موائد الإيمان (1) رمضان شهر الخير والبركة
رمضان شهر الخير والبركة
السَّلام عليكم أيُّها الأحبَّة جميعًا، ورحمة الله وبركاته.
أبارك لكم هذا الشَّهر الفضيل الذي جعله الله شهر خير وبركة، وشهر أمنٍ وأمان وسلام، هكذا أراد الله تعالى أنْ يكون هذا الشَّهر العظيم، فلماذا نحوِّله نحن البشر إلى شهر شؤمٍ وشرٍّ، وشهر رعب وخوف؟!
مطلوب منَّا جميعًا أنظمةً وشعوبًا، وقوى دينيَّة، وسياسيَّة، وثقافيَّة أنْ نزرع في هذا الشَّهر الحبَّ والتَّسامح، والأمن والأمان، وأنْ نقتلع كلَّ أشكال الكراهية والتَّعصُّب، وكلَّ أشكال العنف والتَّشدُّد.
مطلوب منَّا في هذا الشَّهر الفضيل أنْ نزرع البَسْمَة على كلِّ الشِّفاه، وأنْ نقتلع الدَّمعة من كلِّ العيون، فحذارِ حذارِ ألَّا نكون أوفياء لشهر الله تعالى، فالوفاء لشهر الله وفاء لله تعالى، ولرسوله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، ولكلِّ المسلمين، جعله الله على الأمَّة شهرَ خيرٍ، وحبٍّ، وأمنٍ، وسلام.
ما هي خصوصيَّات هذا الشَّهر؟
شهر رمضان له مجموعة خصوصيَّات، لا توجد في غيره من الشُّهور، فما هي هذه الخصوصيَّات التي هي خصوصيَّات ينفرد بها شهر رمضان؟
أتناول بعض هذه الخصوصيَّات بإيجاز جدًّا.
الخصوصيَّة الأولى: هذا الشَّهر يسمَّى شهر الله
كلُّ الشُّهور هي لله سبحانه، لا يوجد شهر لغير الله تعالى، إلا أنَّه ولخصوصيَّة وعظمة هذا الشَّهر سُمِّي شهر الله، لا يقال لغيره شهر الله، رغم أنَّ الزَّمان والمكان وكلَّ شيئ في الوجود هو لله تعالى، فكما أنَّ شهر رمضان شهر الله، فشهر محرَّم شهر الله، وشهر شعبان شهر الله، لكن هذا الشَّهر بالخصوص انفرد بهذا العنوان، وهو أنه شهر الله، فإذا قيل: شهر الله، يعني شهر رمضان.
هذه الخصوصيَّة الأولى من خصوصيَّات هذا الشَّهر.
الخصوصيَّة الثَّانية: إنَّه شهر القرآن
شهر القرآن الكريم، (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ …﴾ (سورة البقرة: الآية 185)، ولذلك يسمَّى شهر القرآن، مع أنَّ للقرآن آيات كثيرة نزلت في غير شهر رمضان، لكن بدايات النُّزول القرآني، والقرآن يقول: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ (سورة القدر: الآية1).
فإذًا القرآن الكريم يُنسب إلى شهر رمضان، فشهر رمضان شهر القرآن.
الخصوصية الثَّالثة: فيه ليلة القدر
إنَّه توجد فيه ليلة القدر، وهي ﴿… خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾ (سورة القدر: الآية3)، فلا توجد ليلة قدر في شهر آخر غير شهر رمضان!
نعم عندنا النِّصف من شعبان ليلة تأتي في المرتبة الثَّانية بعد ليلة القدر.
فإذًا شهر رمضان من خصوصيَّاته أنَّه فيه ليلة عظيمة تُسمَّى ليلة القدر، وهذه لا يشاركه فيها أي شهر من الشُّهور.
الخصوصية الرَّابعة: إنَّه أفضل الشُّهور عند الله
يقول النَّبيُّ (صلَّى الله عليه وآله) في الخطبة الرَّمضانية المعروفة: “…، شهر هو عند الله أفضل الشُّهور، …” (الأمالي، الصَّفحة154، الشَّيخ الصَّدوق).
وأنا أنصح كلَّ أحبَّتي أنْ يقرأوا بكثرة هذه الخطبة الرمضانيَّة للنَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله)، وتجدونها في (مفاتيح الجنان) في بداية أعمال شهر رمضان.
خطبة ليست طويلة، لكنَّها خطبة تحتضن كلَّ برنامج الإنسان في شهر رمضان.
اقرؤوها مرَّة، مرَّتين، ثلاث، ولو استطاع الإنسان أنْ يقرأها في كلِّ يوم مرَّة فليقرأها، ويحاول أنْ يمنهج حياته، ويبرمج وقتَه، ويستفيد من توجيهات هذه الخطبة.
اقرؤوها في كلِّ يوم إذا استطعتم، فهي لا تأخذ من وقتكم إلَّا دقائق.
اقرؤوها، وتأمَّلوا فيها، وضعوا برنامجكم على ضوء هذه الخطبة.
في هذه الخطبة، فإنَّ النَّبيَّ (صلَّى الله عليه وآله) يقول: “شهر”، يتحدَّث عن شهر رمضان، “شهر هو عند الله أفضل الشُّهور، وأيَّامه أفضل الأيَّام، ولياليه أفضل اللَّيالي، وساعاته أفضل السَّاعات” (الأمالي، الصَّفحة154، الشَّيخ الصَّدوق).
هذه من خصوصيَّات هذا الشَّهر: إنَّه “أفضل الشُّهور، أيَّامه أفضل الأيَّام، ولياليه أفضل اللَّيالي، وساعاته أفضل السَّاعات” (الأمالي، الصَّفحة154، الشَّيخ الصَّدوق)، هذه الخصوصيَّة الرَّابعة.
الخصوصيَّة الخامسة: فيه تجلِّيات للرَّحمة الإلهيَّة كبيرة
رحمة الله واسعة لا يخلو منها زمان ولا مكان، لكن في هذا الشَّهر تتجلَّى الرَّحمة الإلهيَّة بدرجة كبيرة.
الرَّحمة الإلهيَّة لها تجلِّيات.
توجد ليالٍ تتجلَّى فيها الرَّحمة بدرجة كبيرة، كـ(يوم الجمعة، ليلة الجمعة، في الأعياد، بعض المناسبات، ليلة القدر).
من أزمنة تجلِّيات الرَّحمة الإلهيَّة شهر رمضان، فيه تجلٍّ للرَّحمة بدرجة كبيرة جدًّا.
لا توجد في غيره من الشَّهور، ولذلك النَّبيُّ (صلَّى الله عليه وآله) في هذه الخطبة الرَّمضانيَّة يقول: “إنَّ أبواب الجنان في هذا الشَّهر مفتَّحة، فاسألوا ربَّكم أنْ لا يغلقها عليكم” (الأمالي، الصَّفحة155، الشَّيخ الصَّدوق).
أبواب الجنان مفتوحة مشرَّعة.
الجنان تناديكم: هلمُّوا ادخلوا الجنان بأعمال قليلة، “إنَّ أبواب الجنان في هذا الشَّهر مفتَّحة” (الأمالي، الصَّفحة155، الشَّيخ الصَّدوق).
هذه من التَّجلِّيات، تجلِّيات اللُّطف الإلهيِّ، تجلِّيات الرَّحمة الإلهيَّة، تجلِّيات الفيض الإلهيِّ، “إنَّ أبواب الجنان في هذا الشَّهر مفتَّحة، فاسألوا ربَّكم أنْ لا يغلقها عليكم، وأبواب النيران مغلَقة – أو مغلَّقة -، فاسألوا ربَّكم ألَّا يفتحها عليكم، والشَّياطين مغلولة، فاسألوا ربَّكم ألَّا يسلِّطها عليكم” (الأمالي، الصَّفحة155، الشَّيخ الصَّدوق).
في حديث رواه المجلسيُّ في بحاره، يقول: “إنَّ أبواب السَّماء تفتح في أوَّل ليلة من شهر رمضان، ولا تغلق إلى آخر ليلة منه”! (بحار الأنوار93/344، العلَّامة المجلسي).
أبواب الجنان مفتوحة، التَّقصير من عندكم، التَّقصير من عندنا نحن البشر.
الله سبحانه تكرَّم، وفتح أبواب الجنان إلينا.
إذًا الخصوصيَّة الخامسة من خصوصيَّات هذا الشَّهر أنَّ فيه تجلِّيات للرَّحمة الإلهيَّة بدرجة كبيرة جدًّا.
الخصوصيَّة السَّادسة: إنَّه شهر الضِّيافة الرَّبانيَّة
إنَّنا ضيوف على الله سبحانه في كلِّ الأزمان، لأنَّنا نعيش على عطاء الله تعالى، وعلى نِعمه، وعلى كرمه.
نحن لا نقدر – في أيِّ وقت – أنْ نستغني عن عطاء الله ورحمته.
موائد اللهِ مفتوحة في كلِّ الأوقات، لكن في هذا الشَّهر بالخصوص يقول الله (عزَّ وجلَّ): أنا أريد أنْ أعتبركم ضيوفًا بدرجة خاصَّة، ضيوفًا بدرجة امتياز، والضُّيوف مراتب.
الله يقول: أنا في هذا الشَّهر سأجعلكم ضيوفًا من الدَّرجة الأولى.
أنتم ضيوفي دائمًا لكن في هذا الشَّهر بالخصوص توجد ضيافة استثنائيَّة، ولذلك فالنَّبيُّ (صلَّى الله عليه وآله) في هذه الخطبة يقول: “شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله” (الأمالي، الصَّفحة154، الشَّيخ الصَّدوق).
“دعيتم”، الله يقول: أنا أدعوكم لموائدي، هذه موائدي مفتوحة، أنا أدعوكم لهذه الموائد.
نحن الآن حينما يدعوننا واحد من البشر لمائدة، فإنَّنا نسرع إليها، فكيف الله فاتح الموائد، ويقول لنا تفضَّلُوا، أريدكم ضيوفًا عندي في هذا الشَّهر، “شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله، وجعلتم فيه من أهل كرامته” (الأمالي، الصَّفحة154، الشَّيخ الصَّدوق).
إذًا الخصوصيَّة السَّادسة من خصوصيات هذا الشَّهر: إنَّه شهر الضِّيافة الرَّبانيَّة.
الخصوصيَّة السَّابعة: إنَّ فيه يتضاعف العطاء الإلهيُّ
عندما تعملُ أيَّ عملَ خيرٍ، فإنَّ الله سبحانه يعطيك ثوابًا، وأجرًا عليه.
إنَّ السَّيِّئة بواحدة، والحسنة بعشرٍ!
من كرم الله تعالى إذا أذنبنا يحسب كلَّ سيِّئة بسيِّئة، لكن إذا عملنا خيرًا، فيحسبها بعشرٍ!
يُضاعف لنا الأجر في كلِّ الشُّهور، ولكن يوجد في هذا الشَّهر استثناء!
إنَّ الحسنات لا تتضاعف بعشر، بل العطاء فيه لا حدَّ له!
إنَّ العطاء، والفيض، والكرم الإلهيَّ في هذا الشَّهر مفتوح، إلى درجة “أنفاسكم فيه تسبيح” (الأمالي، الصَّفحة154، الشَّيخ الصَّدوق)، لهذا كلُّ نَفَس يخرج ويدخل هو تسبيح، هو عبادة!
الله (عزَّ وجلَّ) يعطيكم ثواب المسبِّحين، والنَفَس ليس باختيارنا، أنت ليس باختيارك أنْ تتنفس، ومع ذلك اللهُ تعالى يقول: أنا سأحسب لكم هذه الأنفاس عبادة!
بل وأنت نائم حينما تتنفَّس، فهذا عبادة، هذا فيض، هذا كرم، “ونومكم فيه عبادة” (الأمالي، الصَّفحة154، الشَّيخ الصَّدوق)، وأنت نائم، الله سبحانه يقول: أنا سأسجِّل نومك في شهر رمضان عبادة!
“وعملكم فيه مقبول، ودعاكم فيه مستجاب، مَن تطوَّع فيه بصلاة كتب الله له براءة من النَّار” (الأمالي، الصَّفحة154، الشَّيخ الصَّدوق).
عندما تصلِّي صلاة مستحبَّة في شهر رمضان تُعطى براءة من النَّار!
حينما تصلِّي صلاة اللَّيل، تصلِّي صلاة مستحبَّة، من نوافل الظُّهر، نوافل المغرب، أو أيَّ صلاة مستحبَّة تتطوَّع بها في شهر رمضان صادقًا مخلِصًا لله، فالله يعطيك براءة من النَّار، يعطيك وثيقة بأنَّك قد برئت من النَّار.
الصَّلاة في كلِّ شهر لها ثواب، صلاة الجماعة، صلاة اللَّيل، النَّوافل، لكن في شهر رمضان لها خصوصيَّة تختلف عن بقيَّة الأشهر.
كم هو ثواب الجماعة عظيم عظيم جدًّا ولا يُحصى، فإذا صار عدد الجماعة عشرة، فلو أنَّ الملائكة كُتَّاب، والبحار مداد، والأشجار أقلام، – إلى آخره – ما استطاعوا أنْ يحصوا ثواب ركعة واحدة من صلاة الجماعة (انظر: بحار الأنوار85/14، العلامة المجلسي، ح26)، هذا إذا كان في الأيَّام العادية، فكيف إذا كان في شهر رمضان!
“تطوَّع”، أيَّ صلاة تتطوَّع بها صادقًا مُخلصًا إلى الله، فهي براءة من النَّار.
“مَن أدَّى فيه فَرضًا”
النَّبيُّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) في الخطبة الرَّمضانية يقول: “مَن أدَّى فيه فرضًا كان له ثواب مَن أدَّى سبعين فريضة فيما سواه من الشَّهور” (الأمالي، الصَّفحة155، الشَّيخ الصَّدوق)!
يقول: إذا صلَّيت فيه فريضةً واحدة سأعطيك ثواب سبعين فريضة!
هذا تكرُّم، رحمة، فيض، لطف إلهيٌّ.
إذا صليت صلاة فريضة واحدة كصلاة الظُّهر، فأنا سأحسبها بسبعين فريضة!
فأنت إذا صلَّيت سأعطيك ثوابَ سبعين فريضة!
“مَن تلا فيه آية”
انظر كيف يتضاعف الثَّواب في هذا الشَّهر، “مَن تلا فيه آية من القرآن كان له مثل أجر مَن ختم القرآن في غيره من الشُّهور” (الأمالي، الصَّفحة155، الشَّيخ الصَّدوق)!
فـ(بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ) آية!
تقول: (بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ)، فالله يقول: أنا سأعطيك ثواب ختمة كاملة!
هذه فرصة ليست موجودة في غير شهر رمضان!
ماذا يكلفنا؟
وأنت تمشي اقرأ آيات، وأنت على سريرك اقرآ آيات قرآنيَّة – وطبعًا القراءة في المصحف لها ثوابها الكبير -، فعندما تجد فرصة في أيِّ وقت اقرأ القرآن الكريم، فإنك تحصل على ختمات قرآنيَّة.
هل تعلم كم آية يحتوي القرآن الكريم؟
كلُّكم يتمكَّن الآن أنْ يعرف، ويستخرج العدد!
عندكم الآن الأدوات، وبإمكان كلُّ واحد فيكم أنْ يستخرج عدد آيات القرآن! حتى تعرف إذا ما ختمتَ القرآن مرَّة واحدة، كم ختمة – ستُعتبر – أنك قد ختمتَ؟!
لن أكلفكم عناء تخريج ذلك الآن، فسأقول لكم الآن كم عدد آيات القرآن.
عدد آيات القرآن: 6349 آية قرآنيَّة – أنا لا أدري بأنَّ هذا المصدر الذي أخذت منه هذا العدد، هل حسب البسملة أم لا؟، لأنَّ في غير نظريَّة أهل البيت (عليهم السَّلام) لا تحسب البسملة آية.
المهمُّ، يقول: عدد الآيات القرآنيَّة 6349 آية قرآنيَّة، يعني لو ختمت القرآن فيه، فكم ختمةً ستُكتب لك؟! ستكتب لك 6349 ختمة، هذا إذا ختمت القرآن ختمة واحدة في الشَّهر، أمَّا إذا خَتَمت القرآن في الشَّهر ختمتين، فاضربها في 2 سيصير النَّاتج 12698 ختمة!
فإذا ختمت القرآن في شهر رمضان مرَّتين ستحصل 12698 ختمة!
وبعضهم يختم القرآن ثلاث مرَّات في الشَّهر، فاضربها سيخرج لك النَّاتج 20 ألف ختمة تقريبًا!
20 ألف ختمة إذا ختمت القرآن ثلاث مرَّات في الشَّهر، 20 ألف ختمة ليس لعبةً!!
إنَّنا في بقيَّة الشُّهور لو أنَّ كلَّ واحد منَّا يختم القرآن في الشَّهر مرَّة واحدة، نقول: هذا الأمر مقبول.
أكثر النَّاس يقولون: إنَّنا نختم القرآن في الشَّهر – من الأشهر العادية – مرَّة واحدة.
أي: في السَّنة كم سيكون ناتج الختمات باستثناء شهر رمضان؟
لا شكَّ سيكون ناتج الخَتَمات هو 11 ختمةً طيلة السَّنة باستثناء شهر رمضان.
أمَّا الختمة في شهر رمضان، فإنَّها تعادل 6349 ختمةً!!
لا شكَّ أنَّه لا توجد نسبة بين الختمة في شهر رمضان، وبين غيره من الشُّهور!
ففي شهر واحد – شهر رمضان – ستكون الختمة بأكثر من 6000 ختمة، ولو أنَّ واحدًا مدَّ الله سبحانه في عمره 70، أو 80، أو 90 سنة، وحسب، فكم سيحصل عليه من ختمات؟!
ولهذا نقول: هو شهر القرآن!
المطلوب أنْ نهتمَّ بالقرآن، نعطي للقرآن حضورًا.
وطبعًا كلَّما تكون الختمةُ ختمةً واعيةً، والإنسان يكون ممتثِلًا ستزيد الدرجات أيضًا، الله يُعطي الثَّواب على نفس القراءة، لكن إذا توفَّرت الشروط سيتضاعف الثَّواب، وسيتضاعف الأجر، وستتضاعف المكانة!
لماذا يقول الحديث: “أشراف أمَّتي حملة القرآن، وأصحاب اللَّيل” (الخصال، الصَّفحة7، الشَّيخ الصَّدوق)؟
الذين يبكون في الأسحار.
إذًا – يا أحبَّائي – في هذا الشَّهر تتضاعف، وتتضاعف الأعمال.
شهر رمضان شهر استثنائيٌّ
إذا عرفنا هذا، إذًا هذا الشَّهر شهرٌ استثنائي.
ماذا يعني تعبير: هذا الشَّخص شخص استثنائيٌّ، ظرف استثنائيٌّ، أوضاع استثنائيَّة؟
شهر رمضان شهر استثنائيٌّ.
في خصوصيَّاته هو شهر استثنائيٌّ!
في بركاته شهر استثنائيٌّ.
في تضاعف الأجر شهر استثنائيٌّ!
إذا كان هذا الشَّهر شهرًا استثنائيًّا، فمطلوب من كلِّ واحد منَّا أنْ يعيش ظرفًا استثنائيًّا، يعني لا تعتبر ظرفك بشهر رمضان كما في غيره، لا!
برمج وضعك بشكل استثنائيٍّ.
ولذلك النَّاس نصنِّفهم في شهر رمضان ثلاثة أصناف – سنتحدَّث في اللَّقاء القادم عن البرمجة، وكيف نبرمج شهر رمضان لنا؟، كيف نبرمج شهر رمضان بشكل استثنائيٍّ؟ – لكن هنا أقول: النَّاس في شهر رمضان ثلاث أصناف:
الصِّنف الأوَّل: الأشقياء.
الصِّنف الثَّاني: المغبونون.
الصِّنف الثَّالث: الفائزون.
هذه أصناف كلِّ النَّاس.
الصِّنف الأوَّل: الأشقياء
لا نتحدَّث عن الكفَّار الذين لا يؤمنون بشهر رمضان، والمبتعدين عنه.
إنَّنا نتكلَّم عن الذين يؤمنون بشهر رمضان، ويعيشون شهر رمضان، يوجد فيهم أشقياء.
من هم الأشقياء؟
النَّبيُّ (صلَّى الله عليه وآله) في خطبته الرَّمضانية يُعرِّف لنا الشَّقيَّ، فيقول: “فإنَّ الشَّقي من حُرِم غفران الله في هذا الشَّهر الفضيل” (الأمالي، الصَّفحة154، الشَّيخ الصَّدوق).
الذي لا يتوفَّق للمغفرة في شهر رمضان شقيٌّ.
الذي لا يتوفَّق للرَّحمة الإلهيَّة في شهر رمضان شقيٌّ.
فمع كلِّ هذا الفيض، ومع كلِّ هذا اللَّطف الإلهيِّ، ومع كلِّ هذه الأبواب المفتوحة للرَّحمة ولا أتوفَّق للرَّحمة، ألست شقيًّا؟
متى سأتوفَّق للرَّحمة؟، إذا في شهر رمضان لم أتوفَّق للفيض وللرَّحمة فمتى سأتوفَّق للرَّحمة الإلهيَّة؟، “فإنَّ الشَّقيَّ من حُرِم غفران الله في هذا الشَّهر” (الأمالي، الصَّفحة154، الشَّيخ الصَّدوق).
الصِّنف الثَّاني: المغبونون
المغبون مَن هو؟
يوجد عندنا مغبون في المعاملات التَّجارية، فمن هو؟
المغبون هو الذي يتمُّ الاحتيال عليه، فما يبيعونه بسعر قليل يشتريه بسعر مرتفع، هذا نسمِّيه مغبون، فقد تمَّ الاحتيال عليه.
في شهر رمضان يوجد أناسٌ نسمِّيهم مغبونين!
كيف يكون المغبون في شهر رمضان؟
المغبون في شهر رمضان هو الذي تكون أمامَه تجارةٌ واسعةٌ مفتوحة، فيأتي؛ ليأخذ شيئًا بسيطًا جدًّا وأمامه الطَّريق مفتوح إلى أرباح كبيرة، مثل تاجر يقول: أنا لا أريد أنْ أربح الملايين، أريد أربح 100 دينار فقط، هذا مغبون!
أنت أمامك فرصة أنْ تربح مليون، فتقول أكتفي بـ100 دينار!، فأنت مغبون.
أنت أمامك فرصة أرباح هائلة، تقول لا أريد هذه الأرباح الهائلة؟!
لا أريدها، وأكتفي بشيئٍ بسيط؟!
الرَّحمة لا يُكتفى فيها بالشَّيئ البسيط.
لربما في الدُّنيا وشؤونها شيئ جميل ألَّا يطمع الإنسان كثيرًا، لكن في الفيض الإلهيِّ اطْمَعْ ما تشاء، لا تقول: لا أطمعُ، فليكنْ عندك طمع في الرَّحمة الإلهيَّة، وفي الفيض الإلهيِّ.
والصِّنف الثَّالث: الفائزون الذين يتوفَّقون لهذا الشَّهر بدرجة كبيرة.
ونتابع الحديث إنْ شاء الله في الأسبوع القادم.