ عبادِ اللهِ الصَّالحين.
الحديث الثَّالث: “روي عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) أنَّه قال: “السَّابقون إلى عرش اللهِ طوبى لهم.
قيل: يا رسول الله، ومَنْ هم؟
قال (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): الَّذينَ يقبلون الحقَّ إذا سمعوه، ويبذلونه إذا سُئِلُوه، ويحكمون للنَّاسِ كما يحكمون لأنفسهم، هم السَّابقون إلى ظلِّ العرش” (النوادر، الصفحة122، فضل الله الراوندي).
لا يحشر هؤلاء فقط في ظلِّ عَرْشِ اللهِ تعالى، بل هم من السَّابقين إلى ظلِّ العرشِ!
هذا الحديث يضع ثلاث خصائص مهمة جدًّا يجب أن يتوفر عليها الخطاب الدِّينيُّ، وهذه الخصائص هي:
الخَصِيصةُ الأولى: قبول الحق “الذّين يَقبَلُونَ الحقَّ إذا سَمعُوه”
من أخطر ما يُواجه الخطاب الدِّينيُّ هو التخلِّي عن الحقِّ والانحياز إلى الباطل، الأمر الذي يؤدي إلى كوارث في حياةِ الأفراد، وفي حياةِ الشُّعوب، وفي أوضاع الأوطان.
إنَّ للحقِّ معايير متى ما التزمها الخطاب الدِّيني كان خطابًا دينيًّا حقًّا، ونعني بالمعايير هي تلك التي تقرُّها (الأديان الحقَّة) و(القوانين الحقَّة) و(الأعراف الحقَّة).
فكلُّ خطاب دينيُّ يلتزم تلكم (المعايير) فهو (خطابٌ حقٌّ)، وكلُّ خطابٍ يتجاوز تلكم (المعايير) فهو (خطابٌ باطلٌ).
حينما تغييب (معايير الحقِّ) في الخطاب الدِّيني، تحدث فتنٌ، وعداوات، وتعصُّبات، وصراعات…
والعكس صحيح حينما يلتزم الخطاب الدِّيني (معايير الحقِّ) تتكرَّس القيم، وتتجذَّر معاني المحبَّة، والتسامح، والتآلف، والتقارب، وينتهي التشدُّد والتعصُّب والتطرُّف.
الخَصِيصةُ الثانية: بذل الحقِّ “يبذلون الحقَّ إذا سُئِلوه”.
الخَصِيصةُ الأولى تحدَّثت عن قبول الحقِّ، أمَّا هنا في الخَصيصة الثانية فالحديث عن (مسؤولية بذل الحقِّ) لكلِّ طلَّابه، وبذل الحقِّ عملية تتجاوز (قبوله)، فكثيرون يقبلون الحقَّ، ولكنَّهم لا يبذلونه للآخرين، لكنَّهم لا يعملون من أن أجل أن يتجذَّر الحقّ.
فمسؤولية الخطاب الدِّيني أن يوصل الحقَّ إلى أكبر مساحة ممكنة، وكلَّما كان البذل أكبر اتسعت مساحة العملِ بالحقِّ، واتسعت حركة الحقِّ، وهكذا يتسع الخير، والصَّلاحُ، والحبُّ، والتسامحُ، والاعتدالُ، والأمنُ، والسَّلام.
وإذا كان الأمر كذلك فيجب أن يحذر الخطاب الدِّيني أن يكون خطابًا طائفيًّا، منحازًا لطائفة، أو مكوِّنٍ، أو جماعة، فهذا له مردوداته الخطيرة على الأوطان، هذا خطابٌ يُفرِّق، يُشتِّت، يُمزِّق، ويوقظ الأحقاد والضغائن.
إنَّ مسؤولية الخطاب الدِّيني أنْ يبذل الحقَّ لكلِّ النَّاس بلا تمييز، إنَّ مسؤولية الخطاب الدِّيني أنْ يوحِّد، أنْ يُقارب، أنْ يجمع، أنْ يؤلِّف، أنْ يوافق، وأنْ لا يؤجِّج الصراعات والعصبيَّات.
وإذا كان مطلوبًا من الخطاب الدِّيني أنْ لا يكون منحازًا طائفيًّا أو مذهبيًّا، فهذا لا يعني أنْ لا يكون منحازًا إلى الحقِّ، لأنَّ الحقَّ فوق الانتماءات، فمطلوبٌ أنْ أنحاز إلى الحقِّ وإن كان مع غير طائفتي أو مذهبي أو جماعتي أو حزبي، وإلَّا كنت متعصِّبًا، والعصبيَّة مرفوضة ومذمومة دينيًّا.
1-قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): “مَنْ تَعصَّب أو تُعصِّب له فقد خلع رِبقةَ الإسلامِ من عُنقِه”.
2-وقال (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): “ليسَ منَّا منْ دَعَا إلى عصبيَّة، وليسَ منَّا منْ قاتل على عصبيَّة، وليس منَّا منْ مات على عصبيَّة”.
نعم التعصُّب للحقِّ مطلوب:
1-قال الإمام علي (عليه السَّلام): “إن كنتم لا محالة متعصِّبين فتعصَّبوا لنصرة الحقِّ، وإغاثة الملهوف”. (عيون الحكم والمواعظ، الصفحة ١٦٣، الواسطي)
2-وسُئل الإمامُ زين العابدين عن العصبيَّة فقال: “العصبيَّةُ التي يأثمُ عليها صاحبُها أنْ يرى الرجلُ شرارَ قومِهِ خيرًا من خيارِ قومٍ آخرين، وليسَ من العصبيَّة أنْ يحبَّ الرجلُ قومَه، ولكنَّ من العصبيَّةِ أنْ يُعينَ قومَهُ على الظلم”. (ميزان الحكمة، ج ٣، الصفحة ١٩٩٢، الريشهري)
الخَصِيصةُ الثالثة: فمطلوبٌ من القيِّمين على الخطاب الدِّيني أنْ (يَحكموا للنَّاس كما يَحكمون لأنفسهم).
فبقدر ما يريدون الخير لأنفسهم يجب أن يريدوه لكلِّ النَّاس، وبقدر ما يعطون الحقَّ لأنفسهم يجب أن يعطوه لكلِّ النَّاس.
هكذا يحظى هؤلاء القيِّمون على الشَّأن الدِّيني بحبِّ النَّاس كلِّ النَّاس، وبطاعة النَّاس كلِّ النَّاس، وبثناء النَّاس كلِّ النَّاس.
وهكذا يكون هؤلاء مواقع قدوةٍ وعطاءٍ وخير، ومواقع هدايةٍ وبناءٍ وإصلاح، وهكذا يكونون أمناء على دين الله.
ولنْ يكونوا كذلك إلَّا إذا جسَّدوا تعاليم الدِّين، وحملوا رسالة الدِّين، بعيدًا عن كلِّ أشكال العصبيَّة، والتطرُّف، والغلو، وبعيدًا عن كلِّ أشكال المداهنة للباطل.
•قال الإمام علي (عليه السَّلام): “لا تداهنوا في الحقِّ إذا ورد عليكم وعرفتموه، فتخسروا خسرانًا مبينًا”. (ميزان الحكمة، ج٢، الصفحة ٩٣٢، الريشهري)
وحينما نتحدَّث عن عدم المداهنة لا نتحدَّث عن مواقف منفعلةٍ، وخيارات متشدِّدة، وقناعات منفلتة، وإنَّما نتحدث عن خياراتٍ رشيدةٍ، وخياراتٍ معتدلةٍ، وقناعات مدروسة.
فمطلوبٌ من كلِّ المواقع القياديَّة الدِّينيةِ، والسِّياسيةِ، والثقافيةِ، والاجتماعيةِ أن تعتمدَ (الحكمة) في معالجة أزمات الأوطان، فهذا هو الطريق الأسلم، وهذا هو الخيار الأصلح، وهذا هو النهج الأفضل.
1-قال تعالى: ﴿… وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا …﴾ (سورة البقرة: 269)
2-وفي الكلمة عن أمير المؤمنين (عليه السَّلام): “الحكماءُ أشرفُ النَّاسِ أنفسًا، وأكثرهم صبرًا، وأسرعُهم عفوًا، وأوسعُهم أخلاقًا”. (ميزان الحكمة، ج1، ص ٦٧٠، الريشهري)
للحديث تتمة إنشاء الله تعالى.
وآخر دعوانا أنْ الحمد لله ربِّ العالمين.