حديث الجمعة 470: لا زالَ الحديثُ عن المناسباتِ الدِّينيَّةِ مستمرًّا – مُقارباتٌ حولَ قانونِ الأسرة – قضيَّة سماحةِ آية الله الشَّيخ عيسى أحمد قاسم
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيِّدِ الأنبياءِ والمرسلينَ محمَّدٍ وعلى آلِهِ الهُدَاةِ الميامين.
وبعد، فمع أكثر من عنوان:
لا زالَ الحديثُ عن المناسباتِ الدِّينيَّةِ مستمرًّا
كما تقدَّم القول: إنَّ هذين الشَّهرين: رجبٍ، وشعبانَ غنيَّانِ بالمناسبات الدِّينيَّة.
ففيهما المبعث النَّبويُّ في السَّابعِ والعشرين من شهر رجب – حسب الرِّواية الشِّيعيَّة – أعظم مناسبة في تاريخ الدُّنيا!
وفيهما الإسراءُ والمعراجُ في السَّابعِ والعشرين من شهرِ رجب – وفق الرِّواية السُّنيَّة – من أعظم المناسبات عند المسلمين.
وفيهما ولادةُ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السَّلام) في الثَّالث عشر من شهر رجب مناسبة كبيرة جدًّا.
وفيهما ولادةُ الإمام الحسين (عليه السَّلام) سبطُ رسولِ الله (صلَّى الله عليه وآله) في الثَّالث من شهر شعبان مناسبة كبيرة جدًّا.
وفيهما ولادة الإمام المهديِّ المنتظر (عجَّل الله فَرَجه) خاتم الأئمَّة من أهل البيت (عليهم السَّلام) في النِّصف من شعبان مناسبة لها خصوصيَّتها الكبيرة جدًّا.
وفيهما مناسبات أخرى مهمَّةٌ جدًّا.
إنَّ الاحتفاء بهذه المناسبات الدِّينية الكبيرة ليس من أجلِ الاستهلاك التَّاريخيِّ.
وليس من أجل التَّرفِ الثَّقافيِّ.
وليس من أجلِ المباهاة المذهبيَّة.
وليس من أجل البهرجاتِ الإعلاميَّة.
إذا كان هدفُنا من إحياءِ هذه المناسباتِ هو هذا، أو شيئًا منه، فقد ظَلَمْنا مناسباتِنا الدّينيَّةِ!
وظلمنَا أنفسنا!
وأسأنا إلى تاريخنا.
وأعطينا كلَّ المبرِّراتِ لمَن يتَّهمُ هذه الاحتفالاتِ.
المؤسَّسات الدِّينيَّة ومشروع التَّقارب
لا أريد – وفي كلمةٍ عاجلةٍ – أنْ أتناولَ الأهداف الكبرى؛ لإحياءِ المناسباتِ الدِّينيَّة التي يحفل بها تاريخ المسلمين.
وإنَّما أُحاولُ أنْ أتحدَّثَ عن مسألةٍ في غايةِ الأهميةِ والخطورةِ، وذلك من خلالِ الإجابةِ عن هذا السُّؤال:
ما دورُ هذه المناسباتِ الدِّينيَّةِ في التَّأسيسِ لمشروع التَّقاربِ والتَّآلفِ بين المسلمين؟
لا شكَّ أنَّنا نتجنَّى على هذهِ المناسباتِ إذا حوَّلناها مواقع فرقةٍ وخلافٍ بين الطوائف والمذاهب، وبين مكوّناتِ الأوطانِ والشُّعوب.
إنَّ من أهم الأهداف المركزيَّة لهذه المناسبات هو (إنتاج الأُلفة والمحبَّة بين المسلمين بكلِّ انتماءاتهم ومذاهبهم)، بل إنتاج التَّقارب بين مكوِّنات الشُّعوب، والأوطان.
مُحاسبة الخطابات
وانطلاقًا من هذا الهدفِ المركزيِّ يجب أنْ نحاسب (خطابَنا) في هذه المناسباتِ الدِّينيَّة.
وحينما أطالبُ بمحاسبة الخطاب أطالبُ بمحاسبة الكلمة، القصيدة، الأنشودة، الجَلْوة، التَّوشيحة، كما أطالبُ بمحاسبة الشِّعار، الصُّورة، اللَّوحة، المُلْصَقة، وأيِّ شكل من أشكالِ التَّعبيرِ عن الخطاب.
معاني استحضار المناسبات والدعوة إلى الألفة والمحبَّة
لماذا تشكِّل (الألفة، والمحبَّة) عنوانًا كبيرًا لهذه المناسبات؟
ماذا تعني هذه المناسبات؟
إنَّها تعني الاستحضارَ لرموز الدِّين الكبرى!
إنَّها تعني الاستحضارَ للنَّبيِّ الأعظم (صلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وسلَّم).
إنَّها تعني الاستحضارَ لآل بيت النَّبيِّ (صلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وسلَّم).
إنَّها تعني الاستحضارَ لكلِّ مَنْ خدموا الدِّين من صحابةٍ، وتابعين، ورجالٍ صالحين.
فإذا استحضرنا كلَّ هؤلاء، فيجب أنْ نستحضر كلَّ خطابهم في الدَّعوةِ إلى (المحبَّة، والألفة)، و(الوحدة والتَّقارب).
بماذا يُطالبنا نبيُّ الإسلام (صلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وسلَّم) حينما نحتفي بذِكرى مولدِهِ، أو بذِكرى مبعثِهِ، أو بذِكرى إسرائِهِ ومعراجِهِ، أو بذِكرى رحيله؟
يُحذِّرَنا من الفتنِ العمياء، من العصبيَّات التي تُمزِّقُ وحدة المسلمين، وتزرع في داخلهم الفُرقة، والخلافَ والشِّقاقَ، والعَداوةَ، والبغضاء.
• قال (صلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وسلّم) في كلمةٍ له: “ليغشينَّ أُمَّتي من بعدي فتنٌ كقطعِ اللَّيلِ المظلم، …” (الجامع الصغير2/469، جلال الدين السُّيوطي).
• وقال (صلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وسلَّم): “طوبى للمخلصين، أولئك مصابيحُ الهُدى تنجلي عنهم كلُّ فتنةٍ ظلماء” (الجامع الصغير2/134، جلال الدين السُّيوطي).
• وقال (صلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وسلَّم): “ليس منَّا مَنْ دعا إلى عصبيَّةٍ، وليس منَّا مَنْ قاتل على عصبيَّةٍ، وليس منَّا مَنْ مات على عصبيةٍ، …”. (الجامع الصغير2/446،، جلال الدين السُّيوطي).
وهكذا أئمة أهل البيت (عليهم السَّلام) حذَّرُوا من (العصبّيات) التي توّزمُ العلاقات، وتملأ النفوس بالضغائن والكراهيات، وتدفع إلى الصّراعاتِ والعداواتِ
• في كلمةٍ لأمير المؤمنين (عليه السَّلام) متحدِّثا عن إبليس – لعنه الله – بأنَّه “…، إمامُ المتعصِّبين، …” (نهج البلاغة، الصَّفحة286، خطب الإمام عليٍّ (عليه السَّلام)).
• وأنَّه: “…، الذّي وضع أساس العصبيَّة، …” (نهج البلاغة، الصَّفحة286، خطب الإمام عليٍّ (عليه السَّلام))!
• وقال الإمام الصادق (عليه السَّلام): “مَنْ تعصَّبَ عصَّبهُ اللهُ (عزَّ وجلَّ) بعصابة من نار”. (الكافي2/308، الشَّيخ الكليني).
العصبيَّةُ المذمومةُ تعني: الانحياز إلى الرَّأي وإنْ كان باطلًا!
والانحياز إلى الموقف وإنْ كان خاطئًا!
أنحازُ إلى رأيي/ موقفي وإنْ كان خاطئًا!
أنحازُ إلى رأي/ موقف طائفتي وإنْ كان خاطئًا!
أنحازُ إلى رأي/ موقف جماعتي السِّياسيَّة وإنْ كان خاطئًا!
أنحازُ إلى رأي/ موقفِ انتمائي الاجتماعيِّ وإنْ كان خاطئًا!
أنحازُ إلى رأي/ موقف الدَّولة وإنْ كان خاطئًا!
أنحازُ إلى رأي/ موقفِ الشَّارع وإنْ كان خاطئًا!
المطلوب الانحياز إلى الرَّأي/ الموقف الصَّائب الحقِّ وإنْ كان مع الآخر.
قد يكون الرَّأي/ الموقف الصَّائبُ الحقُّ مع غيري، مع غير طائفتي، مع غير مذهبي، مع غير حزبي، مع غير جماعتي، مع غير الدَّولة، مع غير الشَّارع.
الانحياز إلى الرَّأي الصَّائب، إلى الموقف الحقِّ ليس من العصبيَّة.
• سئل الإمام زين العابدين (عليه السَّلام) عن العصبيَّة، فأجاب: “العصبيَّة التي يأثم عليها صاحبُها أنْ يرى الرَّجلُ شرارَ قومِهِ خيرًا من خيار قوم آخرين، وليس من العصبيَّةِ أنْ يحبَّ الرَّجلُ قومَهُ، ولكن من العصبيَّة أنْ يعين قومه على الظُّلم”! (الكافي2/308، الشَّيخ الكليني).
فأنت في انتمائك إلى طائفتك، أو مذهبك لا يعني أنَّ كلَّ ما يصدر عن طائفتك، أو مذهبك حقٌّ وصائبٌ!
وأنت في انتمائك السِّياسيِّ، أو الثَّقافيِّ، أو الاجتماعيِّ لا يعني أنَّ كلَّ ما يصدر عن هذا الانتماءِ حقٌّ وصائبٌ!
وأنت في تأييدك للسُّلطة الحاكمة لا يعني أنَّ كلَّ ما يصدر عن السُّلطة هو حقٌّ وصائبٌ!
وأنت في معارضتك للسُّلطة الحاكمة لا يعني أنَّ كلَّ ما يصدر عن السُّلطة هو باطلٌ وخطأ!
كن دائمًا منحازًا إلى الحقِّ، وإلى الصَّواب وإنْ كان مع غيرك، مع غير طائفتك، مع غير مذهبك، مع غير حزبك، مع غير جماعتك، مع غير ولائك!
العصبيَّات المذمومة دمار العلاقات
لا يُدمِّر العلاقات في داخل الأوطان أشدُّ من العصبيَّات المذمومة!
فهي التي تؤجِّج الكراهياتِ، والعداواتِ، والخلافاتِ، والصِّراعاتِ.
وهي التي تفاصل بين المكوِّنات، والانتماءات، والولاءات.
الأوطانُ في حاجة إلى خطاب يواجه العصبيَّات المدمِّرة.
إلى خطاب يؤسِّس إلى لغة الحبِّ والتَّفاهم.
وإلى لغةِ الرِّفق، والتَّسامح.
وإلى لغة التَّآلف، والتَّقارب.
إنَّ مناسباتنا الدِّينيَّة مطلوب منها أنْ تكرِّس هذا الخطاب.
ومطلوب منها أنْ ترفض خطابَ العصبيَّاتِ، والكراهيَّاتِ، والعداواتِ، والخلافات.
إنَّ رسول الله (صلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وسلَّم)، وإنَّ الأئمَّة الهداة (عليهم السَّلام)، وإنَّ الصَّحابة الأخيار (رضي الله عنهم) كانوا دعاةَ وحدةٍ ومحبَّة، ودعاةَ ألفةٍ وتسامحٍ، ودعاة رفق واعتدال، وهذا ما يفرض على خطاب هذه المناسبات أنْ يكون بمستوى تحدِّيات المرحلة التي تمرُّ بها أوضاعُ المسلمين، وأوطانُ المسلمين، وهي مرحلة صعبة ومعقَّدة وفي غاية الحساسيَّة والخطورة، ممَّا يفرض على الأنظمة الحاكمة، على الشُّعوب، وعلى جميع القوى الفاعلة في السَّاحة الدِّينيَّة، والثَّقافيَّة، والاجتماعيَّة، والسِّياسيَّة، والاقتصاديَّة، والحقوقيَّة، على هؤلاء جميعًا أنْ يقرأوا المرحلة جيِّدًا، بكلِّ تحدِّياتِها، وإنذاراتها، وإرهاصاتها المرعبة، وأنْ يعيدوا كلَّ الحسابات؛ من أجل صالح الأوطان والشُّعوب، فيما هو أمنها واستقرارها، وفيما هو خيرها ورخاؤها، وفيما هي آمالها وطموحاتُها.
ومن أخطر حاجاتِ هذه المرحلة أنْ يراجعَ الجميعُ (أسباب التَّأزيم) فيما تنتجه هذه الأسباب من (انقساماتٍ خطيرة) لها تداعياتُها المدمِّرةُ على أوضاع الأوطان، ووحدة الشُّعوب.
مُقارباتٌ حولَ قانونِ الأسرة
المقارَبةُ الأولى: إنَّنا بكلِّ تأكيد نريد لمشاكل الأسرة أنْ تنتهي.
نريد للخلافاتِ الزَّوجية أنْ تُعالج.
نريد للمرأة أنْ تحظى بكامل حقوقها.
وأنْ تؤدِّي للرَّجل كاملَ حقوقه.
نريد للأوضاع الأسريَّة أنْ تكون بكلِّ خير.
وأنْ تكون أوضاع المرأة والرَّجل بكلِّ خير.
وأنْ تكونَ أوضاع الأولاد بكلِّ خير.
ولكنَّ السُّؤالَ الَّذي يجبُ أنْ نسمعَ له جَوابًا صَرِيحًا وجَريئًا هو:
• هل أنَّ مشاكل الأسرة تنحصر في (الخلافات الزَّوجيَّة)، ومتى ما حُلَّت هذه الخلافات، أو عُولجت من خلال (قانون الأسرة) أصبح وضع الأسرة بكلِّ خير؟!
ثمَّ هل أنَّ أسباب الخلاف الأسريَّ تنتهي متى ما شرِّع (قانونٌ للأسرة)؟
الجواب بكلِّ تأكيد: (لا)، وألف (لا)!!
إنَّ ما تعانيه الأسرةُ من إشكالات، وأزمات، وتحدِّيات، وكذلك ما تعانيه المرأة من تعقيداتٍ صعبة، وإرهاقاتٍ شديدةٍ لها أسبابُها الكثيرة، ومنتجاتها العديدة.
أذكر – هنا – بعضًا منها تاركًا الكثير ممَّا هو واضح كلُّ الوضوح:
1- الوضع المعيشي، وتداعياتُه على الأسرة
هل يستطيع قانون الأسرة أنْ ينتشل الأُسر من أوضاعها المعيشيَّة المأزومة؟!
أ- أسرًا لا تملك سَكَنًا، ولا مأوى!
ب- أسرًا لا تملك مصدر عيشٍ يحيمها في مواجهة كلِّ حالات الفقر والحاجة، والجوع والعري، والمرض والألم والبرد والحر!
هذه الأوضاع بكلِّ تأكيد لها تداعياتها الصَّعبة على أوضاع الأُسر، وعلى أوضاع العلاقات بين الأزواج والزَّوجات، فما عسى أنْ يصنع حكمٌ قضائيٌّ وإنْ كان عادلًا في معالجة خلافاتٍ أنتجتها أوضاع معيشيَّة مأزومة؟!
وما عسى قانون أحوالٍ شخصيَّة مهما كان نموذجيًّا أنْ يصحِّح أوضاع أُسرٍ ازدحمت بمشاكل معيشيَّة معقدة؟!
كلَّما تأزَّمتْ أوضاعُ الأُسرِ المعيشيَّةِ كان ذلك عاملًا من عواملِ التَّوتُّر في العلاقاتِ الزَّوجيَّة، وسببًا من أسباب تشكِّلِ الارتباكات في داخل الأُسر.
نادرًا ما نجد خلافات وتأزُّمات في العلاقات داخل الأُسر المستقرَّة في أوضاعها المعيشيَّة، وإذا حدث ذلك فبسبب عوامل أخرى نذكرها لاحقًا.
2- غياب الوعي الأسريِّ لدى الزَّوجين، أو لدى أحدِهما
وحينما نتحدَّث عن الوعي الأسريِّ – هنا – نتحدَّث عن (الوعي الدِّيني) أوَّلًا، وعن (مستوى الثَّقافة العامَّة)، فكلَّما انخفض مستوى هذا الوعي أسَّسَ لنشوء خلافات وأزمات في داخل الأُسر.
فالحاجة إلى خلق (وعي أسريٍّ) مسألةٌ في غايةِ الأهمية والضَّرورة، من أجل تحصين الأسر من توترات واضطرابات، ما كانت لتحدث لو عرف كلٌّ من الرَّجلِ والمرأة المسؤوليَّات والواجبات التي حدَّدها الشَّرع، والتزم كلٌّ منهما من مسؤوليَّات وواجبات تجاه الآخر.
ففي الدِّين منظومة متكاملة من الحقوق والواجبات، وقد أكَّدت التَّوجيهات الدِّينيَّة الإسلاميَّة على مجموعةِ أسسٍ؛ من أجل التَّعايش السَّليم في داخلِ الأسرة، من هذه الأُسس:
أ- المودَّة، والمحبَّة، والرَّحمة.
ب- الاحترام المُتَبَادَل.
ج- التَّفاهم، والتَّعاون.
د- الالتزام بالحقوق الزَّوجيَّة.
ولست – هنا – في صدد الحديث عن هذه الأُسس.
ما أردت قوله: إنَّ غياب الوعي بهذه الأُسس أوَّلًا، وغياب الالتزام بها ثانيًا أنتج فراغات ملأتها الأهواء والنَّزعات الذَّاتيَّة، ممَّا سبَّب وجود أزمات وتوتُّرات في داخل الأُسر.
فقوانين الأسرة – إنْ كانت قوانين صالحة – فهي إنَّما تلاحق المشاكل والأزمات، ولا تمارس أيَّ دور في إيقاف حُدوثها، وإنتاجها.
3- الأزماتُ السِّياسيَّة، والحقوقيَّة، والأمنيَّة تشكِّل أخطر العوامل والأسباب في إنتاج الأوضاع الأسريَّة القلقلة والمضطربة
وهذا ما يلاحظ في البلدان المرتبكة سياسيًّا، وحقوقيًّا، وأمنيًّا، وكلَّما كانت مستويات هذا الارتباك أشدَّ وأقوى كان الانعكاس على أوضاع النَّاس أفرادًا وأُسَرًا وجماعاتٍ، ومكوِّناتٍ أكبر وأقسى.
هنا الحاجة كلُّ الحاجة إلى معالجة أزماتِ السِّياسة، والحقوق، والأمن.
وسوف يكون لهذه المعالجة كلُّ الأثر على أوضاع الأسرة، وعندها تكون القِيمة لقوانين الأسرة؛ لتكون واحدة من منظومة قوانين تصنع الأوطان الصَّالحة بكلِّ مكوِّناتها الفرديَّة، والأسريَّة، والاجتماعيَّة.
إنَّ قوانين الأسرة المحكومة للضَّمانات، والمحصِّناتِ حينما توضع ضمن سياقات حقوقيَّة متكاملة يكون لها دورها الفاعل في البناء والإصلاح وإلَّا فقدت فاعليتها، وتأثيرها، وقدرتها على التَّصحيح والتَّغيير.
4- وربَّما توفَّرنا على قانون أسرة ناجح كلّ النَّجاح، فهل يعني هذا انتهاء المشاكل الأسريَّة؟
بالتَّأكيد: لا!
فالمطلوب منظومة قضائيَّة ناجحة، بما تعنيه هذه المنظومة من مؤهَّلات قضائيَّة صالحة، وآلية اختيار صالحة، ورقابة قضائيَّة صالحة، وجهاز قضائيٍّ صالح.
بعد هذا العرض العاجل لبعض الأسباب التي أنتجت (مشاكل الأسرة) هل يصح اختزال هذه الأسباب كلِّها في غياب (قانون الأسرة)؟
فلماذا لا نسمع أصواتًا تطالب بمعالجة كلِّ الأسباب؟، الأسباب المعيشيَّة، الأسباب الاجتماعيَّة، الأسباب الحقوقيَّة، الأسباب السِّياسيَّة، الأسباب الأمنيَّة، الأسباب القضائيَّة.
ثمَّ نتساءل:
هل أنَّ مشاكل الأسر، هل أنَّ مشاكل المرأة، هل أنَّ مشاكل القضاء قد انتهت في بلدان طبَّقت قوانين الأسرة؟
دونكم تلك البلدان، فهي تضجُّ بكوارث في قضايا الأسرة، وفي قضايا المرأة، وفي قضايا القضاء!!
الحديث له تتمة إنْ شاء الله تعالى.
كلمة أخيرة: قضيَّة سماحةِ آية الله الشَّيخ عيسى أحمد قاسم (حفظه الله، ورعاه)
وهنا قضيَّةٌ أجدُ نفسي مضَّطرًا أنْ أكونَ فيها صريحًا كلَّ الصَّراحةِ، وواضحًا كلَّ الوضوح، غيرةً على هذا الوطنِ، وعلى أمنِهِ واستقرارِهِ، وعلى وحدتِهِ، وعلى كلِّ مصالحِهِ.
ولا أهدفُ فيها أنْ أكونَ مُحرِّضًا، ومُؤزِّمًا، ومُوتِّرًا، ومُتحيِّزًا، ومُتعصِّبًا، ومُتشدِّدًا.
إنَّها قضيَّة سماحةِ آية الله الشَّيخ عيسى أحمد قاسم (حفظه الله، ورعاه، وحماه من المكاره والأسواء).
قضيَّة تضع الوطنَ أمام منعطفٍ صعبٍ جدًّا.
فهذا الإنسان يملك موقعًا دينيًّا، وروحيًّا، وعلميًّا، ووطنيًّا متميِّزًا جدًّا، ولا نريد أنْ يكونَ في سجلِّ هذا الوطن ما يُسيئ إلى رمزٍ في هذا المستوى من العلمِ، والفضلِ، والصَّلاح، والطُّهر، والنَّقاء، وله تاريخه النَّظيف في خدمة الدِّين، والوطن.
ربَّما يغايرنا في الرَّأي آخرون، فهم يتحمَّلون مسؤوليَّة رأيهم أمام الدِّين، والضَّمير، والتَّاريخ، ونحن كذلك نتحمَّل مسؤوليَّتنا.
ومهما تعدَّدت الرُّؤى والقناعات، فهذا الرَّجل الفقيه، يُمثِّل رمزًا كبيرًا لدى طائفةٍ تمثِّل وجودًا ثقيلًا في هذا الوطن، كما يمثِّل عنوانًا شاخصًا في كلِّ العالم.
هنا يكونُ المنعطفُ إمَّا إلى انفراج كبير ينفتح بالوطن على الخير كلِّ الخير، وإمَّا إلى خيارٍ مآلاته قاسية، وصعبة، ومؤلمة.
وآخر دعوانا أنْ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين.