حديث الجمعةشهر شوال

حديث الجمعة 476: محطات التعبئة الرّوحية – قانون الأسرة

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيِّدِ الأنبياءِ والمرسلينَ محمَّدٍ، وعلى آلِهِ الهُدَاةِ الميامين وبعد:

يستمر الحديث حول:
محطات التعبئة الروحية

وقد تمّ تصنيفُها إلى: محطَّات زمانية ومحطَّات مكانية
والمحطَّات الزمانية صُنِّفت إلى: يومية وأسبوعية وشهرية وسنوية.
وقد تناول الحديثُ المتقدمُ (الفرائض الخمس اليومية) كنموذج للمحطَّات اليومية.
ونتابع الحديث في ذكر نماذج أخرى:

2- النوافل اليومية الراتبة:
إذا كانت (الفرائض اليومية) محطَّاتٌ مهمة جدًّا تزوِّدنا بالطاقةِ الرُّوحية، في زحمةِ أوضاعٍ حياتية تصادرُ الكثير من مخزوناتنا الرُّوحية، والكثير من مذخور الطاقة الإيمانية في داخلنا.
فهناك إلى جانب الفرائض اليومية (نوافل يومية راتبة) تشارك الفرائض في التعبئة الروحية والشحن الإيماني.

ويمكن تصنيف هذه النوافل اليومية الراتبة إلى:
‌أ-نافلة الفجر: ركعتان قبل الفريضة..
‌ب- نافلة الظهر: ثمان ركعات قبل الفريضة.
‌ج- نافلة العصر: ثمان ركعات قبل فريضة العصر.
‌د-نافلة المغرب: أربع ركعات تُصلى بعد فريضة المغرب.
‌ه-نافلة العشاء: ركعتان من جلوس تصلَّيان بعد فريضة العشاء وهما تعدَّان بركعة وتسمى (الوتيرة) وأجاز بعض الفقهاء الإتيان بنافلة العشاء من قيام، إلَّا أنَّ الجلوس فيها أحوط.
‌و-صلاة الليل: وتُصلَّى بعد منتصف الليل، والأفضل الإتيان بها وقت السَّحر (الثلث الأخير من الليل) وكلما قربت من الفجر أفضل.
وتُقضى إذا فات وقتها وحتى نهارًا.

ويمكن تقديمها على منتصف الليل للمسافر إذا ظروف السفر لا تسمح له بأدائها في وقتها.
وكذلك للشاب الذي يصعب عليه الاستيقاظ بعد منتصف الليل، وكلُّ من له عذر.

وتتكون صلاة الليل من:
– ثمان ركعات نافلة الليل.
– ركعتا الشفع.
– ركعة الوتر (ويستحب فيها أنْ يقرأ بعد الفاتحة التوحيد ثلاث مرات، والمعوذتين مرة واحدة، كما يستحب فيها القنوت).
وفي القنوت:
-يدعو لأربعين مؤمنًا أحياء وأمواتًا.
-الاستغفار سبعين مرة.
-أن يقول: (هذا مقام العائذ بك من النار) سبع مرات.
-أن يقول: (العفو) ثلاثمائة مرة.

وقد جاء في الروايات التأكيد على (النوافل)
• قال الإمام الباقر (عليه السَّلام):
“إنَّ الله جلَّ جلاله قال: ما يتقرب إليَّ عبدٌ من عبادي بشيئ أحبُّ إليَّ ممَّا افترضت عليه، وإنَّه ليتقرَّبُ إليَّ بالنافلةِ حتى أحبَّهُ، فإذا أحببتُهُ كنتُ سمعَهُ الذي يسمع به، وبصرَهُ الَّذي يُبصرُ بهِ، ولسانَه الذي ينطق به، ويدَهُ التي يبطشُ بها، إنْ دعاني أجبتُهُ، وإنْ سألني أعطيتُه”.

• وعنه (عليه السَّلام) قال:
“إنَّما جعلت النافلة ليتم بها ما يفسد من الفريضة”.

• وقال الإمام العسكري (عليه السَّلام):
“علامات المؤمن خمس: صلاة الإحدى وخمسين وزيارة الأربعين، والتختم في اليمين، وتعفير الجبين، والجهر ببسم الله الرحمن الرّحيم”.

وأمَّا صلاة الليلِ فقد أكَّدت عليها الآيات والروايات:
• قال تعالى في سورة السجدة:
﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا…﴾ {السجدة/16}.

• وقال تعالى في سورة الذاريات واصفًا المتقين:
﴿كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ {الذاريات/17-18}.

• وقال تعالى في سورة الفرقان متحدِّثا عن عباد الرّحمن:
﴿وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا﴾ {الفرقان/64}.

• وقال تعالى في سورة الزمر:
﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ﴾ {الزمر/9}

• وعن النبيِّ (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم) قال:
“ركعتان يركعها العبدُ في جوف الليلِ خيرٌ له من الدُّنيا وما فيها…”.

• وقال (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم):
“إذا قام العبدُ من لذيذ مضجعه، والنعاسُ في عينيهِ ليرضي ربَّهُ بصلاةِ ليلِهِ باهى اللهُ به الملائكة وقال: أما ترونَ عبدي هذا قام من لذيذِ مضجعِهِ لصلاةٍ لم أفرضها عليهِ، اشهدوا أنِّي قد غفرت له”.

• وعن النبيِّ (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم) أنَّه قال لأبي ذر:
“لو أردتَ سفرًا أعددتَ له عدة، فكيف سفر طريق القيامة، ألا أنبئك يا أبا ذر ما ينفعك ذلك اليوم؟
قال: بلى بأبي أنت وأمي.
قال (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم): صُمْ يومًا شديدَ الحرِّ ليوم النشورِ، وصلِّ ركعتين في ظلمةِ الليل لوحشة القبور، وحجَّ حجَّةً لعظائم الأمور، وتصدَّق بصدقةٍ على مِسْكينٍ أو كلمة حقٍّ تقولها أو كلمة شرٍّ تسكتُ عنها”.
فصلاة الليل تخفِّف من وحشة وظلمة القبر، فأول ما يواجهه الإنسان في القبر هو (وحشة القبر وظلمته).
فهذا الإنسان الذي ربَّما خرج من قصور فارهةٍ، ومن دنيا واسعةٍ، وإذا به في حفرةٍ ضيقةٍ مظلمةٍ موحشةٍ، وما أشدّها من ظلمةٍ، وما أقساها من وحشةٍ.

• جاء في الحديث:
“تصدَّقوا على أمواتكم في أول ليلة فإنَّها ليلة موحشةٌ مظلمةٌ”.
إنَّها ساعةٌ مُرعبةٌ مخيفةٌ رهيبةٌ حيث يجد الإنسان نفسه في قبر موحش لا أنيس له إلَّا عمله، انقطع عنه ماله فلم يقدَّم له إلَّا كفنه، وانقطع عنه أهله وأولاده وأصحابه بعد أنْ أوصلوه قبره وواروه تربته، ويبقى معه عملُهُ.

فأول الأمور التي تُخفِّف من وحشة القبر وظلمته وشدائده هو (العمل الصالح) بكل مصاديقه وتطبيقاته، فإذا أراد الإنسان أنْ يُمهِّد له رقدةً هانئةً في قبره فليكن دائمًا صالحًا، تقيًّا، ورعًا، مطيعًا للهِ سبحانه، فهذا يضمن له حياةً سعيدةً منعمةً في القبر، حياة مملوءةً بالأنسِ والسُّرور والضياء والنور.

• قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم):
“يتبعُ الميِّتَ ثلاثةٌ: أهلُه ومالُهُ وعملُهُ، فيرجع اثنان ويبقى واحد، يرجع أهلُهُ ومالُهُ ويبقى عملُهُ”.

إذا أردتم – أيُّها المؤمنون- أن تعرفوا بعض التطبيقات لما ينفع في القبر وحسب ما جاء في الروايات فهذا بعض نماذج:
(1)قال الإمام الصَّادق (عليه السَّلام):
“إذا دخل المؤمنُ في قبره كانت الصَّلاة عن يمينِهِ، والزكاة عن يسارِهِ، والبِرُّ مطلٌ عليه، ويتنحى الصَّبرُ ناحيةً، فإذا دخل عليه الملكان اللذانِ يليان مساءلتَهُ قال الصبرُ للصَّلاةِ والزَّكاةِ والبِرِّ: دونكم صاحبكم، فإنْ عجزتم عنه فأنا دونه”.

• في الحديث:
“الصبر: إمَّا صبرٌ على المصيبةِ، أو على الطاعة، أو عن المعصية، وهذا القسم الثالث أعلى درجةً من القسمين الأوليين”.

(2)وممَّا ينفع في القبر (حبُّ النبيِّ (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم) وحبُّ أهل بيته (عليهم السَّلام))

• قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم):
“حبِّي وحبُّ أهل بيتي نافع في سبعةِ مواطن أهوالهُنَّ عظيمةُ: عند الوفاةِ، وفي القبر، وعند النُشور، وعند الكتاب، وعند الحساب، وعند الصِّراط، وعند الميزان”.
(3)وممَّا ينفع في القبر (الإكثار من الصَّلاة على محمدٍ وآلِ محمد (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم)) فهي تملأ قبر الإنسان بالنور والحبور والأنس والسُّرور.

إنَّ الصَّلاة على النبيِّ وآلِهِ (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم) لها فوائد كثيرة جدًّا، أذكر هنا بعضًا من هذه الفوائد:

(الفائدة الأولى) يُصلِّي عليه الله سبحانه وملائكته:

• قال الإمام الصَّادق عليه السَّلام:
“إذا ذكر النبيُّ (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم) فأكثروا الصَّلاة عليهِ، فإنَّه مَنْ صلَّى على النبيِّ [صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم] صلاةً واحدةً صلَّى الله [عزَّ وجل] عليه ألفَ صلاةٍ في ألف صفٍ من الملائكة، ولم يبق شيئٌ ممَّا خلقه الله إلَّا صلَّى على العبدِ لصلاةِ الله وملائكته، فمن لم يرغب في هذا فهو جاهلٌ مغرورٌ قد برئ الله منه ورسوله وأهل بيته”.

• وفي حديث آخر للإمام الصَّادق (ع):
“إنَّ مَنْ صلَّى على النبيِّ وآلِهِ [صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم] صلَّى اللهُ وملائكتُه عليه مائة مرة، ومَنْ صلَّى عليه مائة مرة صلَّى الله وملائكتُه عليه ألف مرة، ألم تسمع قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ {الأحزاب/43}”.

وهنا أنبِّهُ أنَّ الرواياتِ حذَّرتْ من الصَّلاةِ البتراء:

• عن النبيِّ (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم) أنَّه قال:
“لا تُصلُّوا عليَّ الصَّلاةَ البتراءَ.
قالوا: وما الصَّلاةُ البتراء؟
قال (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم): تقولون (اللَّهُمَّ صلِّ على محمد) وتمسكون، بل قولوا: (اللَّهمَّ صلِّ على محمَّدٍ وعلى آلِ محمّد)…”.

• ولما نزل قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ {الأحزاب/56}
سئل النبيُّ (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم): كيف نُصلِّي عليكَ يا رسول الله؟
فقال: “قولوا: اللَّهمَّ صلِّ على محمَّدٍ وعلى آل محمَّدٍ كما صلَّيتَ على إبراهيمَ وعلى آلهِ إبراهيم وباركْ على محمَّدٍ وعلى آلِ محمَّدٍ كما باركتَ على إبراهيم وعلى آلِ إبراهيمَ إنَّكَ حميدٌ مجيد”.

(الفائدة الثانية) من فوائد الصَّلاة على محمَّدٍ وآلِ محمد: تهوِّن على الإنسان سكرات الموت.
• روي أنَّ الصَّلاة على محمد وآلِ محمَّدٍ أمان من مرارة الموت.
• وأنَّ من أكثر من الصَّلاةِ على محمَّدٍ وآلِ محمَّدٍ هانت عليه سكراتُ الموت.
• وفي الحديث عن النبيِّ (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم):
“مَنْ صلّى عليَّ ألف مرّة بُشِّر بالجنَّة قبل موته”.
نتابع – إنْ شاء الله – الحديثَ عن فوائد الصَّلاةِ على محمَّد (صلَّى الله عليه وآلِهِ)، وعن بقية (المحطَّات الروحية.

قانون الأسرة
قالوا: إنَّ القانونَ الموحَّد للأسرة يُعزِّر دولة القانون.
وقالوا: إنَّ القانونَ الموحَّدَ يُعزِّر قيم التسامح الدِّيني والوطني.
وقالوا: إنَّ القانونَ انتصار على الطائفية.
وقالوا: إنَّ القانونَ انتصارٌ لكرامةِ المرأة.
هذه العناوين جميلةٌ وراقيةٌ جدًّا.
ولا أظنُّ أنَّ مواطنًا صادقًا في وطنيَّته لا يفرح حينما تكون البحرين دولة القانون.
ولا أظنُّ أنَّ مواطنًا صادقًا في وطنيَّتِه لا يفرح حينما تتعزَّز قيمِ التسامح الدِّيني والوطني.
ولا أظنُّ أنَّ مواطنًا صادقًا في وطنيَّتِه لا يفرح حينما يتمُّ الانتصار على الطائفية، وحينما يتمُّ الانتصارُ لكرامةِ المرأة، ولكرامةِ كلِّ مواطن.
أما كون هذه المعطيات هي نتائج للمقدمة المفترضة، فمسألة تحتاج إلى برهنة…
وإذا سلَّمنا بصحة الارتباط بين المقدمة وتلك النتائج، فلنا أنْ نتساءل:
• ما المشكلة في أنْ تحصَّن هذه المنجزات الكبيرة والخطيرة بـ (ضمانات دستورية ثابتة) تحميها من الانهيار في أيِّ لحظةٍ، كما حُصِّنت قضايا أساسية خطيرة بمحصِّناتٍ دستورية ثابتةٍ غير خاضعة للتغيير.

وهنا أؤكِّد أنَّنا لسنا دعاة مشاكسة ولا دعاةَ تأزيم، ولا صنَّاع فتنِ وخلافات.
فحينما نقول كلمةً تفرضها قناعة شرعية، فلا يصحُّ أنْ تتهم، إنَّ لغة الاتهام لغة مقيتة وسيِّئة.
فمن حقِّ أيّ مواطن أنْ يعبِّر عن رأيه، ما دام هذا التعبير عاقلًا، ورشيدًا ونظيفًا، ولا يضرُّ بالوطن.

وحينما نقول الكلمةَ لا ندَّعي أنَّنا فوق النقد والمحاسبة، فمن حقِّ الآخر أنْ ينتقد وأنْ يحاسب، ما دامت لغة النقد والمحاسبة لغة نظيفة ونزيهةً، ومنصفة.
أمَّا اللغة التي تمارس القذف والسبَّ والتحريض فهي لغة مرفوضة، ومتخلفةٍ، وهي لغة الضعفاء والمفلسين.

لن يتعافى الوطن ما لم يتعافى الخطاب الدِّيني وما لم يتعافى الخطاب السِّياسي، والخطاب الثقافي، وخطاب الإعلام والصحافة.

أوطاننا تمر بمرحلةٍ تفرض ضروراتُها المزيد من الحوار والتفاهم، والمزيد من التقارب والتوافق، لكي لا تتعقد القضايا، وتتأزم الأوضاع، ممَّا يهدِّد أمن الأوطان ويضعف إرادات الشعوب في مواجهة القضايا المصيرية الكبرى، فأين هي مواقف العرب والمسلمين من قضيتهم الأولى، قضية فلسطين؟ فها هو المسجد الأقصى يستغيث، وها هم الصَّهاينة يعبثون ويدنِّسون (مسرى النبي الأعظم (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم)) وها هم الفلسطينيون يصرخون ويستغيثون، ولا مصرخ ولا مغيث!!
نسأله تعالى أنْ يوقظ البصائر والضمائر.
وأنْ يحمي الشتات على طريق الهدى والصلاح.
وأنْ يملأ الأوطان بالأمن والسلام.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.

Show More

Related Articles

Back to top button