حديث الجمعة 472: كيف نتعاطى مع ليلةِ النِّصفِ من شَعبان؟ – حياء ذكرى الإمام المهديِّ المنتظر
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيِّدِ الأنبياءِ والمرسلينَ محمَّدٍ وعلى آلِهِ الهُدَاةِ الميامين.
كيف نتعاطى مع ليلةِ النِّصفِ من شَعبان؟
أكَّدتْ الرِّواياتُ على مكانةِ وعظمةِ وشرفِ هذه اللَّيلة.
• رُوي عن النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم) أنَّه قال:
“…، أتاني جبرائيلُ (عليه السَّلام) – ليلةَ النِّصفِ مِن شعبان -، قال: …، قمْ يا محمد!
فأقامني، ثمَّ ذهب بي إلى البقيع، ثمَّ قال لي: ارفع رأسَكَ، فإنَّ هذه اللَّيلةَ تُفتحُ فيها أبوابُ السَّماءِ، فيُفتح فيها أبوابُ الرَّحمةِ، وبابُ الرِّضوان، وبابُ المغفرةِ، وبابُ الفضلِ، وبابُ التَّوبة، وبابُ النِّعمةِ، وبابُ الجود، وبابُ الإحسانِ، يعتقُ الله فيها بعدد شعور النّعم وأصوافِها، يثبِّت الله فيها الآجال، ويقسِّم فيها الأرزاق، … .
– إلى أن قال-: يا محمَّد، وما في السَّماءِ مَلَكٌ إلَّا وقد صفَّ قدميه في هذه اللَّيلة بين يدي الله تعالى.
فهم بين راكعٍ، وقائمٍ، وساجدٍ، وداعٍ، ومُكبِّرٍ، ومستغفرٍ، ومسبِّحٍ.
يا محمَّد، إنَّ الله تعالى يطَّلع في هذه اللَّيلةِ، فيغفر لكلِّ قائمٍ يُصلِّي، وقاعدٍ يُسبِّح، وراكعٍ وساجدٍ وذاكرٍ، وهي ليلةٌ لا يدعو فيها داعٍ إلَّا استُجيب له، ولا سائلٌ إلَّا أُعطي، ولا مستغفرٌ إلَّا غُفر له، ولا تائبٌ إلَّا تِيب [يتوب] عليه، مَنْ حُرِمَ خيرُها فقد حُرِم” (مستدرك الوسئل6/286، ميرزا حسين النُّوري).
• ورُوي عن الإمام الصَّادق (عليه السَّلام) قال:
“سُئل [الإمام] الباقر (عليه السَّلام) عن فضلِ ليلةِ النِّصفِ من شعبانِ، فقال: هي أفضلُ ليلةٍ بعدَ ليلةِ القدرِ، فيها يمنح اللهُ العبادَ فضلَهُ، ويغفر لهم بمنِّهِ، فاجتهدوا في القُربةِ إلى اللهِ تعالى فيها، فإنَّها ليلةٌ آلى اللهُ (عزَّ وجلَّ) على نفسِهِ أنْ لا يردَّ سائلًا فيها ما لم يسألِ اللهَ فيها معصية، …” (إقبال الأعمال3/15، السَّيِّد ابن طاووس).
ومن أجلى مظاهر البركةِ والعظمة لهذه اللَّيلة أنَّه في سَحَرِها وُلِد الإمامُ المهديُّ المنتظر (عجَّل الله فَرَجَه)، وكانت ولادته سنة 255 هجريَّة في سرِّ مَنْ رأى.
كيف نتعاطى مع هذه اللَّيلة المباركة؟
لكي نحظى بفيوضات وبركاتِ ليلةِ النِّصفِ من شعبانَ مطلوبٌ منَّا:
أوَّلًا: أنْ نملك وعيًا بقِيمة هذه اللَّيلة، من خلال الاطلاع على الأخبار التي تحدَّثت عن فضلها، وشرفها، وقِيمتها، وبِقَدر ما يرتقي هذا الوعي تتأسَّس العلاقة مع هذه اللَّيلةِ.
ثانيًا: أنْ نهيئ قلوبَنا، وأرواحَنا، فكلَّما تنقَّت، وتصفَّت، وتطهَّرت القلوب والأرواح كانت مُعدَّة؛ لنيل الفيوضات الرَّبانيَّة، والبَرَكات الإلهيَّة في هذه اللَّيلة الفضيلة.
• في الحديث: “لولا أنَّ الشَّياطين يحومون حول قلوب بني آدم؛ لنظروا إلى ملكوتِ السَّموات” (بحار الأنوار56/163، العلَّامة المجلسي).
فجدُّوا، واجتهدوا في تطهير القلوب، والأرواح.
فأنتم في ليلة من ليالي العروج إلى آفاق القرب والزُّلفى بين يدي ربِّ العزَّة، وفي رحاب القدس، والملكوت.
وحذارِ حذارِ أنْ نكون من المحرومين المطرودين من حضرت القُرب، والزُّلفى في ليلة القُرْب، والزُّلفى.
وما يدري أحدُنا هل يدرك ليلة القدر أو لا يدركها، فأنتم في ليلةٍ تملك الموقع الثَّاني بعد ليلة القدر، فلا تفرِّطوا، ولا تضيِّعوا وقد أدركتم ليلة النِّصف من شعبان!
ثالثًا: أنْ نضع لنا في هذه اللَّيلة برنامجًا متكامِلًا ينتظم في مجموعة فقرات:
1- الفقرة العباديَّة
تعني هذه الفقرةُ العبادةَ في مدلولها الخاصِّ كالصَّلاةِ، والدُّعاءِ، والذِّكر، والتِّلاوة.
فأَكْثِروا العبادة في ليلةٍ تُعدُّ من أهم ليالي الأحياء السَّبع:
أ- ليلة أوَّل المحرَّم.
ب- ليلة عاشوراء.
ج- ليلة أوَّل رجب.
د- ليلة النِّصف من شعبان.
هـ- ليلة القدر.
و- ليلة الفِطر.
ز- ليلة الأضحى.
فيستحبُّ إحياءُ ليلةِ النِّصفِ من شعبان بالصَّلاة، والتَّهجُّد، والتَّبتُّل، والابتهالِ، والدُّعاءِ، والذِّكرِ، وتلاوةِ القرآنِ الكريم، والإنابةِ، والاستغفارِ، وطلب الجنَّة، والتَّعوُّذ من النَّار.
ارفعوا الأكفَّ ضارعين في آناء السَّحر، حيث أبوابُ السَّماءِ مُفتَّحةً.
اطلبوا من الرَّبِّ الكريم الرَّحمة والغفران لكم ولأرحامكم، ولكلِّ مَن تحبُّون، بل لكلِّ المسلمين، ولكلِّ أوطان المسلمين.
أسالوا الله تعالى بقلوبٍ خاشعةٍ، وأَكُفٍّ ضارعةٍ الأمنَ، والأمانَ، والخيرَ، والسَّلامَ، والمحبَّة، والوئِام، والعدل، والإحسان، وكلَّ ما فيه مصالح البلادِ، والعباد.
إنَّها اللَّيلةُ المباركةُ الغنيَّة بالفيضِ والعَطاءِ.
• في الحديث المرويِّ عن النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم) أنَّه قال:
“إذا كان ليلة النِّصفِ من شعبان، فقوموا ليلَتها، وصُومُوا يومها، فإنَّ الله تبارك وتعالى يقول: ألَا مستغفِرٌ فأغفرُ له، ألَّا مسترزِقٌ، فأرزُقُهُ…”. (فضائل الأوقات ص 124، البيهقي).
• وفي روايةٍ أنَّ جبرئيل قال للنَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم):
“مَنْ أحياها – يعني: ليلة النِّصف من شعبان – بتسبيح، وتهليلٍ، ودعاءٍ، وصلاةٍ، وقراءةٍ، وتطوُّعٍ، واستغفارٍ كانت الجنَّة له منزلًا ومقيلًا، وغفر له ما تقدَّم من ذنبِهِ وما تأخر، …، مَنْ حُرِمَ خيرَها – يا محمَّد -، فقد حُرِمَ الخير والبركة” (مستدرك الوسئل6/286، ميرزا حسين النُّوري).
• وفي رواية له (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم) أنَّه قال:
“من أحيى ليلة العيد وليلة النصف من شعبان لم يمت قلبه يومَ تموتُ القلوبُ”. (ثواب الأعمال 76، الشيخ الصدوق).
ومن مستحبَّاتِ هذه اللَّيلة المؤكَّدة:
أ- زيارةُ الإمام الحسين (عليه السَّلام)، وقد ورد في فضلها عدَّة روايات.
ب- الغسل، فإنَّه يوجب تخفيف الذُّنوب كما جاء عن الإمام الصَّادق (عليه السَّلام).
ج- وهناك أدعية وصلواتٌ مخصوصة بهذه اللَّيلة مدوَّنة في كتب الأدعية والزِّيارات كمفاتيح الجِنان للشَّيخ القمي.
2- الفقرة الثَّقافيَّة
من أفضل الأعمالِ في هذه اللَّيلة الشَّريفة أنْ تتزوَّد علميًّا، وثقافيًّا؛ لتضيف شيئًا إلى وعيِكَ الإيمانيِّ، ومعرفتِك الدِّينيَّة، فهذا يفوق في الفضلِ والثَّواب الصَّلوات المستحبَّة، والأذكار، والدَّعوات – وإنْ كانت هذه تشكِّل ضرورة في تحصين الوعي والثَّقافة، فكم انزلق وعي، وزاغت ثقافة؛ لغياب المحصِّنات الإيمانيَّة، والرُّوحيَّة، والعباديَّة، وكذلك العبادات في حاجة إلى وعيٍ، وبصيرة، وثقافة.
• جاء في الحديث عن أمير المؤمنين (عليه السَّلام) أنَّه قال:
“إذا جلس المتعلِّم بين يدي العالم يفتح اللهُ له سبعين بابًا من الرَّحمةِ، ويُعطى بكلِّ حديثٍ عبادةُ سنةٍ، ولا يقوم من مقامِهِ إلَّا كيوم ولدته أمُّهُ، …” (العلم في الكتاب والسُّنَّة، الصفحة220، محمَّد الريشهري).
فاحرصوا أيُّها الأحبَّة، في هذه اللَّيلة أنْ تحضروا مجلس علم.
أنْ تقرؤوا كتابًا.
أنْ تسمعوا برنامجًا نافعًا.
أنْ تتعرَّفوا على مسألةٍ فقهيَّةٍ.
خصِّصوا لهذا شطرًا مِن وقتكم في هذه اللَّيلة.
3- الفقرةُ السُّلوكيَّة
لا عمل أفضل من بناء السُّلوك روحيًّا، وأخلاقيًّا، وعمليًّا.
خصِّصُوا وقتًا من أوقاتِ هذه اللَّيلة؛ لمحاسبة النَّفس، فالتَّقوى التَّقوى، والورعَ والورعَ، والإخلاصَ الإخلاصَ، والمُثلَ المُثلَ.
إذا أردتم حقًّا أنْ تحظوا بفيوضات هذا اللَّيلة – وكيف يحظى بهذه الفيوضات مَنْ تلوَّث قلبُه، ومَنْ فسدت نيَّتُهُ، ومَنْ سقط في المعاصي والذُّنوب – اجعلوا ليلتكم هذه ليلة توبةٍ، وإنابةٍ، ورجوعٍ إلى ربِّكم.
إنَّها ليلة العفو، والرَّحمة، والمغفرة لمَن تاب، وأناب.
• في الحديث عن النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم):
“وفيها – يعني: ليلة النِّصف من شعبان – يغفر الله تعالى إلَّا لمشركٍ، أو مشاحنٍ، أو قاطعِ رحم، أو مُدمنِ مُسْكرٍ، أو مصرٍّ على ذنب، …” (مصباح المتهجد، الصَّفحة841، الشَّيخ الطوسي).
4- الفقرة الاجتماعيَّة
وهنا أشير إلى عملين كبيرين في ميزان الأعمال [أعمال هذه اللَّيلة]:
العمل الأوَّل: حاولوا أنْ تمارسوا عملًا اجتماعيًّا خيريًّا كتفقُّد حاجات الأسر الفقيرة.
خفِّفوا معاناتِها.
سدُّوا جوعاتِها.
استروا عوراتِها.
فهذا من أقدس وأعظم الأعمال في ليلة النِّصف من شعبان!
فاحرصوا أحبَّتي، أنْ لا يطلع عليكم فجر هذه اللَّيلةِ، أو تغرب شمسُ نهارها إلَّا وقد أعنتم فقيرًا، وأشبعتم جائعًا، وكسوتم عُريانًا، وآمنتم مكروبًا.
• قال الإمام الباقر (عليه السَّلام):
“لأنْ أعولَ أهل بيتٍ من المسلمينَ أسدُّ جوعتهم، وأكسو عورتهم، وأكفُّ وجوههم عن النّاسِ أحبُّ إليَّ مِن أنْ أحجَّ حجَّةً وحجّةً، ومِثلَها ومثلَها ومثلَها حتَّى بلغ عشرًا، ومثلَها ومثلَها حتَّى بلغ السَّبعين” (الكافي2/195، الشَّيخ الكليني).
العمل الثَّاني: حاولوا أنْ تُصفُّوا خلافاتكم، واحذروا التَّهاجر، والتَّدابر، والتَّقاطع.
فإذا كان بين أحدنا وإخوانِه بعض خلافاتٍ، فليُبادر إلى إصلاحها.
• قال النَّبيُّ (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم):
“أيَّما مسلمين تهاجرا، فمكثا ثلاثًا لا يصطلحان إلَّا كانا خارِجَين من الإسلام، ولم يكن بينهما ولاية، فأيُّهما سبق إلى كلام أخيه كان السَّابق إلى الجنَّةِ يومَ الحساب” (الكافي2/345، الشَّيخ الكليني).
• وقال (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم):
“لا تقاطعوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، ولا تحاسَدُوا، وكونوا عبادَ الله إخوانًا، …” (ميزان الحكمة4/3437، محمَّد الريشهري).
هذا هو خطابُ نبيُّ الإسلام (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم) إلى أمَّتِهِ.
حال الأمَّة في عصرنا
فما حال هذه الأمَّةِ في زماننا هذا؟
الأمَّة اليومَ تعيش:
فِتنًا، حُرُوبًا، اقتتالًا، خلافًا، صراعًا، عداواتٍ، عصبيَّاتٍ، رُعْبًا، عنفًا، تطرُّفًا، إرهابًا، دماءً تُسفك، أرواحًا تُزهق، أعراضًا تُهتك، أموالًا تُدمَّر، أوطانًا مأزومة، شعوبًا مهمومة.
هذا هو حالُ أمَّتِكَ يا رسول الله (صلَّى الله عليه وآله).
وكما قلتَ في بعض كلماتك واصفًا حال المسلمين:
“يوشك أنْ تداعى عليكم الأمم من كلِّ أفق كما تداعى الأكلة على قصعتها.
قلنا: يا رسول الله، أمن قلَّة بنا يومئذٍ.
قال (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم): أنتم يومئذٍ كثير، ولكن تكونون غثاء كغثاء السَّيل…”.
(مسند أحمد5/278، الإمام أحمد بن حنبل، دار صادر، بيروت – لبنان).
عدد المسلمين هل يُشكِّل رقمًا في المعادلات الدُّوليَّة؟
عدد المسلمين في هذا الزَّمان مليار ونصف الميليار!
فهل يشكلِّون رقمًا في المعادلات الدُّوليَّة؟
وهل يلعبون دورًا في مساراتِ السِّياسة، والاقتصاد، وفي خَيَارات الحرب والسَّلام؟
وهل يملكون حضورًا فاعلًا حينما تتصارع الإرادات؟
وهل ينعمون بكلِّ ثرواتِهم، وإمكاناتِهم، وقدراتهم، ومواقِعهم الاستراتيجيَّة؟
وهل هم الأقوياءُ في مواجهة التَّحدِّيات؟
وهل هم الثَّابتون حينما تشتدُّ الأزمات؟
وهل هم الأمناءُ حينما تتصارعهم المصالح، والأهواء؟
وهل هم الصَّادقون حينما تباع الذِّمم، والضَّمائر؟
هذه تساؤلاتٌ في حاجة إلى وقفاتٍ وَوَقَفَات، وفي حاجة إلى إجابات ومصارحات.
ممارسة النَّقد الواعي
وكم نحن في هذا الزَّمان المأزوم والمملوء بكلِّ التَّحدِّيات والإرهاقاتِ في حاجةٍ إلى أنْ نمارس نقدًا ذاتيًّا على كلِّ المستويات الدِّينيَّة، والثَّقافيَّة، والاجتماعيَّة، والاقتصاديَّة، والسِّياسيَّة، والأمنيَّة، والحقوقيَّة.
وبقدر ما يكون هذا النَّقد جادًّا، وصادقًا، وجريئًا، ورشيدًا، فإنَّه قادرٌ على أنْ يمارس دور التَّصحيح، والتَّغيير، والبناء، والإصلاح.
وكلَّما جاملنا الأوضاع الخاطئة تراكمت، وتكرَّست الأخطاء، وتكلَّستْ الإراداتُ، وتعثَّرت محاولات التَّصحيح والتَّغيير، وزادت التَّناقضات والخلافات، وحاصرتنا الأزماتُ، وازدحمت في واقعنا التَّوتُّراتُ والإرهاقات.
فما أحوج الأوطان إلى المصارحات الصَّادقة التي تحمل كلَّ الوفاء والحبِّ، ولا تضمر إلَّا الخير والصَّلاح.
وكم يُفسدُ الأوطانَ والشُّعوبَ والأنظمةَ مداهناتٌ كاذبةٌ لا تحمل إلَّا الشَّرَّ، والسُّوء!
صوغ النَّفس في خطِّ الانتظار
وأخيرًا – وفي سياق الحديث عن برنامج هذه اللَّيلة، ليلة النِّصف من شعبان – نذكر مسألة إحياء ذكرى الإمام المهديِّ المنتظر (عجَّل الله تعالى فَرَجَه)، ولا أعتقد أنَّ عملًا في هذه اللَّيلة يعدل إحياء ذِكرى الإمام المهديِّ (عَجَّل اللهُ فَرَجَه).
وحينما أذكر الإحياء لا أعني فقط (إقامة الاحتفالات)، وإنْ كان هذا من الإحياء إذا كان احتفاءً واعيًا ومُوجَّهًا وهادِفًا، وإذا كان نقيًّا من كلِّ الشَّوائب والممارسات التي تتنافى مع أهداف هذه المناسبة!
إنَّ إحياءَ ذكرى الإمام المهدي المنتظر (عَجَّل اللهُ فَرَجَه) له مضامينه الكبيرة جدًّا، وواحدٌ مِن أهمِّ هذه المضامين (أنْ نصوغ أنفسنا في خط الانتظار).
وهذا يفرض علينا:
أوَّلًا: أنْ نملكَ وعيَ الانتظار.
ثانيًا: أنْ نملكَ عُشقَ الانتظار.
ثالثًا: أنْ نملكَ أخلاقَ الانتظار.
رابعًا: أنْ نملكَ تقوى الانتظار.
خامسًا: أنْ نملكَ حَراكَ الانتظار.
لن أدخل في شرح هذه العناوين، وأتمنى من (موسم الإمام المهديِّ) الذي دعونا إلى انطلاقه في هذه الأيَّام أنْ يُعالج الكثير من الأفكار المرتبِطة بقضيَّة الإمام المهديِّ (عَجَّل اللهُ فَرَجَه)، وبالأخصِّ (قضيَّة الانتظار)، فهي في حاجةٍ كبيرة إلى الكثير من المعالجات، وقد حاول الكثيرون من (سُرَّاق الانتظار) أنْ يعبثوا بهذا العنوان، وأنْ يقتحموا عقول العوام والبسطاء، وصاغوا لهم أشكالًا من (الانتظار المزوَّر)!
وهنا يجب أنْ يمارس العلماءُ، والخطباءُ، وحملةُ الفكر دورهم في طرح (الانتظار الأصيل)، وفي مواجهة كلِّ أشكال التَّزوير، والتَّحريف لقضية الانتظار، وإنَّ غياب هذه الممارسة تضعنا جميعًا – علماء، وخطباء، وحَمَلة فكر – أمام مسؤوليَّة خطيرة جدًّا، ولا عذر لنا ونحن نجد أعدادًا كبيرة قد سرقتها الدَّعواتُ المضللِّةُ، والأفكارُ المُدلِّسةُ، والشَّعاراتُ الزَّائفة.
فحذارِ حذارِ من أيِّ دعوةٍ، وفكرةٍ، وشعار مهما كانت العناوين والواجهات ما لم يكن ذلك مؤيَّدًا ومدعومًا من قبل مرجعيَّات دينٍ معتمدِين، ومن قبل علماء كبار موثوقين.
وآخر دعوانا أنْ الحمد لله ربِّ العالمين.